“جليد على نار”.. 80 خطوة لإنقاذ كوكب الأرض

قيس قاسم

يقرع الممثل الأمريكي الشهير ليناردو دي كابريو ناقوس الخطر، ويدعو العالم بأسره إلى استغلال الفرصة الأخيرة المتبقية لإنقاذ كوكب الأرض من الخراب. تحذيره يأتي في سياق مشاركته في وثائقي المخرجة ليلي كونرز “جليد على نار” كراوٍ ومعلق على مسار البحث البصري، الذي تقترح فيه صانعته عرض وجهات نظر العلماء إزاء إمكانية إيجاد “علاج” سريع لـ”أمراض” الكرة الأرضية.

ببحثها عن الحلول المتاحة تُميز كونرز منجزها عن بقية الوثائقيات التي تتناول ظاهرة الاحتباس الحراري والخراب البيئي الذي يحدثه الإنسان من زاوية تشخيص الحقائق وتثبيتها، فهي تكرس اشتغالها السينمائي على الأمل في الشفاء وتأكيد أن فرصة “النجاة” لم تفت تماما.

دعوة دي كابريو

يُخبرنا الممثل الأمريكي المشارك في عدد من الأفلام الوثائقية المنبهة للأخطار التي تهدد كوكبنا، بأنه وخلال الـ250 سنة الماضية أحدث الإنسان ثورات صناعية كبرى، نتج عنها إطلاق مليارات الأطنان من الغازات السامة والعوادم الخطيرة إلى الغلاف الجوي المحيط بالأرض.

تلك الثورات غيَّرت وجه الأرض والحياة فوقها، وحققت تقدما بقدر ما سببت خرابا، ولكن الثقة بقدرة الإنسان على إصلاح ما خربه مازالت قوية، وفرصة إنقاذ الكرة الأرضية من الأمراض التي سببها الإنسان بنفسه لها متوفرة شرط الإصغاء للعلماء والأخذ بنصائحهم وحلولهم، فهذه هي فرصتنا الأخيرة ولا بد من استغلالها.

 الممثل الأمريكي الشهير ليناردو دي كابريو شارك في وثائقي المخرجة ليلي كونرز "جليد على نار" كراوٍ ومعلق على مسار البحث البصري
الممثل الأمريكي الشهير ليناردو دي كابريو شارك في وثائقي المخرجة ليلي كونرز “جليد على نار” كراوٍ ومعلق على مسار البحث البصري

تشخيص الأخطار

قبل عرضه المحاولات الجادة للعلماء والباحثين المعنيين بتخفيف الاحتباس الحراري، وقبل تقديمه بعض النماذج التطبيقية الملهة لمعالجة “أمراض” الكوكب، يذهب الوثائقي أولا إلى تشخيص المسببات وحسمها على المستوى النظري. فمع قوة ظهور الأعراض المرضية ما زال المستفيدون من تأخير علاجها يؤكدون بطلان تلك الادعاءات ويذهبون إلى القول: إن العلماء يبالغون مثلهم مثل النشطاء البيئيّين.

في جبال كولورادو المغطاة طيلة العام بالثلوج، وعلى ارتفاع نحو 3400 متر فوق سطح البحر، يفحص العلماء أسبوعيا نسبة وجود غاز ثاني أوكسيد الكاربون في الجو. واظبوا على هذا العمل منذ أكثر من خمسين عاما، والهدف من ذلك هو التحقق من ارتفاع النسب بشكل دقيق عبر قياس طبقات الهواء والرياح الهابة من كل جهات الأرض، ويُسلم المعنيون هذه المعلومات المتوفرة لديهم إلى مراكز عالمية تقوم بتحليلها.

يقابل الوثائقي علماء منهم، وتشير تحليلاتهم ومقارناتهم إلى ارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكاربون إلى مئة ضعف عما كان عليه قبل بداية الثورة الصناعية. فقد أنتجت تسريبات المعامل ومنذ تلك الفترة ما يسمى بـ”دورة الكاربون”، وهي دورة تُطلَق على حركة الغازات المنبعثة من الفحم المستخدم في تشغيل المصانع، وتشير إلى حركة الغاز وارتفاعه في أعالي الجو عبر التيارات الهوائية، ثم هبوطه ثانية إلى الأرض ليتغلغل داخل التربة والمياه وليعود من جديد وبأشكال مختلفة إلى الجو. لم تتوقف تلك الدورة بل استمرت، ومع اتساعها ارتفعت درجات حرارة الأرض تدريجيا حتى بلغت درجتين مئويتين أعلى من مستواها الطبيعي.

يذهب الوثائقي أولا إلى تشخيص مسببات الاحتباس الحراير وحسمها على المستوى النظري
يذهب الوثائقي أولا إلى تشخيص مسببات الاحتباس الحراير وحسمها على المستوى النظري

ارتفاع حرارة الأرض.. كوارث كثيرة

عند هذا الرقم يتوقف العلماء طويلا، ويعتبرونه النقطة المركزية التي يمكن الانطلاق منها لإنقاذ كوكب الأرض. تقليله تدريجيا يعني إحياء الأمل في إمكانية العودة إلى المرحلة التي كان عليها غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو قبل الثورة الصناعية.

ارتفاع حرارة الأرض درجات قليلة ليس بالأمر العادي، فوراءه تقف الكثير من الظواهر المناخية الخطيرة والمدمرة، مثل الذوبان السريع لثلوج القطبين الشمالي والجنوبي، وعن ذوبانها ينتج ارتفاع في مناسيب مياه البحار والمحيطات والتي تؤدي بدورها إلى حدوث فيضانات وأعاصير مدمرة.

كما يرافق الحرارة غير الطبيعية زوال طبقة واسعة من السطح النباتي للأرض بسبب الجفاف، وكمحصلة لها تهاجر الحيوانات البرية والطيور موطنها الأصلي، كما تزيد الحرارة نسبة حموضة المياه وتؤدي إلى موت ملايين الأسماك والأحياء المائية. وتعتبر المجاعات البشرية والفقر نتاجا موضوعيا للتغير المناخي.

ارتفاع حرارة الأرض درجات قليلة وراءه تقف الكثير من الظواهر المناخية الخطيرة والمدمرة، مثل الذوبان السريع لثلوج القطبين الشمالي والجنوبي
ارتفاع حرارة الأرض درجات قليلة وراءه تقف الكثير من الظواهر المناخية الخطيرة والمدمرة، مثل الذوبان السريع لثلوج القطبين الشمالي والجنوبي

غاز الميثان.. عامل إضافي

يضيف الوثائقي -بعد مقابلات طويلة مع علماء مناخ- عوامل أخرى مسببة لظاهرة الاحتباس الحراري إضافة لغاز ثاني أوكسيد الكاربون، من بين أشدها خطورة غاز الميثان. فمع التطور التكنولوجي والعلمي تمكن المختصون وعلماء الطبيعة من تحديد نسبة المتحرر منه في الجو وملاحظة الآثار السلبية التي يتركها ارتفاعه على البيئة.

فهذا الغاز الموجود في الطبيعة والتي كانت قادرة على التعامل معه وتبديد مخاطره؛ خرج عن السيطرة بعد تدخل الإنسان. إذ إن مداخن المصانع العملاقة تطلق كميات كبيرة منه تعجز الأرض عن التعامل معها طبيعيا. وترصد مختبرات سَيارة مختصة بحساب الكميات التي تطلقها المصانع من الغاز بشكل منتظم لكشف ما يحاول أصحابها إخفاءه من حقائق.

واليوم يَعتبر العلماء الميثان واحدا من أكبر التحديات التي تواجه البشرية، ينقل الممثل دي كابريو ما ذكروه له عن تسريبات المصانع وتأكديهم أنه لا يمكن خفض حرارة كوكب الأرض من دون تقليل نسبة المتسرب منه في الجو.

الصيد البحري دون استخدام الشباك العملاقة يحد من الاحتباس الحراري
الصيد البحري دون استخدام الشباك العملاقة يحد من الاحتباس الحراري

80 خطوة

يضع العلماء 80 خطوة على البشرية تحقيقها للحد من التَغيُّرات المناخية، وهي خطوات مترابطة مع بعضها. فالتركيز على تقليل استخدام منتجات البترول عبر إيجاد طاقة بديلة لها كالطاقة الشمسية وطواحين الهواء، لم تعد كافية وحدها. هناك عوامل سلبية كثيرة على البشرية التخلص منها عبر مشاريع وخطط مدروسة تتشارك فيها المؤسسات الحكومية والمعاهد العلمية والأفراد.

من بين تلك الحلول تقليل نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو عبر توسيع الأسطح النباتية للأرض وبخاصة الغابات المَطيرة. هذه من بين الخطوات المهمة كما يؤكد مسؤولو المشروع الأمريكي الطموح دراداون للوثائقي، فكرته هي منع تصحر الغابات وذلك بمنع قطع أشجارها.

والمشروع الأمريكي مثال يحتذى، إذ يعمل فيه العلماء سوية مع المؤسسات الرسمية من أجل الحفاظ التام على الأشجار واستثمار المتساقط من أوراقها لإعادة تدويرها لتصبح سمادا كيميائيا يستخدم على نطاق واسع. وهذا المشروع وحده يؤمّن خفض ما يقارب 10٪ من نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو، كما يضمن السماد الطبيعي انتعاشا لصحة التربة القادرة على التعامل طبيعيا مع ثاني أوكسيد الكربون، وبذلك تعود ثانية الدورة الطبيعية للعمل، بدلا من دورة الكربون السلبية التي كان الإنسان وراء تكوينها.

من بين حلول مشكلة التغير المناخي تقليل نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو عبر توسيع الأسطح النباتية للأرض
من بين حلول مشكلة التغير المناخي تقليل نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو عبر توسيع الأسطح النباتية للأرض

زراعة منزلية.. صيد بسيط

يذهب “جليد فوق نار” لمعاينة تجارب شخصية تحد من الاحتباس الحراري بأبسط الطرق، من بينها تجربة الصيد البحري دون استخدام الشباك العملاقة.

ويرصد الوثائقي الرائع والمُتخم بالمعلومات عمل إحدى الجمعيات الكندية لتحقيق التوازن المطلوب بين الربح والحفاظ على البيئة، فقد ضمن الصيد بالصنارات والطرق البسيطة مردودا اقتصاديا جيدا لصياديها وحافظ في الوقت نفسه على البيئة البحرية المهددة.

وينقل الممثل دي كابريو وصية العلماء، وكخطوة من بين الخطوات المهمة؛ بالعودة إلى الزراعة المنزلية البسيطة وتجنب استخدام الأسمدة الكيميائية.

يضع العلماء 80 خطوة على البشرية تحقيقها للحد من التَغيُّرات المناخية
يضع العلماء 80 خطوة على البشرية تحقيقها للحد من التَغيُّرات المناخية

حموضة مياه البحار

في الجانب المتعلق بزيادة حموضة مياه البحار تبدو التجربة الكرواتية مثيرة للاهتمام، لهذا حرص الوثائقي على تقديمها. فقد توصل بعض العلماء إلى طريقة يزيدون بها من الأحياء البحرية المسماة بـ”ثلج البحر”، وهي عبارة عن أحياء شديدة الصغر ضوئية قادرة على إطلاق كميات كبيرة من الأوكسجين، وبذلك تتوازن حموضة المياه.

وعلى مستوى الحد من غاز الميثان تم العمل بمشروع عملاق في آيسلندا غرضه حجز الغازات المتسربة تحت الأرض ومنع إطلاقها إلى الجو، ثم القيام بتحويلها إلى سوائل يمكن الاستفادة منها لأغراض توفير الطاقة النظيفة.

وفي أسكتلندا أنشؤوا محطة ضخمة على شكل “شفاطة” تسحب الهواء ثم تقوم بتصفيته من غاز ثاني أوكسيد الكربون وتعيد إطلاقه ثانية إلى الجو.

وفي أسكتلندا أنشؤوا محطة ضخمة على شكل "شفاطة" تسحب الهواء ثم تقوم بتصفيته من غاز ثاني أوكسيد الكربون وتعيد إطلاقه ثانية إلى الجو.
في أسكتلندا أنشؤوا محطة ضخمة على شكل “شفاطة” تسحب الهواء ثم تقوم بتصفيته من غاز ثاني أوكسيد الكربون وتعيد إطلاقه ثانية إلى الجو

البصمة البشرية

تجارب كثيرة ومشاريع طموحة لكنها لم تصل بعد إلى ما يصبو إليه العلماء، فتحقيق الخطوات المطلوبة -كما يقول الممثل الأمريكي دي كابريو- يتطلب تعاونا كبيرا من الأفراد والحكومات، كما يحتاج إلى المصارحة الشجاعة بما يقوم به الإنسان من تخريب وتدمير للبيئة.

قبل ختام زمنه يذهب الوثائقي لتأكيد ما ينبغي الاتفاق عليه بشأن الآثار التدميرية للبشر على الطبيعة، من بين تلك الحقائق الواجبة التثبيت؛ “البصمة البشرية”. فالاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض جزء كبير منها ناتج عن فعل البشر، وكل محاججة تريد إبعاد هذا العنصر يمكن “فضحها” عبر تثبيت “بصمات الجريمة”.

فالغازات المتسربة إلى طبقات الجو العليا لها خواص طبيعية وأخرى طارئة تتأتى من مواد ومحروقات صناعية، وبالتحليل المختبري يمكن فصلها وتبيان “البشري” من “الطبيعي”، وبذلك يُسهم العلماء في إقناع السياسيين بضرورة إصدار قرارات تحد من تسريبات المصانع وتُقلل مخلفات المشاريع البحرية والزراعية الربحية العملاقة.


إعلان