إيرانيو إسرائيل: حياة في ظل الأزمة

محمد موسى

يُعرِّف الفيلم التسجيلي التلفزيوني الهولندي “إيرانيو إسرائيل: الحياة في ظلال النزاع” بالإيرانيين اليهود في إسرائيل والذي يقدر عددهم بربع مليون، ويملكون وضعاً خاصا شديد التعقيد، وكما يشي عنوان الفيلم، ذلك أنهم ومنذ الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979، يعيشون في ظلال الأزمات الحادة والصراع بين إيران، البلد الأمُّ الذي وُلد فيه معظمهم، وإسرائيل، الدولة التي يعيشون فيها اليوم. إذ إن تهديدات الحرب بين البلدين وأحياناً الوعيد بالفناء لم تتوقف، ويتوجب عليهم دوماً الموازنة بين عاطفتي حب شرعيتين أربكهما العداء والظروف السياسية القائمة.

يُقابل الفيلم إيرانيين إسرائيليين متنوعين، منهم من هاجر طفلا إلى الدولة اليهودية، ومنهم من تشكل وعيه في إيران قبل أن يصل إلى إسرائيل، ليبقى متصلاً على نحو يقترب بالعضوي بالتراث الإيراني القديم. يركز الفيلم في بحثه على إيرانيين مثقفين، لقدرة هؤلاء بالعادة على تحليل أوضاعهم المعقدة وتفسير ظواهر عامة تطبع حياة مواطنيهم. بيد أن الفيلم وعندما يترك حلقة المثقفين تلك، ويذهب إلى المحلات التجارية الصغيرة لإيرانيين يهود في إحدى المدن الإسرائيلية، سيصل إلى مشهديات ثرية ومؤثرة، إذ تذكر تلك المحلات التي تبيع الغذاء الإيراني، وأصحابها الذين يشبهون الإيرانيين العاديين، بالأزمة المركبة بجوانبها المأساوية للإيرانيين اليهود في إسرائيل.

تشير الإحصائيات إلى وجود نحو ربع مليون يهودي من أصل إيراني في إسرائيل

يتولى التحقيق وتوجيه دفة الفيلم: “بهرام صادقي” وصديقته في الحياة المخرجة “ديكلا زيدلر”. الأول هو إيراني هولندي انتقل بعمر الثامنة عشرة إلى هولندا ليبدأ بعدها مسيرة مهنية مع التلفزيون الهولندي الرسمي. و”زيدلر” هي إسرائيلية هولندية، ولدت في إسرائيل وانتقلت بعمر الثامنة إلى هولندا. يسخر الفيلم هذه الهويات والتجارب المتنوعة لصانعيه، فبينما يقوم “صادقي” بإدارة الحوار مع إيرانيين إسرائيليين، مركزاً على علاقتهم بالبلد الأصلي الذي أتوا منه أو الذي ولد فيه آباؤهم وسمعوا قصصه منهم، تقوم “زيدلر” بالتنقيب عما تعنيه الهوية الإسرائيلية أو اليهودية، وأحياناً يأخذها بحثها إلى موقع اليهود الشرقيين في المجتمع الإسرائيلي، وهي قضية حساسة وجدليّة هناك، لما تكشفه من عنصرية مغطاة أو مكشوفة ضد اليهود من الأصول غير الأوروبية.

إيرانيو إسرائيل: العيش في ظلال الأزمات

كما يبتكر الفيلم مقاربة شكليّة تحاول أن تتفاعل مع هوية صانعيه، إذ إنهما يحملان كاميرتين في الوقت نفسه، إضافة إلى كاميرا ثالثة تصورهما وتصور الموضوع الذي يركزان عليه، فعندما كان “صادقي” يحاور شخصيات الفيلم، كانت كاميرا “زيدلر” تتبعه مصورة ما يمكن أن يسمى جانب الهوية الإيرانية في الفيلم، وفي الوقت الذي كانت “زيدلر” تحقق في موضوع العيش والتعايش في إسرائيل، تركز كاميرا زميلها على حركتها. هذه المقاربة التي بدت جديدة سرعان ما تعرقل تدفق الرحلة التسجيلية للفيلم، ولن تضيف الكثير على صعيد المعالجة أو البحث.

يركز الفيلم في بحثه على إيرانيين مثقفين وفنانين، لقدرة هؤلاء بالعادة على تحليل أوضاعهم المعقدة

يُقابل الفيلم شخصيات إيرانية مثقفة، أحدها يعمل منذ نصف قرن تقريباً في إذاعة باللغة الإيرانية تتوجه إلى الإيرانيين في إيران، وشاب يعمل في إذاعة تتوجه إلى الإسرائيليين من الأصول الإيرانية في إسرائيل. وهناك أيضا كاتب يرأس تحرير مجلة أدبية باللغة الفارسية، سيوجه بدوره الانتباه إلى الفروقات بين الإيرانيين الإسرائيليين، حيث إن مجلته تتوجه إلى الإيرانيين الذين لايزالون يقرأون باللغة الفارسية، وهم في مجملهم من الذين تركوا إيران بأعمار متأخرة، ولازالوا يرتبطون بثقافتهم الاولى عن طريق اللغة على خلاف الذين ولدوا في إسرائيل، والذين اندمجوا على نحو أفضل بالمجتمع الإسرائيلي.

تستحوذ المطربة الإسرائيلية من الأصول الإيرانية “ريتا” على وقت طويل في الفيلم، إذ إن هذه المطربة التي تحظى بشهرة كبيرة في إسرائيل، تفاخر دوما بأصولها الإيرانية، وتستثمر عناصر من تلك الثقافة في موسيقاها. كما أنها أصدرت منذ سنوات أسطوانة باللغة الفارسية حققت شهرة واسعة حول العالم، وفي إيران نفسها، حيث يتم تداول أسطواناتها سرّاً. تلك المغنية ستدفع “صادقي” للبكاء، فعندما يطلب منها الإيراني أن تغني له أغنية باللغة الفارسية، لم يكن يعرف أنها ستغني إحدى الأغاني القديمة من التي تهدهد بها الأُمّهات أطفالهن قبل النوم، وهذا سيعيد الهولندي الإيراني إلى أوقات سابقة من حياته كما وصف وستغرورق عيناه بالدموع.

يتولى التحقيق وتوجيه دفة الفيلم الإيراني الهولندي "بهرام صادقي" وصديقته في الحياة المخرجة "ديكلا زيدلر" وهي إسرائيلية هولندية، ولدت في إسرائيل وانتقلت بعمر الثامنة إلى هولندا.

يبتعد الفيلم عن محاورة شخصيات إسرائيلية سياسية ويتجه في المقابل إلى الشارع ليقدم لقاءات مبتكرة بشكلها مع إسرائيليين عاديين يصورهم الفيلم يحدقون بصمت في كاميراته، فيما كان صوتهم يأتي في الخلفية وهم يتحدثون عما تعنيه لهم إيران، وكيف يغطي اسم البلد منذ سنوات ضباب من التشكيك والخوف. ركزت تعليقات بعض الإسرائيليين من المتقدمين بالعمر على أهمية الثقافة الإيرانية التي عرفوها من زياراتهم لإيران قبل الثورة الاسلامية.

ينضم الفيلم إلى مجموعة من الأفلام التسجيلية التي تبحث في مكونات المجتمع الإسرائيلي، عبر العودة إلى تاريخ وخصوصية فئات منه، فيقترب الفيلم الجديد في هذا الاتجاه  بفيلم “أنسى بغداد”، للمخرج العراقي المقيم في سويسرا سمير، والذي خصص فيلمه الطويل لليهود العراقيين في إسرائيل، والذين مثل الإيرانيين الإسرائيليين مازالوا يرتبطون عاطفياً بالبلد والثقافة الأولى، وكما يتبدى من المشاهد الختامية لفيلم “إيرانيو إسرائيل: الحياة في ظلال النزاع”، إذ امتنعت جميع شخصيات الفيلم عن الإجابة على سؤال الفيلم عن الصف الذي سيختارونه إذا اندلعت في يوم ما حرب بين إسرائيل وإيران. وأكد جميعهم أنهم سيعملون من أجل السلام بين البلدين، وكأن الحرب، تمثل لهم كابوساً لا يرغبون حتى بالتفكير به.

 

 


إعلان