الفن السابع في الجزائر.. هل يُصلح العطار ما أفسد الدهر؟

محمد علال  

“كان الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين عاشقا للفن السابع، ويقضي ساعات في مشاهدة أحدث الأفلام العالمية رفقة عرّابي السينما الجزائرية أحمد راشدي ولخضر حامينا، حيث أنجب هذا العشق مناخا سينمائيا ساهم في تتويج الجزائر بالأوسكار، وأول سعفة ذهبية في العالم العربي”.

تلك الفقرة هي جزء بسيط من حكاية طويلة لا يكفّ رائد السينما الجزائرية لخضر حامينا عن روايتها في كل لقاء صحفي أو مناسبة رسمية، حيث يعود حامينا للحديث عن واقع السينما الجزائرية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكيف كانت الجزائر محطة هامة لأبرز النجوم العالميين، ومنهم “لوتشينو فيسكونتي” الذي جاء للجزائر عام 1966، وذلك رفقة النجمة الفرنسية الراحلة “آنا كارينا”، لتصوير فيلم “الغريب” المقتبس من رواية “ألبير كامي”.

 

“شيطان الصحراء ضد ابن هرقل”.. حين يعشق الرئيس السينما

بفضل علاقة الصداقة التي كانت تجمع السينمائيين الجزائريين برؤساء الجزائر، وُلدت إرادة سياسية نجحت في استقطاب عدد كبير من المخرجين العالميين لتصوير أفلامهم في الجزائر، وخاصة الفرنسيين والإيطاليين، وكان فيلم “شيطان الصحراء ضد ابن هرقل” للمخرج الإيطالي “أنتونيو مارغريتي” أحد أبرز تجارب الجزائر في الإنتاج السينمائي المشترك في ذلك الوقت (صُوّرت مشاهده في الجزائر بعد عامين فقط من الاستقلال، وعُرض الفيلم لأول مرة في روما عام 1964).

بعد الاستقلال تفطّنت السلطات الجزائرية لأهمية السينما كصناعة من شأنها تحقيق ثلاثة أهداف كبرى، وهي:

1. الترويج للبلد كدولة مستقلة تتمتع بمقومات اقتصادية وطبيعة خلّابة.

2. لعب دور أكبر في المحافل الدولية المختلفة.

3. دعم الاقتصاد الوطني.

من خلال هذه المقاربة تقرّر “تأميم الإنتاج السينمائي” عام 1963، قبل أن يتقرر تأميم المحروقات عام 1971، حيث وُجد أن تأميم الإنتاج السينمائي الذي كان يُسيطر عليه الفرنسيين أمر مهم أيضا لحماية الهوية والاستقلال، وذلك بعدما استخدم الفرنسيون عدساتهم لأغراض دعائية لتبرير السياسة الاستعمارية.

الملفت للانتباه في علاقة السلطة الجزائرية بالسينما كونها جاءت الأسرع، حتى قبل استحداث وزارة خاصة للثقافة، فقد انتبهت الدولة إلى أهمية السينما، وأولت لها الاهتمام الكبير كقطاع اقتصادي وسيادي، إلى أن جاء تعيين الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي كأول وزير للإعلام والثقافة (كان ذلك في الحكومة الثالثة لبومدين بين 1970 و1977).

 

هواري بومدين.. استقلال سينمائي

في عام 1964 أنشئ المركز الوطني للسينما الجزائرية (CNC)، بفضل المرسوم رقم 64-164 المؤرخ في 8 يونيو/حزيران 1964، ثم جاء تعديله واستكماله بالمرسوم رقم 64-261 المؤرخ 31 أغسطس/آب 1964، وفي 19 أغسطس/آب من نفس العام أنشئ المعهد الوطني للسينما (INC).

لقد كانت فترة الستينيات والسبعينيات غنية بالقرارات السياسية الداعمة للعمل السينمائي، وهو ما يؤكد عليه كتاب”سنوات البوم” الذي أشرف على إنجازه الكاتب المسرحي محمد قاسمي، وهو عمل جماعي سرد فيه 22 مثقفا جزائريا تجاربهم في عهد بومدين (1965-1978).

في هذا الإطار يتحدث شيخ النقاد الجزائريين الدكتور أحمد بجاوي عن علاقة بومدين بالسينما قائلا: أتذكر كيف كان الرئيس يرسل موظفي الرئاسة إلى قاعة السينماتيك لاستعارة بكرات الأفلام ومشاهدتها.

ويضيف بجاوي في شهادته المسجلة في  الكتاب: نعم، كان بومدين من كبار محبي السينما، أستطيع القول هنا إنه يُقدّر الأفلام التي غالبا ما تكون قريبة من الكلاسيكيات الأمريكية أكثر من السينما الثورية.

السينماتيك الوطني الجزائري الذي تم إنشاؤه في فترة ما بعد الاستقلال

 

“سينماتيك الجزائر”.. جوائز دولية

خلال هذه الفترة التي تلت الاستقلال قامت الجزائر بإنشاء “السينماتيك الوطني الجزائري” في 8 يونيو/حزيران 1964، وقد دمجت بعد ثلاث سنوات بالمعهد الوطني للسينما تحت اسم “المكتب الوطني للتجارة والصناعة السينمائية” لتنظيم الفنون والصناعة السينمائية، ولاحقا طُور الجهاز كمنظمة لإنتاج وتوزيع الأفلام في الجزائر.

أنتجت “أونسيك” (الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافية) أفلاما حازت على العديد من الجوائز الدولية، بما فيها فيلم “وقائع سنوات الجمر” للمخرج حامينا الحائز على جائزة “السعفة الذهبية” بمهرجان كان عام 1957، وفيلم “زاد” للمخرج الفرنسي “كوستا غافراس” الذي نال الأوسكار عام 1968 بفضل الجزائر.

 

دبابات الانقلاب.. يوم تحوّلت الجزائر إلى أستوديو كبير

من أبرز القوانين التي أصدرتها الجزائر حول قطاع السينما بعد الاستقلال؛ القانون رقم 67-52/17 مارس/آذار 1967 الذي وقعه الرئيس بومدين، ونظّم فيه السينما وصناعتها، ورسم خارطة علاقة المنتج بالجوانب التجارية وقاعات السينما والتوزيع والضرائب والرقابة.

لقد حوّل هذا القانون الجزائر إلى أستوديو كبير، ومن خلال التمعن في الشهادات التي جمعها المخرج الجزائري مالك بن إسماعيل في فيلمه الوثائقي “معركة الجزائر فيلم في التاريخ”، نكتشف كيف لعبت الإرادة السياسية دورا هاما في منح تأشيرة عبور المخرج الإيطالي “غيلو بونتيكورفو” إلى الجزائر عام 1965، لتصوير العمل الذي يُصنّف اليوم في خانة أفضل 50 فيلما في العصر، بحسب تصنيف مجلة “نظرة وصوت” البريطانية المتخصصة في السينما.

رغم الأوضاع السياسية والأمنية المعقدة التي كانت تعيشها الجزائر في ذلك الوقت (انقلاب الجزائر عام 1965، أو ما يعرف بالتصحيح الثوري الذي قام به العقيد هواري بومدين على الرئيس أحمد بن بلة)، فإن الجزائر لم توقف تصوير فيلم “معركة الجزائر”، وقد كانت ساحات الجزائر العاصمة “أستوديو” مفتوحا أمام “بونتيكورفو” وفريقه لتصوير مشاهد الفيلم، لدرجة أن الناس اعتقدوا أن خروج دبابات بومدين للانقلاب على بن بلة لم يكن أكثر من مشهد في فيلم “معركة الجزائر”.

 

ويلات العشرية السوداء.. خراب الإرث السينمائي

بعد سنوات طويلة عانت فيها السينما الجزائرية من ويلات العشرية السوداء التي أتت على الأخضر واليابس، بداية من قاعات السينما التي تحوّل معظمها إلى خراب؛ انتقل الجدل حول قوانين تسيير القاعات بين وزارتي الثقافة والداخلية.

ففي آخر مسح أجرته وزارة الثقافة عام 2018 لرصد حال قاعات السينما في الجزائر؛ خرجت الأرقام محبطة جدا، فقد أشار المسح إلى أن الجزائر تملك 342 قاعة سينما، منها 320 موروثة عن الاستعمار وهي في حالة يُرثى لها، ومن بين تلك القاعات يوجد 269 قاعة مغلقة، أو تحول نشاطها إلى أغراض أخرى.

قبل ذلك اختفت تقريبا كل المؤسسات السينمائية الكبرى التي أسست في عهد بومدين، ولم يبق منها إلا “سينماتك الجزائر” ومركز “السينما الجزائرية”.

 

ما بعد العصر الذهبي.. مرحلة ركود السينما

منذ عام 1962 إلى يومنا هذا، تداول على كرسي الحكم في الجزائر 11 رئيسا بين مؤقت ومنتخب، كان كل واحد منهم يحمل وجهة نظر مختلفة حول تسيير قطاع السينما، لكن أبرزهم على الإطلاق أربعة رؤساء، وهم: أحمد بن بلة (1963-1965)، وهواري بومدين (1965-1978)، وعبد العزيز بوتفليقة (1999-2019)، وعبد المجيد تبون (2019 إلى يومنا هذا).

بعد العصر الذهبي الذي عاشته السينما الجزائرية في عهد بومدين فقد شهدت بعد ذلك ركودا كبيرا في التسعينيات، ولم تكن السياسة قادرة حتى على ترميم الخراب الذي حلّ بقطاع السينما، ودفع بالعشرات من السينمائيين نحو الهجرة إلى فرنسا تحديدا بحثا عن أمل جديد.

لم تعرف الجزائر طيلة السنوات العشر (1990-2000) أي قرارات تستحق الذكر في الإنتاج السينمائي، عدا بعض التجارب التي تُعدّ على الأصابع، على غرار فيلم المخرج مرزاق علواش “باب الواب”.

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي انتهت فترة حكمه بسلسلة من الفضائح في عالم السينما

 

عهد بوتفليقة.. سينما المصالحة الوطنية

في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019)، عادت الإرادة السياسية إلى مغازلة الفعل الثقافي، فقد أدرك صُنّاع القرار أن “المصالحة الوطنية” بحاجة إلى موجة ثقافية تُحرّك المياه الراكدة تحت قاعات السينما، وذلك عبر إصدار قرارات هامة بداية من الرفع من ميزانية وزارة الثقافة في عهد الوزيرة السابقة خليدة تومي (من 2002 إلى غاية 2014).

رافق تلك الإرادة قرار إنشاء “الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي” عام 2005 التي ذاع صيتها كمؤسسة مهتمة بالإنتاج السينمائي، وقد بدت الأمور كأنها تريد الدفع بالقطاع نحو الأمام، لهذا قامت الوكالة بفرش الطريق بالورود أمام المخرجين الجزائريين، خاصة أولئك الذين تميزوا في الخارج، على غرار المخرج الفرنسي/ الجزائري “رشيد بوشارب”، الذي أنتجت له الوكالة فيلم “الخارجون عن القانون” (2010)، بميزانية تجاوزت 19 مليون دولار، وهو رقم كبير جدا أرادت من خلاله الجزائر التأكيد على رغبتها في العودة إلى الصناعة السينمائية.

بهذا الفيلم عاد بصيص الأمل إلى الجزائر في مهرجان كان، وفتح شهية الدولة إلى مزيد من الدعم للفن السابع، واتخاذ قرارات هامة تتعلق أساسا بمشاركة الجزائر لأول مرة بجناح خاص بالجزائر بـ”المدينة العالمية لمهرجان كان” عام 2012.

في نفس تلك السنة شهدت ميزانية وزارة الثقافة الجزائرية ارتفاعا ملحوظا واستمر ذلك الارتفاع عاما بعد عام، لتصل في سنة 2014 إلى ما قيمته 317 مليون دولار، واستُحدثت مراكز جديدة وقوانين وفتحت الأبواب لتنظيم الفعاليات السينمائية والثقافية الكبرى. كما أن الإرادة السياسية رافقت تلك المرحلة بقوة، إلى درجة إعطاء الضوء الأخضر لوزارة المجاهدين في إنتاج أفلام بميزانيات كبيرة.

 

تبديد المال العام.. ماذا تريد الجزائر من السينما؟

لم تستطع الجزائر الاستفادة من الصفقات التي كانت تعقدها مع كبار السينمائيين، وقد بدا من الواضح جدا أن الأمر يتعلق بحسابات أخرى لا علاقة لها بالإرادة السياسية، وإنما بالخبرة في التسيير، وقلة وضوح الاستراتيجية “ماذا تريد الجزائر من السينما؟”.

نتيجة لعدم تقدير القائمين على القطاع السينمائي للوضع، تحوّل الأمر إلى مجرد تبديد للمال العام، ولم تفلح تجربة الجزائر في التعامل مع مدير التصوير الإيطالي “فيتوريو ستورارو” الحائز على ثلاث جوائز أوسكار، الذي استعانت به “وكالة الإشعاع الثقافي” عام 2010، للمشاركة في تصوير فيلم “عطور الجزائر”، للمخرج الجزائري المغترب رشيد بلحاج.

في السنوات العشر الأولى من القرن الحادي والعشرين، لم تترك السياسية بابا إلا وقامت بفتحه من أجل دعم السينما والثقافة، فقد أراد بوتفليقة تحسين صورة البلاد في الخارج عبر الثقافة، تماما كما فكر رفيق دربه الراحل هواري بومدين، لكن تسيير القطاع في بداية عهد بوتفليقة فتح الأبواب لإنتاج أعمال سينمائية رديئة لم تحقق شيئا، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.

في النهاية قررت الإرادة السياسية معاقبة قطاع الثقافة عام 2016، حيث شهدت ميزانية قطاع الثقافية انخفاضا قُدّر بـ65٪ في الأغلفة المالية المرصودة للقطاع، لتصل إلى أدنى مستوياتها بنسبة لا تتجاوز 0.4 من حجم ميزانية الدولة.

وزيرة الثقافة الجزائرية في عهد بوتفليقة "خليدة تومي"، التي نُحيّت من منصبها عام 2014 على غرار فضائح في عالم السينما
وزيرة الثقافة الجزائرية في عهد بوتفليقة “خليدة تومي”، التي نُحيّت من منصبها عام 2014 على غرار فضائح في عالم السينما

 

خاتمة بوتفليقة.. سلسلة من الفضائح في عالم السينما

في السنوات الأخيرة من حكم بوتفليقة، بات من السهل ملاحظة غضب الإرادة السياسية من قطاع الثقافة تحديدا، تماشيا مع سخرية الرأي العام من كل ما له علاقة بالثقافة، فقد أصبح الناس ينظرون لنشاطات وزارة الثقافة على أساس أنها تبديد للمال العام على المجون والرقص وأشياء لا تسمن ولا تغني من جوع.

هكذا أدارت الإرادة السياسية ظهرها بقوة للسينما وبشكل علني، وطفت على السطح الخلافات ومسلسل الفضائح المالية في القطاع، خاصة عندما كُشف عن فضيحة فيلم “الأمير عبد القادر” التي كانت صدمة حقيقية صرّح بها وزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، مشيرا إلى أن وزارة الثقافة صرفت 150 مليار سنتيم جزائري (ما يعادل 12 مليون دولار) على فيلم لم  تُصوّر منه مشهدا واحدا.

انتهت حكاية اثنين من أبرز وزراء بوتفليقة في قطاع الثقافة بسلسلة من الفضائح في عالم السينما، فنُحّيت خليدة تومي عام 2014، وشحب وجه “الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي”، وأصدر ميهوبي قرارا يفضي بدمجها بمؤسسة “ديوان رياض الفتح” تحت مسمى “ديوان رياض الفتح للإشعاع الثقافي”، لكن هذه القرارات ظلت حبرا على ورق، ليخرج صاحبها من اللعبة في آخر تعديل حكومي قبل انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.

لقد تحوّل الخطاب السياسي حول السينما إلى مجرد وعود فارغة تطلق بين الحين والآخر، كذر الرماد في العيون، بينما تحولت معاناة السينما إلى مواجهة مشاكل أخرى.

 

وعود الخطاب الأول.. سابقة في تاريخ الفن السابع

أصبح الفن السابع في قبضة الرقابة التي تعترض طريق الأفلام بحجج واهية، واختلط المشهد السينمائي بعدما انصهرت الإرادة السياسية في قالب القيم الاجتماعية والحرام والحلال، وبات السينمائي في مواجهة المحاكمات الأخلاقية لأفلامه، لتخرج النتيجة بعرقلة عرض العديد من الأفلام، مثل فيلم “الوهراني” لإلياس سالم، وفيلم “السعداء” لـ “صوفيا جاما”، وفيلم “أبو ليلى” لأمين سيدي بومدين، وأخيرا فيلم “بابيشا” للمخرجة مونيا مدور الذي لم يُعرض في الجزائر رغم ما حققه الفيلم من نجاح على الصعيد الدولي. والمفارقة أن الجزائر اختارته ليكون ممثلا عنها في مسابقة الأوسكار لعام 2020 عن فئة أفضل فيلم أجنبي.

عندما وصل تبون إلى قصر الرئاسة بالمرادية، لم ينسَ كلامه عن السينما، وفي خطابه الأول أثناء أداء اليمين الدستورية تحدّث عن مشروع الدولة لتطوير قطاع السينما، ليُحدِث بذلك فارقة في تاريخ العالم العربي، فلم يحدث أن حرص رئيس أيّ دولة عربية على الإشارة إلى قطاع السينما أثناء إلقائه خطاب اليمين الدستورية.

وفي الحقيقة فإن مشروع الرئيس تبون حول إصلاح السينما ليس بجديد، فهو جزء من برنامجه عندما كان الوزير الأول في حكومة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2017، حيث قال من منبر البرلمان الجزائري أثناء عرض مخطط عمل حكومته في جلسة علنية ترأسها آنذاك رئيس المجلس عبد القادر بن صالح: “سنعيد بعث الصناعة السينمائية في الجزائر”.

بطلات فيلم “بابيشا” في مهرجان كان 2019 يرفعن شعار الحراك الشعبي الجزائري المكتوب عليه “يتنحاو قاع”

 

حكومة سينمائية.. أولى خطوات النهوض من القاع

كانت خطوة تبون الأولى باتجاه السينما استحداث وزارة خاصة بالسينما، وذلك في حكومة الوزير الأول عبد العزيز جراد، وبدا اهتمام الدولة بالثقافة يأخذ الشكل البيروقراطي، حيث خصصت ثلاث حقائب للثقافة، وذلك على خلاف العادة، وهي وزيرة الثقافة مليكة بن دودة، وكاتب الدولة المكلف بالصناعات السينماتوغرافية يوسف سحيري، وكاتب الدولة المكلف بالإنتاج الثقافي سليم دادة.

بعيدا عن ذلك الجدل الذي ينحصر في خانة المواقف والمبادئ، فإن عددا لا بأس به من المحسوبين على القطاع السينمائي رافقوا سحيري وجلسوا للاستماع إليه يتحدث عن مشروع الدولة الثقافي ورهاناتها مع الصناعة السينموتغرافية، وخلفه صورة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

بعد خمسين عاما من إرادة هواري بومدين السياسية )كان أول رئيس يفكر فعلا في “الصناعة السينمائية”(، ضاعت البوصلة، وأصبحت الجزائر تواجه صعوبة في إقناع المنتجين والسينمائيين بزيارة الجزائر، حتى في إطار السياحة أو التكريم، وارتفع سقف الرقابة، وأصبحت الأفلام تُمنع من العرض أحيانا من دون سبب مُعلن.

تَرِكة المفسدين.. محاولة أخيرة لإنقاذ السينما

أمام تركة ثقيلة لعشرين عاما من سوء التسيير وقوانين الضرائب الثقيلة التي لا تُشجع على الإنتاج السينمائي، فضلا عن النظام الجمركي الذي يفرض أعباء ثقيلة على السينمائي مقابل نظام بنكي تحكمه السوق السوداء، وصعوبات الحصول على التأشيرة؛ أصبح من المستحيل الكلام عن الصناعة السينماتوغرافية الجادّة في الجزائر.

هكذا تقف الإرادة السياسية للرئيس عبد المجيد تبون فوق بركان من القوانين التي عطّلت الإنتاج السينمائي، وهي قرارات تعاقبت الحكومات الجزائرية على إصدارها في إطار الإصلاح السينمائي، لكنها لم تدفع إلا نحو مزيد من البيروقراطية، وفجّرت قطاع السينما من الداخل.

اليوم تُراهن الدولة على التكوين، وتتحدث في خطابها الجديد عن استحداث “بكالوريا خاصة للسينما”، التي ستكون الأولى من نوعها في العالم العربي لو تحققت، كما تشير للمنتجين بضرورة التفكير خارج دعم الدول، وهو ما جاء على لسان كاتب الدولة للصناعة السينماتوغرافية المعين، فهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟


إعلان