“صبايا كلمنجارو”.. من جدار الفصل إلى القمة
قدمت المخرجة الفلسطينية ميساء الشاعر فكرة خارجة عن المألوف حين شاركت في مشروع مؤسسة “شاشات” تحت شعار “يلا نشوف فيلم”، وذلك عبر حكاية فيلمها “صبايا كلمنجارو”، فقد كانت لا تنظر على الإطلاق إلى أي قضية محلية، بل تطلعت إلى خارج حدود فلسطين وخارج حدود الدول العربية، وتحديداً إلى قمة جبال كلمنجارو، حين قدمت فكرة فيلم عن رحلة صعود ثلاث فتيات فلسطينيات إلى قمة جبل كلمنجارو في تنزانيا.
رحلة نحو القمة
وقامت المخرجة الشابة بكتابة سيناريو الفيلم مع أروى صلاح إحدى صبايا كلمنجارو الثلاث، التي تروي بصوتها قصة رحلتها متجاوزة جدار الفصل الشاهق الذي يخنق منطقة الرام جغرافياً واقتصادياً حيث تعيش.
يبدأ الفيلم بمشاهد تمثيلية مفترضة قبل الرحلة، يتناول خلالها حيرة الصديقتين أروى وآلاء في كيفية تجاوز الحدود العائلية والجغرافية وعوائق السفر والحصول على الفيزا للخروج من الضفة الغربية خلال جلسات نقاش تمتاز بالتلقائية والسلسة، وأحيانا الهزلية خاصة حين تتحدثان عن جمع المال المناسب للسفر.
ويتضمن الفيلم رسائل كثيرة دون أن يبوح بها كشعارات، فهو يتحدث عن استقلالية قرار الفتاة في فلسطين، وبحثها عن المغامرة، وتحدّيها السياسة والحدود والمجتمع.. وبالفعل تسافر كلَ من آلاء وأروى وتنضم إليهما لاحقاً صديقة ثالثة هي عُلا، إلى تنزانيا.
تصل الصديقات إلى جبل كلمنجارو عقب السفر عن طريق الأردن إلى تنزانيا، وهناك يتجهن إلى الجبل حيث يلتقين بفريق مكوّن من مرشدين وحمالين تنزانيين، وبعض المشاركين من محبي الرحلات من الأردن.
عواصف في طريق القمة
وتبدأ رحلة الصعود التي تستمر خمسة أيام، فيجدن أنفسهن أمام تفاصيل يومية صعبة ومليئة بالتحديات والمخاطر، وعند الاقتراب من القمة، تهب عاصفة ثلجية، ليبدأ الصراع؛ فهل يكملن الطريق أم يرجعن؟ ويكتشفن مع هذه المصاعب والتحديات الكثير من جمال الطبيعة وقسوتها، كما يتعرفن إلى صفات جديدة داخل ذواتهن، فالاستكشاف خلال هذه الرحلة كان داخلياً وخارجياً.
تصنع المخرجة فيلمها بتورط كامل في التفاصيل الإنسانية منذ التخطيط للرحلة إلى التعب ثم الوقوع بحب الطبيعة، ومشاركة الإنجاز مع بقية الرحالة، وأحياناً اليأس من تبعات هذه المغامرة، مما يجعل الفيلم حميمياً وقريباً من المُشاهد.
تقول الشاعر عن فيلمها “تم تصوير الرحلة قبل اختيار الفكرة وتحويلها إلى فيلم، وكنت تواصلت مع المتسلقات واستمعت إلى القصة منهن، وبعد اطلاعي على الأرشيف الذي صوره الرحالة الفلسطيني معتصم عليوي للرحلة وجدته جميلا، وكنت قد تقدمت إلى مسابقة “أنا فلسطينية” وتم تطوير الفكرة، وبالفعل جاءت الموافقة، وحصلنا على الأرشيف، وصورنا مشاهد تمثيلية حول التحضير للسفر وكيف بدأت القصة وحتى الوصول إلى الجسر، وقمت بترتيب الأرشيف واختيار الأفضل منه ليأتي هذا الفيلم كما تخيلته تماماً حيث عملت على المونتاج مع مديرة المشروع والمنتجة علياء أرصغلي والمونتيرة ربى عواد”.
وللمصادفة فإن الفتيات المُغامرات محجبات، مما يجعلك تشعر بأنهن كسرن الصورة النمطية عن الفتاة المحجبة، وشجعن أي فتاة كي تفعل مثلهن يوما ما، وقد يدفع أي رجل بشقيقته أو ابنته لخوض الرحلات والمغامرات، لكن الفيلم في الوقت ذاته لا يمكن تحميله أكثر مما يحتمل، فهو لا يناقش أجندة فكرية بعينها أو يطرح أي أيدولوجيا، بل على العكس فإن قصته تدل على بساطته وأنه ابن بيئته، وتتحدث عن فتيات عاديات مقبلات على الحرية والاستقلالية بحماسة.
هذه الحرية تشبه كثيراً حرية الكاميرا التي تابعتهن في صعودهن ونزولهن وتعبهن وعطشهن في البرد وتحت الشمس، ودون أن يتجاوز ما يقدمه الفيلم من مَشاهد حدود الدقائق المسموح بها كفيلم قصير، بل يعرض أقصى ما يستطيع بأقل وقت.
فيلم عاطفي وحالم
تقول الشاعر عن صناعة الفيلم إن تجربة صنع فيلم من أرشيف لها صعوبتها وسهولتها أيضاً، فالجزء الأصعب أن هناك مادة كبيرة جدا وجميلة يجب اختصارها كثيرا والتخلي عن بعض اللقطات الجميلة، ولهذا أخذ المونتاج وقتا طويل، لافتة بالقول “أعتقد أنني اختصرت لقطات ومشاهد جميلة ولكن القصة تستطيع أن تصل للمشاهد بدونه في ذات الوقت، فلم أكن أريده أن يكون ترفيهياً أو سياحياً”.
وصفت الشاعر فيلمها بأنه عاطفي وحالم، مليء بالمشاعر والمغامرات النفسية إذ يؤكد أهمية تحقيق الغايات والأهداف.
وهذا الفيلم واحد من عشرة أفلام من إخراج مخرجات فلسطينيات شابات من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة قامت مؤسسة “شاشات سينما المرأة” بإنتاجها والإشراف عليها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لنجاحها، وسيتم إطلاقها في “مهرجان شاشات الحادي عشر لسينما المرأة” الذي يحمل عنوان “أنا َفلسطينية”.
وتشكل أفلام “أنا فلسطينية” جزءا من مشروع “يلاّ نشوف فيلم” الذي تنفذه المؤسسة، وهو مشروع ثقافي مجتمعي ممتد على ثلاث سنوات بتمويل رئيسي من الاتحاد الأوروبي وتمويل مساعد من مؤسسة “سي إف دي” (CFD) السويسرية وممثلية جمهورية بولندا في فلسطين.
“أنا فلسطينية”.. مشروع الإصرار والإرادة
وعن علاقة الفيلم بثيمة المشروع “أنا فلسطينية” تقول الشاعر “من المهم إظهار أن الفتاة الفلسطينية تتميز بقوتها وإصرارها وإرادتها، وهنا جاءت الصبايا الثلاث ليخضن هذه المغامرة الصعبة بكل إصرار، وتحدّين المجتمع والحدود والاحتلال وقيود الفيزا والسفر ليحققن هذا الحلم”.
وإذا كان الفيلم بدأ من الحدود التي يفرضها جدار الفصل العنصري، ومشاكل تقييد الحركة وحق الحصول على الفيزا للجواز الفلسطيني، فإنه انتهى عند لحظة الحرية واللاحدود على واحدة من أِشهر قمم العالم ليصبحن “صبايا كلمنجارو”، وهو ما اختارته المخرجة الشابة ليكون اسما الفيلم.