من الأخوين لوميير إلى أمودو..كيف تشكلت السينما الوثائقية بالمغرب
في “إملشيل” إحدى قرى المغرب، ليقول الناس “أحبك” يقولون “ترولت ديكي”، وهي كلمات أمازيغية بمعنى “لقد أبدتني” أو “لقد كنت لي هالكا”.
هلاك كان مصير بطلي أسطورة حب تنهل من الميثولوجيا الأمازيغية عن الشاب “إيسلي” والشابة “تيسليت” اللذين رفضت عائلتاهما تزوجيهما بسبب عداوة قديمة بين قبيلتهما، فبكى العاشقان حزنا على مصيرهما، حتى تشكلت بدمعوهما بحيرتا “إيسلي” و”تيسليت” الشهيرتين في المنطقة.
جاءت هذه القصة على لسان أحد المارة في مقطع مسجل بشكل يبدو هاويا، وإطارات تتمايل نتيجة عدم ثبات الكاميرا، وذلك كتمهيد لفيلم يبدو من الوهلة الأولى أنه فيلم تسجيلي عن أسطورة حب محلية. لكن المشاهد يستوعب فيما بعد أنه أمام لقطات لاستجماع استجوابات شفهية تؤثت الحكي السينمائي لفيلم “محاولة فاشلة لتعريف الحب” لصاحبه المخرج المغربي حكيم بلعباس المعروف بمزجه للواقع مع الخيال وطمس الفوارق السينمائية بين ما هو وثائقي وما هو تخييلي.
ويبرر حكيم هذا المزج بأنه لا يجب التقوقع في بِرك محدودة الأفق حين يكون المحيط ضخما لا حدود له، لذلك يميل حكيم لنفي الأجناس أو الأنواع الفيلمية في أعماله.(2) هذا الأسلوب الذي يطبع أفلام حكيم بلعباس شكّل عنصرا مهما في الأعمال السينمائية المغربية الأولى منذ التجارب المؤسِّسة للسينما المغربية، بداية مع أفلام مثل “الشركي” لمومن السميحي، و”السراب” لأحمد البوعناني، “وشمة” لحميد بناني.(3)
تلك النماذج وأخرى غيرها تُظهر الترابط الكبير بين الروائي والوثائقي في السينما المغربية، لذلك فالحديث عن بانوراما الأفلام الوثائقية بالمغرب يعني بالضرورة الحديث عن البدايات الأولى للسينما بهذا البلد.
“راعي الماعز المغربي”.. أفلام فرنسية بديكور مغربي
اكتشف الأخوان “لوميير” السينماتوغرافيا عام 1895، وبعد ذلك قررا الرحيل لشمال أفريقيا بغرض تصوير عدة أفلام تهم المنطقة، منها فيلم قصير صُور بالمغرب بعنوان “راعي الماعز المغربي”، ويوثق حياة راعي أغنام يرعى قطيعه.(4)
هذا الاختراع الدخيل على البلد واكبه أيضا إعجاب من طرف القصر السلطاني الذي شهد أول عرض سينمائي بالمغرب سنة 1897، ونظرا لإعجاب سلطان المغرب آنذاك “مولاي عبد العزيز” بالتجربة فقد قرر توظيف أحد تقنيي شركة “لوميير”، وهو “غابرييل فاير” الذي صار فيما بعد المصور الوثائقي لحياة السلطان.(5)
وما بين أول تجربة سينمائية بالمغرب إلى إنشاء المستعمر الفرنسي للمركز السينمائي المغربي سنة 1944؛ ظلت الأعمال المنجزة منتجات فرنسية صرفة في غياب شبه كلي للمغاربة، حيث يقول المؤرخ السينمائي أحمد سجلماسي: عرف المغرب السينما كديكور طبيعي صالح لتصوير كل ما هو غرائبي وغير مألوف للعين الأوروبية.
وتؤكد طبيعة الأفلام المنجزة في تلك الفترة بأن المغرب استُعمل كديكور فقط لتأكيد السطوة الفرنسية على البلد، وزرع ثقافة تقبّل الاستعمار من خلال وثائقيات تمجيد لفرنسا وللتدخل العسكري، وعبر إقامة عروض سينمائية تزايدت مع مرور الوقت، لدرجة إصدار أول قانون ينظم المنشآت السينمائية بالمغرب سنة 1916.
“كل ما يتحرك فوق الشاشة هو سينما”.. حقبة ما بعد الاستعمار
ترك رحيل المستعمر الفرنسي سنة 1956 فراغا في المشهد السينمائي بالمغرب، خصوصا من ناحية الكفاءات، لذلك قرر المركز السينمائي المغربي إرسال بعثات طلابية لأوروبا بغرض تلقي تكوين سينمائي.
لكن هذه البعثات كانت تصطدم عند رجوعها بغياب سوق سينمائية بالمغرب، لذلك اشتغل هؤلاء المخرجون في تصوير الأفلام الوثائقية المخصصة للإدارات العمومية أو تصوير الأخبار التي كانت تسمى بالأنباء المصورة، وهي عبارة عن نشرات إخبارية لا تزيد عن ربع ساعة كان يعدها المركز السينمائي المغربي، وتُعرض في صالات السينما قبل بداية العرض.
ساهمت هذه العملية في تدريب السينمائيين المغاربة، وجعلتهم يحتكّون بالميدان ويطبقون النظريات السينمائية التي درسوها في الخارج، ولنا أن نضرب المثال بتجربة المخرج أحمد البوعناني الذي أعاد توضيب بعض النشرات الإخبارية في فيلمه الوثائقي “كازابلانكا 6/12”(6)، ويعرض فيه معمار وسكان الدار البيضاء في تلك الفترة على إيقاع موسيقى الجاز.
هكذا يمكن القول إن الجيل الأول من صناع الأفلام المغاربة وعلى غرار الأخوين لوميير في فيلمهم الوثائقي الأول “خروج العمال من المعمل” قد تلمسوا خطواتهم الأولى في الوثائقيات، ولا يمكن لأي قارئ لتاريخ السينما المغربية أن يفصل الأعمال الوثائقية عن الروائية، فكل ما يتحرك فوق الشاشة هو سينما على حد قول المخرج الفرنسي “جان رينوار”.
“ناس الغيوان”.. نشوة الاستماع إلى الموسيقى التراثية
“بالرجوع لسنة 1981 عندما كنت أقوم بإعداد فيلم “ملك الكوميديا” (King of Comedy)، شغّلت التلفاز على إحدى قنوات الكابل، فتصادفت مع بث وثائقي شاعري بعنوان “الحال”، ومن الوهلة الأولى فُتنت به”(7). بهذه الكلمات تحدث المخرج الأمريكي “مارتن سكورسيزي” عن اكتشافه لأول مرة فرقة “ناس الغيوان” الموسيقية، والتي لقبها بـ”رولينغ ستونز أفريقيا”.
يحكي وثائقي “الحال” لأحمد المعنوني قصة فرقة ناس الغيوان، وانطلاقتها من الأحياء الشعبية لمدينة الدار البيضاء لتصل للعالمية، حيث يُسلط الفيلم الضوء في قالب وثائقي على بدايات فرقة “ناس الغيوان” من قلب الحي المحمدي الفقير، ويرصد نجاحهم الذي جعلهم رمزا للنضال بالمغرب، ليقربنا من الواقع اليومي للبلاد، وأهمية الموسيقى في الدروب الشعبية.
“الحال” (Trance) كلمة دارجة مغربية تعني النشوة التي تصيب الشخص عندما يُسلِّم جسده لإيقاع موسيقى كناوة أو عيساوة، وفي فيلم “الحال” يبدأ المشهد الإفتتاحي برقصة جماعية للجمهور تجسد النشوة التي تصيبهم في حضرة الموسيقى الغيوانية.(8)
“ناس الغيوان” هم مجموعة تتمتع بشعبية كبيرة كسرت الحدود اللغوية لأغانيهم، وأُسست الفرقة سنة 1971 على يد فنانين شباب يُوحدهم الفقر، فخلقت لنفسها هوية موسيقية مُستمدة من التراث الموسيقي المغربي، معاكسة لموجة أغاني الحب المنتشرة آنذاك، وبكلمات ثورية تعكس هموم الجمهور، جمهور يدخل في بعض الأحيان في حالة من النشوة.
تحوم حول موسيقى كناوة معتقدات تربط ترويض الجسد ووصوله لمرحلة “الحال”، وذلك بتخلصه من الأرواح الشريرة، فتستعمل هذه الطريقة في الزوايا والأضرحة كوسيلة علاجية.
“الحال”.. إلهام “سكورسيزي” الذي أعاد ترميمه
ربط ناس الغيوان موسيقاهم بالتقاليد الشعبية كوسيلة للتنفيس عن الضغط والقيود السياسية التي يشهدها الشباب في تلك الفترة. ويقربنا مخرج الفيلم أحمد المعنوني من هذه الطقوس الجماعية أثناء حفلات “ناس الغيوان”، وبدلا من التركيز على براعة العزف، فإن المخرج يهتم بالوجوه والتعبيرات ومدى التركيز الشديد الظاهر في وجوه المجموعة، وكأنهم في حالة حرب، أو بالفعل في حالة استحضار للأرواح.
تعود فكرة إنتاج فيلم عن “ناس الغيوان” لبداية الثمانينيات(9) عندما حضرت مخرجة الأفلام الوثائقية المغربية إيزة جنيني لعرض موسيقي للفرقة بباريس فافتتنت بالأداء، ثم عرضت على صديقها المخرج أحمد المعنوني أن يصور تقريرا حول جولة الفرقة في تونس، وسرعان ما وجد نفسه يُصور حياتهم اليومية مستفيدا من التكوين المسرحي لأعضاء الفرقة، فمن قرطاج إلى أغادير مرورا بالصويرة وباريس وثق أحمد المعنوني قصة “الحال”.
عُرض الفيلم سنة 1981، لكن لا أحد علم آنذاك أنه في الضفة الأخرى من العالم كان هناك مخرج عالمي في لحظة إحباط إبداعي(10) يشاهد هو الآخر الفيلم من غرفته، لقد شاهد “سكورسيزي” فيلم “الحال” وألهمه في أعماله. وقد تبناه كأول فيلم عالمي يجري ترميمه من قبل مؤسسة أنشأها خصيصا للمحافظة على الأيقونات السينمائية العالمية، حيث قال عنه: مشاهد الفيلم والمادة الموسيقية شكلت مصدر إلهام عميق لي حينما قدمت للمغرب من أجل تصوير فيلم الإغواء الأخير للمسيح.(11)
وقد عرض “سكورسيزي” الفيلم بعد ترميمه سنة 2007 في مهرجان مراكش الدولي للفيلم، بحضور أفراد “ناس الغيوان” الذين لا يزالون على قيد الحياة، وبحضور إيزة جنيني منتجة الفيلم والمخرج أحمد المعنوني.
ولاحقا أعاد “سكورسيزي” تصوير فيلم شبيه لفيلم “الحال” عن فرقة “الرولينغ ستونز” بعنوان “تسليط الضوء” (Shine a Light) سنة 2008.
“أمودو”.. اكتشاف كنوز الطبيعة في المغرب
“أمودو” كلمة أمازيغية تعني السفر، لكنها طيلة سنوات عديدة أخذت ترتبط في الأذهان ببرنامج وثائقي كان ضمن العروض التي يفضل المغاربة مشاهدتها على شاشات تلفازهم، بدءا من سنة 2002 لغاية وقتنا الحالي.
خلال تلك الفترة لم يكتفِ البرنامج بالعمل في المغرب فقط، بل خصص موسمين لدولة آيسلندا وجزر الكناري مُقربا المغاربة من عالم الترحال والاكتشاف. البرنامج من إخراج حسن بوفوس، وهو أيضا من يقوم بالتعليق الصوتي.
ويحكي بوفوس في حوار خاص مع “الجزيرة الوثائقية” عن البدايات الأولى لفكرة البرنامج قائلا: جاءت فكرة برنامج أمودو من صاحب شركة الإنتاج الحسين فوزي، فهو يمارس هواية الاستغوار ويزور عدة مغارات مع فريقه للاستمتاع واكتشاف ما تزخر به مغارات المغرب من كنوز طبيعية وبحيرات تحت الأرض، لكن للأسف يصعب على الإنسان العادي الوصول لتلك الأماكن لما تحتاجه من معدات وبنية جسمانية، لذلك فكر المُنتج في طريقة لمشاركة متعته في الاستغوار مع المغاربة عن طريق تصوير وثائقي خاص بالمغارات، ومن هناك تبلورت فكرة أمودو ليصل الآن موسمه الثاني عشر.
نجح البرنامج في أن يصبح مادة أرشيفية للباحثين في المغرب، فقد استطاعت كاميرا البرنامج أن تصل لأماكن بالمغرب لم يصل إليها أحد من قبل. ويقول بوفوس: في بعض الأحيان نزور مناطق لم يُكتب عنها ولو سطر واحد في المراجع التاريخية، وبعد انتهاء الحلقة نصبح نحن المصدر، مثلا أثناء تصوير إحدى حلقاتنا عن مغارة بجنوب المغرب، اكتشفنا صدفة جمجمة فهد، ولكي نعرف تاريخ عيش الفهد بالمنطقة أرسلنا عينة منها للبرازيل لمختبر مختص في التأريخ بالكربون. وفي نواحي مدينة أسفي، يتحدث السكان عن أسطورة مدينة اسمها تيغالين غرقت في البحر على غرار أسطورة “أتلانتس”، وأكد لنا البحارة بأنهم يرون أعمدة هذه المدينة وسط البحر، ولكي نفك اللغز أرسلنا غطاسين من طاقمنا بمعدات التصوير ونزلنا لعمق يقارب 400 متر، وبالفعل اكتشفنا أعمدة، لكنها أعمدة تشكلت بسبب الصخور المرجانية، ولاحقا اعتمد عدة باحثين على تلك الحلقة في بحوثهم حول أسطورة تيغالين.
نجح “أمودو” في أن يقاوم تكلفة الإنتاج الباهظة التي كادت أن توقف بثه سنة 2013، واستطاع أن يحفر اسمه في البرمجة التلفزيونية، بالرغم من موجة البرامج الترفيهية التي يسهل تمويلها ويكون ربحها مضمونا، وفي هذا الصدد يقول حسن بوفوس: الفيلم الوثائقي مجال صعب، فهو يشمل كل الأصناف على عكس الإنتاجات التلفزيونية الأخرى التي تكون برامج متخصصة، فـ”أمودو” يشمل الجانب التاريخي والجغرافي والاستكشافي والإنساني والحيواني والجيولوجي. قد نعالج العديد من المواضيع في فيلم وثائقي، إذن فمن المُنتج الذي قد يغامر بأمواله من أجل إنتاج حلقة واحدة قد يستغرق تصويرها سنة كاملة في تتبع مسار طائر جارح، ومتابعة حياته اليومية من أجل فيلم وثائقي من 52 دقيقة لن يحقق نسبة مشاهدة كبيرة مقارنة بالأفلام والبرامج الترفيهية؟ نادرا ما تجد مُنتجا قد يغامر بأمواله في مثل هذا النوع من البرامج، لذلك فغالبيتهم يفضلون استثمار أموالهم في برامج سهلة التصوير وتعود بأرباح مالية، وهذا حق مشروع في نهاية الأمر.
“رسم سيمفونية متكاملة”.. ضعف موارد الصناعة الوثائقية
ينجح “أمودو” في المزج ما بين جمالية موقع التصوير ومضمونه، ويعتمد الطاقم في ذلك على تجهيزات حديثة وعلى تعليق صوتي متميز يرسخ في ذاكرة المشاهدين، وللنجاح في إنتاج محتوى تتناسق فيه الصورة والصوت مع المضمون؛ يبدأ العمل منذ مكان التصوير، وينتهي في مرحلة ما بعد الإنتاج عبر مؤثرات صوتية وموسيقى تصويرية وتعليق مكتوب بإتقان وإبداع، وذلك من أجل “رسم سيمفونية متكاملة بتقسيماتها ونوتاتها المتناغمة” على حد تعبير المخرج حسن بوفوس.
ولا يخفي مخرج البرنامج إعجابه بالزخم الكبير الذي تشهده منصات البث الرقمية في تصوير وبث وثائقيات للهواة، ويقول: لا يجب إغفال تنامي ظاهرة المدونات (Vlogs) على اليوتيوب، فالبرغم من أن أصحابها هواة فإنهم يسيرون في طريق الاحتراف، لكن المشكلة الأكبر التي تعاني منها السينما الوثائقية بالمغرب هي غياب وسائل بث الأعمال الوثائقية المصورة، فالمغرب يحتاج قنوات متخصصة حتى يكثر الطلب على الإنتاج وتزدهر الصناعة الوثائقية بالمغرب، بلادنا مشتل خصب لأفكار تصلح للأفلام الوثائقية بسبب تعدد الثقافات، فيكفي أن تشغل كاميرتك وتبتعد عشرة كيلومترات عن منزلك لتنجح في توثيق الاختلاف، إما في العادات الغذائية أو التقاليد.
ومن ناحية المهرجانات التي تهتم بالسينما الوثائقية في المغرب فعددها محترم، وتنتشر في مدن طنجة وأكادير وخريبكة والعيون، لكن تأثيرها على السينما الوثائقية في المجمل ضعيف، فالمشكلة -حسب حسن بوفوس- تكمن في آفاق البث والإنتاج، ومن الحلول التي يقترحها أن يستغل النجاح العالمي لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، وإضافة صنف خاص بالأفلام الوثائقية في مجموع جوائزه.
“تنغير القدس”.. معاناة اليهود المغاربة واتهامات التطبيع
مع مطلع الألفين ازدهرت السينما الوثائقية بالمغرب مقارنة بالماضي، وذلك نتيجة انفتاح المخرجين المغاربة الشباب على مصادر إنتاج أجنبية، وكذلك استفادتهم من تكوينات أكاديمية في الخارج، فبعد هجرته رضيعا إلى فرنسا عاش المخرج المغربي الشاب كمال هشكار محملا بأفكار جاهزة حول الكره بين المسلمين واليهود، وعدم القدرة على التعايش سويا.
وبعد مراجعة فكرية وتساؤلات حول الهوية مستندا على قصص جدّه الأمازيغي المسلم الذي عاش جنبا إلى جنب مع يهود المغرب، أعاد كمال هشكار صياغة آرائه، وقرر أن يسخّر كاميرته لنقل معاناة اليهود المغاربة، خصوصا أنه هو الآخر عانى من الشعور بالغربة والضياع.
يقول المخرج كمال هشكار في حوار خاص مع الجزيرة الوثائقية: صورت سنة 2012 فيلما وثائقيا بعنوان “تنغير القدس.. أصداء الملاح”، وهو فيلم يحكي عن ماضي اليهود المغاربة وتعايشهم مع المسلمين بمدينة تنغير، أما آخر فيلم لي “بعيونك كنشوف بلادي” فهو فيلم يحكي عن معاناة الجيل الثاني لليهود المغاربة، وذلك من خلال تتبع مسار المغنية “نيطع القايم” ومحنتها في إيجاد جذورها المغربية، وكذلك كفاحها لاستصدار جواز سفر مغربي.
بعد إصدار الفيلم الأول لكمال هشكار هاجمته عدة صحف وهيئات بالمغرب متهمة إياه بالتطبيع مع إسرائيل، وبأنه يستفز المغاربة (12)، وحول هذه الاتهامات يقول كمال هشكار: كُتبت عني عدة مقالات حول تطبيعي مع إسرائيل، وصراحة أنا لا أطالع هذه المقالات، وأنا متأكد أن أغلبية من يتهمني بالتطبيع لم يشاهد أفلامي. فالشخصيات المحورية في أفلامي الوثائقية تتحدث باللهجة الفلسطينية واللهجة المغربية، وبالعكس يجب على المغاربة أن يفتخرو بأن هناك شبابا في الخارج ما زالوا متشبثين بمغربيتهم، أنا ضد ما يتعرض له الشعب الفلسطيني وضد منع قيام دولة فلسطينية، لكن يجب على الناس أن تعي بأنني أصور فيلما عن المغاربة اليهود يقطنون هناك، ومن الواجب علي تتبعهم لتصوير حياتهم.
“تاسانو تايرينو”.. رحلة بين القصائد والقرى لتعريف الحب
لم ترتبط فيلموغرافيا المخرج كمال هشكار فقط بقضايا اليهود، فقد أصدر سنة 2017 فيلما وثائقيا بعنوان “تاسانو تايرينو”، وهي تعبيرات أمازيغية يستعملها أمازيغ المغرب للتعبير عن الحب، وتعني “قلبي، حبي”.
انتقل المخرج بين قرى الأطلس الكبير وبين سطور القصائد الأمازيغية القديمة ليكتشف بكاميرته معنى الحب لدى أمازيغ المغرب، وعبر إجابات عفوية وبسيطة يرسم كمال هشكار تعريفا عميقا لقيمة الحب، ذلك الإحساس الذي يقدسه الأمازيغ ويتغنون به.
وعن فيلمه هذا يقول: حاولت رصد تعاريف الحب لدى الأمازيغ انطلاقا من القصائد التي كُتبت عنه، لقد حملت على عاتقي دور استخراج الجمالية الفلسفية للتاريخ والهوية المغربية، هناك عدة أشياء جميلة في تاريخنا طُمست شيئا فشيئا بسبب غياب الاهتمام، ودوْر السينما الوثائقية هو إحياء هذه التقاليد التي تحتضر، وإعادة استرجاعها والتعريف بها حتى نفتخر بها ونكتشف تاريخنا الجماعي الجميل.
“قصص إنسانية”.. وثائقيات في ساعة الذروة
اطلع العديد من المغاربة على أفلام كمال هشكار من خلال برنامج قصص إنسانية، وهو برنامج أسبوعي تبثه القناة الثانية المغربية، ويعرض مختلف الأفلام الوثائقية من داخل المغرب وخارجه.
وعن هذا البرنامج يقول كمال هشكار “لا بد من تحية رضا بنجلون -مدير عرض البرنامج- لأنه فتح مساحة أسبوعية مهمة في وقت الذروة على قناة عمومية وخصصها للوثائقيات، وهذا شيء نادر حتى في الدول الغربية، إذ من الصعب مشاهدة فيلم وثائقي في ساعات الذروة في قنوات غير متخصصة، أتمنى من قلبي أن يستمر عرض هذا البرنامج لفترة طويلة.
وقد نجح برنامج قصص إنسانية طيلة ثمانية مواسم في تخصيص مساحة للمخرجين الشباب لعرض أفلامهم الوثائقية (13)، هذه المبادرة وإن لم تكن كافية فإنها على الأقل تظل نقطة أمل قد تضيء مستقبل السينما الوثائقية بالمغرب.
__________
المراجع:
- https://www.youtube.com/watch?v=mgzlSKhQSJc&t=1757s
- https://bit.ly/2IMrqJG
- السينما المغربية جدل الموضوع وسؤال الإبداع محمد اشويكا منشورات رمال
- Revue Marocaine Des Recherches Cinématographiques n°07 février 2018
- Gabriel veyer ,dans l’intimité du sultan aumaroc ,ed afrique-orient,casablanca
- https://www.youtube.com/watch?v=nyJvFu7Sojw
- https://www.youtube.com/watch?v=VuQZBeDHdCY
- https://www.youtube.com/watch?v=wQvGNvBACQI&t=183s
- https://bit.ly/2KbVaAp
- https://bit.ly/2KgObGC
- https://bit.ly/2H8U4UY
- https://bit.ly/38NyjFP
- http://m.2m.ma/ar/h-h/