فيلم “الضيف”.. رصاصات تنهي حوار الحجاب والتكفير

عدنان حسين أحمد

يُوحي فيلم “الضيف” للمخرج المصري هادي الباجوري بأنّ قصته تقليدية مألوفة وكثيرة الحدوث، واستنفدت قوّتها في العديد من الأفلام الروائية العربية. فكم من المرّات شاهدنا شابا يدعو صديقته إلى البيت بهدف التعرّف إلى أهله وذويه، والعكس صحيح أيضا حين تدعو البنت صديقها إلى المنزل لتعمّق قصة حبّهما وصولا إلى النهاية السعيدة؟

لكن كاتب السيناريو إبراهيم عيسى أخذنا خارج هذا السياق المُرتقَب، وكَسَرَ توقعاتنا حينما فخّخ البنية السردية بالمفاجآت والمواقف المباغتة التي لا تخطر على بال الكثير منا، وهذا هو سرّ نجاح السيناريو المحترف الذي يُطعِّم القصة السينمائية بما يخالف التوقعات السائدة، ويصطحب المُتلقين إلى حيِّز الدهشة والإبهار.

ومَنْ يُدقق في الأفلام الثلاثة الأولى للباجوري سيدرك أن فيلمَي “واحد صحيح” و”هيبتا” دراميان، بينما يُصنَّف “وردة” كفيلم رعب. ومن هنا نستشفّ ميل الباجوري للأفلام الدرامية والرومانسية، كما هو الحال في فيلمه الرابع “الضيف” الذي يروي قصة “فريدة”، وهي فتاة شابة تدعو صديقها “أسامة” على العشاء كي يتعرّف بأبيها الدكتور “يحيى حسين التيجاني”، وأمها “مارلين” أو “ميمي” كما تُكنّى داخل أسرتها الصغيرة.

فريدة تستضيف صديقها أسامة لتناول العشاء في بيتها كي يتعرّف بأبيها الدكتور “يحيى حسين التيجاني”، وأمها “مارلين”

 

“أُعلن أني فشلت”.. البدء من حيث المنتهى

رغم أنّ الثيمة الرئيسية يجب أن تكون من حصة أسامة وحبيبته فريدة، إلاّ أنها انحرفت إلى الدكتور يحيى واقتصرت عليه، ولهذا فقد تمّ اقتباسها وتقديمها كعلامة فارقة في مُستهلّ الفيلم يبدأ وينتهي بها، ولولاها لانطفأت الأحداث وذوَت من دون أن تتطور نفسيا وفكريا ودراميا.

دعونا نتأمل هذه الثيمة التي هي أقرب إلى وسم أو علامة تقول كل شيء دفعة واحدة: “أنا الدكتور يحيى حسين التيجاني الكاتب والمُفكِّر، بعد اثني عشر كتابا ومُجلّدا، وبعد عشرات المحاضرات واللقاءات التلفزيونية، وبعد حوالي ثلاثين سنة من محاولتي تنوير عقول الناس والإصلاح الديني؛ أُعلِن أنني فشلت، وأنني أسحب كل ما كتبتُ وكل ما قُلت، وكل ما أذعت”.

تتضمن هذه الثيمة المركّزة جوهر الفيلم وخلاصته رغم تراجعه عنها تحت التهديد، ولهذا وضعها المخرج والمونتير معا مثل قول مأثور يركِّز على التنوير والإصلاح الديني، ومراجعة الكثير من المسلّمات الدينية والفكرية، وترجيح العقل على العاطفة، والتحليل العلمي على التأويل الساذج والرؤية المعوّجة.

الفنان خالد الصاوي يجسد دور الدكتور يحيى حسين التيجاني

 

ازدراء الأديان.. مقصلة رواد الفكر التنويري

تعني كلمة الازدراء الاحتقار والاستخفاف والاستهانة، كما تعني التشويه والتحريف وتقبيح الشكل والمضمون في آنٍ معا، وقد تعرّض العديد من العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين لهذه التُهمة، مثل فرج فودة ونصر حامد أبو زيد والشاعر حلمي سالم والمخرجة إيناس الدغيدي وكاتب السيناريو في هذا الفيلم الروائي إبراهيم عيسى، وقد كُفِّر بعضهم وعوقب البعض الآخر بالسجن والغرامة المادية. فما الذي فعله الدكتور يحيى التيجاني كي يستحق الطعن بالسكّين الذي قد يُفضي به إلى الموت؟ الجواب هو ازدراء الأديان.

ولو تأملنا كل المواقف في هذا الفيلم لوجدنا أن الدكتور يحيى الذي جسّد دوره الفنان خالد الصاوي ببراعة وأريحية شديدة؛ لم يتعمّد الإساءة إلى الإسلام والمسلمين أو المسيحية والمسيحيين، وإنما كان يحلّل ويؤوِّل بعض الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الضعيفة “الآحاد” (مجموعة من القواعد الأخلاقية التي يعتبرها المجتمع أساسا لا يجوز الخروج عليه) التي لم يُتفق عليها، ولم يُؤخذ بها في أمور العقيدة مثل بعض أحاديث البخاري والأخرى المتعلقة بالحجاب، وغير ذلك من الأمور الدينية والدنيوية، مثل تكفير بعض العلماء والمفكرين الذين ينضوون تحت راية التجديد والفكر التنويري.

وأشار التيجاني في حوار صريح وحميم مع ابنته فريدة التي أدّت دورها الممثلة الشابة جميلة عوض إلى أنّ ابن تيمية كفّر الطير في الشجر، لا بل كفّر الشجر نفسه “هذه صفصافة كافرة، وتلك جمّيزة فاسقة”، وهو يعني أنهم كفّروا الحياة نفسها، ولم يدَعوا فيها فسحة للمعتدلين والناس الذين يقفون في المساحة الكبيرة التي تتوسط بين الاعتدال والتطرّف.

الممثلة الشابة جميلة عوض

 

الممثلون.. حسّ فكاهي وكوميدية لاذعة

يتوفر غالبية الممثلين في هذا الفيلم على روح النكتة والسخرية، ولم تكن المصادفة هي التي جمعت الشخصيات الرئيسية والمُساندة التي تمتلك حسّا فكاهيا لاذعا يصل غالبا إلى درجة الكوميديا السوداء، فـ”جُودة” أحد حرّاسه الشخصيين يريد أن يفهم سرّ تناقض الدولة وتعاملها المُزدوج مع الدكتور يحيى متسائلاً “الدولة معيّنالَك حِراسة، ومن جهة أخرى إمَّرْمطاك بالمحاكم؟”، فيجيبه الدكتور مُتهكّما “الدولة لا تتدخل في القضاء”، فيرد عليه الحارس “لكنها تتدخل في القضا”.

أما “صالح” الحارس الآخر فهو يريد أن يتأكد من الدكتور يحيى نفسه إن كان مُزدريا للإسلام أم لا، وذلك بعد أن رصد كمّا كبيرا من المشاكل وفتاوى الشيوخ الذين يؤكدون بأنه مزدرٍ للإسلام، كما أن مدبِّرة المنزل فتحية تعاتب الدكتور متسائلة “في حد بيغلط في البخاري؟”.

لم يكتفِ كاتب السيناريو بهذا القِسط من الفكاهة، فأدخل المباراة بين فريقَي برشلونة ومدريد التي يتابعها بشغف غير معهود، بحيث يترك ضيفه ويتسلل إلى مكتبه لمشاهدة الأهداف التي سُجلت في غيابه، بينما يتعالى صوته وتشجيعه لـ”رونالدو” اللاعب العبقري الذي يحقق لمتابعيه المتعة والدهشة والتشويق.

“ميمي”.. حيرة ورصد لآراء مُتناقضة

تنتقل حيرة الحرّاس الشخصيين إلى “ميمي” زوجة الدكتور التيجاني التي لعبت دورها بحِرَفية عالية الفنانة شيرين رضا، حيث تتابع الفيسبوك وترصد تناقض الآراء بشأن زوجها الدكتور التيجاني، فهناك نصف من المتابعين يرونه عميلاً للدولة، والنصف الآخر يعتقد أنه يحاول هدم الدولة، وهناك منْ يقول إنه كافر، بينما يذهب النصف الثاني إلى القول بأنه علماني مزيّف.

ورغم هذا التداخل والتشويه فإنّ ميمي لا تزال مؤمنة بزوجها ومُقتنعة بآرائه التنويرية، ولا تتورع عن استعمال السخرية المُرّة و”القفشات” والدُعابات في المواقف الحساسة مثل زوجها وابنتها الوحيدة.

الفنانة شيرين رضا (يسار) كما تظهر في الفيلم

 

“قُم فأنذر”.. لوحة فنية دعوية

يُعدّ وصول أسامة إلى بيت الدكتور يحيى انعطافة في السياق السردي للفيلم، فالأب مفكّر وشخص تنويري معروف يدفع ثمن تحرره الفكري والاجتماعي والديني يوميا، أما أسامة الذي أدّى دوره بنجاح الممثل الشاب أحمد مالك؛ فسنتعرّف عليه شيئا فشيئا بعد أن يُقدِّم هديته الرمزية المُحرِّضة على الدعوة، وهي لوحة فنية مخطوط في متنها آية “قُم فأنذر” من سورة المُدَّثِر.

يتدخّل الدكتور يحيى ليقول إنَّ مهمة العلماء والمفكرين والمصلحين هي إنذار الظالم والفاسد والغاصب، لكن زوجته سرعان ما تقاطعه لتوجِّه دفّة الحديث صوب عائلة الضيف، ليحيطنا علما بشخصيته وأفراد عائلته، فهو مُعيد في الجامعة التي تدرس فيها فريدة، ويدرّس الهندسة الميكانيكية، ويسكن في التجمع الأول في القاهرة، لكن أصله من الزقازيق، أما والده فقد كان وكيل وزير الصناعة سابقا، ووالدته ناظرة في مصر الجديدة، ولديه أخت تعيش في الخليج.

“أحبها في الله”.. رومانسية سلفية غامضة

تتتابع الحكايات وتتداخل الطرائف، لنفهم أنّ نادي الجزيرة الثقافي في القاهرة أراد أن يُنظِّم ندوة للدكتور يحيى، لكن بعض الأعضاء اعترضوا على اللجنة الثقافية واتهموها بتوجيه الدعوة إلى شخص يُهاجم الإسلام. تحاول ميمي أن تلطِّف الأجواء وتنبش في ماضيها العاطفي، وتقول “إنّ الدكتور هو الذي أحبّني أول مرة وكان يكتب لي شعرا”، بينما يعترض يحيى قائلا “هي حبّتني الأول، أنا مكنتش فاضي”.

هذه الدُعابة هي التي تحرّض أسامة على البوح بما يُعرّي طويته الدينية حين يقول “الحقيقة أنا بحب فريدة في الله”، فيحتدم النقاش ويطلق الدكتور يحيى على هذا النمط من الحُب اصطلاح “الرومانسية السلفية الغامضة”، ثم يختلفان على بعض الشُرّاح والمفسّرين الذين يصفون الشيوخ بالعلماء، إذ يرى الدكتور أنّ كلمة علماء مركبّة وكبيرة عليهم، وينبغي وصفهم بالمشايخ، ثم يُصرّ على أن الناس لا يحتاجون إلى كهنوت كي يكونوا وسطاء بينهم وبين الله جلّ في عُلاه، وهذا ما ذهب إليه كبار الشيوخ أمثال عبد العزيز بن باز وابن عثيمين، وغيرهما من الرجال المتنوّرين.

الممثل الشاب أحمد مالك

 

سجال الحضارة.. شرقية أم غربية؟

تتطور الأحداث عندما يستأذن أسامة من الدكتور يحيى بأن يُلقي نظرة على الكُتب، ويسأله عن صورة تخرُّج موضوعة على أحد الأرفف، فيخبره بأنها دُفعة تخرّج والدته يرحمها الله، التي كانت تدرس الأدب الإنجليزي سنة 1960. ثم يسأله عن صورة الدكتور وجدي عبد الصمد، لتأخذنا قصة الفيلم إلى انعطافة جديدة لا تخلو من الدهشة والاستغراب، لكنه يؤجلها إلى وقت آخر ويخوض في موضوع إعجاب الدكتور يحيى بالغرب. ورغم أنّ هذا الأخير يُعرب عن شغفه بالحضارة سواء أكانت شرقية أم غربية، فإن الضيف يصرّ على أنّ العرب والمسلمين قد امتلكوا العالم وأصبحوا أسياده.

ويأتيه الردّ بأن الإسكندر قد هيمن هو الآخر على العالم وكذلك الرومان والتتار والإنجليز، ثم يؤكد الضيف بأنّ الخلافة الإسلامية هَزمت الحملات العسكرية كلها، ويأتي الجواب بأن الخلافة الإسلامية هي بالنتيجة نظام حكم لا يختلف عن نُظم القرون الوسطى التي تقوم على المجد العسكري والتوسع الإمبراطوري والصراع على السلطة، والمتاجرة بالدين، والتطرّف وما إلى ذلك.

ويتواصل السجال بأن الأوروبيين استفادوا من أخطائهم، أما نحن العرب والمسلمين فقد شلّتنا أخطاؤنا حتى بلغنا مرحلة الوهن الشديد. ثم يمضي الضيف في دفاعه المستميت عن الحضارة الإسلامية وعلمائها الذين غيّروا شكل العالم مثل جابر بن حيّان وابن سينا والفارابي وكثير غيرهم، لكن هؤلاء جميعا برأي الدكتور يحيى قد تعذبوا وأهينوا وذُلّوا وقُتل بعضهم في زمن الخلافة الإسلامية، فابن تيمية كفّر جابر بن حيان، وابن القيّم وصف ابن سينا بـ”إمام الملحدين”.

ينبري الضيف محاججا بأن الغرب قد اضطهد وعذّب العلماء أيضا، أمثال غاليليو وكوبرنيكوس، ثم ينتهي النقاش مؤقتا عند هذه النقطة التي يخلص فيها الدكتور إلى القول بأنّ الغرب اعترف بأنه كان جاهلا ومتخلفا، وأنه أجرم بحق العلم والعلماء، بينما أنت أيها الضيف تتباهى في هذا العصر بالشيوخ والأئمة الذين كفّروا واضطهدوا العلم والعلماء.

 

جدلية الحجاب.. بين العادة والعبادة

وبما أنّ بنية الفيلم درامية وقائمة على الحوار مع شيء من الرومانسية المقيّدة، فإن السجال يأخذ شكل المنافسة والمباراة التي لا ينتصر فيها أحد. وما إن يشير أسامة إلى أنّ فريدة قرّرت أن تتحجب حتى يُخيّم الوجوم على الأبوين، لأنّ ابنتهما الوحيدة قد اتخذت القرار لوحدها من دون أن تناقشهما أو تنقله لهما كخبر عابر، فالأب يرى الحجاب حريّة شخصية، وأنه عُرف وعادة وليس فرضا وعبادة، أما الطرف الآخر فيرى بأن الحجاب دين وليس وجهة نظر.

لكن الدكتور يحيى يعترض بشدة على كون الحجاب دينا، فلو كان كذلك لنصّت عليه آيات القرآن الكريم صراحة، ولكي تضع فريدة حدّا لهذا النقاش المؤرِّق قالت مخاطبة والدها “بس أنا حتحجّب”، وحينما شعرت بأنها أغاظته قليلاً اعتذرت منه فقبل الاعتذار، لكنه ظلّ مُصرّا على أنّ الحجاب ليس ركنا من أركان الإسلام، وعدم ارتدائه لا يُعدّ إحدى الكبائر، ولا يشترط حدّا أو عقوبة في الآخرة، لأنه ببساطة شديدة ليس هناك حجاب أصلاً.

“أم كلثوم” تجوّد القرآن.. و”فيروز” ترتّل الترانيم

يعتمد الدكتور يحيى في حواره على تقنية الصدمات التي تصعق الطرف الآخر المتشدد، فيُسمعه “أم كلثوم” وهي تجوّد آية من الذكر الحكيم، و”فيروز” وهي ترتّل الترانيم المسيحية التي تستفز الخصم وتدفعه إلى السؤال عن سبب الاستماع إلى هذه الترانيم، فيأتي جواب الدكتور يحيى بصيغة استفهامية “ومين قال إننا كلنا مسلمين، أنا وفريدة مسلمين، ومارلين مسيحية”، ثم يتشظى الحوار إلى زواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم من زوجته مارية القبطية، وإلى ارتداء الرموز الدينية كالصليب والحجاب وما إلى ذلك.

ربما تكون الصدمة قبل الأخيرة هي أن الدكتور يحيى رغم إيمانه بالحُرية قد شارك في سجن وتعذيب الدكتور وجدي عبد الصمد، وعند هذه اللحظة تماما نكتشف أنّ زيارة التعارف هي مجرد ذريعة للدخول إلى منزل التيجاني، وأنّ قصة الحُب مُفتعَلة لا أساس لها في قلب هذا الزائر الذي يُعلن غير ما يُبطن، وأنه قَدِم أساسًا بهدف التكفير والانتقام.

يتفاقم السجال من جديد فنفهم من التيجاني أن وجدي عبد الصمد كان يُحرّم الديمقراطية والفن والآثار، ويعدّ المرأة مهيِّجا جنسيا، ويعتبر المسيحيين أناسا من الدرجة الثانية، ولذلك هاجمه وهاجم تواطؤ الدولة معه، غير أنّ هذه الأدلّة الدامغة لا تُقنع أسامة الذي يرى أنه شريك بجريمة التعذيب والقتل، وينبغي أن ينال جزاءه العادل.

 

حل الفن الشعبي للازدراء.. كلٌّ يعمل على شاكلته

لم يكن خالد الصاوي هو الشخصية الكوميدية الساخرة في هذا الفيلم، وإنما هناك ماجد الكدواني الذي جسّد شخصية هاني خال فريدة، والذي اتصل بهم غير مرة لكن هواتفهم النقالة كانت مغلقة، الأمر الذي دفعه لهذه الزيارة المفاجئة من دون موعد سابق، مما خفّف من وطأة النقاشات المحتدمة وأراحَ الجميع ممثلين ومُشاهدين، إذ تناول الخال هاني  طعام العشاء، وعاتب التيجاني على فكرة ازدراء الأديان مُنبها الحاضرين إلى أن المطرب الشعبي محمد طه قد حلّ هذه الإشكالية التي نحن فيها من فتنة وإرهاب وتطرّف، وقال إن محمد وموسى وعيسى أنبياء كلهم، وكل إنسان يركز على دينه ولا يتدخل في شأن الآخرين.

ونصح هاني الدكتور التيجاني في نهاية اللقاء بالذهاب إلى الجونة للراحة والاستجمام من دون كتب ومراجع، والاستمتاع بالهواء العليل، والحياة الجميلة على شواطئ البحر الأحمر.

المُصْلِح الديني إرهابي.. مفاجأة الفيلم الكبرى

أما المفاجأة الكبرى في هذا الفيلم فتتمثل في اللحظة التي يكتشف فيها يحيى التيجاني أن أسامة إرهابي، وقد خبّأ مسدسه خلف اللوحة المغلّفة، وحينما استأذنهم للذهاب إلى الحمّام دلف إلى غرفة المكتب وأخرج المسدس ونادى على التيجاني، وطلب منه أن يجلس من دون حراك خلف المكتب، ثم نادى على ميمي وفريدة وطلب من فريدة أن تربط أمها على الكرسي، ثم أخبرهما بأنّ التيجاني كان عضوا في الجمعية الإرهابية نفسها التي ينتمي إليها الدكتور وجدي عبد الصمد.

ثم يسرد لهم قصة انتمائه لهذه الجمعية الإرهابية، ويتوقف عند أول وآخر عملية إرهابية وهي حرق نادي الفيديو، وقد شعر ساعتها بأنه مُرسَل من قِبل العناية الإلهية، وعندما استفاق على وحشية الإرهابيين وكذبهم هرب إلى الإسكندرية، وبدأ عملية البحث والقراءة التي قادته إلى قضية التنوير الفكري.

ولكي ينسف الضيف كل ما بناه التيجاني طوال حياته التي أعقبت العملية الإرهابية؛ وضع الهاتف النقال أمامه وطلب منه أن يضغط على الدائرة الحمراء، ويعترف أمام الملأ بأنه أقسم على البيعة وخان، وقبل أن يسجّل هذا الاعتراف الخطير، سبقه أسامة إلى القول بأنّ العلماء أجمعوا على كفرك، وأنك تنكر أنّ الإسلام دين ودولة، وتطعن في الخلافة الإسلامية.

الممثل المصري ماجد الكدواني

 

شريط التوبة والانتحار.. كي لا تموت شهيدا أو بطلا

ثم يبدأ الدكتور يحيى بتسجيل شريط الندم والتوبة إلى الله، ويعلن براءته من كل ما قال وأذاع ونشر قبل هذه اللحظة الفارقة. ولكي يمعن في إهانته يُخبره بأنه لا يريد قتله كي لا يصبح شهيدا وبطلا، وإنما يتركه يقتل نفسه أمام عائلته لأنه ضعيف وجبان ويمحو أفكاره بيديه.

وما إن ينتهى التيجاني من تسجيل التوبة حتى يوجّه مسدسه بسرعة إلى أسامة ويصيبه لكنه لم يمت، إذ يمدّ يده ويقبض على السكين طاعنا به التيجاني الذي تدارك الأمر وأصابه برصاصتين أخريين أسقطتاه صريعا في الحال.

يُنهي الباجوري فيلم “الضيف” نهاية مفتوحة، فبينما كان التيجاني يتوكأ على زوجته وابنته اللتين تولّتا عملية نقله إلى السيارة الموجودة عند واجهة المنزل؛ لا نعرف إن كان سينجو من هذه الطعنة النجلاء أم سيلاقي مصيره المحتوم، خصوصا بعد أن عرف نتيجة التحليلات الطبية بشأن الورم الدماغي وخبّأها، خشية على مشاعر العائلة التي أحبّها، وكرّس حياته من أجلها.

أبطال فيلم الضيف أسامة وميمي

 

جائزة الجمهور.. تحديات وإشكالات لقصة مُغايرة

لا بدّ أن نعترف بأن سيناريو هذا الفيلم مختلف ومغاير للسيناريوهات السائدة، فالقصة جديدة وخارجة عن المألوف، ولم تستنفد مادتها الدرامية المتصاعدة، ولعل إيغال الكاتب إبراهيم عيسى في الحوار هو الذي حرمنا من التركيز على محاور القصة السينمائية برمّتها، فهناك العشرات من المواقف الإشكالية التي يناقشها أبطال الفيلم الأربعة وبقية الشخصيات المساندة.

كما أنّ أحداث الفيلم تقع في موقع واحد وهو بيت الدكتور يحيى التيجاني، إذا ما استثنينا خروجه إلى المحكمة التي لم نرها على أرض الواقع، ثم ذهابه إلى المقهى وعودته ثانية إلى البيت ذي الحراسة المشددة.

أما التحدي الثالث فهو خلوّ الفيلم من الموسيقى التصويرية التي حضرت فقط في النهاية المأساوية، التي انتهت بطعن التيجاني وموت الضيف الإرهابي بذات المسدس الذي وضعه أمام الضحية كي ينتحر به.

رغم العديد من الآراء السلبية التي قيلت بحق هذا الفيلم الروائي، فإنه يظل علامة فارقة في جرأة الثيمة والمضامين الفرعية الحسّاسة التي تسجّل حضورها القوي في عالمنا العربي، كما ينبغي التذكير بأهمية الأداء التمثيلي للطاقم الفني الذي تألق فيه خالد الصاوي وماجد الكدواني وشيرين رضا، والنجم الصاعد أحمد مالك، من دون أن ننسى الرؤية الفنية المُرهفة للمخرج “هادي الباجوري” الذي لا يكفّ عن المغامرة والمشاكسة والتجريب.

جدير بالذكر أن فيلم “الضيف” حاز على جائزة الجمهور في الدورة التاسعة لمهرجان مالمو للسينما العربية.


إعلان