“إعادة النظر في جون كينيدي عبر المرآة”.. ظلال المخابرات التي اغتالت أشهر الرؤساء

رغم مرور 59 سنة كاملة على اغتيال الرئيس الأمريكي السابق “جون كينيدي” (22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963)، فإن خيوط هذه الجريمة الشنعاء لا تزال تهز العالم حتى اليوم، ويعود هذا بدرجة كبيرة إلى الأسئلة التي بقيت عالقة إلى غاية اليوم في غياهب التاريخ، تحيط بها كثير من الشبهات والضبابية، وقد كشف المخرج الأمريكي “أوليفر ستون” من خلال فيلمه الوثائقي الجديد كثيرا من الحقائق والأسرار والوقائع الجديدة التي لم تكن موجودة سابقا.

“أوليفر ستون”.. أعمال المُخرج المهموم باغتيال الرئيس

لم يتخل المخرج الأمريكي “أوليفر ستون” (مولود عام 1946) صاحب الأفلام السياسية الملتزمة عن قضية الرئيس الأمريكي السابق المغتال “جون كينيدي” الذي تولى منصب الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا خلال الفترة الممتدة من 20 يناير/كانون الثاني 1961 حتى اغتياله في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963

 

لقد أخرج “أوليفر” فيلما روائيا سنة 1991 تحت عنوان “جي إف كي” (JFK)، وأثار كثيرا من النقاشات والأسئلة، خاصة أنه لمح إلى حقائق مثيرة، مما جعل تلك النقاشات تنتقل إلى الإدارات والسلطات العليا، لتبدأ في زحزحة هذا الملف الثقيل الذي ترك ندبة كبيرة على وجه أمريكا إلى غاية اليوم، ليعود “ستون” مرة أخرى بفيلم وثائقي جديد يبلغ من الوقت (118 دقيقة)، وبعنوان “إعادة النظر في جون ف. كينيدي.. عبر المرآة” ( JFK Revisited: Through the Looking Glass).

خيوط المؤامرة.. كنوز الوثائق السرية التي أفرج عنها

لم يخرج “أوليفر ستون” في هذا الفيلم أو في الأفلام الكثيرة ذات المواضيع المختلفة عن اتهام الإدارة الأمريكية عبر أجهزتها المختلفة، خاصة جهاز وكالة المخابرات المركزية “سي آي أيه” مدبر المؤامرات التي تُحاك يوميا، وتظهر في وسائل الاعلام على أنها حوادث منفصلة تحدث هنا وهناك.

لقد اتهم “ستون” في عمله هذا جهات استخباراتية، من خلال الأدلة الجديدة التي جمعها بعد أن أفرجت الإدارة الأمريكية عن الوثائق التي كانت بحوزتها، فقد جمعها “ستون” وأعاد فتح التحقيق من جديد في عملية اغتيال الرئيس السابق “جون كينيدي” عن طريق هذا العمل الجديد، وقد نجح في إخراج الأمر من دائرة الاغتيال الفردي إلى المؤامرة الكبيرة التي شارك فيها كثير من الجهات والأجهزة لغايات منطقية ذكرها في نهاية الفيلم كأحداث، وليس كاتهامات مجانية، وهي المعطيات التي تقود الجمهور بشكل مباشر إلى جهاز المخابرات.

“لجنة وارن”.. تقرير لا يحمل أي قيمة للحقائق

ظهر الجهد الكبير الذي بذله “أوليفر ستون” في العمل، خاصة وأنه ملم بكثير من المعطيات، ولديه ملفات سابقة انطلاقا من الفيلم الذي أنجزه حول هذه الشخصية سنة 1991، وهو الأمر الذي اختصر له بعض الطرقات، لهذا نجد بأنه كان يعرف جيدا الطرق المختصرة التي سلكها، والأسئلة التي ينبغي طرحها لمعرفة إجابات منطقية، وهي بالضرورة ما يبحث عنه المواطن العادي الذي لم يأخذ القول الفصل إلى غاية اليوم، لهذا أعاد تقييم تقرير “لجنة وارن” (رئيس القضاة إيرل وارن) التي أمر الرئيس “ليندون جونسون” بتشكيلها، وذلك لمعرفة الحقائق حول اغتيال سلفه “جون كينيدي”.

المخرج الأمريكي “أوليفر ستون” صاحب الأفلام السياسية الملتزمة عن قضية الرئيس الأمريكي السابق المغتال “جون كينيدي”

 

لقد عملت اللجنة قرابة عام كامل لتقدم إلى “جونسون” تقريرا شاملا مكونا من 550 شهادة، بعد اطلاعها على 3100 تقرير من مكتب التحقيق الفيدرالي والخدمات السرية، وجاء هذا بعد المساعدة التي قدمتها 10 إدارات رئيسية في الحكومة الفيدرالية، و14 وكالة مستقلة، و4 لجان في الكونغرس، ولقد نشر التقرير المكون من 888 صفحة للجمهور بعد تقديمه للرئيس مباشرة.

وقد جاء محور التقرير والإفادة الشاملة بأن “الرصاص الذي قتل الرئيس كينيدي أطلقه أوزوالد من بندقية في الطابق السادس من المبنى”، وهي النظرية التي كذّبها فيلم “أوليفر ستون” بعد أن استعان بعدد من خبراء التشريح والطب والأمن وغيرهم، سواء كانوا قريبين من عملية التحقيق والاغتيال، أو خبراء في مهامهم.

من هنا يصبح تقرير “لجنة وارن” غير معترف به بعد أن ظهر بأنه لا يحمل أي قيمة للحقائق المهمة.

إحياء الأسرار المهملة.. عودة التحقيق إلى نقطة الصفر

بعد الاطلاع على تحقيق “وارن” استطاع المخرج “أوليفر ستون” أن يكتشف بأن هناك حقائق مهمة حدثت ولم تذكر في التقرير رغم أنها تصنع الفارق، حتى أنها يمكن أن تعيد التحقيق إلى نقطة الصفر، وتوسيع دائرة الاتهامات مثل سقوط الشهادة المهمة للفتاة التي كانت تعمل في الطوابق العليا في مكتبة دالاس التي نُفّذت منها عملية الاغتيال، فقد قالت إنها خرجت من مكتبها ونزلت الدرج الجانبي ولم تعثر على “هارفي أوزوالد” المُتهم بالقتل، إضافة إلى تصريحات أخرى، لكن اللجنة وجدت بأن هذه الشهادة تعارض منطقها، لهذا لم تدرجها.

“هارفي أوزوالد” المُتهم بقتل الرئيس الأمريكي الأسبق “جون كينيدي”

 

كما لم يذكر التقرير بأن “أوزوالد” كان في الجيش الأمريكي، وعاش فترة من الزمن في الاتحاد السوفياتي، وبعدها عاد إلى بلاده وأصبح عضوا في جمعية متعاطفة مع “كاسترو”، وكان يلتقي وقتها بشكل مستمر مع موظفين في وكالة المخابرات، لقد جرى تسهيل الأمر له وأصبح لديه مقر في تكساس، وكأن هناك جهات تسعى لتثبيت التهمة عليه، كما جرى تصويره ببندقية قنص وغيرها من التفاصيل الأخرى.

تمادت المخابرات في تجاوزاتها إلى مستويات بعيدة، حتى إنها منعت الأطباء من القيام بأي عملية تشريح في دالاس يوم الاغتيال، لأن القانون يجبرهم على هذا، بل قاموا بتهديدهم، حتى إن هناك من قام بتغيير أقوالهم بحكم أن هناك جهات أمنية تريد القول إن هناك ثلاث رصاصات ذهبت صوب “كينيدي”، أما الأولى فقد طاشت، وأما الثانية فقد ضربت مؤخرة رأس “كينيدي” وخرجت من الأمام واستقرت في جسد حاكم ولاية تكساس “جون كونالي”، لكنها لم تقتله.

استبدال المخ.. فنون التحايل على الجريمة

كشف خبراء في الطب والمقذوفات بأن هناك رصاصة اخترقت رقبة كندي من الأمام، وهذا دليل على أن هناك أطرافا أخرى -غير “أوزوالد”- قامت بهذه الجريمة، وهو الأمر الذي حاولت لجنة “وارن” تغطيته ونفيه بشكل واسع، وأكثر من هذا فقد ظهرت رصاصة من العدم، حيث وجدت على السرير الذي كان ينقل جثمان “كينيدي”.

الصحافة الأمريكية وحيرتها في تناولها لمقتل الرئيس الأمريكي الأسبق “جون كينيدي”

 

من هنا تعقدت التفسيرات، خاصة اللجنة التي حاولت دائما نفي أن تكون هناك أي مؤامرة، لكن هناك من يقول بأنه يوجد قناص محترف هو من أطلق الرصاص من الأمام، ومن أكثر الأشياء المسيئة هو أن هناك من قام بنزع مخ كينيدي ودراسته لتأكيد أن الرصاصة جاءت من الأعلى، وهناك من ذهب أعمق من ذلك وقال إنه استبدل مخه في المستشفى حتى لا يكشف عن هذا الأمر.

نقلت الجثة من تكساس إلى إحدى السفن البحرية في واشنطن، وهناك جرى تشريحه من طرف أطباء تشريح لا يملكون أي خبرة أو دراية، لكنهم فقط يجيدون كتم الأسرار، وهناك قاموا بتزيينه وزراعة شعر إلى غير ذلك من الحيل حتى لا تكشف المؤامرة الكبرى التي حيكت ضد “جون كينيدي”.

“باتريس لومومبا”.. ما بعد الاغتيال ليس كما بعده

بعد اغتيال “جون كينيدي” جرى الكشف عن كثير من الإجراءات التي اتخذها وريثه “ليندون جونسون”، ومن هذه الإجراءات تراجعه عن عملية الانسحاب من فيتنام، وهو من أهم القرارات التي اتفق خلالها “كينيدي” مع وزير دفاعه لتنفيذ خطة الانسحاب، لكن بعد الاغتيال تغير كل شيء.

قام الرئيس “جونسون” بهدم السياسة التي بناها سلفه “كينيدي”، ومن بينها التراجع عن الحقوق العامة، وإظهار أن هناك عناصر كثيرة كانت تعمل سابقا ضد إرادة الرئيس “كينيدي”، مثل السعي لعملية خليج الخنازير وإظهار الرئيس في ضعف أمام الجميع، وعدم تقديم أي مساعدة في القضاء على المُعارض الكبير “باتريس لومومبا”، حتى إنهم لم يخبروا “كينيدي” بهذا الأمر، بل وصله الخبر من سفيره في هيئة الأمم المتحدة، فصعق من هذا الخبر الأليم.

المُعارض الكبير “باتريس لومومبا” الذي تمت تصفيته من قبل المخابرات الأمريكية

 

كما كان هناك دور كبير للمخابرات الأمريكية في عملية تصفية “لومومبا”، ويعود كل هذا إلى العداء الكبير الذي كان يكنّه “آلن دلاس” الذي شغل منصب مدير وكالة المخابرات الأمريكية، وهو أول رئيس مدني لهذا الجهاز، وكان يعمل بمعزل عن الرئيس “كينيدي” الذي أقاله من منصبه، إذ كان يتخذ القرارات بشكل فردي، ومن الصدف تعيينه كعضو في لجنة “وارن”، فقام بالتغطية على كثير من الأشياء لحماية نفسه من متابعات محتملة، لهذا كان لسان الوكالة في اللجنة حسب ما ذكر.