“أخوات السلاح”.. عندما اخشوشن الجنس اللطيف في مقارعة الأعداء
عدنان حسين أحمد
تكسر المخرجة الفرنسية “كارولين فوريست” توقعات المُشاهدين حين تغيّر قواعد اللعبة في فيلمها الروائي الطويل الأول “أخوات السلاح” وتدفع بالنساء لمحاربة مقاتلي “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” في جبهات القتال في المدن العراقية والسورية التي سقطت بيد التنظيم.
فبعد 20 عاما من الانغماس في إنجاز 9 أفلام وثائقية جريئة ومثيرة للجدل تلتقط مجسّات “كارولين” الإبداعية فكرة “أخوات السلاح” من وحي زيارتها الأولى إلى كردستان العراق عام 2016 بعد تحرير مدينة “سنجار” من تنظيم الدولة، وتصنع لنا فيلما روائيا يمجِّد النساء الكرديات اللواتي قاتلنَ الأعداء بشجاعة نادرة وانتصرنَ عليهم في مهمات قتالية متعددة.
ينتمي “أخوات السلاح” إلى “سينما المؤلف” لأن المخرجة هي التي كتبت القصة السينمائية بما تنطوي عليه من سيناريو وحوار وشذرات فكرية منحت النص البصري قيمة جمالية ومعرفية مُضافة، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن كارولين صحفية، وكاتبة منغمسة في الحقل الفكري منذ ربع قرن تقريبا وقد أنجزت 12 كتابا في هذا المضمار.
إعادة إنتاج الفكرة.. رهان المعالجة الجديدة
تؤكد كارولين بأنّ الفيلم يعتمد على “قصة حقيقية”، لكنها لم تنجُ من الخيال المجنّح الذي تضيفه الشذرات آنفة الذكر، فغالبية الناس تعرف أنّ الإيزيديين قد تعرّضوا إلى إبادة جماعية، وانتهاك لأعراض النساء، وبيعهن في مزادات علنية في أسواق النخاسة، وأنّ استهلاك أي فكرة مهما كانت عظيمة يشكل خطرا كبيرا على الكاتب الذي يفكّر بإعادة إنتاجها وتقديمها إلى المتلقي من جديد، لكن الرهان الوحيد يظل في المعالجة أو طريقة التناول التي لم تخطر ببال أحد من قبل، بحيث يكون وقعها أقرب إلى المفاجأة الصادمة أو المدهشة.
ولتأكيد صحّة ما نذهب إليه لا بدّ من مراجعة الهيكل المعماري الذي شيّدته “كارولين” بوصفها كاتبة ومخرجة للفيلم في آنٍ معا، والمُدقق الحصيف لهذا الفيلم الروائي الذي يجمع بين الأكشن والدراما وحرب العصابات سيكتشف بسهولة ويُسر أن هناك مسارين رئيسيين يحتضنان الأحداث برمتها.
يتمثّل المسار الأول في قصة العائلة الإيزيدية التي تضم خمسة أفراد وهم: الأب والأم والابنة زارا بطلة الفيلم وشقيقها الأكبر شاهين والأخ الأصغر كيرو، وسيتعرضون لهجوم عناصر التنظيم مثل بقية الأُسر في مدينة سنجار ويتفرقون بين قتيل وجريح وأسير إلى أن يجتمع شملهم من جديد بعد أن يدفعوا الثمن غاليا.
يروي المسار الثاني قصة كنزا ويائيل الشابتين الفرنسيتين اللتين تذهبان إلى سوريا للقتال إلى جانب القوات الكردية النسوية، حيث يقابلن زارا ويتماهين مع محنتها الإنسانية، رغم أنّ الفتيات الثلاث ولدن وترعرعن في بيئات وثقافات مختلفة، لكنهن يتحدن في العمق، ويكتشفن حجم القوة الكبيرة التي يمتلكنها رغم المخاطر الجديّة التي يتعرضن لها في أتون معارك وحشية ضد تنظيم الدولة، فيصبحن أخوات حقيقيات في السلاح وفي الحياة اليومية التي يعشنها بعيدا عن الأهل والأقارب والأصدقاء.
ومضات إيزيدية.. معطيات مبثوثة في الأطراف
تشكل القصة الأولى القسم الأول من الفيلم الذي يكشف عن التلاحم الأسري في العائلة الإيزيدية الواحدة مما يُعبّر عن التآزر في المجتمع الإيزيدي بصورة عامة. أما القسم الثاني فيتمحور في إنقاذ الأخ الأصغر كيرو من موت مُحقق بعد أن غسل “تنظيم الدولة” عقله الغض، وأعدّه للقيام بعملية انتحارية لا تُبقي من جسده الصغير شيئا.
لا يكتمل هيكل الفيلم من دون التفاصيل التي تؤثث المتن، وتسدّ الفراغات بحرَفية عالية لا يمتلكها إلاّ كاتب السيناريو المبدع والمُلم بقصته السردية التي تقنع المُشاهد، وتشبع رغبته البصرية. ومن بين التفاصيل المبثوثة في هذا الفيلم بعض المعلومات والمُعطيات الثقافية عن الديانة الإيزيدية التي قد تكون مجهولة بالنسبة للآخر الذي يُقيم خارج إطار بيئة الشرق الأوسط.
ومن خلال الموجز التمهيدي الذي يسبق البداية الحقيقية للفيلم نتعرّف على الملَك طاووس الذي يعبد الله، ويرفض السجود لآدم، وبما أن زارا فنانة تشكيلية فقد رسمت هذا الملاك النوراني الذي يهديهم إلى الحق والجمال، ولكنها أضافت إليه العديد من العيون الأخّاذة للتعبير عن قناعاتها الفكرية التي تصطدم بالضرورة مع الأفكار النمطية التي يحملها متطرفون يرون في الجمال الآسر مجرد شيطان أثيم يستحق رشقة من رصاص، وبضع طعنات من حربة بندقية يمسكها معتوه أخرق.
“عبدة الشيطان”.. أحكام “الملاك النوراني”
يتضمّن التمهيد أيضا الرسالة التي يوجهها القائد أبو مريم من تنظيم الدولة إلى أهالي سنجار الذين يصفهم بعَبَدَة الشيطان، ويدعوهم إلى التوبة عن كفرهم وتسليم أسلحتهم ومُقتنياتهم الثمينة إلى مقاتلي الدولة الإسلامية التي لا تقهر.
ثم يدور نقاش حاد بين والد زارا الذي أبعدوه عن أسرته وأبي مريم حيث قال الأول: مَن أنت حتى تغيّر ديننا. ألم يقل كتابكم أن لا إكراه في الدين؟
فيرد عليه الثاني: أنتم ليس لديكم حتى كتاب؟ فيُطلق عليه النار في جبينه ويرديه قتيلا في الحال أمام أعين أولاده المرعوبين لنودِّع على عجل إحدى الشخصيات الخمس في العائلة.
أما الأم التي حُشرت في أحد السجون فسيشتريها أحد الأقرباء ويعيدها إلى مركز “ليبرا” للاجئين، حيث تلتقي بابنها الأكبر شاهين الذي أُصيب في قمة الجبل بطلق ناري في خاصرته اليمنى، وعاد إلى المركز الذي توجد فيه الأم التي لا تكفّ عن الهلوسة باسم ابنها الصغير كيرو في أحلام اليقظة والمنام.
وفي الوقت ذاته تنجح زارا في الهرب من البريطاني “مارك رايدر” (أحد مقاتلي داعش) الذي اقتناها بثمن بخس، وتعود هي الأخرى إلى المركز ذاته الذي يضم أمها وشقيقها الأكبر، بحيث لم يبقَ من العائلة الإيزيدية سوى الصبي الصغير كيرو الذي حظي بمنزلة خاصة عند أبي مريم، فأهداه “مفتاح الجنة” وفضّله على بقية “أشبال الخلافة”، وهو التوصيف الذي يُطلقه عناصر تنظيم الدولة على أطفال الضحايا في كل المدن والبلدات التي وقعت تحت قبضتهم في ظروف غامضة.
فيلم الطريق.. تشابه يفي بالغرض
يتمحور القسم الثاني من الفيلم على الفتاتين الفرنسيتين كنزا ويائيل اللتين تطوعتا للقتال في سورية إلى جانب المقاتلات الكرديات اللواتي انضوين تحت “لواء الثعبان” أو القوات النسوية الخاصة في كردستان، وسوف تلتحق بهما زارا لتنتقم لمقتل والدها على أيدي تنظيم الدولة، وتحرر شقيقها كيرو من قبضة القائد أبي مريم.
من ميزات هذا الفيلم الدرامي أنه يجمع بين “فيلم الطريق” والفيلم السياحي فيرينا أماكن جبلية متعددة في سورية والعراق والمغرب، وقد اختارت المخرجة كارولين قرية جبلية في المغرب لتوحي للمتلقين بأنها سنجار، ورغم الفرق الواضح الذي يلمسه المُشاهدون العراقيون، وخاصة الأكراد بين سنجار والمدينة المغربية إلاّ أنّ التطابق ليس ضروريا إلى هذا الحد، فالشبه التقريبي يفي بالغرض، ويوحي بأن المكان المُنتخَب جبلي وينطوي على بعض الوعورة التي تفاقم عملية هروب الضحايا.
قبل أن تلتحق زارا بلواء المحاربات الكرديات تحدث مواجهة عنيفة بينهن وبين تنظيم الدولة، ويأخذ الفيلم طابع الأكشن والحرب التي تشتبك فيها القوات النسوية الخاصة، وتنتصر على عناصر التنظيم، وحينما يواجههنّ العدو بمصفّحة انتحارية يطلبنَ مساعدة سلاح الجو فيرسل طائرة مروحية تعالج الهدف وتدمره كليا.
روايات حزينة.. مساحة لالتقاط الأنفاس
ثمة فرص ومساحات عديدة في الفيلم أتاحتها المُخرجة للاسترخاء والتقاط الأنفاس من بينها الرقص والغناء باللغة الكردية في الاحتفالات الصغيرة، أو السباحة في حوض مائي في منطقة جبلية، أو ساعات الخلوة التي تجمع المتطوعات لسرد حكاياتهن الخاصة، ومعاناتهن الشديدة التي دفعتهن للتطوع في صفوف القوات النسوية الكردية الخاصة.
ورغم أننا كمشاهدين صرنا نعرف قصة زارا نسبيا فإن المخرجة ستضيف إليها معلومات جديدة، من بينها ما يدعيه الإيزيديون من أنهم تعرضوا إلى 74 عملية إبادة جماعية على يد العرب والأتراك وبعض الشرائح الكردية أيضا. وفي أثناء تجوالهن في مقبرة مخرّبة نلاحظ معبدا إيزيديا محطما في بعض أجزائه يُحيلنا مباشرة إلى معبد لالش الذي دمّره عناصر تنظيم الدولة وحطّموا شواهد القبور المحيطة به.
أما كنزا ذات الأصول الجزائرية فتروي لنا مقتل شقيقتها كاتيا على يد أحد العناصر “الجهادية” في تسعينيات القرن الماضي لأنها رفضت ارتداء الحجاب وهي في طريقها إلى المدرسة، فوجدها والدها غارقة في بِركة من الدم، ثم نتبيّن أن جارها “المتطرف” هو الذي قتلها ووضع حدا لحياتها المُتحررة كما يظن. وفي السياق ذاته تتطوّع يائيل بصفة ممرضة كي تعالج الجرحى من النساء المقاتلات في هذا اللواء، لكنها تجد نفسها مضطرة للتدريب وتعلّم فنون القتال، ففي لحظة ما قد تجد نفسها بحاجة ماسّة للدفاع عن النفس، أو الهجوم على العدو.
ثمة مجموعة قتالية مُهاجمة تتألف من عدة مقاتلات أخريات ينضوين تحت إمرة القائدة روزالين، وبالإضافة إلى كنزا ويائيل وزارا اللواتي التحقن بالمجموعة مؤخرا فهناك فتاة تحمل لقب “الشمس الأم”، والقنّاصة الأمريكية “سنايب” التي لعبت دورا كبيرا في قتل عناصر تنظيم الدولة وتدمير أسلحتهم الفتّاكة، والسيدة كوردا المُلقبّة بلبؤة كوباني، وسوف تنضمّ إليهن كوهينا وغيرها من المتطوعات القادمات من مختلف أصقاع الأرض.
مقارعة الجدات والحفيدات لـ”الإرهاب”.. أيقونات نسوية
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المخرجة كارولين هي شخصية نسوية تدافع عن حقوق المرأة وتناضل بطريقتها الخاصة ضد المجموعات المتطرفة في كل مكان، فلا غرابة أن يحمل هذا الفيلم الروائي أصداء النساء اللواتي قاتلن الظلم والتطرف والهيمنة البطرياركية، فثمة إشارة إلى نساء الفايكنغ اللواتي لجأن إلى حمل السلاح وإلى الجدّات الكرديات اللواتي قاتلن الجيش التركي في فترات متعاقبة من التاريخ القديم والحديث، وها هنّ الحفيدات يقاتلن ببسالة الرجال، وربما يكن أشجع منهم في بعض المواقف الهجومية التي شهدتها مدن سورية وعراقية مثل عفرين وكوباني وسنجار.
لذلك نرى في الفيلم صورا مُلصقة على جدران الملاجئ لآسيا رمضان المُقاتلة الكردية التي استشهدت في مدينة منبج السورية، وهي تحاول إيقاف ثلاث عجلات مفخخة كانت تستهدف وحدات حماية المرأة في إقليم “روج آفا”، وهناك صورة للشهيدة غيلان أوزلت، وثمة صورة أخرى للمُنظِّرة والفيلسوفة الألمانية من أصول بولندية روزا لوكسمبورغ ذائعة الصيت التي ألهمت الكثير من النساء لمقارعة الظلم والتعسّف والاستبداد.
“لواء الثعبان”.. تكتيك قصم ظهر الإمارة
تبلغ الأحداث ذروتها في الهجوم الأول الذي تشنّه مجموعة روزالين على تنظيم الدولة، حيث يتم القبض على “مارك رايدر” الملقب بـ”البريطاني” الذي التحق بالتنظيم وتزوّج من زارا قبل أن تهرب منه لاحقا. وسوف يعترف هذا المُغرّر به بمكان أبي مريم قائد التنظيم في تلك المنطقة، حيث يرسم لواء الثعبان خطة محبوكة يقودها الآمر “كردو” بصحبة نفس المجموعة النسائية المقاتلة التي نفّذت عمليات قتالية متعددة، وأبلت فيها بلاء حسنا.
قبل تنفيذ هذه العملية يستفز “المُجاهد الإنجليزي” زارا ويجرح كبريائها فلم تجد بُدا من طعنه بالحربة عدة مرات حتى تشفي غليلها، وتتركه جثة هامدة ملطخة بالدماء. وبما أن الحرب خدعة فقد أوهم الآمر “كردو” مقر الدواعش بأنه جلب هؤلاء النساء الخمس المحجبات هبة لأمير التنظيم بينما كنّ يحملن سلاحا فتاكا تحت العباءات السود، ليفتحن النار بشكل مفاجئ يربك الحرّاس ويضعهم في موقف لا يحسدون عليه، لأنهم أصبحوا أهدافا لنيران بنادقهم الأوتوماتيكية الرشاشة.
ستكون المجابهة الأخيرة بين المحاربات الخمس والوالي أبي مريم الذي أصاب المقاتلة الأمريكية “سنايب” في بطنها، لكنه جرح هو الآخر في يده اليمنى، وأصبح هدفا للمقاتلة الملقبة بـ”الشمس الأم” التي تحاصره في مكان حرج لا يستطيع الإفلات منه فتذكّره قائلة: “لن تحظى بالجنة بعد الآن” في إشارة واضحة إلى من يموت من التنظيم على يد امرأة لن يدخل الجنة كما يظنون. عندها تسدد فوّهة مسدسها وتطلق النار على جبينه فيندفع إلى الخلف من جرّاء الضربة، ويهوي من سطح البناية إلى أسفلها فيتحول إلى جثة هامدة في الحال.
ترانيم في نعش الخرافة
تغنّي زارا لأخيها كيرو أغنية الطفولة التي اعتاد أن يسمعها من والدته، وبينما هو يفرك “مفتاح الجنة” بين إبهام وسبّابة يده اليمنى يتذكر أمه، ويستعيد مناخ الأسرة الحميمة فيصرخ “زارا”، ويأخذها بالأحضان ثم يفكّ الحزام الناسف ويُلقيه جانبا. وبعد أن تحقق المجموعة القتالية هدفها بتحرير كيرو وقتل أبي مريم، تندفع المقاتلات لتحرير النساء السبايا فتنطلق الزغاريد، وتبدأ الأفراح وسط زخات الرصاص.
تنتهي القصة السينمائية نهاية سعيدة، فمع الاحتفال الأخير بالنصر ثمة قصة حب كانت تنمو بهدوء بين العقيد كردو وقائدة المجموعة القتالية روزالين التي نتبيّن عمقها في هذا الموقف. لكن روزالين تلمح على وجه كردو مخايل الحزن، وحينما تسأله عن السبب في هذه اللحظات المتوهجة بالحُبِّ والولَه العميقين يُخبرها بأنّ التحالف الدولي قد تخلى عن دعم استقلال الكرد، وتركهم يواجهون الأوضاع العصيبة بصدور عارية، كما يفعل في كل أزمة تهزّ بلاد ما بين النهرين فترد عليه ببساطة شديدة: سننشئ كردستان المستقلة بدونهم.
لم ينتهِ الفيلم عند هذا الحدّ لأنه يعتمد على البنية الدائرية، فلوحة طاووس ملَك التي رأينا زارا منهمكة برسم تفاصيلها الرمزية في أول الفيلم تحضر من جديد، لكنها تضيف إلى خلفيتها صورة امرأة تتوسط ريش الطاووس المرصّع بالعيون الجميلة. وحينما يستفسر شقيقها الأصغر عن ماهية هذه المرأة، وسبب وجودها في قلب اللوحة الفنية تُخبره بأنها ملاك يُرينا المستقبل، وهي التفاتة مجازية تُمجِّد دور المرأة الإيزيدية في الماضي والحاضر والمستقبل.
شطحات الخيال.. نظارة ملونة
على الرغم من أهمية هذا الفيلم الروائي الذي يمجّد المحاربات الكرديات فإنه لم ينجُ من المبالغة، فحينما تتحدث القائدة روزالين للمتطوعات الفرنسيات الجديدات عن طبيعة الثورة الكردية تصفها “بأنها ثورة سياسيّة اشتراكيّة بيئيّة نسويّة”، وهذا غلوّ واضح لا ينطلي على أحد، فالأحزاب الكردية ليست اشتراكية في مجملها ولا تنادي بهذا المذهب لسبب بسيط مفاده أنّ الدولة الكردية لم تُعلَن بعد، والاشتراكية -كما هو معروف- تعني “سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وعدالة التوزيع والتخطيط الشامل”، وإذا ما أعلنت الدولة الكردية في المستقبل سنرى إن كانت اشتراكية في توجهاتها وتطبيقاتها العملية.
لا يخفى على أحد أنّ المخرجة “كارولين فوريست” كاتبة وسينمائية ونسويّة مناصرة لحقوق المرأة، كما أنها متعاطفة مع قضايا الأكراد في حق تقرير المصير، ولكن خطورة هذا التعاطف المُغالى فيه هو الذي يدفعها إلى المبالغة والغلوّ، ورؤية الحياة بنظّارة ملونة قد لا تجد لها أساسا في أرض الواقع. وبما أنّ الفن السابع هو فن واقعي بامتياز -رغم انطوائه على شطحات الخيال والفانتازيا والنَفَس العجائبي أحيانا- فعليه أن يكون محايدا في الأطروحات الفكرية في الأقل، لكيلا يقع المُخرج كليا في لُعبة الوهم والتضليل.
من الجدير بالذكر أنّ رصيد المخرجة كارولين فوريست قد بلغ حتى الآن 11 فيلما، بينها فيلم قصير و9 أفلام وثائقية نذكر منها “شبكات متطرفة” و”صدورنا أسلحتنا” و”100 امرأة مسلمة تتحدث عن نفسها” و”مارين لوبين” و”معركة حقوق الإنسان” وغيرها من الأفلام الوثائقية الجريئة شكلا ومضمونا.