الوجع السوري.. يتصدر الوثائقيات العربية 2018 ويترشح للأوسكار

يفتح موقع الجزيرة الوثائقية ملف الوثائقيات العربية لعام 2018 فيبحث في أهم ما عُرض منها في العام المنصرم، وأهم ما حملته من مضامين وهموم، كما يناقش أبرز قضايا الإنتاج الوثائقي في هذا العام. ويقرأ مقال محمد علال أدناه هاجس وثائقيات 2018 وأبرز المواضيع التي شغلته.

لقطة من الفيلم الوثائقي "آخر الرجال في حلب" للمخرج السوري فراس فياض

محمد علال

في الوقت الذي كانت فيه أول طائرة للخطوط الجوية السورية تستعد للهبوط على أرضية مطار قرطاج الدولي بتونس، بعد ثماني سنوات من القطيعة، كان موضوع “الحرب السورية” قد حطّ بالسينما العربية في خانة الأفلام المرشحة للأوسكار.

وقد تميزت الأفلام الوثائقية العربية الأبرز في عام 2018 بتناولها الواسع لكل تفاصيل “الوجع السوري”، وكان من الملفت للانتباه وصول الوثائقي “عن الآباء والأبناء” لطلال ديركي للقائمة القصيرة للأوسكار لأفضل فيلم وثائقي.

هكذا تَصنع هموم المواطن العربي فرحة مخرج سوري يُعتبر اليوم رقما صعبا يقف إلى جانب خانة رقم ستة ملايين لاجئ سوري (حسب إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة)، المعقّد والصعب جدا أمام معادلة النظام السوري الطامح في كسب المعركة.

عمليا لا يمكن في ورقة واحدة عدّ أو حصر كل الأفلام الوثائقية العربية التي أُنتجت خلال عام 2018، فهناك عشرات الأعمال التي تنتجها القنوات والمؤسسات الخاصة في إطار برامج معينة، أو تلك الأفلام الوثائقية التي تقدمها مثلا منظمات دولية مثل منظمات حقوق الإنسان أو الهيئات الرسمية، أو تشرف عليها السفارات والوزارات، فما يهمنا وما نودّ التركيز عليه هو أبرز الأفلام الوثائقية التي أُنتجت خصيصا للسينما، وسافرت إلى المهرجانات الكبرى سواء العربية أو العالمية.

دفع زخم إنتاج الأفلام الوثائقية بعدد من الدول العربية إلى إنشاء مهرجانات خاصة بهذا النوع من الأفلام، وتعتبر المغرب محطة هامة لأكبر عدد من المهرجانات السينمائية المتخصصة في الأفلام الوثائقية، فبها عدد كبير من المهرجانات الوثائقية التي تُنظم سنويا بدعم مباشر من طرف المملكة، وتحديدا من المركز السينمائي المغربي، ومن تلك المهرجانات نجد مهرجان “الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي” الذي ينظم في مدينة العيون بالصحراء الغربية، وضمن هذا الإطار هناك أهداف معينة ومحددة بدقة، حيث يدعم المهرجان الأفلام التي تؤكد على مغربية الصحراء الغربية، كما تحكي قصة الفيلم الوثائقي “أصداء الصحراء” (2018) للمخرج المغربي رشيد قاسمي، والذي قدم قراءة بصرية وثائقية وفنية متأنية للصحراء عن طريق تتبع خطوات الموسيقي المغربي سعيد تشيتي مؤسس فرقة “شلبان” الهنغارية عندما اتجه إلى الصحراء المغربية في رحلة اكتشاف الأنغام الموسيقية الحسانية.

غير أننا نجد في المغرب أيضا مهرجانات دولية تفتح أبواب النقاش في مواضع مختلفة منها “المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي” بخريبكة، وآخر مماثل له في “أكادير” ورابع في “طنجة”. ورغم أنها مهرجانات تواجه مشاكل مالية في التمويل فإنها مواعيد هامة للأفلام الوثائقية.

في مقابل ذلك تتميز مصر “بمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة” الذي يعتبر محطة مهمة لمخرجي الأفلام الوثائقية، بينما تقدم لبنان “مهرجان بيروت للأفلام الفنّية الوثائقية”، ويخصص “مهرجان أيام قرطاج السينمائية” في تونس مساحة معتبرة للأفلام الوثائقية، شأنه في ذلك شأن “مهرجان الجونة السينمائي الدولي” في مصر، و”مهرجان القاهرة السينمائي”، و”أيام الفيلم الملتزم” في الجزائر، وهي مواعيد يمكن من خلالها تفكيك طبيعة الأفلام الوثائقية العربية، وقد جاءت هذه السنة بمواضيع مختلفة منها أفلام من المرأة وأخرى عن المرأة.

الوثائقي "عن الآباء والأبناء" خلّد اسم مخرجه السوري طلال ديركي في سجل أهم أفلام عام 2018، وذلك بعد فوزه بالعديد من الجوائز

الأوسكار تحجز مكانا للهمّ السوري

بشكل عام سيطرت “الحرب السورية” على أبرز الأفلام الوثائقية العربية، وقد انعكس ذلك على الجوائز الكبرى للمهرجانات العربية ونصيب المخرجين العرب من الجوائز العالمية. وهنا يمكن القول إن عام 2018 هو عام الأفلام الوثائقية التي حاورت حكايات السوريين كمهاجرين، أو ضحايا حرب، أو جدران المباني المهدمة، وأصوات لأطفال يصرخون تحت القصف.. هكذا شكلت سوريا فسيفساء لموضوع واحد بتوقيع مخرج سوري مهاجر نجح في خطف جائزة “مهرجان الجونة” في دورته الثانية، وحجز للأفلام الوثائقية مكانا هاما ضمن قائمة الـ15 فيلما التي أعلنت عنها “أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة”.

لقد خلّد الفيلم الوثائقي “عن الآباء والأبناء” اسم مخرجه السوري طلال ديركي في سجل أهم أفلام عام 2018، وذلك بعد فوزه بعدة جوائز منها جائزة لجنة تحكيم مهرجان “صندانس” بالولايات المتحدة الأمريكية، ويدخل مسابقة الأوسكار ليعيد الذاكرة إلى حكاية الفيلم الوثائقي “آخر الرجال في حلب” للمخرج السوري فراس فياض.

ولا تزال المهرجانات الكبرى يسيل لعابها لأفلام الحرب السورية، وفي حكاية “عن الآباء والأبناء” يتعلق الأمر بالعائلات السورية والفصائل المسلحة ومنها “جبهة النصرة”. ويجيب المخرج في الفيلم عن سؤال “كيف يتم تجنيد الأطفال في الحرب السورية؟”، وإن كان موضوع تجنيد الأطفال ليس جديدا في الأفلام الوثائقية وقد سبق وأن سيطر على عدة أفلام وثائقية تناولت حروب القارة السمراء، لكن تزامن طرح الفيلم مع السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومع الملامح الجديدة للأزمة السورية مقابل عودة الروح إلى النظام السوري بقيادة بشار الأسد، جعل من الفيلم محط أنظار المهرجانات الكبرى وسط تعاطف كبير من طرف لجان التحكيم التي وجدت في رحلة المخرج مدة عامين من التصوير؛ مادة جديرة بالجوائز الكبرى.

سيطرت “الحرب السورية” أيضا على أجواء “مهرجان البندقية السينمائي” في دورته الماضية، وذلك بمشاركة فيلم “لسّه عم يسجل” من إخراج غياث أيوب وسعيد البط، وقد ركّز الفيلم على ملامح شابين سوريين يدرسان الفنون بعد أربع سنوات من الحرب، انتقلا من دمشق إلى دوما أحد معاقل المعارضة المسلحة في بداية الحرب في 2011، وقاما بتأسيس قناة لنقل الأخبار المحلية. وهنا نفهم العنوان الذي يتعلق بأستوديو التسجيل، وكيف يبدو جيل اليوم، وحالتهم النفسية ومواقفهم من الصراع الذي لم يهدأ.. هذه الأسئلة كانت كفيلة بمنح الفيلم جائزتين في مهرجان البندقية.

وبينما تم تكريم المخرجة ميا منير بجائزة الزيتونة الذهبية في الدور الثالث لـ”مهرجان القدس السينمائي الدولي”، وذلك عن فيلمها “بين النهرين” المُنتَج بدعم من المؤسسة السورية للسينما، كان المخرج السوري زياد كلثوم في فيلمه الوثائقي “طعم الإسمنت” يبحث عن معنى الحياة لدى المواطن السوري بعد الحرب، وكلا الفيلمين صور الوجع السوري من زاوية مختلفة، فالأول سرد حكاية النحات العراقي سلام الزهيري اللاجئ الصابئي الذي يحاول الاندماج في بلد التهمته الحرب، بينما يصور الثاني “طعم الإسمنت” الذي انطلق من “مهرجان برلين السينمائي الدولي” كفاح ومعاناة عمّال البناء السوريين في تشييد ناطحات السحاب، وذلك في وقت كانت منازلهم تتعرض للهدم تحت القصف الذي حاصر المدن السورية بكل الألوان.

"أمل" حكاية المراهقة المصرية التي أزعجت النظام المصري لدرجة منع عرض الفيلم

بعد “الربيع العربي”.. البحث عن قاعة عرض

عند إعلان نتائج مهرجان “أيام قرطاج السينمائي” لم يصدق المخرج المصري محمد صيام أن فيلمه “أمل” الممنوع من العرض في بلده يتوج الآن بجائزة التانيت الذهبي لأفضل فيلم وثائقي في تونس. لقد حملت كلمة المخرج عرفانا وشكرا مزدوجا؛ الأول لإدارة المهرجان التي راهنت على الفيلم ومنحته فرصة العبور الأولى نحو المشاهد العربي، والثاني للجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الفلسطيني رائد أنضوني.

ومن خلال تصريحات المخرج فإن حكاية المراهقة المصرية “أمل” أزعجت النظام المصري لدرجة منع عرض الفيلم، فلم تتقبل المهرجانات المصرية هذا العمل الذي يتتبع خطوات فتاة تجد نفسها في مواجهة مجتمع متقلب بعد مرحلة الثورة، حيث نكتشف مع الفيلم ملامح مصر بعد ست سنوات على سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. وكما يوحي اسم البطلة “أمل”، فهي تواصل العيش في دوامة مجتمع ذكوري لا يعترف بها كامرأة لها طموح وأحلام، وهكذا يستقر الفيلم عند التناقضات بين مفاهيم مختلفة؛ الحرية والمساواة والديمقراطية التي لم تجلب حسب الفيلم إلا مزيدا من المتاعب لأمل.

الفيلم الذي لم يتعرف عليه الجمهور المصري حتى الساعة، يُعيد إلى الأذهان حكاية فيلم “آخر أيام المدينة” للمخرج المصري تامر السعيد الذي لم يُعرض في مصر إلا في سينما “زاوية”، هكذا تستمر متاعب المخرجين العرب مع الرقابة العربية التي تشكل خطا أحمر في وجه كل من يحاول تشويه صورة البلد اعتمادا على العمل السينمائي، وقد شكل فيلم “أمل” حلقة هامة للأفلام الوثائقية عام 2018، واعتبر اكتشافا حقيقيا خلال عرضه في قرطاج.

والرقابة بالنسبة لمخرجي الأفلام -وخاصة الوثائقية- أبشع وباء يضرب حرية التعبير ويعترض أحلام المخرجين عند تقديمهم لأعمال تتكلم عن الواقع، وقد ذهب المخرج المصري عبد الله عادل بعيدا في الحديث عن هذه الظاهرة، وجعل من فيلمه الوثائقي القصير “ممنوع التصوير” ورقة لتفسير حجم معاناة مخرجي الأفلام الوثائقية في الوطن العربي، حيث تضمن عمله قصة حقيقية لمخرج فشل في الحصول على ترخيص لتصوير فيلمه الذي أراد نقل الحقيقة، وهو ما دفعه للبحث عن أساليب مختلفة من أجل إنجاز مشروعه الوثائقي بعيدا عن بيروقراطية أجهزة الرقابة.

ملامح الدول العربية بعد الثورة تبدو متشظية جدا، وشكل آخر لحكاية فيلم وثائقي ليبي بعنوان “ملاعب الحرية” للمخرجة البريطانية من أصول ليبية نزيهة عريبي، وهو الفيلم الذي شارك في “مهرجان تورنتو السينمائي الدولي” عام 2018، وكان بذلك أول فيلم ليبي يعرض في إطار المهرجان الهام. وقد حاولت المخرجة الليبية رصد تفاصيل الحياة في ليبيا بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس معمر القذافي، حيث تبدو حياة المرأة قاسية وصعبة جدا وسط العادات والتقاليد التي تفرض قانونها. ولمعرفة مساحة الحرية في ليبيا بعد “الربيع العربي”، اختارت المخرجة تتبع خطوات فريق كرة القدم النسائي لتخلص في النهاية إلى أن نظرة الرجل للمرأة في المجتمعات العربية أشد بطشا من أي نظام دكتاتوري.

 

“المنفى” و”حق العودة” في قلب الفيلم الوثائقي

لا يزال موضوع الشتات والهجرة والغربة وحق العودة الذي يطالب به الشعب الفلسطيني، محورا أساسيا في موضوع الأفلام التي تحكي القضية الفلسطينية، وهو أيضا جزء من حكايات سَردها مخرجون عراقيون عندما يتحدثون عن العراق بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين. فالأرض همٌّ عربي كبير مشترك لا يزال قادرا على استقطاب عدسات المخرجين العرب رغم ازدحام المشهد وتزاحم القضايا الحساسة.

وقد عادت المخرجة المصرية أمل رمسيس إلى حق العودة وقدمت فيلمها الوثائقي “تأتون من بعيد” الذي يحكي قصة فلسطيني اضطر إلى ترك أرضه عام 1948 ولم يستقر في بلد واحد، فقد سافر إلى لبنان وفرنسا وإسبانيا بعد أن ترك مرغما أرضه وبيته لعائلات الكيان الصهيوني الذين استولوا على جزء كبير من أراضي الفلسطينيين.

لا تركز الأفلام العربية من هذا النوع على الجرح بقدر تركيزها على الأمل، فهي تقول إن الأمل قائم في العودة مادام الفلسطينيون متمسكين بلغتهم وعاداتهم وتاريخهم يتناقلون الحكايات أبا عن جد، وهو ما يتجسد في هذا الفيلم الذي يصور كيف أن أبناء تلك العائلة الفلسطينية يتقنون الحديث بالعربية رغم أنهم ولدوا في بلدان بعيدة جدا.

المنفى والشتات حكايات تشغل بال العراقيين أيضا في المهرجان، وهو ما يتجسد في الفيلم الوثائقي العراقي “مرايا الشتات” للمخرج قاسم عبد الذي اضطر للهجرة إلى هولندا، فقد غيرت الهجرة من حياته 180 درجة. ووسط الغربة وتجاعيد المنفى قرر المخرج والناقد العراقي فتح الجراح في فيلمه، وجعل من رحلته مع المنفى حكاية فيلم وثائقي يعتبر من بين أبرز الأفلام الوثائقية التي أخرجها عراقيون عام 2018، وهي ليست المرة التي يتحدث فيها هذا المخرج عن الشتات والمنفى فقد سبق وأن تطرق إلى الموضوع في فيلمه الأول “وسط حقول الذرة الغريبة”، ليؤكد هذه المرة أن الموضوع مستمر والحكايات لن تتوقف مادام الإنسان العربي يعيش مرغما خارج وطنه.

ينقلنا الموضوع إلى حكاية الفيلم الوثائقي “ثوب العيرة” للمخرجة السورية لين الفيصل، وقد ركز الفيلم على حالة الشتات التي يعيشها السوريون بعد الحرب، وكيف صنعت الحرب قوارب الموت ودفعت بملايين السوريين نحو الهجرة مرغمين. وقد حاولت المخرجة تقديم فيلم مختلف وسط عشرات الأفلام التي تناولت هذا الموضوع، لهذا جاءت القصة بلمسة إنسانية تركز على الجوانب النفسية لشخصيات الفيلم وهي عائلات سورية بسيطة واجهت أبشع أنواع العذاب النفسي بسبب الحرب.

يعتبر مهرجان “إدفا” العالمي للأفلام الوثائقية في أمستردام واحد من أبرز المواعيد التي تقدم أفلاما وثائقية هامة، وفي الدورة الماضية للمهرجان عرض الفيلم الوثائقي “الغياب” للمخرجة التونسية فاطمة الرياحي، وهو عمل من إنتاج “شبكة الجزيرة” توغل في مشاعر الانتماء والعودة، عبر حكاية حقيقية لمواطن تونسي يدعى “توفيق” واجه متاعب نفسية وجسدية بعد أن تعرض للاعتقال أثناء مشاركته في حرب البوسنة ضد صربيا. ويجد “توفيق” نفسه بعد ست سنوات قضاها في السجن منهكا ومشتتا، وقد خسر كل شيء في حياته؛ أولاده وزوجته البوسنية وبيته. هكذا يدخل في دوامة من المتاعب النفسية حيث يدفع وحده ثمن الهجرة غاليا جدا.

"الغياب" للمخرجة التونسية فاطمة الرياحي، هو عمل من إنتاج "شبكة الجزيرة" توغل في مشاعر الانتماء والعودة، عبر حكاية حقيقية لمواطن تونسي يدعى "توفيق"

الوثائقي ومعركة الملفات التاريخية 

التاريخ هو واحد من أبرز الملفات التي تشغل بال مخرجي الأفلام الوثائقية، وبالنسبة للسينما الجزائرية الأمر محوري جدا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإنتاجات التي تدعمها الدولة، لهذا نجد الأفلام الوثائقية الجزائرية أكثر ارتباطا بحكايات التاريخ.

ومن بين أبرز الأفلام الوثائقية التي تناولت حكايات التاريخ نجد الفيلم الوثائقي الطويل “معركة الجزائر” للمخرج الجزائري مالك بن إسماعيل الذي مثّل الجزائر في عدة مهرجانات دولية عام 2018، ويتناول الفيلم حكاية واحد من أهم الأفلام في التاريخ “معركة الجزائر” الذي أخرجه الإيطالي جيلو بونتيكورفو سنة 1966.

هكذا، تنشغل مؤسسات الإنتاج الرسمية بدعم الأفلام ذات البعد التاريخي، ومن بين أحدث ما أنتجت الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي فيلم “على آثار المحتشدات” للمخرج الجزائري سعيد عولمي الذي سافر إلى ملفات الثورة التحريرية ليسرد بطولات أبطال الثورة الجزائرية ومعاناة الشعب الجزائري في تلك الفترة. شأنه في ذلك شأن حكاية فيلم “أنريكو ماتيي والثورة الجزائرية” للمخرج علي فاتح عيادي الذي تناول في “53 دقيقة” مشوار المناضل المناهض للاستعمار والصناعي الإيطالي أنريكو ماتيي وإسهامه كإطار في الصناعة النفطية في الثورة الجزائرية، وكيف التقى مسؤولين من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

 

فئات تعيش في الظلّ.. مواضيع خاصة

لا تزال تونس تصنع الفرق، فتقريبا هي البلد العربي الوحيد القادر على تجاوز الخطوط الحمراء وفتح الملفات المحظورة. فلا يمكن أن نتخيل أن تنتج الجزائر مثلا فيلما بنفس الروح التي جاء بها الفيلم التونسي “لقشة من الدنيا” للمخرج نصر الدين سهيلي والذي سيطر على أجواء دورة عام 2018 لمهرجان أيام قرطاج، وهو فيلم تونسي وصف بالجريء جدا في تتبعه لحكاية كل من “رزوقة” و”فانتا” و”الناقة” وهم ثلاثة شباب تونسيين يعانون مآسي المخدرات والإدمان والمرض وسط ميولهم الجنسية الشاذة، وقد أعاد هذا الفيلم للأذهان حكاية الفيلم الوثائقي “في الظل” للمخرجة التونسية ندى مازني الذي حاز على التانيت البرونزي عام 2017 لتناوله موضوع الشاذين جنسيا في تونس وما يعيشونه من مآس.

ومن أبرز الأفلام الوثائقية العربية التي تناولت حكاية فئة من المجتمع تعيش في الظل، الفيلم الوثائقي اللبناني “شكرا صوما” للمخرجة اللبنانية كارول منصور، والذي سلط الضوء على قضية العاملات المنزليات الأجنبيات في العالم العربي، وهو موضوع من النادر أن يشغل بال السينما العربية، ولكن لأن الظاهرة أصبحت عامة في لبنان فإننا نجد هذا الموضوع بالذات حكاية في عدد من الأفلام منها الفيلم الوثائقي “الهروب الى الموت” للمخرج محمد عمر الفائز بجائزة الحريات في مهرجان الجزيرة عام 2014،  حيث تغوص الأعمال في القضايا الإنسانية، وتسلط الضوء على قضية العاملات المنزليات الأجنبيات في العالم العربي وخصوصا في لبنان.

وللفئات الخاصة نصيب أيضا من التناول في الأفلام الوثائقية العربية، ومنها حكاية الفيلم الوثائقي المغربي “يمكننا أن نصبح أبطالاً” للمخرجة هند بنصاري، ويحكي الفيلم قصة المصارع الرياضي عز الدين النوري المتوج بميداليتين ذهبيتين بالألعاب البارالمبية. وتحاول المخرجة إيصال رسالة الأمل مع الفيلم، وتؤكد على الدمج والمساواة في حديثها عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة بالمغرب.

ويحيلنا العمل إلى حكاية فيلم وثائقي سعودي فتش عن حقوق المرأة في السعودية، وقد جاء الفيلم بعنوان “الشاعرة” ومن إخراج شتيفاني بروكهاوس وأندرياس فولف. ويعتبر من أبرز الأفلام الوثائقية التي صنعت الحدث عام 2018 لتناوله حكاية الشاعرة السعودية حصة هلال، تلك الأم السعودية لأربعة أطفال التي قررت أن تجعل من الشعر سلاحا لتحدي التعصب في مجتمع تقليدي. وقد ذاع صيتها من خلال مشاركتها في برنامج “شاعر المليون”، وتزامن موعد عرض الفيلم مع اعتقال السعودية لعدد من الناشطات في حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وهو ما جعل من الفيلم محط أنظار المهرجانات العالمية ومنها مهرجان برلين، خاصة مع إطلاق السعودية مشروع “رؤية 2030” الذي تحدث عن الإصلاحات التي قررت المملكة اعتمادها من أجل منح المرأة المزيد من الحقوق.


إعلان