“رامي”.. باحث عن الذات الشرقية في الوسط الأمريكي

محمد موسى
يختصر واحد من المشاهد الافتتاحية من الحلقة الأولى من المسلسل الأمريكي الجديد “رامي” حال وأزمة البطل الذي أخذ المسلسل عنوانه من اسمه الأول. يُصور ذلك المشهد رامي الشاب الأمريكي المولود لعائلة من أصول عربية وهو يصل إلى الجامع الصغير الذي يقع في ضاحية من ضواحي مدينة نيويورك حيث تعيش عائلته. يُقرر رامي العَجُولُ دوماً أن يتوضأ للصلاة دون أن ينزع جواربه، ويكتفي بتبليل قدميه. يثير هذا الأمر انتباه أحد العاملين في الجامع، ليبدأ بعدها حوار طويل بينه وبين رامي عن ضرورة التمسك بالتقاليد والفروض الإسلامية كما هي وعدم تغييرها حسب الأهواء.
يسعى رامي في الحوار مع العامل في الجامع أن يشرح مسألة تؤرقه في حياته، وبالتحديد أداء الفروض الإسلامية بحذافيرها، حيث يرى أنه يُمكن أن يختصر المرء بعضا من هذه الفروض والطقوس، لأن الله ينظر في النهاية إلى قلوبنا وليس لأفعالنا.
يعرف رامي في قرارة نفسه الوجهة التي تأخذها نقاشات كهذه مع مسلمين من أمثاله، لذلك يخضع في النهاية لرغبة العامل في الجامع وينزع جواربه، ويتوضأ كما يفعل الجميع.
رامي يوسف.. سيرة ذاتية
يقف الكوميدي الأمريكي رامي يوسف وراء هذا العمل الذي تُنتجه خدمة “هولو” (Hulu)، وهي الشركة الأمريكية التي توفر مواد فنية عبر شبكة الإنترنت مُقابل اشتراك شهري (على شاكلة “نتفليكس” لكنها مُتوفرة في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان فقط). لم يكتفِ الكوميدي من أصول عربية بابتكار المسلسل فقط، لكنه قام بتأليف عدة حلقات منه وأخرج حلقته الأولى.
يستند المسلسل بشكل كبير على سيرة “رامي يوسف” الشخصية، حيث إن الكثير من القصص والتفاصيل في المسلسل مأخوذة بالكامل من حياة رامي نفسه، والتي تعرفنا عليها من خلال عروض الستاند أب الكوميدية التي يقدمها وعرفه الجمهور الأمريكي من خلالها، ومنها استعراضه الأخير الرائع الذي يحمل عنوان “مشاعر” الذي حصلت قناة “إتش بي أو” الأمريكية على حقوق عرضه التلفزيونية.
ومثلما يفعل في عروضه الكوميدية يغوص رامي في المسلسل الجديد في المشاعر الإنسانية المعقدة، فيبدأ في البحث في ذاته أولاً، وينتقل أحياناً لما حوله من بشر في مدينة نيويورك المتعددة الثقافات والإثنيات.
يهتم رامي بالتفاصيل العائلية والإنسانية الصغيرة، ويحلل وينتقد بعنف أحيانا بعضا من هذه العادات ويمدح بعضها الآخر. فهو يجلد ذاته في مواضع، ويسخر من هذه الذات في مواضع أخرى، بيد أنه يحمل في مكان قريب من قلبه حُباً عميقاً للشرق الذي أتى منه والداه، ويرتبط هو نفسه بهذا الشرق على نحو من الصعب تفسيره. كما أكد في الماضي سواء في عروضه الكوميدية أو في مسلسله الجديد هذا، بأن علاقته بالله والإيمان به هي ثوابت أساسية لتوازن ونقاء لا يستطيع العيش من دونهما.

صراع الهوية
لم يفرض أحد على رامي التمسك بفروض الإسلام، بل هو اختار بنفسه هذا الطريق الذي يُمكن أن يُعقّد حياة شاب مثله خصوصا في السنوات الأخيرة وفي بلد مثل الولايات المتحدة، حيث المكان الذي وُلد وتربى فيه، ويقترب هذا التعقيد من الصراع الذي يقوم عليه المسلسل الأمريكي “رامي”.
المسلسل وإن كان يُركز على قصة رامي بخصوصيتها المهمة، فإنه يكاد يعكس ظروف أبناء إثنيات مختلفة من الذين وُلدوا في الولايات المتحدة ويعيشون صراعات داخلية بين المحيط العائلي حيث يعيشون والذي لا يزال يحكمه تقاليد العائلة وثقافة البلد الأصلي، وبين المحيط الخارجي حيث يواجهون وضعاً مُختلفاً كثيراً ويكاد يقف على التضاد أحياناً من مُثل وقيم العائلات التي وُلدوا فيها.
يمثل رامي شريحة واسعة من أبناء المهاجرين المسلمين، فهو ورغم تجاوزه العشرين من العمر فإنه ما زال يقيم مع عائلته. وفي المقابل لم يحصر البطل الشاب نفسه في سجن ثقافة العائلة، فهو يملك أصدقاء أمريكيين بيض ومن ثقافات مختلفة، كما يواعد فتيات ويشعر بالانتماء الكبير إلى الثقافات المتنوعة التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية.
أما عن علاقته بالدين الإسلامي الذي يؤمن به، فيمكن أن توصف بالتعقيد، ولعل هذا أحد أسباب حزنه وتوتره وأحياناً ضياعه، إذ إنه من جهة يؤمن ويعتز بالإسلام وقيم الدين، لكنه أيضاً يُريد أن يبدأ علاقات عاطفية وجنسية مع نساء خارج أُطر الزواج، كما تُرهق الفروض الدينية حياة الشاب، وهو الذي يجد صعوبة في إيجاد وظيفة مناسبة.
يوميات رامي.. خوف وارتياب
تهتم الحلقات الأولى من المسلسل بتفاصيل يوميات رامي، فنتعرف على والديه (أداء جيد من المصري عمرو واكد والفلسطينية المعروفة هيام عباس) وأخته التي تصغره عمرا.
يعود أصل الأب إلى مصر، حيث هاجر إلى الولايات المتحدة في شبابه، وتزوج من فتاة يعود أصلها إلى فلسطين. تعيش العائلة في بيت لا يتميز بالكثير، في ضاحية عادية من ضواحي الولايات المتحدة الأمريكية، حالها حال الملايين من الأُسر ذات الدخل المتوسط.
ما يميز عائلة رامي هو أصولها المسلمة، وهو الأمر الذي أصبح يضيف هالة من الخوف والارتياب على أصحاب هذه الهوية بسبب أحداث العالم العاصف، وبالتحديد منذ تفجيرات سبتمبر/أيلول عام 2001.
تتصدر جدالات الهوية والأصل والنظرات المسبقة معظم حوارات المسلسل، وبالخصوص تلك التي بين العائلة الواحدة أو الأصدقاء، أو أثناء تقاطعات رامي مع الأمريكيين في محيط عمله.
يسخر المسلسل من جدية هذه المواضيع الحساسة عبر استعادتها بحدّتها وعرض أساسها الهشّ القائم على الخوف غير المبرر من الغريب.
رامي الحائر المُتخبّط
يُسمّي المسلسل الأشياء بأسمائها الفعليّة، ويبتعد كثيراً عن التورية أو المحافظة الاجتماعية، فيكشف تهافت عَمّ العائلة المعروف ببغضه لليهود، والذي يعمل هو نفسه مع أمريكيين يهود في نيويورك. كما يسخر المسلسل في الوقت نفسه من النظرات النمطية لكثير من الأمريكيين البيض تجاه العرب والمسلمين، سواء الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية أو خارجها. يسخر المسلسل أيضاً من الرياء الاجتماعي العام، وذلك عندما يذهب إلى مصر في حلقتين كاملتين ينتقد فيهما أيضا ظواهر اجتماعية هناك.
تُرافق الحلقات الخمس الأولى من المسلسل (يتألف من عشر حلقات) “رامي” وهو يواجه تفاصيل الحياة اليومية بتناقضاتها وكوميديتها، فهو لا يشعر بالرضا الكبير عن وظيفته (يعمل في مؤسسة ترعى أصحاب إعاقات كبيرة)، كما أن علاقته العاطفية ستنتهي بعد أن يكشف لصديقته خوفه أن تقود العلاقة معها إلى ولادة طفل غير مُخطط له، وأنه كذب عليها بخصوص شربه للكحول من أجل التقرب لها. غضبت الفتاة الأمريكية من هذا السلوك الغريب، فشرب الكحول من عدمه لم يكن ليؤثر على علاقتها بالشاب المصري الأصل، كما صرخت في وجهه.
تُحاصر العائلةُ رامي أيضاً بمطالبها، إذ إنها غير راضية عن عمله، وتنتظر منه أن يتقدم في حياته المهنية، كما تنتظر العائلة من ابنها أن يتزوج من فتاة مسلمة، لذلك تحثه الأُمّ في الحلقة الأولى على التعرف على فتيات يذهبن إلى الجامع نفسه الذي يصلي فيه رامي.
أما أصدقاء رامي من الأصول العربية فيبدون مثله حائرين يتخبطون، فهم يستمتعون بالحريات المتوافرة لهم في حياتهم الأمريكية، لكن هناك دائماً ما يشدّهم إلى أصولهم الأصلية، وهذا يقود إلى مواجهات ومواقف صعبة تُقدم غالبا بكوميديا متقنة وإلى حدود كبيرة.

مراهق في 11 سبتمبر
لا ينتمي المسلسل إلى فئة مسلسلات الأحداث والتحولات الكبيرة، فهو في المقابل يبقى مع التفاصيل الصغيرة المستمدة من تجارب شخصية.
يعود المسلسل في حلقته الرابعة إلى طفولة رامي، فيقدمه طفلاً يخنقه حُبّ الأهل الذين يملكون تصورات مختلفة عن تربية الأطفال مقارنة بأقرانهم الأمريكيين، فبدل أن يحصل رامي على هاتف محمول تُعطيه أُمّه جهاز اتصال يعمل ضمن مديات جغرافية محدودة، الأمر الذي يُثير سخرية أصدقائه الأمريكيين.
تُصادف بداية مراهَقة رامي مع اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، فبينما كان يستعد هو وبضغط من أصدقائه لممارسة العادة السريّة للمرة الأولى في حياته؛ ينهار مبنيا التجارة العالمي، عندها يتغير العالم من حوله، ويبدأ أصدقاء رامي بطرح أسئلة للمرة الأولى عن أصول عائلته، وإذا كان يملك -وهو المصري الأصل- قرابة عائلية مع أسامة بن لادن السعودي الجنسية.
يُترجم المسلسل خوفا وتشتتا لتلك الفترة المضطربة عن طريق مشاهد مُتخيلة تجمع رامي مع ابن لادن في بيت الأول. لعل تلك المشاهد مُستقاة مثل غيرها من أفكار وكوابيس شخصية للممثل والكوميدي الأمريكي. يحقن المسلسل مشاهد ابن لادن بكوميديا كبيرة، ستكون وحدها قادرة على تحمل غرائبية وجود ابن لادن في غرفة صبي عربي في نيويورك.
أخت رامي.. مُتمردة
يأخذ المسلسل قرارات أسلوبية مُهمة كثيراً، فيهتم في حلقة كاملة بـ”دينا” أخت رامي، كما يخصص حلقة لأُمّ الأخير. ففي حلقة الأخت نتعرف على حياة شابّة متمردة لا تريد أن تسير ضمن الدروب المرسومة لها مسبقا من عائلتها المسلمة.
تحاول دينا بشكل يومي الخروج عن سلطة العائلة، لكنها تواجه الأجوبة نفسها من العائلة. لا تستطيع الأخت تقبّل واقع أن أخاها يملك حريات كبيرة مقارنة بما تملكه هي، وعندما تحاول أن تتعرف على شاب أمريكي أبيض؛ تكتشف أن العالم من حولها مُعقد كثيراً، فهذا الشاب انجذب لأصولها المصرية أكثر من تعلقه بها شخصيا كامرأة.

هواجس الأُمّ وصفعة الواقع
ولعل حلقة الأُمّ هي واحدة من أكثر حلقات المسلسل جودة، وتعد تحولا على صعيد مقدار الكوميديا المقدمة، إذ تُسلّط الحلقة الضوء على هواجس هذه الأُمّ التي تشعر بالوحدة والضجر، فزوجها لم يعد يهتم بها كما كان الحال في الماضي، وأولادها لم يبقوا بحاجة إليها.
تقرر الأُمّ بعد ركوبها في واحدة من شركات التكسي الإلكترونية أن تتحول هي نفسها إلى سائقة تكسي لتملأ فراغها، فبعد أيام من العمل سائقة تاكسي تتعرف الأُمّ على رجل أعمال فرنسي يُذكّرها بالسنوات التي عاشتها في باريس قبل هجرتها النهائية إلى الولايات المتحدة، وعندما يبدآن بالتحدث بالفرنسية تعود المرأة إلى سنوات شبابها وحياتها المنقضية.
تلعب “هيام عباس” في حلقة الأُمّ هذه واحدة من أفضل أداءاتها في السنوات الأخيرة، حيث تعرف هيام جيداً هواجس المرأة التي بلغت منتصف العمر، وتعكس هذه الهواجس الصاخبة بأداء مُتقن ومؤثر جدا.
يُشوش لقاء رجل الأعمال الفرنسي بالأُمّ حياة الأخيرة لأيام، ويبدو مثل الباب الذي فُتح على حياة جديدة مُتخيلة بكل ما يُمكن أن تحمله هذه الحياة من تضحيات ومحظورات. وعندما يتبدّى أن الرجل الفرنسي كان لطيفاً فقط ولم يتعمّد إيهامها بشيء، علاوة على زواجه؛ يصفع الواقع الأُمّ.
يقدم المسلسل بسلاسة مشاهد قاسية عن خَيبة الشخصية النسائية وهي تحاول أن تستعيد توازنها والعودة إلى حياتها اليومية.
مصر.. رحلة البحث عن الذات
ومثل أُمّه، يشعر رامي أن حياته مُغلقة الآفاق، فبعد علاقة مع امرأة مسلمة متزوجة، وتعثّر في العثور على وظيفة مناسبة؛ يقرر رامي السفر إلى مصر حيث تعيش عائلة أبيه. بيد أن العقبات تواجه رامي على طوال زمن السفر، بل تنطلق قبل السفر إلى مصر، إذ إن أهله يقررون أن سفر الابن سيكون مناسبة لتحميله بهدايا عديدة إلى الأهل هناك، في الوقت الذي كان الابن مشغولاً نفسياً بالكامل بما تعنيه هذه السفرة إلى بلد الآباء، وبالتحديد إلى القرية التي يعيش فيها جدّه، وكيف يتطلع إلى إيجاد الهدوء هناك الذي فقده في حياته في الولايات المتحدة الأمريكية.
يُخصص المسلسل حلقتيه الأخيرتين لسفر رامي إلى مصر، وتشهد هاتان الحلقتان على أحداث كبيرة جميعها غير متوقع.
يُحافظ المسلسل في مشاهده في مصر على السخرية ذاتها، ويتصدى للصور النمطية التي ميّزت حلقاته الأولى، فابن عم رامي الذي يسكن في مصر يعيش بوجدانه في الولايات المتحدة، وهي البلد الذي يعرف عنه الكثير، ويُفضّل أن يتحدث لغته مع ابن عمه القادم من أجل البحث عن الذات.
يُرتب ابن العم حفلة موسيقية “غربية” لرامي، في الوقت الذي كان الأخير يُريد فيه الحديث عن الثورة المصرية الأخيرة، والآثار التي تركتها على الناس هناك.
لا يختلف حال جيل الآباء في مصر عن أبنائهم، فعمّ رامي بدا مشغولاً بالكامل بالآيباد الذي جلبه رامي معه هدية له، كما لم يكن حال نساء العائلة يختلفن كثيراً.
عندما نجح رامي في الوصول إلى قرية الآباء قابل الجدّ وقضي أخيراً وقتاً خاصاً معه، لكن هذا ينتهي بدوره مع موت الجد الذي حدث فجأة. وعندما يعود رامي إلى القاهرة يتعرف بشكل أفضل على ابنة عمه التي تأخذه إلى جامع للصوفيين، وتتحدث معه عن هواجسه التي تفهم الكثير منها، وبالخصوص بحثه الدائم عن هُوية في عالم مُتغير يتسم بالعدائية والتعقيد.
يتقرب رامي من ابنة عمه، حيث بدا أن هناك فرصة لعلاقة عاطفية بينهما، حتى إن المسلسل يختتم موسمه الأول بقبلة بينهما على جسر مزدحم في القاهرة (تم الإعلان أخيراً عن جزء ثان للمسلسل).
الكوميديا.. وجه آخر للمأساة
وعلى شاكلة الأعمال الكوميدية المُبدعة يبقى مسلسل رامي قريباً كثيراً من الألم الإنساني، حيث الكوميديا هي الوجه الآخر للمأساة. يجتهد صُنّاع المسلسل على تقديم شخصيات مركبة تستند على تجارب فعليّة، ولا يقع إلا نادراً في النمطية، حيث تنجح بعض الشخصيات والمواقف في المبالغة التي تقترب من الكاريكاتورية.
يذهب كثير من الاهتمام إلى شخصية رامي نفسها، بيد أن الشخصيات الأخرى في المسلسل لا تقل ثراءً أو تعقيداً وتهيمن أحياناً على زمن المسلسل، كما كان الحال في حلقتي أُمّ دينا وأختها، فقد استأثرت الشخصيتان بالاهتمام الكامل في هاتين الحلقتين.
يدخل المسلسل إلى عالم رامي الخاص، والذي تعرفنا على بعض ملامحه عبر الاستعراضات الكوميدية الحميمة التي يقدمها الكوميدي الأمريكي. لقد كان الدخول إلى عالم رامي مناسبة للتعرف على تعقيد حياة شاب يحاول أن يُوازن بين مفردات حياته التي عقّدتها الظروف الخارجية.
رامي كما يظهر في المسلسل هو نقيض البطل التقليدي، فهو يملك هنات كثيرة عاجزا أحياناً عن تحديد وجهة واضحة في الحياة، لكنه في كل حال من الأحوال ما زال يستكشف هذا العالم، وهذا يقود أحياناً إلى أخطاء وعثرات.
ثورة يناير.. وجع ومرارة
إلى جانب الكوميديا الفاقعة في المسلسل والتي تُفجّر الضحكات في مناسبات عديدة، يحفل العمل بلحظات تأمل وحميمة شديدة التأثير، مثل المشهد الذي كان يسمع فيه رامي تسجيلات الكاسيت الصوتية التي كان يبعثها والده إلى جده (كما كان يفعل كثير من المهاجرين قبل عصر الإنترنت بدل كتابة الرسائل)، حيث يسمع رامي إلى صوت أبيه المتهدج وهو يتحدث إلى والده عن اشتياقه لمصر وإلى أهله وأحلامه بالعودة إلى الوطن.
من المشاهد المؤثرة أيضا في الحلقتين المصريتين ردود أفعال أقارب رامي إزاء الثورة المصرية الأخيرة، فبعد أن حاولوا مراراً تجنب الحديث عن تلك الأيام، كشف أحدهم أن الحديث مُوجع كثيراً، فالثورة المصرية انتهت إلى لا شيء.
مسلسلات ذاتية ويوميات أبطال
يُمكن تلمّس تأثيرات كوميديين أمريكيين كبار على مسلسل رامي، فالعمل بصدقه ونقده الذاتي مَدين لـ”وودي آلن” أحد أشهر سكان المدينة التي يعيش فيها اليوم رامي يوسف، ولا ريب في أن المسلسل تأثر أيضاً بمسلسل “ليوي” (عرض بين 2010 و2015) للنجم الكوميدي “لوي سي كي”، وهو أيضا من مدينة نيويورك.
يقدم مسلسل “لوي” كما هو الحال مع مسلسل رامي نسخة مُضخمة للكوميدي نفسه، مع إضافة قصص وشخصيات أخرى. هذا الاتجاه بصناعة المسلسلات الذاتية التي تقوم على يوميات وحياة الأبطال أنفسهم؛ يتواصل في الولايات المتحدة، إذ انتهت قناة “إتش بي أو” الأمريكية من عرض الموسم الأخير من مسلسل “كراشينغ” من بطولة وتأليف الكوميدي الأمريكي بيت هولمز.
ولأن مسلسل رامي لم يخضع لتأثيرات الأعمال الفنيّة العربية؛ تراه يأخذ حُريّة كبيرة في استخدام الموسيقى العربية في سياق أحداث المسلسل. فقد تُرافق مثلا أغنية للمطرب الراحل عبد الحليم حافظ مشاهد لرامي في جامع منطقته حيث تبرع لتنظيف بناية الأخير. وبسبب شعور الذنب الذي يرافقه؛ ستكون موسيقى عبد الحليم الخلفية الصوتية لمشاهد عديدة في المسلسل.
وعندما صوّر المسلسل حلقتين في مصر؛ تعمّد أن يبتعد عن الأستوديوهات، حيث صوّر في الشوارع وبين الناس، مُستغلاً على الأرجح إمكانية التصوير بكاميرات صغيرة، إضافة إلى عدم شهرة رامي أو فريق ممثلي المسلسل في مصر.