“كاليف”.. ما وراء فريق كرة السلة الأستوني الذي يصنع التاريخ

يجمع فيلم “كاليف” (Kalev) للمخرج الإستوني “أوف موستنغ” بين حكايات متعددة، تبدأ بالرياضة، وتمر بالأنشطة السياسية والاجتماعية، وتنتهي بالحرية وتحقيق الاستقلال الوطني. وعلى الرغم من هيمنة المناخ الرياضي على هذا الفيلم الدرامي المطعّم بتقنية وثائقية، فإن حضور السياسة واضح، سواء في المعنى الحقيقي أو المجازي الذي يعوِّل عليه مخرج الفيلم.

تدور أحداث الفيلم الروائي في صيف عام 1990، حين كان الاتحاد السوفياتي يقف على حافة الانهيار، بينما كانت دول البلطيق الثلاث (ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا) تتأهب لاستعادة استقلالها المفقود.

كان من المقرر حينها أن تبدأ بطولة الاتحاد السوفياتي لكرة السلة على خلفية مجتمع منقسم بشدة بين الرأي العام الذي يعارض مشاركة المنتخب الإستوني في بطولة الاتحاد السوفياتي، لأنها تقف بالضد من تطلعات الشعب الإستوني بالحرية والاستقلال، وبين الرياضيين المحترفين الذين يرغبون بالمشاركة في هذه البطولة، ويتخذون قرارا حاسما لا يحظى بشعبية واسعة بين صفوف الشعب الإستوني الذي انفتحت أمامه كوّة أمل يجب أن لا يفرط فيها، مهما كانت التضحيات البشرية والمادية كبيرة وضاربة في الصميم.

فريق إستونيا.. أجواء متوترة في آخر أيام الاتحاد السوفياتي

لا بد من الإشارة إلى أن هذا الفيلم الدرامي مستوحى من قصة حقيقية شهد المُخرج أحداثها حين كان في عامه الرابع عشر، حيث وردت أنباء عن “انقلاب الدبابات” الذي اجتاح ليتوانيا ولاتفيا، ولم يبقَ بينها وبين مشارف العاصمة الإستونية تالين سوى 200 كم فقط، الأمر الذي ضاعف مخاوفهم، لكنهم سيختارون القرار الصعب، ويذهبون بمغامرة المنافسة إلى أقصاها، رغم الفارق الكبير في الخبرات والإمكانات المادية والمعنوية بين الطرفين غير المتكافئين.

ويكفي أن نشير إلى أن مباراتهم كانت مع فريقي “سسكا” الذي فاز بلقب الدوري السوفياتي 24 مرة، وفريق “سبارتاك” الذائع الصيت في سانت بطرسبيرغ. أما أعضاء فريق “كاليف” الذي خاض مباراته الأخيرة معهما فقد كانوا لاعبوه محرَجين جدا، لدرجة “أنهم ظهروا مثل أطفال صغار يلعبون مع رجال ناضجين”، فهم مجرد أقزام أمام هذه القامات الشاهقة، وعليهم أن يعتمدوا على لياقتهم البدنية العالية لكي يكسبوا الرهان.

لا تختلف الأوضاع الاقتصادية لدول البلطيق عن غيرها من الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، فقد أُجبرت آلاف العائلات على تقاسم منازلها مع الجيل الأكبر سنا، بعد أن فقد كل شيء تقريبا، إضافة إلى الهلع الذي كان يسيطر على الجميع، أما الحصول على شقة فهو أقرب إلى المستحيل، طالما أن المواطنين لا يستطيعون الحصول على ورق الحمّام.

وفي خضم هذه الأجواء العسيرة والمتوترة التي أعلنت فيها دولتا لاتفيا وليتوانيا عن استقلالهما، قام عدد من أبطال كمال الأجسام وراكبي الدراجات بالتخلي عن تمثيلهم لفريق الاتحاد السوفياتي، لكن لم يَرُق ذلك للجميع بطبيعة الحال، فثمة أناس ما زالوا يؤازرون الاتحاد السوفياتي الذي يقف على حافة الانهيار.

وفي المقابل يجد آخرون أنهم يقفون على عتبة الاستقلال، وأن عَلَمهم بألوانه الثلاثة (الأزرق والأسود والأبيض) قد عاد ثانية، وأنهم لا يريدون أن يتنافسوا تحت الراية الحمراء التي ستنحسر كثيرا، وأن “كاليف” سيصبح منذ الآن الفريق الوطني الإستوني، ولن تقبل غالبية الشعب الإستوني بأي بديل لهذا المنتخب، رغم القرار الصادم الذي يتخذه القائمون عليه، وسوف يتهمونهم بأنهم شيوعيون متعاونون مع الحرس القديم.

“لسنا كتيبة دبابات، نحن فريق كرة سلّة”

لا شك أن المدرب ومساعديه لديهم وجهات نظر حاسمة هي التي تصنع الرأي العام لفريق كرة السلة، فالمدرِّب يؤمن بأن رمية كرة السلة هي خلاصة لفن التفكير، وأن الرمية الدقيقة تشبه الصديقة التي تريدك أن تفكر بها لوحدها فقط، وأن تُمسك بيدها وتأخذها طوال الطريق الذي يفضي بها إلى المنزل، وأن أي انحراف بسيط سيأخذ الكرة خارج الطوق الدائري الساحر بحسب رأي المدرب “جاك سالوميت”.

فريق كاليف في لحظة الفوز والشعور بنشوة الانتصار

هناك فكرة رئيسية تتكرر على ألسنة الراغبين في خوض المنافسة، مفادها “لسنا كتيبة دبابات، نحن فريق كرة سلّة”، وتلك هي مهنتهم، وإن كانت في الأصل هواية ورغبة حميمة في الرياضة، لا سيما أنهم لن يحصلوا على النقود إذا لم يلعبوا، وهم بالنتيجة ليسوا دبلوماسيين ولا تعني لهم السياسة شيئا.

لا يفكر المدرِّب “جاك سالوميت” وإدارة النادي برمتها بالحياة الخاصة للاعبي الفريق، فلا غرابة أن ينقلهم من تالين إلى بيريتا لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، ليعرف جيدا كم من الطعام يتناولون؟ وكم من الساعات يرقدون؟ ومع مَن ينامون؟ فلا مبرر عندهم لتبديد الطاقة في الملذات العابرة، ولو اضطر مدير النادي لحبسهم فيما يشبه السجن الانفرادي.

وعلى الرغم من هذه المقدمات الضرورية التي تشير إلى اندلاع الحرب في لاتفيا وليتوانيا، واحتمال وصول الدبابات الروسية إلى العاصمة الإستونية تالين، فإن سردية الفيلم الروائية والبصرية تقوم على خمس مباريات رئيسية تسبقها سلسلة من التدريبات اليومية الشاقة التي تُديم زخم اللاعبين، وتعزّز لياقتهم البدنية المطلوبة، إذ نراهم يتدربون في مراكز رياضية متعددة، يبنون فيها روح الفريق ويكرّسون معنوياته العالية.

في واحدة من البنايات نرى المصارعين والسبّاحين وأبطال كمال الأجسام إلى جانب المُولَعين بكرة السلّة الذين يتدربون ساعات طوالا بعيدا عن مباهج الحياة الليلية، لكن ذلك لا يقف حائلا أمام حصولهم على بعض الإكراميات في حالة الفوز، مما يفضي بالنتيجة إلى رضا المدربين والقائمين على النادي الرياضي الذي قد لا تتطابق أفكاره مع أفكار شرائح واسعة من المجتمع الإستوني الصغير نسبيا، قياسا على البلدان الكبيرة المحيطة بدول البلطيق.

انتماء الرياضي.. حياة مربكة في ظل العلم الأحمر

ثمة أكثر من وافد جديد إلى فريق “كاليف”، بعضهم يتدرب لكي يشارك في المباريات القادمة، وبعضهم يمعن في التدريب ويكتسب الخبرات، لكنه يظل جالسا على دكة الانتظار، ولا يجد طريقه إلى المشاركة في أي بطولة دولية، إلا أن ذلك لا يمنعه أبدا من الإفادة من خبرات الرياضيين الأسلاف التي تمتد لخمسين عاما مضت، فيها من الحكمة الشيء الكثير.

المدرب سالوميت يدلي بآرائه في المؤتمر الصحفي ويغادر الجلسة

يفكر بعض الرياضيين بصوت عال، ولا يجدون حرجا في الإشارة إلى اللاعب الماهر “تيت سوك” الذي حصل على عروض مغرية من فنلندا وأمريكا بمئات الآلاف من الدولارات، وهو أمر لا يصدّق في تلك الحقبة السوفياتية التي لا تسمح للناس بأكثر من العيش على الكَفاف. بل إن الحكومة السوفياتية لا تترك الرياضيين في دول البلطيق وشأنهم، فهي تبعث لهم الرسائل المتلاحقة وتتهمهم بالخيانة، وتضعهم أمام سؤال مُحرج إن كانوا إستونيين أم روسيين؟

يركز المخرج مع كاتبي السيناريو “مارتن ألغوس” و”ميهس بيهلا” على لاعب الوسط “سيرجي بابينكو” الذي ترك فريق “سبارتاك”، وهو أفضل فريق في الاتحاد السوفياتي، وجاء إلى تالين طالبا الالتحاق بفريق “كاليف” لأن فريقه لا يستطيع معالجته، وقد نما إلى سمعه بأن فريق “كاليف” لديهم خيرة الأطباء الذي يستطيعون معالجته، ليعود بقدمين مرممتين يستطيع أن يلعب بهما ثلاث سنوات أو أربع قادمة، كما طلب منه أن يوفر له سكنا لكي ينقل عائلته التي تحب تالين كما يدعي، وأنه لا يمتلك لاعب وسط جيدا، وبالنتيجة يستطيعان أن يهزما فريق “سبارتاك” ذائع الصيت.

لم يكن وضع المدرب “سالوميت” جيدا وهم يسمّونه “المُبعَد” أو “المنفي” ويهددونه على الدوام، فكيف إذا أضاف لاعبا روسيا جديدا لفريقه الإستوني؟ هذا ما تقوله زوجة “سالوميت” التي سوف تتعرض إلى مضايقات وأعمال عنف كثيرة تزرع في قلبها الخوف والهلع، ومع ذلك يقرر “سالوميت” القيام بمجازفته الأولى، وخوض المنافسة مع خصمه الأول “إمبلس كراسنودار”.

تعتمد البنية المعمارية لهذا الفيلم على أربع مباريات رئيسية مع فرق “داينمو” و”سسكا موسكو”، و”في. إي. إف ريغا” اللاتفي، و”سبارتاك لينينغراد” الذي يُعدّ الفريق الأقوى في الاتحاد السوفياتي.

هزيمة الفريق.. لغة الرشوة أفصح من الانتماء

يكشف هذا الفيلم بأن المنافسات العالمية ليست نزيهة دائما، ويجب أن لا يستغرب المواطن العادي أن الرشاوى يمكن أن تتسلل إلى أشهر البطولات وأكبرها، ويكفي أن نشير هنا إلى أن فوز “كاليف” على فريق “داينمو” لم يكن عفويا أو ناجما عن تدريب جيد أو خطة محكمة أو تقنيات جديدة وصادمة لأعضاء الفريق، وإنما جاء نتيجة رشوة بلغت قيمتها 3 آلاف روبل لكل لاعب.

المدرب سالوميت بعد حسم المباراة النهائية لمصلحة فريقه كاليف الذي توّج بلقب البطولة العالمية

والسبب واضح جدا، فاللاعب الروسي كان يحصل على 250 روبلا فقط إذا فاز الفريق، فمن السهل جدا إغواؤهم بالنقود. ورغم تقدّم فريق “داينمو” في النصف الأول من المباراة، فإن “كاليف” سيفوز بنتيجة 104 نقاط مقابل 82 نقطة لفريق “داينمو”، وسيطلب المدرب من بعض الصحفيين الكتابة عن هذا النصر المزعوم، ويصرح لهم بأن اللاعب الروسي “سيرجي بابينكوف” قد التحق بـ”كاليف”، وكان من الطبيعي أن يتعرّض بيت “سالوميت” إلى الحرق، وتتعرض عائلته إلى العنف والترهيب، الأمر الذي يرعب زوجته ويبث في أعماقها مخاوف لا تنتهي.

وعلى الرغم من خسارة “كاليف” أمام فريق “في. إي. أف ريغا” بواقع 94 نقطة مقابل 87 نقطة، فإنه سوف يفوز على هذا الفريق مرتين متتاليتين، ويتأهل للمباراة النهائية مع فريق “سبارتاك لينينغراد”، الفريق الأقوى في جمهوريات الاتحاد السوفياتي برمتها.

اجتياح الغزاة الروس.. أسوار السياسة تحبس أحلام الرياضة

لا يتردد “سالوميت” في إشراك اللاعب الأمريكي “جورج جاكسون” مستفيدا من خبرته ومرونته في الملعب، إضافة إلى طوله الفارع. وبينما يعلن المدرب عن أسماء المشاركين في المباراة النهائية الحاسمة؛ نرى مذيعة تلفزيونية وهي تؤكد التقارير الأولية بأن الدبابات الروسية قد غزت ليتوانيا، وثمة رتل عسكري طويل يتحرك باتجاه العاصمة فيلنيوس، مع وحدات الـشرطة الخاصة التي جرحت عددا من حرّاس الحدود الليتوانيين غير المسلحين، ممن فشلوا في إيقاف زحف القوات الروسية الغازية.

وقد ذكرت وكالة الأنباء الروسية “إيتارتاس” وفقا لـ”ميخائيل غورباتشوف” بأن إعلان ليتوانيا للاستقلال غير شرعي، ولا تعترف به الحكومة الروسية، لذا فقد استجابت لطلب القائد الشيوعي “نيكولاس بوركيفيسس” بالتدخل وإعادة الأمن إلى ليتوانيا، وقد قُتل جرّاء هذا الاجتياح 13 مواطنا كانوا يدافعون عن برج التلفزيون في فيلنيوس.

وقد نصحت وزارة الداخلية الإستونية مواطنيها بعدم السفر إلى لاتفيا وليتوانيا، وطلبت منهم البقاء في منازلهم حتى تنجلي الأمور تماما، خصوصا بعد قرار الرئيس “غورباتشوف” محاصرة ليتوانيا وخنقها من كل الجهات. عندها فقط أيقن القائمون على فريق “كاليف” بأن زمجرة المدافع تمنعهم من المشاركة في أي بطولة قادمة، وأن الحداد يخيّم على دول البلطيق برمتها. كما غادر اللاعب “برانا ميكيفيشوس” إلى ليتوانيا لحماية عائلته.

لم يتوقف الأمر عند ليتوانيا، فقد عبرت الدبابات الروسية الحدود اللاتفية أيضا، وهي تبعد عن إستونيا قرابة 200كم فقط، فلا غرابة أن تنتصب الحواجز الحجرية في كل الطرق المؤدية إلى العاصمة الإستونية التي تترقب تطور الأحداث.

ميتستاك وكزما ومساعد المدرب

هنا يُدرك “سيرجي بابينكو” السبب الحقيقي الذي جعل المدرب “سالوميت” يرفضه، لمجرد أنه روسي لا غير، لكن “سالوميت” يدافع عن وجهة نظره الخاصة التي تنفي وجود فكرة القوميات في ذهنه، حتى وإن كان “بابينكو” روسيا فهذا ليس خطأه، فهناك أناس يتقاتلون، وهناك أناس يمارسون السياسة، وهناك أناس يلعبون كرة السلّة ولا تخطر في بالهم فكرة القوميات وتجلياتها المتطرفة.

هدوء البلطيق.. عودة الفريق من تحت رماد الغزو

لم يصمد “غورباتشوف” طويلا أمام تهديدات القادة الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين، فانسحبت الوحدات العسكرية السوفياتية تباعا، وبدأ الهدوء يخيّم على دول البلطيق ومدنها المسالمة من جديد.

ومع ذلك فقد كُرم “غورباتشوف” بجائزة نوبل للسلام، وقد أطلق تصريحا غريبا مفاده أن الجيش الروسي قد هاجم دول البلطيق من دون أوامره، لكن القاصي والداني يعرف أنه من المستحيل أن تتحرك هذه الكتائب الكبيرة من دون علمه.

تنقلب القناعات رأسا على عقب، ويقرر “برانا ميكيفيشوس” المجيء إلى تالين، ويقررون جميعا المشاركة في البطولة العالمية، وقد اتصل اللاعبون ببعضهم، وعاد “كاليف” قويا هادرا هذه المرة وهزم “سكا كييف” في الربع النهائي بـ100 مقابل 91 نقطة.

المباراة التالية ستكون نصف النهائي، ويلتقي فيها العملاقان البلطيقيان لاتفيا وإستونيا، حيث يواجه “كاليف” فريق “في إي إف ريغا” (VEF Riga). في السابق كانت هناك مشكلة نفسية عندما يلعبون تحت العلم الروسي، أما الآن فهم يلعبون باسترخاء تحت عَلَمهم الإستوني.

ليس بالضرورة أن يفوز “كاليف” دائما، فلكل جواد كبوة، فها هو “كاليف” يخسر نصف النهائي بـ87 نقطة مقابل فوز “ريغا” بـ94 نقطة، حيث يُصاب “كوزما” إصابة خطيرة، ويعاني شدا حادا في أربيته.

كاليف يحرز الأهداف تباعًا

تُرى من يقود هجمات فريق تالين بعد ثلاثة أيام؟ سوف يجلس “آيفار كوزما” على المصطبة، ولا يفضّل المدرّب أن يزج به إلى المباراة من جديد، ومع ذلك لا يريد “كوزما” أن يبقى في الظلال، فيدخل المباراة ويسجل أهداف الفوز تباعا.

“إنها ليست مباراة كرة سلة، بل تاريخ”

يتنقّل المخرج بين أجواء الحرب وفضاءات المباريات الرياضية التي تحظى بالحيز الأكبر، فالفيلم رياضي وليس حربيا، كما أن الخصم القادم هو “سبارتاك لينينغراد” الفريق القوي الذي تنتظره الجماهير بكثير من الرغبة والحماس.

أما أعضاء الفريق الإستوني الذين سيلعبون في المباراة وبضمنهم الاحتياط، فيجب أن يلعبوا بذكاء شديد مع المحافظة على النَفَس الدفاعي، لأنها بحسب المدرب ليست مباراة كرة سلة فقط، وإنما هي تاريخ، وهذه هي الحكاية الرئيسية للفيلم الدرامي.

ثمة مدربون من فرق مناوئة يعرفون جيدا أن القائمين على فريق “كاليف” قد دفعوا الرشوة وحققوا الفوز المنتظر، فالبعض مستعد لأن يكذب ويغش ويخدع من أجل تحقيق الانتصارات الزائفة، فلا غرابة أن يتساءل الخصوم: ما نوع هذا النظام الذي لا يستطيع معه الإنسان الشريف أن يظل شريفا؟

6 مايو.. لحظة حاسمة في تاريخ الكرة الإستونية

قبل انطلاق المباراة الحاسمة التي يترقبها الآلاف على شاشات التلفزيون وأجهزة الراديو، إضافة إلى حضور المشجعين في الملعب؛ يطلب المدرب من اللاعبين الخمسة “سوك” و”كوزما” و”ميتساك”، و”بابينكو” و”جاكسون” أن يقرؤوا الخصم جيدا، وأن يكونوا متحدين مثل شخص واحد يتحرك في خمسة أجساد.

كوزما بعد تعرضه للإصابة في الأربية

ورغم أن الخصوم طوال القامة، فإن أعضاء فريق “كاليف” متآزرون ومتراصون مثل كتلة قوية البنيان، حتى إن إصابة “جاكسون” المحزنة في الشوط الأول لم تمنع الفريق من التقدم بـ42 نقطة مقابل 36 نقطة للفريق الخصم الذي تعرّض للتعب والإرهاق، فقد أدخل المدرب بديلا جديدا ومنح المباراة زخما جديدا ضاعف من قدرتهم الهجومية التي ستتوّج بالنصر المؤزر، فبعد 42 سنة يصبح لاعبو كرة السلة الإستونيين أبطالا للاتحاد السوفياتي.

وبعد دقائق من الشد والترقب نرى أن النتيجة هي 85 نقطة لـ”كاليف”، مقابل 77 نقطة لـ”سبارتاك”، وهذه هي اللحظة العظيمة في تاريخ الرياضة الإستونية التي يدونها اللاعبون الإستونيون في 6 مايو/أيار 1991 م.

كسر الكأس.. شظايا متناثرة في يوم تفكك الاتحاد السوفياتي

ثمة لاعب كان يتدرب لمدة طويلة من دون أن يحظى بفرصة للمشاركة، بل يظل جالسا على مقاعد الانتظار، وحينما يفوز الفريق ويتناوب اللاعبون على حمل كأس البطولة والتلويح به أمام المشجعين وعدسات الكاميرات؛ يأتي هذا اللاعب الاحتياطي، ويُحمَل على الأكتاف.

وفي واحدة من حركاته العشوائية وغير المدروسة يرفس الكأس بقدمه، من دون أن يقصد ذلك، فيتهاوى الكأس على الأرض، ويتهشّم إلى شظايا متناثرة على أرض الملعب، وفي ظل صدمته وذهوله يخاطبه المدرب “لا تقلق، في السنة القادمة لن أدعك تغادر الملعب، وسوف تجلب لنا الكأس الثاني”.

المخرج أوف ماستنغ

لا شك في أن كسر الكأس وتهشيمه هو فعل رمزي قصده المخرج، لأن هذا اليوم هو نفسه الذي انهار فيه الاتحاد السوفياتي وتفككت منظومته الشرقية العتيدة، كما أن السادس من مايو/أيار للعام ذاته شهد آخر بطولة للاتحاد السوفياتي، وبعد ثلاثة أشهر أعلنت إستونيا استقلالها في 20 آب/أغسطس عام 1991م.

“أوف موستنغ”.. مستقبل مزهر في صناعة السينما العميقة

من الجدير بالذكر أن رصيد المخرج الإستوني “أوف موستنغ” قد بلغ خمسة أفلام قصيرة وطويلة، وهي:

“جنة المسنين” (Vanameeste Paradiis). “30 دقيقة من الصمت” (30 Minutit Vaikust). “صديقي العزيز لك احترامي” (Kallis sõber, Sind austan). “الخائن” (Reetur). “كاليف” الذي رُشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي هذا العام.

يتمتع “موستنغ” بخبرة طويلة تمتد لنحو عشرين سنة أمضاها في صناعة الإعلانات والبرامج التلفزيونية ومقاطع الفيديو الموسيقية، وغالبا ما توصف أعماله البصرية بالطراوة والعذوبة والجنون، ويتوقع له النقاد مستقبلا باهرا في صناعة الفيلم السينمائي الذي يراهن على المعطيات الفنية والإبداعية، من دون أن ينأى بنفسه عن السياسة، أو يتفادى الخوض في المواضيع الفكرية المعقدة.


إعلان