جون القذر.. عن حقيقة وسيم أوقع النساء في حبائله
كيف ينجح رجل واحد في الإيقاع بكل هذا العدد المهول من النساء، كيف يُمكن له أن يجذبهن إليه بقوة المغناطيس، ويجعلهن يُصدقن كل شيء يخترعه من أكاذيب، ولماذا كن يغفرن له مرات عديدة قبل أن يتأكدن من الخديعة، وأنهن مجرد ضحايا تم التغرير بهن من طرف شخص سيكوباتي محتال مُصاب بهوس الإيقاع بالنساء واستغلالهن؟!
هل كانت الوسامة والجاذبية تلعب دوراً؟ نعم، لكن مع حالة جون ميهان بطل فيلم “جون القذر.. الحقيقة القذرة” ومرتكب هذه الجرائم الناعمة؛ لم تكن الوسامة هي العامل الوحيد، بل كانت عنصرا مساعدا وفعَّالا، إلى جانب ظروف وعوامل أخرى عديدة، بعضها يخصه، والبعض الآخر يتعلق بضحاياه من النساء. فقد كان جون يرسم لنفسه صورة جذابة، براقة، مثالية، تجعل كثيرا من النساء يقعن في غرامه، ويعتبرنه زوجاً مثاليا تتمناه كل امرأة.
كان جون يبدو متدينا، يضع له على الإنترنت صوراً لافتة مع طفلتيه، صوراً في حالات مرح ومشاكسة ومُبهجة. كانت ابتسامته الجذابة تزيد ملامح وجهه الجميلة جمالا مُضافاً، وكان يبدو مع جسده الرياضي الممشوق وكأنه نجم سينمائي خرج من الشاشة الفضية للتو. علاوة على ذلك فإنه طبيب جراح أعزب، كما كان يقدم نفسه للجميع.
ورغم أهمية ما سبق، فإن كل ذلك لم يكن كافياً لارتكاب هذا العدد الضخم من حالات ترويع النساء والاعتداء عليهن ومحاولة قتل بعضهن أو استئجار قاتل مأجور للتخلص من بعض المحققات، فقد كان جون يختار ضحاياه بعناية ودقة فائقة وفق شروط معينة، اصطاد أغلبهن من غرف الدردشة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، لكنهن جميعاً نساء متقدمات في العمر، أو في منتصف العمر، لديهن أطفال يتحملن مسؤوليتهم، نساء خرجن للتو من علاقة غرامية فاشلة، أو زواج غير ناجح.
كان عادة يختار النساء الثريات اللاتي يشعرن أنهن وحيدات -حتى لو كن يعشن وسط عائلة تتضمن الأولاد والأهل. كان صيده دائما من النساء الناجحات في أعمالهن، المتميزات، لكنهن يشعرن بالوحدة، وبعدم الثقة في النفس، خصوصا عندما يتقدم بهن العمر.
كان جون يُدرك جيداً احتياج هؤلاء النساء للعواطف، للحب، للرفيق، فكان يُنصت إليهن طويلاً بطريقة تُريح النساء وتُعجبهن ويفسرنها بشكل خاطئ. الحقيقة أنه كان يُنصت لسببين: أولاً لنصب الشرك، وثانياً ليَدْرس الشخصية بدقة عبر كل التفاصيل التي تحكيها بحثاً عن نقاط ضعف عندهن، وسبل الاختراق التي تجعله المسيطر ويستحوذ على ما يريد من أموال وممتلكات، بينما كانت النساء يتوهمن أن إنصاته ونظرته -الأدائية- إليهن دليل على أنه مُتيم بأسلوبهن في الحديث والتفكير.
كان يساعدهن في أمور الحياة والمعيشة، لم يكن يُنفق شيئاً من ماله الخاص، فقد كان يبذره على إدمان المخدرات. كان يعيش على أموالهن، يقترح عليهن فعل أشياء، يلعب معهن، ويضحك كثيراً، يصطحبهن في نزهات ورحلات ترفيهية ممتعة، يسألهن عن مشاكلهن، ويدعي أنه يبحث لهن عن حلول، يطبخ، ينظف البيت، يقوم بمهام الغسيل، يذهب للبنك، ويتسوق ويوصلهن لمقر أعمالهن لإحكام المراقبة.
بعض النساء كانت تأسرها تلك المعاملة، تراها حُباً وغراماً، بعض النساء اعتبرته توأم روحها الذي كانت تبحث عنه، بينما الحقيقة أن تلك المعاملة كانت جزءاً من خطة دقيقة محكمة لفرض السيطرة والهيمنة التي كان جون شغوفاً بها. فعندما يشعر بأن هذا الميزان اختل، وبأن ضحيته بدأت تفيق أو صارت تشك فيه أو تفكر في الابتعاد عنه أو تأخذ حذرها أو ترفض سيطرته وتنفيذ رغباته، هنا ينقلب عليها ويتحول إلى عدو غدار قادر على الانتقام في أحط وأقذر أنواعه، حتى لو اضطره الأمر لقتلها بسيارته المنطلقة بسرعة جنونية.
رجل يبيع الجميع
كل ما سبق وأكثر نتعرف عليه من خلال حكايات عدد من النساء بالفيلم الوثائقي التلفزيوني “جون القذر.. الحقيقة القذرة” الذي أنتجته نتفليكس، وأخرجته سارا ماست في زمن فيلمي يبلغ ساعة و28 دقيقة ويتضمن لقاءات متعددة مع صديقات جون وزوجاته السابقات، وكذلك مع ابنتيه من زوجته الأولى، إضافة إلى بنات زوجته الأخيرة، ومع الصحفي الذي نشر عنه سلسلة مقالات تكشف حقيقته وتاريخه الإجرامي، ومحللة للسلوك الإجرامي، وقاض واثنين من المحققين في قضاياه، وأحد أصدقائه من فترة الجامعة الذي عمل معه في المخدرات إلى أن وشى به جون لينقذ نفسه من قضية مخدرات.. فقد كان جون قادرا على استغلال الجميع، وبيعهم في أي لحظة من أجل مصالحه وحماية نفسه.
كل الشخصيات بالفيلم تحكي رأيها في جون ورؤيتها للوقائع، وتفسرها كما عاشتها معه، أو كما تراها وتشعر بها آنذاك، والآن بعد سنوات تكتمل الصورة عبر تلك الفسيفساء المكونة من شهادات وأدلة ووثائق، حيث يتضمن الفيلم عرض أوراق القضايا، وبعض المقاطع الصوتية لمكالمات هاتفية تهديدية لزوجته الأولى وأم بناته، ورسائل إلكترونية -بعضها تهديد والآخر رسائل حب- إضافة إلى رسائل بريديه بعضها على كارت بوستال، ولقطات مسحوبة من هاتفه الجوال لصور نساء عاريات كان قد أقام معهن علاقات غير سوية، إضافة إلى تصوير مسرح الجريمة بمخلفات المخدرات والأسلحة ومواد القتل مثل مادة السيانيد، سواء في بيوت الضحايا أو في شقته، أو في المكان الذي هاجم فيه ابنة زوجته وحاول قتلها واختطافها، وكذلك سيارته الضخمة التي كان يُدير منها جرائمه الناعمة، والكومبيوتر الشخصي الذي كان يحوي ملفات مفصلة مليئة بالصور والمعلومات والحسابات والأرقام السرية لمئات النساء، حتى زوجاته.
كما عرض الفيلم العديد من لقطات الفيديو الأرشيفية وصورا فوتوغرافية له مع النساء اللواتي ارتبط بهن في لحظات السعادة والفرح والإجازات على الشواطئ، وقام بترويعهن لاحقاً، ومن بينهن كاتبة برازيلية شهيرة وثرية جدا كانت تجري جراحة في المخ واستيقظت وهي تحت تأثير المخدر لتجده يقف أمامها، ينظر إليها ويخبرها أنه طبيب التخدير، ثم ظل يرافقها ويتقرب إليها بتودد كبير ويحاصرها بعواطفه التمثيلية المتمرس فيها، حتى وقعت في غرامه. وعندما ظل يسألها عن تفاصيل حياتها أخبرته بأموالها الكثيرة في البرازيل التي لا تستطيع إحضارها إلى الولايات المتحدة، فأكد لها أنه يستطيع فعل ذلك، وأقنعها أن تحول لحسابه 37 مليون دولار. وعندما لم تكتمل عملية التحويل بدأ في تهديدها وابتزازها حتى إن الجميع نصحها بترك أمريكا لأنه سيحاول أن يقتلها.
ديبرا نموذجاً
يبدأ السرد بالفيلم من شخصية ديبرا مهندسة الديكور وهي تحكي عن لقائها بجون قائلة “عام 2014 كنت امرأة وحيدة، ليس معي شريك، كنت ناجحة ومفعمة بالحيوية أعيش مع ابنتي، وبين عائلتي وأصدقائي. عملت مهندسة ديكور على مدار عمرها 35 سنة. كان ينقصني شيء واحد فقط، الحب، الرفقة. أدركت أنني أريد فقط الشعور بأنني محبوبة. أعتقد أنه كلما تقدم العمر بالنساء يقل عدد الرجال من حولهن الذين يتمتعون بالصحة ويتميزون بأنهم سعداء وقادرون على المرح. عندما تعرفت على جون عبر الإنترنت وغرف الدردشة أتذكر شيئاً واحداً أستدعيه دائماً، أنه كان الرجل الذي أتمناه، أردت رجلا متدينا، شخصاً محبا لعائلته، شخصا ناجحا وذكيا. وبالنظر لكل تلك الأمور التي كانت موجودة من خلال صوره التي كانت تقول إنه شريك رومانسي ونموذجي جدا. لقد أحببته أيضاً بسبب طريقة معاملته لي ونظرته في عيوني، من الطريقة التي كان يُنصت بها إلى. لقد أخذني إلى منطقة لا يمكن العودة منها”.
كانت ديبرا الضحية الأخيرة في سلسلة طويلة ممتدة من النساء. ورغم شكوك ابنتيها وتحذيراتهما لها فإنها لم تنصت إليهما، ولم تصدقهما. كان يمكنه أن يقتلها ليستولي على أموالها بعد أن تزوجها، بحكم القانون والوصية التي كتبتها، خصوصا بعد أن أفسد علاقتها ببناتها، وقطع التواصل بينهن. لكن الغريزة الإنسانية والحاسة السادسة عند المرأة بدأ تفعيلها عندما أخذت ديبرا تُلاحظ تفاصيل صغيرة متوالية، فالكاميرات التي وضعها جون في أرجاء البيت لمراقبتها كانت تتيح لها الفرصة لمراقبته هو أيضاً. كان يخرج إلى العمل بالمستشفى بزي الطبيب وبعد ساعة واحدة – عندما تكون ديبرا في البيت وليس لديها عمل – تراه في الكاميرات يعود ويجلس أمام التلفاز أو ينام. لكن الموقف الأول الصادم لها عندما فتحت خطاباً يخصه في صندوق البريد، وكان الخطاب من زميل له بالسجن، فتحته وكان نصه يثير لديها كثيراً من الشكوك. هنا، عندما لمحها جون في كاميرات المراقبة هددها بأنها ارتكبت جناية للتو وبأنه يمكن أن يُسجنها، وعندما سألته عن هذا الشخص أخبرها أنه سجين يساعده، فهو يرسل طرود إعانة لكثير من المساجين.. ورغم أنها وصفته بالشخص الكريم للغاية فإنها شعرت بالخوف. لقد كانت أشياء صغيرة تتراكم ببطء وتجعل غريزتها تخبرها بعدم الاطمئنان.
وفق محللة السلوك الإجرامي فإن جون كان يُجيد عزل الضحية عن الآخرين، ويتلاعب بمشاعرهن. كان يقول للمرأة “أحبك، أريد أن أتزوجك، أنا مغرم بك، أريد أن أقضي بقية حياتي معك، أريد أن أكبر معك وأن أموت في أحضانك، لماذا لا نتزوج؟ من فضلك دعينا نتزوج، ماذا ستخسرين لو تزوجنا”.. هكذا أقنع ديبرا -بإلحاح ضاغط تحت ستار الحب- بالزواج منه.
جون الداعر
يكشف الفيلم أن جون كان يُمثل شخصية داعر منذ مرحلة مبكرة من حياته، وتحديداً منذ دراسته الجامعية، فقد كان يمارس الفعل الفاحش مع النساء المُسنات مقابل أموال طائلة. كان مشغولاً ومهموماً بجني الأموال والتربح، خصوصاً بعد فشله في الالتحاق بكلية الطب، ولذلك أيضاً مارس الاتجار بالمخدرات. وكان إيقاع النساء مثل الإدمان عنده كما يصفه كثير من الشهود بالفيلم، وإن كان الصحفي من لوس أنجلوس تايمز الذي كتبت عدة مقالات عنه بعنوان “جون القذر.. إنها مسألة حياة أو موت في هذه القصة” يُحاول تفسير انطلاق الجانب المظلم في شخصية جون منذ ظهور المشاكل العائلية في الطفولة.
فقد ولد جون ميهان وعاش في سان خويه. كان والده يتبع أسلوب حياة ومبادئ رجل العصابات، وربى ابنه على ذلك. كان يقول له لو ضربك أحدهم على خدك فرد له الصاع صاعين، إن ظلمك أحد فاكسر له قدمه.
وكان جون دائم الكذب بشأن عائلته، فليس صحيحاً ما قاله لديبرا بأن عائلته بأكملها ماتت منذ صغره، وأنه ليس لديه سوى طفلتيه، فقد كان لديه أختان تعيشان في كاليفورنيا، وانقلب عليهما بضراوة مثلما فعل مع الجميع.
كان رياضيا ويلعب كرة السلة أثناء المدرسة الثانوية، لكنه أيضاً تعلم المناورة منذ صغره لتحقيق أهدافه، وأصبح سلوكا دائما. ويعتقد الصحفي بأن الطلاق بين والدي جون وهو لايزال في المدرسة الثانوية، كان له تأثير مدمر على العائلة، كما أن جون ظل يلوم والدته على تشتيت شمل العائلة، ومن هنا بدأ طريقه إلى الجانب المظلم، والشر والفساد وكأنه ينتقم.
من بين ضيوف الفيلم امرأة تعرفت عليه عندما كان شابا وكان عمرها آنذاك عشرين عاماً. كانت تعمل في بنك. تقول “أعتقد أن جون أدرك أنني فتاة صغيرة في السن وساذجة وربما يسهل خداعي نوعاً ما، فقد كان يخبرني أنه لا يريد أن ينفصل عني أو يبتعد عني، شعرت بالإطراء وباستحواذي على اهتمام جون، من ثم وقعت في غرامه. لكن عندما كنا نخرج للعشاء أو للسينما، بمجرد أن يرن هاتفه نرحل على الفور. وفي إحدى المرات أوصلني للمنزل، ثم قبلني وقال إنه لا يريد أن ننفصل، ولم أره أبداً بعدها. كنت أتساءل: أي نوع من النساء يُريد؟ ما الخطأ الذي ارتكبته؟ وكنت دوماً أضع اللوم على نفسي. الآن أعتقد أنه لجأ إليّ لأنه أدرك أنني أشعر بكثير من عدم الأمان وبأن ثقتي بنفسي كانت منعدمة. أعتقد أنني كنت حقل تجارب لجون، كان يختبر ألاعيبه وخدعه معي. لقد حطم قلبي”.
ورط جون نفسه في الكثير من المشاكل، لكنه كان يجد حلا للإفلات منها بنجاح. فبعد القبض عليه وبحوزته مخدرات في مطلع الثمانينيات (تحديداً في عام 1983) ترك موطنه أريزونا وذهب إلى أوهايو ليلتحق بكلية الحقوق. هناك التقي بزوجته الأولى تونيا التي كانت تنتمي لأسرة عريقة ومن بيئة اجتماعية راقية، كانت تعمل ممرضة تخدير، وتبعها جون في نفس المهنة. بل هي التي ساعدته في الالتحاق بكلية التمريض.
تحكي تونيا عن التعارف بينهما فتقول: “كنت أعمل ممرضة بغرفة العمليات. كنت يومها أتحدث مع أصدقائي، وفي طريقي إلى الحمام أوقفني جون وتحدثنا. كان شخصية اجتماعية مبهجة وبشوشة، كان جذاباً يطرح كثيرا من الأسئلة. لم أعطه رقم هاتفي، لكنه عرف مكان عملي. في اليوم التالي اتصل بغرفة العمليات وطلبني بالاسم. كنت ساذجة، صدقت كلامه المعسول. كان يقول لي أريد أن أتعرف عليك أكثر. أعتقد أنني وقعت في غرامه بسبب طريقته في الإصغاء إليّ ولاهتمامه البالغ بي وقدرته على إسعادي. بعد عام من اللقاء قربني أكثر، وذات يوم طلب مني الزواج، وقدم لي خاتماً رائعاً من الماس. لم يحضر أحد من عائلته حفل الزواج لأنه -كما أخبرني- يرى أن أفراد عائلته سيكونون مصدر إحراج له، فوالده مدمن كحول، ووالداه منفصلان، ولن يكونا منسجمين، وأنه لا يريد أن يفسد يومنا المميز والخاص جدا”.
عندما شاهدت تونيا فيديو زواجهما واحتفال أصدقائه به، لاحظت أن أحدهم وصفه بـ”جون الداعر”. بينما يسأله صديق آخر: “هل تذكر لماذا أطلقت هذا الوصف على جون ومتى ولماذا؟”، فأجابه: “نعم أتذكر، لكنني لا أستطيع أن أقول ذلك أمام الكاميرا”.
وكان تفسير جون لزوجته أن أصدقاءه أفرطوا في الشراب. لكن بعد الزواج بعدة سنوات وقع أحد الأحجار الصغيرة من خاتم الزفاف، وذهبت الزوجة لإصلاحه فأخبرها الجواهري بأنه مزيف؟ صُدمت آنذاك، لكنها ابتلعت الإهانة ولم تُخبر جون أبداً بأنها اكتشفت حقيقة الخاتم المزيف. انخرطت في الأمر، مثل أي شخص بالغ يقع في الحب، وينتهي بنهاية سعيدة بالزواج.
ليس الرجل الذي تزوجته
في بداية الزواج رفض جون فكرة الأطفال، وبعد عدة سنوات وافق وأنجبت تونيا طفلتهما الأولى. ثم عندما تم قبوله في برنامج التخدير التمريضي، خططا لإنجاب الطفل الثاني، لكن بعد قليل جداً وفي عيد الميلاد، بدأ جون الحديث عن كونه غير سعيد في زواجهما، وأنه يريد الانفصال. كانت تونيا محطمة، فقد تزوجته ليكون زوجا للأبد. ولم تكن تفهم ما الذي حدث، بينما ترى ابنتاه الشابتان أنه اتخذ هذا القرار بوعي تام.
أثناء فترة الانفصال والارتباك المحاطة بالغموض كان الجميع في أسرة تونيا يقول: “ثمة شيء مفقود”، ثم أخبرها أحد أقاربها بأنه ربما عليها العثور على أحد أفراد عائلة جون لتفهم وتحل شفرة ذلك الغموض، ففتشت تونيا عن هاتف والدته على الإنترنت ونجحت في العثور عليه، اتصلت بها فقالت المرأة بعد صمت طويل “عرفت أنك سوف تتصلين بي يوما ما”. ثم سألتها عن أخباره مع المخدرات، ولاحقاً أخبرتها الأختان عن كثير من قضايا الاحتيال التي قام بها جون للحصول على التأمين، ومنها أن صديقا صدمه بالسيارة عن عمد وكسر ساقه ليتلقى تعويضاً جراء ذلك، وأنه وضع بعض الزجاج عن عمد في فطيرته بأحد المطاعم ثم رفع ضدهم دعوى قضائية.
هنا شعرت تونيا بأن جون هذا رجل آخر لا تعرفه، إنه ليس الرجل الذي تزوجته، لذلك بدأت النبش في ماضيه، والتفتيش في أشيائه الخاصة، عندها وجدت صناديق بها قوارير من عقاقير المخدرات القوية التي لم يكن هناك أي داع لإحضارها للبيت.
في ذلك الوقت كان قد مر على زواجهما -تونيا وجون- عشر سنوات، وأدركت فجأة أن كل شيء عاشته في زواجها كان كذبة كبيرة. في البداية ظنت أنه كان مدمنا، لكن عائلته أخبرتها أنه يشحن المخدرات إلى أخيه المدمن في كاليفورنيا.
في تلك الأثناء مات أخوه بجرعة زائدة من المخدر، وهنا قالت تونيا “عند هذا الحد لا يمكن السكوت، لا بد من التصرف بسرعة، فتحدثت إلى البوليس الذي حضر وعثر على كميات من العقاقير، هنا توهمت تونيا أنه سيتم القبض عليه وينتهي الأمر لأنه قتل أخاه، أو على الأقل ساهم في قتله، لكن هذا لم يحدث، وبدأت التهديدات والترويع، طوال فترة التحقيقات التي استمرت طويلاً.
أدلة حاضرة
في ذلك الحين كان وضع جون المهني يسوء، كان يسرق أدوية المرضى ليُشبع احتياجه للمخدرات، فقد تدهورت حالته، وتم تقديم شكاوى عديدة ضده وفقد رخصته الطبية. كان إدمانه للمخدرات يتزايد بشكل متسارع، وأصبح يتصرف بشكل طائش، انتقل للعمل في مكان آخر في “إنديانا”، وكان هناك أغلب أصدقاء تونيا الذين يعرفون قصته وسيرته، فاتصلوا بالمجلس الطبي وحذروه، ففصل، واعتقد جون أن تونيا هي مَنْ فعل ذلك فبدأ في تهديدها برسائل مرعبة، كانت تأتيها مكالمات مخيفة وطلبت منها الشرطة تسجيلها.
جون ميهان كان ذئبا يرتدي ثوب حَمَل وديع، ويقدم نفسه للنساء في صورة ملاك، لكن الحقيقة أنه روَّع كثيرا منهن، حتى الشرطيات والمحققات النساء، فقد كان لصا متسللا ومحتالاً خطيراً ومريضاً نفسيا.
انتقل جون من ضحية إلى أخرى ومن ولاية إلى أخرى ومن مدينة إلى مدينة، كان يأخذ ما يستطيع أن يحصل عليه ثم ينتقل إلى ضحية جديدة. لكن البعض الآخر من النساء أدركن أكاذيبه مثلما يبدو من حكايات ابنتا ديبرا، خصوصاً ابنتها تيرا التي قتلته وهي في حالة دفاع عن نفسها قائلة “كنت أعلم أنه إما أن يقتلني أو أن أقتله، كنت أدافع عن حياتي، وبدأت أطعنه مرات عدة. أنا لست ضحية، أنا ما زلت على قيد الحياة”.