“عندما تكون غريبا”.. عن فرقة “الأبواب” و”موريسون” وأيقونة ثورة الهيبيين
زكريا جابر
الستينيات بدأت بطلقة، واغتيال لأكثر الشخصيات تأثيرا في الشباب الأمريكي، إنه الرئيس الأول الذي يجرؤ على تخطي حدود ما يُسمح له من قليل الكلام، حيث يقرر الآخر يقرر، إنه جون كينيدي الذي بدأت به سلسلة اغتيالات وموت بعض الشخصيات “بطريقة غريبة“.
“عندما تكون غريبا” فيلم تسجيلي أنتج عام 2009 عن فرقة “الأبواب”، والتي كانت تتألف من مغنّيها وكاتب كلماتها جيم موريسون الذي عُرف بأنه أحد أعمدة الثورة التحررية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيقونة شباب ثورة الهيبيين في الستينيات، فمِن راي مانزاريك الذي كان يعزف الأورغن والبيانو، إلى وجون دينسمور الذي كان ضارب إيقاع في الفرقة ومعروفا بمهاراته نسبة لمعداته الموسيقية القليلة، وصولا إلى روبي كريغر عازف الغيتار العالمي الذي بدأ مع الفرقة، وكان وقتها لا يزال عازف غيتار إلكتروني مبتدئا.
نظرة زمنية للفرقة منذ تأسيسها عام 1965 وإلى تجاربها الأولى وجميع حفلاتها حتى وفاة موريسون بعد سنوات من تعاطي الكحول والمخدرات، فطوال عرض الفيلم ونحن نرى لقطات أرشيفية من التجارب والعروض واللحظات الخاصة، بما في ذلك حفلة ميامي التي أدت إلى اعتقال ومحاكمة موريسون، وذلك لما وُصف فيها بسوء سلوكه على المسرح مع الجمهور.
“الأبواب” وظاهرة موريسون
كان حبّه الأول للأضواء ورغبته أن يكون شاعرا، وما قد يصدر منه بعد سكر طويل، وما يمكن أن يؤدي إلى تجواله ذهابا وإيابا بين الرغبات العامة والخاصة والنجاحات والإخفاقات. كل ذلك شكّل ظاهرة موريسون التي حفرت اسمها في جيل ممتلئ بالأحلام والأوهام الكبيرة.
وفي الفيلم تُعزف موسيقى الفرقة دائما، و”عندما تتفتح كل أبواب الملاحظة، كل شيء سيظهر على ما هو حقيقي، لا نهائي”، هي جملة شهيرة للكاتب والفيلسوف وليام بليك، والتي شكلت الفكرة الرئيسية لاسم فرقة “الأبواب”، فهي أن تكتب وتعزف وتراسل الجمهور لتوعيته وتنبيهه لما يحتاج وما يريد وما يستحق من حق ورفاهية ولذة.
المخرج توم ديشيلو أصرّ على إظهار الفرقة بكل محاسنها وسيئاتها، من ملذات الحياة حين تكون بالمستوى المطلوب للتلذذ، إلى أن تصبح الكارثة عادة ليست بشعة بل أسوأ، وهي حين تصبح الكارثة عادة طبيعية. ويقول أيضا إن “الفرقة كانت هي الستينيات ثم يمكننا أن نزيد الباقي، فهم كانوا الوحيدين في الستينيات ضمن إطار الموسيقى” الذين يُظهرون الاضطرابات السياسية والاجتماعية بخليط بين فن الرواية وجمع للأرشيف من بول فيرارا، وهو مخرج سينمائي كانت علاقته بجيم موريسون وطيدة حين كانا يدرسان الإخراج السينمائي معا في جامعة لوس أنجلوس.
الفيلم يتضمن أيضا مقتطفات من فيلم جيم موريسون الوحيد “الرعوية الأميركية“ قبل رسوبه في الجامعة.
موريسون المغامر العبثي
حياة جيم موريسون مليئة بالمغامرات الغريبة، والعبثية لها شروط؛ ليس بمعناها الحرفي، لكن أن تكون عبثيا هي أن تعيش الفن في الحاضر دون قيود الماضي وحواجز المستقبل، من العيش على السطوح لأشهر، إلى التقرب من نفسك كفكرة وليس دماغا يتبع القوانين وحسب، أن تكون غريبا يعني أن تعيش حياتك متكاملة.
من تقنيات الفيلم الملحوظة؛ التطور الزمني في النص بشكل كرونولوجي (تسلسل زمني)، بالإضافة إلى تقنيات التلوين والتقنية الصورية في المونتاج.
على سبيل المثال عندما استعمل الأرشيف القديم من الستينيات المصور بتقنيات عمرها أكثر من أربعينَ عاما، وبالإضافة إلى أن ظهور صوت الممثل الأميركي الشهير “جوني ديب” راويا في الفيلم لعب دورا ممتازا بإعطاء الفيلم هوية أجمل وسلاسة في المشاهدة، وهو يُعرف ويتمتع بكاريزما صوته الذي يتغير مع تغيّر مزاج ونمط القصة التي تُروى في الفيلم.
رحيل موريسون.. هيروشيما جديدة
ومن أبرز ما يذكره ديب في الفيلم بنمط نوستالجي (حنين إلى الماضي) وميلانكولي (سوداوي) “الثالث من يوليو/تموز 1971؛ صباح اليوم يشهد العالم على هيروشيما جديدة، مات كثيرون لكن جيم موريسون وُجد اليوم ميتا في شقته في باريس، متأملا المدينة الشاعرية من شبّاك الحمّام، وحيدا، سعيدا وكما أراد”. كل الصفحات الأولى وكل نشرات الأخبار العالمية تحدثت عنه في ذلك اليوم، وكانت من أندر اللحظات الإعلامية.
“عندما تكون غريبا” يكشف لقطات تاريخية وغير مرئية سابقا لجيم موريسون وفرقة “الأبواب”، ويقدم رؤية جديدة عن التأثير الثوري للموسيقى والتراث، فالفيلم تسجيل لتاريخ الفرقة بعمق وسلاسة.