“خط دم”.. تضحيات في عائلة مصاصي الدماء

د. أحمد القاسمي
تواصل السينما العربية بحثها عن التلاؤم مع وضعها الجديد، فقد فاقم الشُحّ المالي من أزمتها بعد تراجع الدعم الرسمي وتراجع عائدات الشباك في الوقت نفسه، وعبر منصات البث الرقمية وتجارة الأقراص المدمجة وقرصنتها أحيانا أضحى الوصول إلى سينماءات العالم المختلفة في متناول المتفرّج العربي، ففرضت عليها مقارنة غير عادلة بالسينما العالمية.
في هذه الأجواء القاتمة المشبعة بالتشاؤم، ظهرت أفلام تحاول أن تخرج عن معهود الأنماط السينمائية المتداولة، وتحاول أن تكسر هذا الجمود وتُلقي بحجر في المياه الراكدة. ولا يسعنا هنا إلا أن نعيد مع السينمائي العربي قول الطغرائي:
أعلّل النّفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
فامتهان المرأة ونضالها من أجل تحرّرها من هيمنة الذكر، والإرهابي الفاقد لتوازنه النفسي نتيجة للتربية التقليدية المُتحجرة، و”الروايات الشرقية التي بختامها يتزوج البطلان”؛ كلّها باتت من الموضوعات المستهلكة التي فقدت بريقها وجاذبيتها، ولا بدّ للسينمائي اليوم أن يضرب في الأرض بحثا عن موضوعات جديدة قادرة على المصالحة بين المتفرّج العربي وشاشته، لكن هل تكفي النيات الطيبة وحدها؟
أفلام الجنس الخفي.. غزو الشياطين للسينما العربية
يكشف لنا استقراء المشهد الثقافي أنّ السينمائي العربي على وعي عميق بهذه الحتمية، وأنه بات يبحث عن التجربة الفريدة التي تخرج عن معهود تجارب الإنشاء السينمائي، وفيلم “يوم الدين” لأبو بكر شوقي، أو فيلم “مسافرو الحرب” لجودة سعيد؛ نموذجان جيّدان لهذا السعي المحمود، ويكشفان في الوقت نفسه أنّ بوصلة البحث هذه باتت تتجه أكثر نحو سينما الرعب.
وفي تونس ظهر فيلم “دشرة” لعبد الحميد بوشناق، ومدار فكرته على الاعتقاد بأن ذبح الأطفال يجعل الجن يفرج عن الكنوز، وأن الأعضاء البشرية تكون وسيلة ناجعة في عمليات السحر. أما في المغرب فقد ظهر فيلم “عاشوراء” لطلال السلهامي، ليستثمر ذلك الاعتقاد الشعبي المغربي الذي يفسر الجثام باعتباره جنيا يهاجم النائم، فيكتم أنفاسه ويسحب لسانه بيديه، ليمنعه من الكلام والتنفس.
وفي مصر ظهر فيلم “الحارث” لمحمد نادر، وينطلق من المعتقد الشعبي بأن بعض الجن يقع في عشق البشر ليبتكر حكاية وقوع الشيطان الحارث في غرام الإنسية فريدة. وقد ظلّ وفيا لنهج السينما المصرية في خلق الرعب بالتعويل على تفسير خاص للمعتقدات الدينية ذات الصلة بالكائنات غير المرئية من جن وشياطين، كما الأمر في فيلم “وردة” للمخرج محمد الباجوري، و”عزازيل ابن الشيطان” للمخرج رضا الأحمدي.
واستطاعت أغلب هذه الأفلام أن تدير إليها الرقاب، وأن تدفع بالمتفرّج إلى شباك التذاكر.
“خط دم”.. وحوش آدمية في المنزل
وعلى خلاف أفلام الرعب السابقة المستندة إلى الموروث الشعبي أو المعتقد الديني؛ اختار رامي أنيس وجهة مختلفة تماما، فاقتبس شخصية مصاص الدماء لصناعة الرعب. ففي فيلم “خط دم” يسقط الطفل مالك في حالة غيبوبة إثر تعرّضه لحادث سيارة بسبب شقيقه التوأم آدم، ويرفض الوالدان الثريان التسليم بالحقيقة، فيحاولان إعادته إلى الحياة بكل السبل الممكنة، ومنها سقيه من دم مصاص دماء، غير آبهين بإمكانية تحويل الفتى إلى وحش أيضا.
وبالفعل يستفيق مالك من غيبوبته، لكن حياة الأسرة تنقلب رأسا على عقب، ولن يكون بوسعها أن تعود إلى هدوئها السابق، فالأب نادر والابن آدم يُصابان بالعدوى، ويتحوّلان إلى كائنين يعيشان على مص الدماء بدورهما، ولا يبقى للأم لمياء إلاّ أن تسلّم بالأمر الواقع، وأن توفر القوت لتلك الوحوش الآدمية.
“فرانكنشتاين” و”دراكولا”.. صناعة الرعب في الأدب الأوروبي
تعتمد الآداب والفنون العالمية شخصية مصّاص الدماء مرتكزا أساسيا لخلق الرعب ولتوليد ردة الفعل النفسية العميقة المناهضة لكل سلوك وحشي مميت لدى المتقبّل، فيجتمع فيها الخوف والقلق والنفور والاشمئزاز. هكذا تستقطب الجمهور المتعطش لقدر أقصى من درجات الإثارة بعد أن قتلت فيه فظاعة الحياة المعاصرة القدرة على التفاعل، وجعلت النفور جزءا من حياته اليومية.
ومصاص الدماء -كما كرّسته هذه الفنون- هو كائن عجيب مرعب يفقد بعده البشري، فيكون حيّا ميتا يتغذى من امتصاص دماء البشر، ويحوّل ضحاياه إلى كائنات عجيبة شبيهة به.
أما أصلها فقد كرّسته الرواية القوطية منذ القرن الثامن عشر، وتردّ كتب التاريخ الأدبي أول نجاحاته الكبيرة إلى سنة 1819 في إنجلترا، وذلك حين نجح “جون ويليام بوليدوري” في كتابة نص عن مصاص دماء لفت الأنظار إليه بشدة، ثم تحول إلى نزاع قضائي انتهى بنسبة الأثر إلى “لورد بيرون”. فقد كانت كتابة القصة الأكثر رعبا موضوع رهان بين مجموعة من الأصدقاء الشباب ذات يوم شتائي من سنة 1816، وأنتج هذا التحدي رائعة “فرانكنشتاين” لـ”ماري شيلي”، أما زوجها “لورد بيرون” فاكتفى بالخطوط الكبرى لرواية “مصاص الدماء”، ثم لمّا فترت رغبته دفع بالمخطوط إلى صديقه “جون ويليام بوليدوري” الذي ثابر فأنهى الأثر ونسبه إلى نفسه، فكان على “لورد بيرون” أن يخوض معركة قضائية ليسترد نسبة الرواية إليه.
ثم جاء الروائي البريطاني “برام ستوكر” ليبتكر شخصية “دراكولا” في روايته التي اتخذ من اسم شخصيتها الرئيسية عنوانا لها، وكان “دراكولا” يحمل لقب “كونت”؛ تلك الرتبة التي تتوسط رتبتي “الماركيز” و”الفيكونت”، ويتوارثها النبلاء منذ عصر الأباطرة الرومان.
وفضلا عن الأحداث التي صيغت ببراعة، يرد نقّاد الأدب النجاح المذهل لهذه الرواية وطرافتها وعمقها إلى المفارقة في بناء شخصيتها، فقد جعل “ستوكر” شخصية البطل مصاص دم مرعب ذي قدرات خارقة، مقاوما للموت، مُخادعا يخفي حقيقته ويعيش حياة ملؤها الرعب والشرّ، وفي الوقت نفسه جعلها أرستقراطية تعيش في القصور الفخمة، وتوحي بكل معاني الرقي بمعايير عصرها، أو هكذا تبدو على الأقل ضحية للعنة الإلهية مثيرة للشفقة.
“نوسفيراتو”.. مصاص الدماء يقتحم السينما
تمثل السينما مجالا ثانيا لشخصية مصّاص الدماء الذي عاش فيها أكثر من حياة، فقد شهدت سنة 1922 أول شخصية مصاص دماء في السينما، حين أخرج الألماني “فريدريش فيلهيم مورناو” فيلمه “نوسفيراتو” (Nosferatu) عن مصاصي الدماء، ثم ظهرت صيغة ثانية سنة 1931 في أمريكا للممثل الأمريكي الهنغاري “بيلا لوغوسي” في فيلم “دراكولا” (Dracula)، مما زاد من شهرتها.
ومثلت أفلام “دراكولا” البريطانية للممثل “كريستوفر لي” في أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي الصيغة الثالثة، وتكفّل المخرج “فرانسيس فورد كوبولا” والممثل “غاري أولدمان” في دور مصاص الدماء بالصيغة الأمريكية الحديثة، حتى كادت شخصية “دراكولا” تضارع شخصية “فرانكنشتاين” لـ”ماري شيلي” في الحضور على الشاشة الفضيّة.
والعجيب أن الشخصيتين من ابتكار التحدي نفسه بين الزوجين نفسيهما، أما العجيب من زاوية عربية فيخص وصولهما المتزامن تقريبا إلى ساحة الفنون العربية، فقد وصل “فرانكنشتاين” إلى الآداب العربية عبر رواية العراقي أحمد السعداوي “فرانكنشتاين في بغداد”، وهي الحائزة على جائزة البوكر لسنة 2015، وها هو رديفه يطرق أبواب السينما العربية عبر شاشة المخرج الفلسطيني الأردني رامي ياسين. فهل سيلقى النجاح نفسه، وهل سيكون بالعمق نفسه فيعري بوحشيته عيوبا في مجتمعاتنا تحجبها عنّا “شخصياتنا الملائكية المتوازنة”؟

“لا دراما بلا صراع، ولا شخصيّة بلا حاجة”.. هشاشة السيناريو
بعيدا عن المقاربات الرومانسية أو الفلسفية التي تميل إلى الإجابات المعقدة أو المغرقة في الذاتية، يُصنع الفيلم ليمنح مبدعيه شرف الانتماء إلى الفن السينمائي، ولا يتحقق ذلك إلا عبر الصورة العميقة، وسبيلها هو السيناريو المحكم والتوجيه الناجع للممثلين والتحريك المدروس للكاميرا.
ونذكّر بهذه البديهيات لأن فيلم “خط دم” فرض علينا ذلك، فقد كان السيناريو ضعيفا تفتقر أحداثه إلى الحبك المتين، فبدت الشخصيات مصممة منذ البداية على جلب المشروب السحري، فلم تتردد ولم تطرح الأسئلة، ولم تعش الصراع النفسي أو الاجتماعي.
وينسحب ذلك التراخي على التعامل مع الصراع في بناء الأثر عامة، فلا مرحلة العرض تفي بحاجة المتفرّج من المعلومات، ولا هي تدفع بالنمو الدرامي نحو الذروة، تلك اللحظة من الحبكة التي تتخذ فيها الشخصية الرئيسية قراراتها الحاسمة. أما في السينما المتقنة فـ”لا دراما بلا صراع، ولا شخصيّة بلا حاجة… والقول إن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه هو القانون الطبيعي للكون”، وفق منظّر السيناريو الأمريكي “سِيد فيلد”.
لذلك تبدو شخصيات الفيلم منعزلة تماما عن عالمها الخارجي، فتكتفي على مدار الفيلم بتوجيه كل طاقتها إلى منع زيارة الجيران، أو تحاشي العيون الفضولية، وانتظار ما يجود به القدر من حلّ. وهذا ما يخلف فجوات كثيرة وأسئلة لا قِبل للمتفرّج بالإجابة عنها، نحو كيف تقبل لمياء بتحوّل ابنها إلى مصاص دماء وتتواطأ مع زوجها في البحث عن دم ليشربه؟ وكيف يغفل الأبوان عن مراقبة مالك وهما يعلمان أنه سيهاجم شقيقه لا محالة؟ وكيف لا يتحول الطفل الذي امتص نادر دمه إلى مصاص دماء أيضا؟ ولعلّ السؤال الأبرز كيف لهذه العائلة أن تخرج من الورطة التي وقعت فيها؟
ووفق “سِيد فيلد” منظر السيناريو “يعكس كل عمل درامي صراعا، وإذا عرفت حاجة الشّخصيّة، فبإمكانك أن تخلق العقبات أمامها وصولا إلى ذلك الصّراع”. فهل كان رامي ياسين عارفا بحاجات شخصياته؟

رامي ياسين.. ضعف الإمساك بخيوط السيناريو
يذكر المخرج رامي ياسين في جريدة الاتحاد الإماراتية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 أنه كان زاهدا في تحريك الكاميرا، وأنه كان يعوِّل أساسا على أداء الممثلين، لأنه يريد منهم أن يكونوا الأبطال الحقيقيين، وأنه لم يجارِ أسلوب أفلام مصاصي الدماء العالمية، رغبة منه في إنشاء فيلم رعب عن مصاصي الدماء بقصة درامية كلاسيكية تتناول قضية إنسانية ليقبلها المجتمع العربي.
لكن بعيدا عن هذا الإطراء الذاتي، بدا المخرج غير مدرك تماما لما تريده شخصيته، وكثيرا ما كان يتركها تواجه قدرها دون خطط واضحة. ولا شك أن لضعف البناء الدرامي ولاهتزاز الشخصية ولافتقارها للانسجام الداخلي أثره السلبي على عملية تمثل الممثلين للأدوار بوضوح، وتقمص الشخصيات التقمص الأمثل، فقد بدا ظافر العابدين ونيلي كريم مرتبكين تائهين غير قادرين على الإمساك بزمام الشخصيتين والتفاعل التلقائي مع ردود أفعالهما.
هل يمكن أن نحسب لرامي ياسين بعض اللعب الشكلي لإنتاج لغة بصرية خاصة؟ فقد بدأ الفيلم بالأم وهي تحيك صورة، فتجرح أصبعها وتمتص دمه، ثم بعد عدة لقطات يعرض سلسلة من التحف والصور التي تختزل حياة العائلة زمانا وتكشف مصيرها المفجع. فيبدأ بصورة الشقيقين الباسمين ثم يعرض صورة شبلين من البرونز، فتمثال لزوج من البط يبدو متناغما سعيدا، ثم صورة للعائلة مجتمعة سعيدة، تعقبها تمثال لملاكين في سعادة وحبور. فيجسد ماضي العائلة السعيد، ثم يعرض تمثالا للقلق وحيدا بائسا ثم لبومة متجهمة تنذر نظرتها بشؤم قادم.
ويكون ذلك على صوت دقات الساعة الحائطية وقطرات الدواء المتساقطة، فينذر الإيقاع الرتيب بخطر داهم. وفي حفلة عيد الميلاد تهدي الأم ابنيها اللوحة، فإذا هي تشكيل لصورة طفلين في شكل ملاكين يربط بينهما قلب أحمر رمزا للحب، لكن للأقدار تدبيرها المختلف، فبعد الاحتفال يمتص مالك شيئا من دم آدم، وينقل إليه لعنة مص الدماء، ويجعل من اللوحة نبوءة سريعا ما تتحقق.
أما في نهاية الفيلم حين تُحاصر قوات الشرطة الأب وتنفصم عرى العائلة، يعرض المخرج إطارا فارغا مكسورا خلف الأم، وذلك لتجسيد المصير الفاجع. لكن هذا الخطاب البصري يرد في شكل ألغاز لا ينتبه إليها المتفرّج العادي، ويجده المختص لعبا شكلانيا جميلا، لكنه لا يسهم في الدفع بالمعنى أو ينقذ الفيلم من ضحالته.

“أنت تشرب الدم لتعيش لا لتقتل”.. نقد الروح الإقطاعية
ماذا ستضيف فكرة مصاصي الدماء للفيلم على مستوى الدلالة وقد عهدنا أن السينما هي فن وجهة النظر التي تُعرض بشكل موحٍ بعيدا عن التكلف، أو الخطاب المدرسي المباشر؟
لقد نشأت هذه الفكرة في أصلها الأوروبي ناقدة للروح الإقطاعية التي تجعل من الأرستقراطيين مصّاصي دماء الطبقات الفقيرة والمعدمة، ولئن حافظ المخرج على انتماء مصاصي الدماء إلى الطبقات العليا من المجتمع، وجعلهم يمتصون دماء الفقراء والمتسولين؛ فإنه ظل بعيدا عن إنتاج خطاب عميق ورؤية للصراع في المجتمع.
ولعله نسف مسعاه هذا وهو يصوّر الأب يقرّع ابنه ويعلمه أصول مص الدماء قائلا “أنت تشرب الدم لتعيش لا لتقتل”، ويوجّهه إلى عض المعصم لا الرقبة. فضلا عن ذلك يكشف وفق أكثر من أمارة تعاطفه مع الأم وتبريره لكل ما فعلته، فهي من كان يطارد القطط أو يشتري الأرانب والحمام لتوفر الدماء الضرورية لابنيها، وهي من كان يلتقط الأطفال المشردين من الشارع، وحين يعزّ عليها الظفر بفريسة في نهاية القصّة تستلقي وتمنح ذراعيها لابنيها ليمتصا من دمها.
هل يتعين علينا أن نتذكر قصة الذئبة “لوبا كابيتولينا” التي أرضعت -حسب الأسطورة- التوأمين “رومولوس وريموس بانيي” في مدينة روما، أم علينا أن نتذكر قصة العشاء الأخير المكون من خبز متحول عن جسد المسيح ونبيذ متحوّل عن دمه؟
في الحالتين يجعل المخرج من الأمّ رمزا للتضحية، ويؤكد ذلك بنفسه في مقابلة مع جريدة الاتحاد الإماراتية، فيشير إلى أن فكرة الفيلم مستلهمة من حادثة حقيقية لمّا أضرم هو وشقيقه النار في المنزل وكانا صغيرين، وبذل والدهما كل جهد ممكن لينقذهما، ويقول: كنت أفكر في تقديم قصة حول كيف يمكن للوالدين أن يصبحوا أبطالا خارقين من أجل حماية أطفالهم من أي خطر، ومن وجهة النظر هذه توصلت إلى فكرة “السلالة” التي تطرح سؤالا مركزيا مع معالجة درامية مثيرة، ماذا يحدث عندما يرفض الشخص القدر؟ هل يستطيع أن ينجح؟
دم ولحم طازج.. صور مقززة خالية من الرعب
يكشف اطلاعنا على حوارات المخرج أنه مفعم بالأحلام الكبيرة والنيات الطيبة، ففيلم “خط دم” وفق رامي ياسين: يهدف إلى تقديم فيلم جديد يُجسّد فكرة حديثة وغير مألوفة يقدمها فنانون مرموقون بشكل مختلف، ليستطيع المشاهد التفكير والتركيز للوصول بنفسه إلى لُغز القصة، فهدفنا في الأساس هو استقطاب الجيل الصاعد الذي بدأنا نخسره بعد تهافته على الأفلام الأمريكية والكورية والإسبانية والإيطالية، وأنا أعتبر أنّ قضية استقطاب المشاهد العربي باتت مهمة جدا، ويجب علينا أن ننهض بأعمالنا العربية معا.
لكن هل تكفي النية الحسنة وحدها لضمان رقي الخطاب السينمائي؟ وإلى أي حد كان الفيلم مرعبا؟ وإلى أي حدّ كان الرعب موظفا لخدمة أبعاد الفيلم الدلالية؟
يبرز لنا عرضنا للخطاب الجمالي من الأثر واحتمالات المعنى فيه أنّ المخرج يُبالغ في تقدير مُنجزه غير منتبه إلى بنائه الرخو وصورته السطحية، فالفيلم ينجح في خلق بعض الصور المقززة، خاصة عند شرب الدم أو أكل اللحم الطازج، لكنه يفشل في أن يُضيف إلى المقزِّز المخيفَ أو المقلقَ من كلّ سلوك وحشي والمنفّرَ منه.
وبمنطق الكرم العربي نجد أن الثقافة العربية كانت أكثر احتفاء بـ”ماري شيلي” من زوجها، فالروائي أحمد السعداوي كان سخيّا في تصور “فرانكنشتاين” العربي، وجعله عميقا في طرح قضايا الجسد العربي المستباح، أما رامي ياسين فجعل من “مصّاص الدماء” شخصية سطحية وعزّ عليه أن يجعلها أداته لعرض موقفه من حياة العربي المفقّر المشرّد أو من دمه المهدور.