“عاصفة عالمية”.. كوارث الأرض بعدسات سينما الخيال العلمي

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، لولا فسحة خيال نركبه كلما ضاق بنا الواقع، ونتوسل به لنشكل العالم رحبا فسيحا كما نريد، وليس يوجد ما هو أرحب من أفلام الخيال العلمي، فهي تتجاوز حدود المكان لتأخذنا إلى الحياة في كواكب أخرى وتجمعنا بالكائنات العجيبة، وتجعل الزمان ممرا نعبره جيئة وذهابا، فنعود إلى الماضي متى شئنا، أو نقفز إلى المستقبل متى أردنا.

وهل يوجد ما هو أكثر ضيقا من الاحتباس الحراري الذي يهدد مستقبل الحياة على الأرض، وهل من فيلم أفضل من فيلم الخيال العلمي “عاصفة عالمية” (Geostorm) الذي يأخذنا بعيدا إلى السماء وأبعد إلى المستقبل؟ وقد نلقي نظرة على عالمنا الفعلي من عوالم الخيال هناك، ولكن من العجب أن نجد أحيانا واقعنا أكثر خيالا وأكثر غرابة من الخيال نفسه، وهل يوجد ما هو أكثر غرابة من فيروسات كورونا التي تعزل نصف سكان الأرض، وتجعلنا أشبه بـ”دون كيشوت” (شخصية روائية) الذي يصارع طواحين الهواء؟ إننا نصارع عدوا غير مرئي لا نعرف كيف يتسلل إلى حصوننا كما هو الحال هذه الأيام.

تمثل الكوارث الطبيعية والفيروسات -سواء كانت بيولوجية أو إلكترونية- العنصر المشترك بين عالمنا الفعلي والعالم المتخيل في فيلم “عاصفة عالمية”، فبسبب انتشار الكوارث الطبيعية تتحد أهم دول العالم لبناء شبكة ضخمة من الأقمار الصناعية لمراقبة المناخ والتحكم فيه، ثم تحدث كوارث خطيرة متزامنة تكشف وجود فيروسات تصيب أجهزة التّحكم بالشلل وتسبب عواصف مدمرة، وتصبح الشبكة خطرا حقيقيا يهدد الحياة على الأرض.

لا تجد الولايات المتحدة التي تقود المشروع سوى الاستنجاد بمهندس المشروع المطرود “جايك” لإصلاح عيوبه، فتمنح هذه الأحداث المبررات الفنية للمخرج “دين ديفلين” (Dean Devlin) حتى يجمع بين خصائص أفلام الخيال العلمي وأفلام الكوارث، وليبدي موقفه من القضايا الراهنة، أما نحن فتمنحنا المبررات المنهجية لنقارن بين سياسات أمريكا في مواجهة الجوائح والكوارث في عالم الواقع وفي خيال سينمائييها.

سينما الخيال العلمي.. أسطورة سفينة الطائر الهولندي

لا مراء في أنّ السينما الروائية هي استعمار العصر الحديث، فهي تبحث باستمرار عن المواد الأولية في الأقاليم البعيدة، فتستحوذ عليها لتزود مصنعها بالحكايات البديعة، وتطمع في بسط نفوذها على كل صورة فاتنة من شأنها أن ترحل بنا إلى عوالم الحلم والخيال، وقد وجدت في البرمجيات والحواسيب بديلا عن عصا الساحرة التي تغير العالم من حولها بلمسة واحدة.

هكذا يجنح فيلم “عاصفة عالمية” إلى الخيال العلمي، فيرحل بنا إلى المستقبل القريب معتمدا على افتراض اختراعين فريدين، يتمثل الأول في إنشاء محطة دولية لمراقبة المناخ، ففي سنة 2019 ترتفع درجات الحرارة بشكل مزعج، وتهدد الكوارث العالم كله، فيبتكر 600 عالم من مختلف أصقاع الأرض محطة دولية عملاقة يُطلق عليها اسم الفتى الهولندي نسبة إلى السفينة الأسطورة “الطائر الهولندي” التي لا تستطيع أن ترسو في ميناء مطلقا، فقدرها أن تطفو أبد الدهر في المحيطات، أما ظهورها فعلامة شؤم للبحارة ونذير بكارثة وشيك.

مجلس الشيوخ الأمريكي يحاول فرض هيمنة أمريكا على المحطة الدولية التي تتولى نشر الأقمار في منطقة مختلفة حول الأرض

تتولى هذه المحطة نشر الأقمار في مناطق مختلفة حول الأرض، لتنجح في السيطرة على الأعاصير المدمرة والعواصف الهائجة، وبعد ثلاث سنوات من العمل الباهر يطرأ خلل على برمجياتها وتصبح هي نفسها مصدرا محتملا لنهاية الحياة على الأرض، فقد مثلت الفيروسات التي تدمر برمجياتها، وتدمر بواسطتها البلدان الكثيرة بتدبير من جناح متطرف في البيت الأبيض؛ الاختراع الثاني الذي يعول عليه المخرج ليرفد الخيال السينمائي بفتنة العلم.

يستدعي المخرج من هذا الاختراع الثاني الكوارث ونزوات الطبيعة المدمرة من رياح موسمية وزوابع ثلجية وأعاصير بحرية وما ينتج عنها من فيضانات وانزلاقات أرضية وكوارث تدمّر السدود والجسور، أو تنشر القحط والجفاف، فيشكل من هذه الأحداث عالما مذهلا تتضافر فيه مكونات السيناريو وعناصر الحكاية والخدع السينمائية وهواجس الإنسان اليوم، لتشد المتفرج وتصنع أثرا سينمائيا ناجحا بمعيار الأرقام وحجم الإيرادات التي تعتمدها سينما هوليود.

على بعد خطوة من الواقع.. خيال سينمائي مذهل

بلغت تكلفة الفيلم 120 مليون دولار، وبلغت إيراداته من شبابيك التذاكر وحدها ما يزيد عن 221 مليون دولار، ولكن هل تكفي الأرقام وحدها لتقييم الأفلام فنيا، أليس للنقد والفن والفكر معايير أخرى مختلفة؟

حين تشاهد الفيلم تكون أقرب إلى الواقع منك إلى الخيال على مستوى العوالم المدهشة على الأقل، فجميع صور الكوارث التي ترى قد مرت بخيالك يوما، ففي مشاهد تسونامي الذي ضرب أندونسيا يوما تجد صورة لمياه المحيطات وهي تغمر المدن وتتحول إلى طوفان يأتي على كل ما يعترض سبيله.

ومن مشاهد أعاصير أمريكا تجد صورة لإعصار كاترينا بفيضاناته العاتية، فتنزلق الأراضي وتنهار البنايات كانهيار قطع الدومينو في مشهد سينمائي بارع، ومن مخلفات الاحتباس الحراري تجد نظيرا للقحط الذي ينتشر فيأتي على مختلف مظاهر الحياة في الأرض.

لا يتوانى الفيلم عن استدعاء الصور المذهلة المخزنة في ذهن المتفرّج، وعن إيقاظ الفواجع النائمة في ذاكرته، فتكون مشاهد الكوارث واستغاثات علماء المناخ وحماة الطبيعة “المواد الأولية” التي يسطو عليها الفيلم، وعبر الإثارة والتشويق يجعل المتفرج يعيش الهول لساعة ونصف.

قرية أفغانية تتجمد في ثوان.. صراع الأخوين الذي يدمر الأرض

تتعاقب في الفيلم أحداث مثيرة تستنفر أكبر قدرة من التشويق، فتبدأ بصراع ناعم بين الأخوين “جايك” المهندس قائد بناء المحطة المتهور الذي رفض سيطرة مجلس الشيوخ على المشروع، و”ماكس” الداهية الذي يحسن توظيف كل الظروف لصالحه، فينتهز الفرصة ليزيح أخاه الأكبر ويتولى قيادة المحطة، ولكن في عهده تتجمد قرية صحراوية في أفغانستان في ثوان، لعطب في أجهزة التحكم، مما يجبر الرئيس على إعادة “جايك” للفضاء ليصلح المحطة.

القرية الصحراوية التي تجمدت في أفغانستان بسبب عطب في أجهزة تحكم المحطة الدولية

يمتثل “جايك” ويحاول إصلاح العطب، ولكن يواجه جملة من العراقيل تعيقه كلما اقترب من الهدف، فتأخذ فيروسات في تدمير نظامها الداخلي، وتُسرق بياناتها وتطال جرائم غامضة موظفيها كلما اطلعوا على ما لا يراد لهم معرفته، فيُلقى محمود خارج المحطة ليتجمد في الفضاء حالما يتفطن إلى أن التخريب عمل متعمد.

تهب موجة حر مدمرة في هونغ كونغ ترفع درجات الحرارة إلى ما فوق المئة، وتخرج المحطة شيئا فشيئا عن السيطرة وتشرع في تدمير الكون، فهذا تسونامي يهز دبي وتلك موجة حرّ تضرب موسكو، وتغزو الأعاصير مومباي، ويُحرق الناس أحياء أو تبتلعهم الأرض، ويبلغ التشويق ذروته عندما يكتشف “ماكس” أن المؤامرة ضد المحطة تدار من مكتب الرئيس “أندرو بالما” نفسه.

تبدأ هنا سلسلة من المطاردات لتحييد العناصر المارقة، ولمسابقة الزمن حتى لا تدمر الأرض بفعل المحطة المتمردة، وتحبس أنفاس المتفرّج الذي يتابع مغامرتين مذهلتين تدفعان الحركة إلى ذروتها، أولاهما في السماء والثانية على الأرض، فيستغل “جايك” مهاراته الجسدية ليعود إلى المحطة بعد أن استعاد بياناتها التالفة، وألقي نتيجة لذلك في الفضاء الخارجي، ويستغل “ماكس” جاذبيته ليضمن دعم “دانا” قرصان الأمن الإلكتروني و”سارة ويلسون” وكيلة الخدمة السرية والمسؤولة عن حماية الرئيس.

وزير الخارجية.. العقل المدبر للمؤامرة

يحل اللغز في آخر الفيلم، فالمؤامرة كانت من تدبير وزير الخارجية “ديكوم” الذي يريد أن تستولي الولايات المتحدة على المحطة، وأن تحطم أعداءها عبر التحكم فيها، ويرى أن العناية الإلهية تريد ذلك لخير الأرض، لينتهي الفيلم على صوت “هانا” ابنة “جايك” وهي تقول: نحن لا نستطيع تغيير الماضي، يمكننا أن نأمل فحسب بمستقبل أفضل.

التكنولوجيا أضحى بإمكانها بكبسة زر واحدة أن تدمر العالم بأسره، فخمس ثوان تفصل العالم عن الكارثة

ليس هذا التشويق في حقيقة الأمر إلا مجرد سيناريو مصطنع يضم الاكتشافات التكنولوجية من غزو الفضاء إلى الكوارث الطبيعية في عمل واحد، ويحل أعقد المعضلات التكنولوجية بكبسة واحدة على زر أو باختراع ضخم يمكن أن يدمر العالم بأسره في ثوان، فكان التشويق غايته والحركة وسيلته، وكان حاصله أثر خال من كل عمق إنساني لا يرى في مآسي العالم من دمار وقحط وأعاصير غير لعبة إلكترونية مسلية، ولا يرى في المتفرّج غير طفل يلهو بمتابعة هذه الألعاب على الشاشة.

“وُلد من الله”.. استدعاء الخلفية الدينية في السياسة

يرمي فيلم الخيال العلمي من وراء المغامرات والإثارة والترفيه عادة إلى التعبير عن المواقف السياسية أو الاجتماعية والأخلاقية، كنبذ الحروب والدعوة إلى السلام، أو نقد جشع الرأسمالية والدعوة إلى العدالة الاجتماعية في خطاب فني متناغم يعبر عن رؤى فلسفية وفكرية أصيلة، لكن هل يرقى هذا الفيلم إلى الطرح السياسي المنسجم؟ وقد ردّ ما أصاب المحطة الفضائية إلى أطراف مارقة في الإدارة الأمريكية، لا يخلو الفيلم من تلميح لانحراف سياسي بيّن للإدارات الأمريكية السابقة، فيجمع في ربقة واحدة بين هيمنة الإنجيليين على الإدارة الأمريكية والسياسات المناخية المتعجرفة.

الرئيس الأمريكي “بوش الابن” يفخر بكونه “وُلد من الله” الذي يكلّمه الله شخصيا، فيستقي منه التعليمات اللازمة لإدارة السياسة في بلاده والعالم

يبرر وزير الخارجية “ليونارد ديكوم” عندما ضُبط متلبسا وواجه الرئيس “أندرو بالما” قبل أن يتولى الأمن الرئاسي أمره بأن ما دبر من المكائد وما خلف من الضحايا ليس إبادة جماعية، وإنما فرصة منحتها العناية الإلهية لأمريكا لتتخلص من أعدائها، وأنه كان يلعب دور الرب، والرب لا يلعب بشكل لطيف دائما.

لا يفوت العارف بالحياة السياسية الأمريكية ما في كلام “ليونارد ديكوم” من استدعاء ضمني لخلفيات الرئيس “بوش الابن”، ومن نقد لسياسات إدارته التي توظف الدين لغايات الهيمنة الاقتصادية على العالم بأسره، فمعلوم أن بوش يعلن انتماءه الديني إلى الفرق الإنجيلية، وإلى معتنقي نظرية “الألفية” خاصة أولئك الذين يعتقدون أن المؤمن كما المسيح ينصت إلى البوق الأول المنذر الذي لا يسمعه إلا المؤمنون الحقيقيون، وتعهد له من الله مهمات محددة أن يعيش سفيرا للخير بين الناس في هذا العالم الذي يحكمه ملك العالم الشرير إبليس.

كان الرئيس الأمريكي “بوش” أيضا يفخر بكونه “وُلد من الله” الذي يكلّمه الله شخصيا، فيستقي منه التعليمات اللازمة لإدارة السياسة في بلاده والعالم استنادا إلى الرؤية التي نص عليها الإنجيل والعهد القديم ومدارها على المعركة الأخيرة التي سينتصر فيها الخير على الشيطان، وستفضي إلى إقامة دولة الله على الأرض، وقد اعتبر الرد على هجمات 11 سبتمبر “تخليصا للعالم من الشر” مستندا في كلمته التي بثتها وسائل الإعلام إلى المزمور التوراتي رقم 23 الذي يقول: “تقدم إلى الأمام ودافع عن الحرية وعن كل ما هو خير وعادل في عالمنا”.

“حقيقة مزعجة”.. خيوط مشتركة بين فيلمين

لا يعرّض الفيلم بانحراف السياسة الأمريكية بتسلل الأطروحات الدينية لعلمانيتها، وإنما يربط بين النقد الديني وسياسات المناخ، فلا يفوت العارف بالسينما الأمريكية ما في أحداثه من استدعاء لمضمون فيلم “الحقيقة المزعجة” (An Inconvenient Truth) الذي أنتج عام 2006، وأخرجه “ديفيس غاغنهايم” (Davis Guggenheim)، وتولى نائب الرئيس الأمريكي السّابق ومرشح الديمقراطيين للرئاسة سنة 2000 “آل غور” بطولته.

يقدّم “آل غور” في دوره بالفيلم محاضرات حول الاحتباس الحراري مصوّرا المصير الكارثي الذي ينتظر الكون بسبب ارتفاع غازات ثاني أوكسيد الكربون كذوبان طبقات الثلج في القطبين، وما ينجر عنه من ارتفاع لمستوى البحر ومن فيضانات جارفة، منتهيا إلى أنّ مقاومة الاحتباس الحراري معركة لا تقل أهمية عن معركة الإرهاب.

يشترك الفيلمان في الأطروحة نفسها، ويفتتحان بالصورة نفسها، وهي الصورة الصادمة صور الدب القطبي المهدد بالانقراض في البحار القطبية الشمالية بسبب ذوبان القمم الجليدية القطبية التي تحولت إلى رمز للعواقب المدمرة للاحتباس الحراري.

اتحاد علماء الأرض.. راية أمريكا منقذة العالم

تعددت الإشارات إلى أمريكيين أنانيين يرتكبون المخالفات لتبسط الولايات المتحدة نفوذها على العالم، ولكن هذه الإشارات السريعة لا ترقى إلى مستوى النقد العميق وإلى الخلفية الفكرية أو السياسية المتناغمة، والأخطر أن احترازاته بدت أقرب إلى تبرير سياسات أمريكا، فليست هذه الانحرافات نتيجة لاختيارات سياسية واقتصادية مدبرة بتصميم، ولا تتعلق بمنظومة حكم وبرؤية للعالم ولمنزلة أمريكا ولدورها فيه، إنها تجاوزات معزولة يقوم بها أفراد مارقون تلفظها الإرادة الأمريكية الخيّرة، وعليه فالتضامن الدولي في الفيلم مثالي.

تعي مختلف دول العالم استحالة مواجهة تحولات المناخ فرادى، فيتحد علماء الأرض في كيان واحد بقيادة علماء أمريكا للسيطرة على الاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية، وينشرون آلاف الأقمار الصناعية لاتخاذ التدابير التي من شأنها أن تحدّ من تغيرات الطقس.

آلاف الأقمار الصناعية يقودها علماء أمريكيون لاتخاذ التدابير التي تحدّ من تغيرات الطقس

هكذا يتحول الفيلم من نقد سياسات أمريكا إلى التبجح بإسهامها الحاسم في إنقاذ الحياة على الأرض، وإلى مدح سياستها الرشيدة بإطراء، وبالقدر نفسه يشيد بالأمريكي العبقري الذي يبني المحطة ويديرها ويواجه مشاكلها التقنية، ويمتلك لها الحلول السحرية، أما بقية علماء العالم فقطيع من الكومبارس يكتفي بذرع المحطة الفضائية جيئة وذهابا أو يشرد في شكل أسراب مذعورة عند كل مصاب.

عرض الفيلم سنة 2017، وجعل أحداثه المادحة للدور الأمريكي تقع في المستقبل القريب، أي بين سنتي 2019 و2022، وها هي سنة 2019 قد حلت فعليا، وقد منحنا قدر خفي الفرصة لنقارن بين صورة أمريكا الواقع وأمريكا الخيال من مستويات عديدة، كمدى التزامها بقضايا المناخ ومدى تعاونها مع الصين وبقية العالم في مواجهة الكوارث والجوائح.

“لن أعطي مليارات الدولارات”.. أنانية ترامب اتجاه القضايا العالمية

أبلغت الولايات المتحدة رسميا في 4 من نوفمبر/تشرين الثاني الأمين العام للأمم المتحدة بانسحابها من اتفاق باريس للمناخ الذي جرى اعتماده في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2015 في العاصمة الفرنسية باريس من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويطلب من الدول الموقعة أن تبقي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أقل بكثير من درجتين مئويتين وفقا لمستويات ما قبل زمن الصناعة.

برر “ترامب” هذه الخطوة بالعبء الاقتصادي الكبير الظالم الواقع على العمال الأمريكيين والشركات ودافعي الضرائب بموجب هذا الاتفاق مغردا في تدويناته المثيرة للجدل دائما: “لا أعرف إن كان تغيّر المناخ هو من صنع الإنسان لذلك سأقول هذا: لن أعطي مليارات الدولارات، ولا أريد أن أفقد ملايين الوظائف”، مضيفا: “هذا الاحتباس الحراري القديم الجيد دفعت بلادنا دون غيرها مليارات من الدولارات للحماية منه”.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعلن انسحاب بلاده من اتفاق باريس للمناخ مبررا ذلك بأنه عبء اقتصادي كبير

ولئن تباهى الفيلم بأمريكا الخيرة التي تنقذ العالم فإن التقارير الدولية تكشف أنها مسؤولة عن 15% من مجموع انبعاث ثاني أوكسيد الكربون عالميا، وأنها ظلت ترفض أن تتحمل مسؤوليتها في مجابهة الأخطار التي تتهدد العالم على اختلاف الإدارات التي مرّت بها.

جاءت جائحة كورونا 2019 فكشفت وجها آخر من أنانية أمريكا وحكامها، فلم تتعاون مع الصين في خضم هذه الأزمة العالمية التي تهدد حياة ملايين البشر على الأرض لتطويق آثاره المدمرة، واستمر “دونالد ترامب” يتحرش بها جاعلا من “الفيروس الصيني” وفق عبارته امتدادا للحرب التجارية التي أعلنها عليها ولا يزال يخوضها ضدها.

أدار “ترامب” ظهره لإيطاليا حليفته وتركها تواجه الوباء وحيدة، وها هي الحكومة الألمانية تتهم أمريكا بمحاولة السطو على مشروع لقاح ضد فيروس كورونا المستجد يعمل مختبر ألماني على تطويره، فقد أراد “ترامب” حسب السلطات الألمانية الحصول على اللقاح حصريا لتوزيعه في الولايات المتحدة فقط، واحتج على ذلك وزير الاقتصاد الألماني “بيتر آلتماير” على إذاعة “آر دي دي” الحكومية معتبرا أنّ ألمانيا “ليست للبيع”  وسارعت  الحكومة الألمانية إلى دعم البحث بأكثر من 140 مليون يورو لسحب البساط من تحت قدمي الولايات المتحدة الأمريكية.

لعبة الخدع السينمائية المبهرة.. وجه أمريكا الناعم

تكشف المقاربة الفنية أنّ الفيلم هجين يؤلف من الأجناس المختلفة ومن الخدع السينمائية المبهرة عملا فنيا قادرا على استدراج المتفرج الباحث عن الإثارة إلى قاعات العرض، وأنه عمل ناجح على مستوى التجارة والاستثمار، ولكن متى كانت السينما محض تسلية بليدة وترفيه ساذج؟

وفي الآن نفسه تكشف المقارنة المضمونية بين الصورة التي يشكلها الفيلم للسياسات الأمريكية وحقيقتها في الواقع عن البون الكبير بين الخيال الذي يجعلها ملاكا حارسا للقيم في العالم، والواقع الذي يجعل منها دولة مارقة تتحدى كل الأعراف والمواثيق من أجل مزيد من الهيمنة السياسية والاقتصادية والاستئثار بالثروة العالمية.

أفلام الخيال العلمي تُظهر أن دمار العالم ليس سوى لعبة إلكترونية لتسلية المتفرج الباحث عن الإثارة

كما تكشف بالقدر نفسه عن نزعة نرجسية ناتجة عن إحساس الأمريكي بعقدة التفوق، وتكشف المقاربتان معا أن هذا الفيلم مثال جيد لقطاع سيء من السينما الأمريكية، ونقصد أفلام الاستهلاك والإثارة والمطاردات المدهشة والاستثمار المالي المربح دون صدق فني ولا إيمان حقيقي بالمواقف التي تعلنها ودون إنصات للنبض الإنساني العميق.

لذلك كثيرا ما تتهم هذه السينما بكونها لا ترى الأعمال الفنية إلا مجرد سلعة وموارد للربح، وبكونها تسطّح الوعي وتبلده بدل أن تبعث على التفكير، وهل ينفع أمريكا أن يفكر آخرون غير مراكز بحثها التي توجه الرأي العام إلى حيث مصالحها؟