“Wonder”.. اختلاف الشكل لا يفسد للوّد قضيّة
مروة صبري

بعض الناس ينظر إليه مرتين عادة لخروجه عن المألوف إمّا لجمال أو لاستنكار. اسأل أشقر في بلد يغلب على سكانه السمار، أو أسمر في بلد يغلب على سكانه الشقار. اسأل السمين واسأل الطويل واسأل القزم، اسأل القسيس في بلد أغلب سكانها من غير المسيحيين، أو المحجبة في بلد أغلب سكانها من غير المسلمين. الاختلاف يجعل البعض ينظر نظرة أخرى ويكوّن حكمًا مسبقًا على صاحب الاختلاف، لكن الأسوأ أن يحدث ذلك لطفل لا يملك تغيير خلقته مثل أغسطس المكنّى بأوجي في الفيلم الدرامي “Wonder“، والذي قام بدوره الطفل Jacob Tremblay وقامت بدور أمه، Julia Roberts، ووالده، Owen Wilson، وقامت بدور شقيقته Izabella Vinovich. الفيلم صدر في نوفمبر 2017، وهو حاصل على جائزة الإنسانيّة ضمن جوائز Satellite ورشّح لجائزة أوسكار لأفضل مكياج وتصفيف شعر.
الفيلم يتتبع أوجي، الطفل الذي ولد بمتلازمة تريتشر كولينز Treacher Collins Syndrome وهو يحاول الاندماج في المدرسة لأول مرة كطالب في الصف الخامس. هذا المرض يؤدي إلى اختلاف ملامح الوجه، فصاحبه لا يولد بعظام في الخدين ولا أذنين كاملتين وتكون الأنف معوّجة وطرفيّ العينين خافتين، وعادة ما يجرى لصاحبه عمليات عدّة ليتمكن من التنفس والأكل والشرب، وقد تنجح تلك العمليات تمامًا أو تنتهي بتحسين الحالة فقط، المرض وراثيّ فقد أصاب أوجي لوجود عامل وراثي معيّن عند الأم والأب. كانت والدة أوجي (جوليا روبرتس) تعلمه في المنزل ولكنّها قررت أنّ الوقت قد حان لإرساله للمدرسة. الصف الخامس الابتدائي يعد في بعض المدارس الأمريكيّة بداية المرحلة المتوسطة فلن يكون أوجي الطالب الجديد الوحيد وقالت لزوجها الذي حاول إقناعها بالعدول عن قرارها أنّها لن تستطع تعليم أوجي طول العمر وأنّه كلما تأخرت الخطوة كلما ازداد الأمر صعوبة.
اصطحبت الأم أوجي لمقابلة المدير الذي فاجأهم بالاتفاق مع الطلاب جوليان وجاك وشارلوت أن يأتوا للمدرسة رغم العطلة الصيفيّة ليصحبوا أوجي في جولة بالمدرسة. ابتسم الطلاب على استحياء بالرغم من غرابة وجه أوجي ولكن ما إن غابوا عن الكبار حتى بانت أخلاق جوليان الفظة حيث سأل أوجي عن وجهه وإن كان قد تعرض لحادثة أو حريق، على الرغم من أنّ المدير أعلمهم مسبقًا بحالة أوجي.
ازداد جوليان غلظة مع الوقت، فكان ينادي أوجي بالقبيح سواء بالكلمات أو من خلال رسائل يمررها له في المدرسة، حتى طريقة أكله سخر منها فامتنع أوجي عن تناول الغذاء بالكافيتريا، وكان معظم طلاب المدرسة يشاركون جوليان بصمتهم وبعضهم يشاركه بالضحك، حتى أنّ البعض أخرج إشاعات بأنّ أوجي مصاب بالطاعون وأنّ من يلمسه سيصاب فخاف الطلاب من لمسه. حالة من العدوان تعرض لها طفل مر بسبع وعشرين عمليّة جراحيّة ولا يملك من أمره شيئًا لمجرد أنّه مختلف. ومن الضروريّ أن نذكر هنا أنّ العدوان اللفظي أو الفعلي في المدارس يؤدي إلى كثير من حالات الانتحار بين الأطفال والمراهقين فلهذا فإنّ المدارس تأخذه بجديّة للحفاظ على حياة الطلاب وتجنب المساءلات القانونيّة.

الترابط الأسريّ
يظهر في مواضع عدّة منها هذا الحوار الذي دار بين أوجي وأمّه إيزابيل (جوليا روبرتس):
“لماذا ولدت بهذا القبح”؟
“أنت لست قبيحًا، ومن يقترب منك سيعرف ذلك.”
“أنت تقولين هذا لأنّك أمي.”
“لأنّي أمّك رأيي لا يحسب؟ لأنّي أمّك فرأيي يحسب أكثر لأنّي أعرفك الأكثر.”
ومن الأمثلة، مساندة الأب للأم في قرارها وأدب الحوار دون تنقيص منها، فقد كان معترضًا على عودة أوجي للمدرسة لكن حين استشعر غضب ابنه من أمّه، سارع وقال أنّه قراره أيضًا ليظهرا كوحدة تربويّة متناسقة. وكذلك تفهم الأسرة، وتضحية الأم بدراستها وبعملها بعد ميلاد أوجي، وتفهم الأخت الكبيرة لاحتياجات أخيها وتحمل مسئوليّة نفسها حتى لا تثقل على والديها، وحرص الجميع على العشاء الأسريّ والتواصل حوله، وعلى تشجيع كل فرد فيهم على متابعة طموحه. يمكننا أن نتعلم الكثير من وسائل التعامل مع التحديات من هذا النموذج.
بالرغم من كل هذا الترابط، إلا أنّ أوجي كان كثيرًا ما يكتم ما يتعرض له، ويفضل ارتداء خوذة رجل فضاء حتى يتجنب نظرات الناس، فهيّ تشعره أنّه فوق السحاب، لذا أصبح أسعد يوم عنده هو يوم احتفال الهالاوين، إذ يمكنه أن يرتديّ قناعًا ويخرج ويلعب ويمزح دون أن يستغربه أحد، فالكثيرون يرتدون أقنعة للتنكر، لكن حين جاء ذلك اليوم، ذهب إلى المدرسة في قناعه فسمع بأذنيه “صديقه” جاك يقول لجوليان أن لو كان شكله مثل أوجي لقتل نفسه. اسوّدت الدنيا في وجهه أكثر واستطاعت أخته فيّا Via أن تخرجه مما هو فيه بأن شاركته وحدتها هي أيضًا، فبعد عودة صديقة عمرها ميراندا من المعسكر الصيفيّ، تجنبتها وفضلت عليها آخرين.
لكل قصة أكثر من جانب
لا أعتقد أنّه يمكنك مشاهدة فيلم Wonder أو أعجوبة إلا في حضور مناديل ورقيّة، فهو يلمس أوتارًا دقيقة في النفس البشريّة وأرى أنّ مخرجه، ستيفن تشوبسكي Stephen Chbosky قد نجح في إخراج عمل يتفق على رقيّه الجميع. أداء الممثلين طبيعيّ، لا يوجد ممثل ضعيف أو حوار متكلف أو مشهد مقحم. القصة بسيطة والمشاعر صادقة. من التحديات التي واجهت المخرج الذي شارك في كتابة السيناريو مع جاك ثورن Jack Thorne وستيف كونارد Steve Conrad هيّ كيف نقل القصة من الكتاب إلى الشاشة، فالكتاب الذي نشر بنفس الاسم لكاتبته ر.ج. باليشيو R.J. Palacio (2012) كتب بطريقة مختلفة عن المعتاد، فهو يروي القصة من وجهات نظر مختلفة، فهناك على سبيل المثال جزء يرويه أوجي، وجزء ترويه أخته، وجزء ترويه صديقتها ميراندا، وجزء يرويه صديقه جاك وِل، أمّا سائر الفيلم فيختفي صوت الراوي. قرر صنّاع الفيلم في النهاية نقل الكتاب كما هو، بمعنى أنّه قبل الانتقال لأحد الرواة تنزل لوحة بالاسم (Augie, Via, Jack Will,… ) هكذا، ممّا ساعد في شرح الصراعات الداخليّة للأشخاص وتعليل تصرفاتهم التي تبدو لنا شر محض إن لم نسمعها منهم، هذه اللفتة جعلتنا نرى القصة بأبعاد مختلفة، ولا نصدر حكمًا في صالح البطل دون عذر لمن أساء إليه، فلكل قصة أكثر من جانب.

مباديء إنسانيّة:
الفيلم ثريّ بالمباديء الإنسانيّة وهو مبكي ومفرح وملهم لفعل الخير والتعامل مع العثرات بقوّة حانيّة. أوجي فعلًا طيّب، شديد الذكاء ومتميّز في العلوم ويحسن التعبير عن نفسه لينال ممّن آذاه بأدب، لكنّ كبرياءه ورفضه لشكله يلجمان لسانه، وكلما أظهر تفوّقًا وكسب أرضًا بالتمام مزيد من الطلاب حوله، كلما ازدادت غيرة جوليان وتنمره عليه، فجوليان مدلل من أسرة شديدة الثراء، اعتاد أن ينصاع إليه الجميع، ويبدو أنّ أمّه شديدة الحساسيّة لكل ما يمسه، وشديدة التبلد من كل ما يفعله. فلما استدعاها مدير المدرسة ليخبرها وأبيه بصورة ألصقها ابنها على خزانة أوجي بعد أن تم حذفه أوجي منها وكتب عليها “غير مسموح للوحوش”، اعترفت أنّها هيّ من قامت بذلك لأنّها تريد لأصدقائها مشاهدة صورة ابنها وليس أوجي وأنّها لم ترد لجوليان أن يأخذ الصورة إلى المدرسة، مع ذلك عللت فعلته بأنّ الأطفال في هذا السن غير مستعدين للتعامل مع هذا (طفل مختلف)، وأنّها اصطحبت ابنها لأخصائي نفسي بسبب أوجي. قال لها المدير: “أوجي لا يستطيع أن يغيّر منظره فربما نستطيع نحن أن نغيّر كيف ننظر إليه؟” هنا قررت سحب ابنها من المدرسة. ندم جوليان لكن مع أم مثلها لم يتح له الفرصة لتصحيح الخطأ بل أكّدت فعلتها أنّ من حقه الاستمرار في الظلم دون لوّم.
الفيلم غنيّ بفضيلة العفوّ والتسامح وإعطاء فرصة أخرى لعمل الصواب والمثابرة والطيبة والإحسان بشكل وصل إلى القلوب والجيوب، فتكلفته 20 مليون دولارًا وأرباحه 300 مليون، كان من ضمن الترويج له أن تم التبرع بدولار واحد من سعر تذكرة السينما الذي عادة ما تزيد قليلًا عن العشرة دولارات، وذلك لصالح زهراوات الكشافة في أمريكا، فالكشافة دائمًا ما تربي على قبول الجميع والفيلم أكّد على ذلك.
الترشح لجائزة أفضل مكياج وتصفيف شعر
لم يفز الفيلم ولكن الترشح للجائزة يبرز الإنجاز، فلم يحدث قبل ذلك أن تم عمل مكياج بهذه الكثافة لطفل كما حدث مع جيكوب، كان يذهب قبل باقي الممثلين بساعتين ليوضع له التنكر المعقد المناسب للدور، وهو عبارة عن قناع ومكياج وشعر صناعيّ يتم وضعهم على مراحل بدقّة أخذت وقتًا في التصميم، وكان من الصعب أن يطلب من طفل أن يظل على هذه الحال لعدة ساعات كل يوم، فالأطفال في هوليوود لا يعملون لساعات طويلة مثل الكبار، ولكن جيكوب أبهر الجميع بصبره وبآدائه الذي وبرغم القناع استطاع أن يظهر مشاعر طفوليّة صادقة.
رغم أنّ عنوان المقال “اختلاف الشكل لا يفسد للوّد قضيّة” إلا أنّ هذا فقط لمن يرتقي بنفسه ويتواصل مع المختلفين ويكبح فظاظة الحكم المسبق، أمّا من يقع في تلك العيوب فإفساد الود معه يصير مطلبًا صحيًّا واختبارًا يبعد من لا يستحق.