“صالون هدى”.. صناعة العميلات الفلسطينيات تحت قوة الفضيحة العارية
عدنان حسين أحمد
يصوّب المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد عدسته هذه المرة على قضية حسّاسة وأكثر إشكالية من أفلامه السابقة، حيث يقدّمها بصيغة سؤال منطقي لخونة البلاد والعباد مفاده: كيف تريد شكل الموت والعقاب، حرقا أم رميا بالرصاص؟
وعلى الرغم من أن قصة الفيلم مستوحاة من أحداث حقيقية صادمة دارت وقائعها في مدينة بيت لحم سنة 2002، فإن النسق السردي لهذا الفيلم -الذي أحدث ضجّة كبيرة لم تنتهِ تداعياتها حتى الآن- لم يخرج عن مثلث الولاء والخيانة والحرية، ولعل رسالة الفيلم الأساسية هي أن الجُناة والخونة لا بد أن يدفعوا ثمن جرائمهم وخيانتهم كي يكونوا عِبرة لمن تسوّل لهم أنفسهم خيانة الأرض والعِرض مرة أخرى.
ينطوي فيلم “صالون هدى” على قدر كبير من الإثارة الدرامية ليس من جهة نمو الأحداث وتطورها فحسب، وإنما لبشاعة الجريمة التي ترتكبها صاحبة صالون التجميل هدى حينما تضع قطرات المنوّم في فنجان ضحيتها التي جاءت لتقص شعرها وتدرجه لتظهر بالمظهر الجذاب، علّها تلفت انتباه زوجها وترمم علاقتهما العاطفية الهشة القائمة على أساس الشك والفتور والكراهية الصامتة.
بيت لحم.. مسرح الأحداث لخمس شخصيات
لا يندرج “صالون هدى” ضمن أفلام الإغراء أو الإثارة الجنسية المقصودة، ولا يمكن وضعه في خانة العُري والأفلام المكشوفة، لأن الضحية لم تتعرَ أبدا، ولكن هناك متهمان آخران -وهما هدى وسعيد القزاز- هما مَنْ قاما بفعل التعرية وتصوير ريم بلقطات خادشة للحياء ومُخلة بالذوق العام بهدف ابتزازها وإجبارها على أن تختار بين الطعن والتشهير بشرفها أو خيانة الوطن، وكلا الخيارين مُرّ بطعم العلقم.
فالمُخرج هاني أبو أسعد الذي كتب قصة الفيلم أيضا لم يقرب خانق الإغراء أبدا، لكنه ذهب بعيدا في تصوير الأعضاء الحساسة من جسد الضحية والشخص الذي يرافقها في الفضيحة، وكان بإمكانه تصوير أجزاء محددة تفي بغرض الابتزاز اعتمادا على تقنية “الجزء يوحي بالكل”، آخذين بعين الاعتبار أنّ اللغة المجازية أكثر بلاغة من اللغة الواقعية الصادمة التي تقود إلى ما لا يُحمَد عقباه.
لا بد من الإشارة إلى أن مسرح الأحداث هو مدينة بيت لحم التي احتلت عام 1967 ولا تزال ترزح تحت نير الاحتلال إلى يومنا هذا، والأنكى من ذلك أن سكان المدينة قد أصبحوا أكثر عُرضة للخطر، وخاصة النساء منهم، كما أن مغادرة الفلسطينيين للضفة الغربية أو الدخول إليها من الأرض المحتلة عام 1948 مشروط بإذن من الاحتلال. وسوف تستعمل المخابرات الإسرائيلية هذه الرُخَص والتصاريح كوسيلة إغراء لمكافأة العناصر الفلسطينية “الساقطة” المتعاونة معها.
يحفزّنا الفيلم على متابعة خمس شخصيات على أقل تقدير، وهي هدى (الممثلة منال عوض) التي سقطت في حمأة العَمالة للمخابرات الإسرائيلية، وريم (الممثلة ميساء عبد الهادي) التي أصبحت ضحية لهدى وعُرضة لابتزازها، وسعيد (الممثل سامر بشارات) الذي يظهر بجسده العاري إلى جوار الضحايا المُنوّمات، وحسن (الممثل علي سليمان) المُحقق الذي ينتمي إلى المقاومة الفلسطينية، كما يمكن أن نضيف يوسف (الممثل جلال مصاروة) زوج ريم وكيفية تعامله مع زوجته قبل الابتزاز وبعده، وهو نموذج للزوج الشكوك والضعيف الذي لا يناصر زوجته في أوقات المحن والشدائد.
مصيدة المغفلين.. فخ للنساء المعذبات برعاية الموساد
يُشبه “صالون هدى” مَصيدة المغفلين التي تستدرج ضحاياها وتوقعهن في الفخ المنصوب لهن بعناية شديدة، فالقاسم المشترَك بين الضحايا الـ15 هي العلاقة السيئة بينهن وبين أزواجهن الذين لا نراهم باستثناء يوسف زوج ريم.
ويكفي أن نعرف زوج هدى من خلال كلامها عنه بأنه حوّل حياتها إلى جحيم لا يُطاق، وأخذ منها أولادها الثلاثة وجد ونبيل وكرم إلى مدينة الخليل، ولم يبقَ أمامها سوى العمل في صالون التجميل الذي حوّلته إلى وكر لاصطياد الضحايا البريئات بطريقة دنيئة، حيث تصوّرهن عاريات، وتضعهن أمام خيار الفضيحة أو التجسس لمصلحة الموساد الإسرائيلي.
ولعل المخرج هاني أبو أسعد بسمعته العالمية المعروفة خصوصا بعد نجاح فيلمه “الجنة الآن” (Paradise Now) وذيوعه في مختلف المحافل السينمائية، وترشيحه لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية؛ أراد أن يقدم لنا في هذا الفيلم صورة قلمية ترسم فيها الشخصية معالم وجهها وطريقة تفكيرها العرجاء، واستمراءها لمزاولة لُعبة التسقيط التي لا تنتهي، فقد أقنعت الموساد بأنها سوف تجلب لهم امرأة فلسطينية كل ثلاثة أشهر، إلى أن ينتهي بها المطاف لمواجهة الموت الزؤام الذي يتربص بها هو الآخر من دون أن تدري.
وعلى الرغم من وجود 15 ضحية حتى الآن، بينهن صفاء التي انتحرت وهناء، فإن تركيز المُخرج كان مُنصبّا على ريم، وهي شابة في مُقتبل عمرها متزوجة من يوسف، ولديها طفلة رضيعة تدعى لينا.
شخصية المحقق والجلاد والضحية.. مثلث البطولة
تحاول ريم قدر الإمكان أن تبني حياتها الزوجية رغم هشاشتها، كأن تجد عملا أو تفتح صالونا للتجميل لكي توفر المستلزمات المطلوبة لابنتها الصغيرة، لكن وقوعها في هذه المحنة أربك حياتها جملة وتفصيلا، وباتت تخاف من الصورة العارية التي تحتفظ بها هدى كضمانة لها إن هي أخبرت أفراد المقاومة المبثوثين في أرجاء مدينة بيت لحم.
لم يمنح المُخرج شخصية العارض (الموديل) سعيد القزاز مزيدا من الوقت في هذا الفيلم، فقد رأيناه يُصوَّر مع الضحية ريم في لقطتين قصيرتين جدا مخبئا وجهه بعيدا عن عدسة الكاميرا، وسنرى صوره مع ضحايا أخريات. وما إن يتعرّف عليه أحد أفراد المقاومة حتى يقبض عليه ويقتاد إلى السرداب لينال جزاءه العادل حرقا بالنار، وهي الطريقة المُثلى من وجهة نظر المقاومة التي تقابل خيانة الوطن والمساس بشرف الضحايا الفلسطينيات المُغمى عليهن تحت تأثير المخدِر.
لا يشذّ يوسف -وهو الشخص الرابع- عن سابقه من ناحية الانحطاط والدونية، فهو زوج مُرتاب يشك بأن زوجته لا تزال تحب شخصا آخر غيره، وهو ضعيف الشخصية ولم يستطع بناء حياة مستقلة له ولأسرته الصغيرة، كما أن زوجته ريم تنتقده لأنها لا تستطيع أن تحرّك كرسيا في المنزل من دون موافقة أمه.
أما الشخص الخامس والأخير فهو المُحقق حسن الذي أخذ حصة موازية لهدى وريم، وتَشاركَ معهما في البطولة الموزعة بعدالة على المثلث المتساوي الأضلاع الذي يجمع بين المُحقق والجلاد والضحية.
“أي شي بدّك تعرفو راح أجاوبك عليه”.. لُعبة كسر الإرادة
تدور الأحداث في أربعة مواقع، وهي صالون هدى ومنزلها، والبيت الذي تسكن فيه ريم وزوجها وهو تابع لأمه، والسرداب الذي يحقق فيه حسن مع الفلسطينيين المتهمين بالعمالة والخيانة للعدو الإسرائيلي. وما إن يكشف قناع العارض سعيد القزاز من قِبل أحد العناصر الأمنية للمقاومة حتى يُقتاد فورا إلى السرداب، ويُحرَق بعد أن يعترف بالجرائم التي نفّذتها هدى بـ15 ضحية ليأخذ الفيلم طابع الاستجواب التقليدي بعد مرور 33 دقيقة من مدة الفيلم التي بلغت 91 دقيقة.
وعلى الرغم من أن حسن هو المُحقق الذي يثير الأسئلة وينتظر أجوبة شافية، فإن هدى تتطوع من تلقاء نفسها لتعترف قائلة قبل تعرضها لأي ضغوط نفسية أو جسدية “هذول البنات ملهومش ذنب، أنا المُذنبة فيهم، وأنا حاضرة للموت، أي شي بدّك تعرفو راح أجاوبك عليه، بس كون متأكد أسماء ما في”.
وهذا يعني أن لُعبة كسر الإرادة وتحطيمها لا بد أن تكون حاضرة في ثنائية المُحقق والمجرمة العنيدة التي سبق لها أن كانت ضحية حينما ضبطتها عناصر الموساد مع رجل آخر غير زوجها، وخيّروها بين الفضيحة وخيانة الوطن، مع أنّ الفضيحة قد تُحل بالطلاق والزواج من شخص آخر تحبه أو ترتاح إليه في أضعف الأحوال، أما خيانة الوطن فلا ينفع معها سوى الرصاص المُنهمر فوق الرؤس الخائنة التي لم تحفظ العهد والأمانة.
يسعى حسن لأن يقدّم أدلة علمية دامغة حينما يُقارن بين وجود العملاء والخونة في المجتمع، وبين السرطان الذي يلتهم جسم الإنسان ويستوجب علاجه بالكيميائي الذي لا يفرّق بين الخلايا البريئة التي لا ذنبَ لها، وبين الخلايا السرطانية التي تنهش الجسد، لكن العلاج الكيميائي لا بد منه على أمل أن يتعافى الجسد المسرطَن.
ثمة أسئلة تقليدية لا بد منها يطرحها المُحقق، مثل لماذا خُنتِ شعبكِ؟ وما السبب الذي دفعكِ للخيانة؟ فتسرد قصة ضبطها مع شخص آخر وخشيتها من الفضيحة أو الذبح، ثم تروي قصة أولادها الثلاثة الذين ربّتهم وكبّرتهم، ثم أخذهم الأب إلى مدينة أخرى وحرمها من التواصل معهم أو اللقاء بهم.
تجنيد العيون الخفية ضد المقاومين.. بيع الوطن بثمن بخس
ربما تكون نقطة ضعف الفيلم هي طبيعة الحوار الدائر بين المُحقق والعميلة التي بدت قوية وثابتة أكثر من اللازم، وهي موقنة تماما بأنها ستُقتل في نهاية الاستجواب الذي استغرق زمنا طويلا، بل إنها كانت تطلب منه أن يكون منفتحا للحديث كي تتشجع على البوح والاعتراف على الأقل، وبما أنها قررت أن تفعل شيئا ما فقد طلبت منه أن يجلب لها كوبا من الماء، فاستغلت لحظات غيابه لتلتقط صورة ريم وتدسها تحت مَشدّة الصدر.
ولكسر إيقاع التحقيق الذي قد يكون مملا ورتيبا كان المخرج يؤثث قصص الآخرين الذين أشرنا إليهم سلفا، مثل يوسف وزوجته وشقيقاته وأمه، بل كانت هناك لقطات سريعة ودالة مثل العِبارة المكتوبة على صالون هدى، والتي تقول “الموت للخونة”، فلا أحد يقشعر له بدن أو يرتجف له جفن إذا أُعدم خائن سافل أو قُتِل عميل مأجور.
يتواصل الاستجواب فنعرف أن العميلة هي التي تختار ضحاياها، وتتقاضى 1200 شيكل إسرائيلي (أي ما يقارب الـ400 دولار أمريكي) على كل إسقاط لبنت أو امرأة فلسطينية في حمأة الخيانة، وقد تناقص هذا المبلغ ليصبح 800 شيكل عندما ظهرت تقنية الفيسبوك، لأن الناس -بحسب هدى- بدأت تصوّر وتنشر فضائحها بنفسها دون الحاجة إلى الناس الآخرين.
أما عن المعلومات التي يطلبونها من العميلات فهي تقتصر على الإبلاغ عن السلاح والناس المطلوبين لسلطة الاحتلال مقابل مبلغ لا يتجاوز الـ800 شيكل، علما بأن غالبيتهم كانوا يُفضلون التصاريح على النقود.
الكل يحاول النفاذ بجلده في أوقات الشدائد والمِحن، فحتى عزة تخلّت عن شقيقتها ريم بعد أن عرفت تفاصيل قصتها واعتذرت منها لأنها لا تستطيع تقديم يد العون والمساعدة، وقد تركتها تواجه محنتها لوحدها مع أنها كانت مجرد ضحية لا غير.
نقاط الضعف.. مواجهة الخائن المقاوم والخائنة العميلة
الغريب أن العميلة هدى طلبت من مُستجوبها أن يحكي لها قصة انضمامه إلى المقاومة، والسبب الذي دفعه للانتماء مع أن حياة المُقاوم تكون غالبا على كف عفريت، وطمأنتهُ بأن سرّه سيكون مدفونا في بئر عميقة لأنها ستخرج من السرداب إلى القبر مباشرة، في إشارة واضحة لموتها الوشيك، كما وعدته بأنها ستروي له أشياء كثيرة إن حكى لها عن الأشياء الدفينة التي عشّشت في أعماقه.
ولكي لا نطيل في سرد هذه القصة الجانبية نُوجزها بالآتي “كان عمري 11 سنة، وأقنعت صاحبي مهند أن نرمي “دبشة” كبيرة على دورية الجيش التي تمر من تحت الجسر في أول البلد، خاف مهند في أول الأمر فاتهمتهُ بالجُبن، فقرّر المجيء معي، ثم طلبت منه أن يرمي الحجرة فلم يوافق فرميتها أنا، لحقتنا الدورية فهرب لأنه كان سريعا، لكنهم أمسكوا بي أنا وضربوني، فخفتُ كثيرا وأقررتُ بأن مهند هو الذي فعل ذلك، فأجبروني أن أدلهم على بيته، ولما وصلنا إلى هناك أطلقوا النار عليه أمام أمه وأبيه”.
لقد كان حسن في صغره مترددا وجبانا، وقد خان الصحبة، وأكثر من ذلك فقد تحوّل إلى دليل قاد الأعداء إلى بيت صديقه، وكان السبب في إطلاق النار عليه. إذن، لم يستطع حسن أن يُوقف فعل الخيانة عنده فقط كي لا يتعداه إلى صديقه، تماما كما لم تستطع هدى أن تُوقف فعل الخيانة عندها، ولا تسحب وراءها 15 ضحية لأنها لا تمتلك خيارا آخر كما تدّعي.
إيجاد ريم.. خطة التعاون مع المقاومة
تُثير هدى انتباه المحقق حين تسرق صورة ريم، فيطلب حسن من أحد العناصر الأمنية العثور عليها بينما كنا نشاهدها في سيارة نقل عام، ثم نسمع خطتها من خلال الاتصال الهاتفي مع أمها للخروج من البلد ومحاولة الذهاب للأردن، لكن الأم تُثبط همتها لأن عائلة زوجها ممنوعة من السفر، وأنها بحاجة إلى موافقة من المخابرات الإسرائيلية قبل أن تُشرع في هذه الخطوة.
تقتصر مهمة حسن على الاستجواب للوصول إلى الحقائق، لكن ذلك لم يمنعه من التهديد بإدخال شاب متخصص بانتزاع الاعترافات، ومع ذلك فقد ظلت عنيدة ومتحبّرة ولم تخشَ أن تصفه بالجبان الذي يرتدي لبوس المناضل.
قرر المحقق أن يعرض السماح على الفتيات المتورطات مقابل التعاون مع المقاومة، وأن يبذلوا قصارى جهدهم من أجل الوصول إلى ريم وإحضارها حتى وإن كانت مختبئة تحت الأرض.
في دعوة الغداء التي أقامها يوسف لشقيقاته تحدث نقاشات جانبية كثيرة، لكن أهم ما فيها هو الإشارة إلى فضيحة “صالون هدى” التي بالغوا فيها إلى درجة قوله إنهم أمسكوا بأكثر من ألف عميل.
ريم الضحية.. صخب الزوج الإمعة وقلق الروح الكسيرة
يتصل أحد أفراد المقاومة بريم ويخبرها بأنهم من الممكن أن يغفروا لها، وهذا أفضل عرض يمكن أن يقدموه لها، لكنها ترجوه أن لا يتصل بها مرة ثانية خشية أن يثير الشكوك لدى زوجها المترّبص بها، وعلى الرغم من ذلك فقد حددوا موقعها وعرفوا المكان الذي تُقيم فيه.
ولكي تشعر بمزيد من الراحة، فقد جلست تحت الدُشّ وتركت الماء ينساب على رأسها ووجهها، ثم تتفجر بينهما مشكلة أخرى مفادها أن ريم لم تُشعره ذات يوم بأنها تُحبه، وأنّ عينيها زائغتان “وتلعبان يمينا وشمالا”. يأتي ردّها الصادم بأن عينيها لا تريانه رجلا، وأن وجوده في المنزل أشبه بالإمّعة الذي لا يُقدم ولا يُؤخر، ولكي تضع حدّا للنقاش هددته بأن أي كلمة أخرى يتفوّه بها ستترك بعدها له المنزل، ولن تعود إليه مرة ثانية.
يسعى المحقق لإدانة هدى لأنها ابتزت النساء والفتيات وعرّتهن من دون إرادتهن، وكان يريدها أن تعترف إن كانت شجاعة، بأنها سببت ألما كبيرا لأناس كثيرين من ذوي الضحايا.
لا تثق ريم بأن تُفاتح زوجها يوسف بصُلب المشكلة، فهو يظن أنها تتواصل مع الشخص الذي تحبه، فلا غرابة أن يطلب منها بغباء واضح أن يضعا حدا لهذا الموضوع المُقلق، لأنه ببساطة لم يعد يحتمل هذه القصة. بينما تذهب ريم إلى القول متسائلة “هل تصدّقني إذا حكيت لك، وهل أستطيع أن أتكئ عليك”؟. لكنه يحسم أمره حينما يقرر هو أن يترك البيت، لأن فاقد الشيء لا يُعطيه.
عمالة هدى.. مُرتكبة جريمة بحق العائلة والوطن
يأخذ الفيلم طابعا بوليسيا حينما نكتشف أن صفاء هي التي بلّغت هدى، والدليل أن صورتها لم تكن موجودة على طاولة التحقيق مع الضحايا الأخريات.
لم يكن إلحاح المُحقق حسن ناجما عن فراغ، فهو يعزف على وتر حسّاس، ويريد أن يُشعرِها بأنها لم تمنح أبناءها الثلاثة أي قدرٍ من الحب، وقد كبروا الآن وصار بإمكانهم أن يبحثوا عن أمهم، ويرونها إن أرادوا ذلك.
كما دحض رأيها القائل بأن والدهم قد حرّضهم عليها وعبأ رؤسهم بالكراهية، لأنها ببساطة أنانية جدا، ولو أعطتهم مقدارا ضئيلا من الحُب لما استطاعت أي قوة في العالم أن تُحرضهم عليها.
ربما تكون الجُملة الفاصلة التي قصمت ظهر البعير هي قول المُحقق “أنتِ جلبت لهم العار، ولم تهمليهم فقط، هل تعرفين أنهم اتصلوا بي ألف مرة ليس لأجل الاطمئنان عليك، وإنما لأجل تصفيتك حتى يغسلوا العار الذي جلبته لهم”.
عندها فقط انخرطت بالبكاء وانكسرت تماما، لتشعر بحجم الجريمة التي ارتكبتها بحق العائلة الصغيرة والوطن الكبير.
“لم أستطع أن أحكي لك”.. انتحار فاشل بعد كشف الأوراق
تتصل ريم بموسى الإسرائيلي، وتخبره بأنها أخذت رقم هاتفه من هدى التي اعتقلها شباب المقاومة، وأخبرته بأنها ممنوعة من السفر، وطلبت منه أن يدبّر لها موافقة سفر من قِبل المخابرات الإسرائيلية. وبما أنها لا تمتلك ملفا في الموساد، فقد طلب منها بعض المعلومات الشخصية التي تتعلق باسمها وسنِّها ومهنتها واسم زوجها واسم وعمر ابنتها.
وفي هذه اللحظة كان زوجها يوسف يستمع إلى المكالمة، وقد جاء حاملا باقة ورد لمصالحتها، فظن أنها تتكلم مع الشخص الذي تحبّه، فخطف الهاتف من يدها ورن على صاحب المكالمة الأخيرة، فتبيّن أنه صوت موسى.
وعلى الرغم من محاولتها توضيح التباس القصد، إلا أنه ابتعد عنها من دون أن يستمع إلى توسلاتها وحاجتها الماسّة إليه، لكنها أجبرته على الإصغاء قائلة: إنها ليست قضية شخص آخر في حياتي. لقد كنت في صالون هدى وخدرتني والتقطت لي بعض الصور العارية مع شاب لا أعرفه. وإذا شاهد بعض الناس هذه الصور فإن حياتي ستنتهي، لهذا السبب لم أستطع أن أحكي لك، لأنني متأكدة من أنك لن تقف معي، وإذا أردنا أن نحمي ابنتنا لينا فعلينا أن نغادر البلد.
ولأن كلا الخيارين صعب سواء الفضيحة أو العمالة، فقد قررت ريم أن تنتحر، لكنها ما إن فتحت الغاز واستلقت على السرير ثم أوقدت الولاعة حتى اكتشفت أنّ قنّينة الغاز كانت فارغة.
“بديش أموت شبح”.. أمنية النهاية لعميلة خانت الوطن
بدأت هدى تعترف بأسماء الضحايا اللواتي أسقطتهن، ثم بدأت تزوّده بأرقام هواتفهن النقالة، أما طلبها الأخير فجاء كالآتي “بدّيش أموت شبح، ممكن طخ مش في وجهي؟”.
فيرد عليها المحقق حسن بأن طلبها مستجاب، وحينما اقتادها اثنان من العناصر الأمنية إلى غرفة جانبية سمعنا صوت حسن وهو يقول “مش في راسها”، لكن الرصاصة بالتأكيد قد صُوبت إلى مكان قاتل من جسد العميلة التي خانت الوطن.
لم ينتهِ الفيلم عند هذا الحدّ، فثمة عنصر أمني من رجال المقاومة كان يتصل بريم ويحيطها علما بأن ابنتها لينا بأمان، وأنه يطلب منها أن تتصل بموسى كي يحددوا مكانه، وأنهم موقنون تماما بأنها بريئة ولم تفعل شيئا يضر البلاد والعباد، ولكي يطمئنها أكثر أخبرها بأنهم قد أحرقوا صورتها العارية، فانفرجت ملامح وجهها، وكأنها صارت تمتلك الدنيا برمتها بعد أن تلاشى الكابوس الثقيل الذي كان يؤرقها ليل نهار.
محافظة الفيلم العربي وعري الأجنبي.. تلاعب بالذوق الجماهيري
يذهب عدد من النقاد إلى أن “صالون هدى” هو فيلم عُري مثير للغرائز بسبب اللقطات “الخادشة للحياء” التي ظهرت فيها ريم تحديدا كما خلقها الله، والحقيقة أن الفيلم ليس كذلك، فالضحية قد تعرضت للتعرية من دون إرادتها وهي تحت تأثير المخدّر، وصوّرت بهذه الطريقة الصادمة التي تظهر فيها في السينما العربية لأول مرة.
والغريب أن المخرج هاني أبو أسعد قد أنجز نسختين من هذا الفيلم، الأولى تتضمن مشهدا إيحائيا لا يُثير حفيظة الناس في العالم العربي، وعرضها في مهرجان البحر الأحمر في السعودية ومهرجان بيروت لسينما المرأة.
أما النسخة الثانية فقد خصصها المخرج للمهرجانات الدولية وصالات السينما العالمية، وكأنه يقول من طرف خفي بأن العرب والمسلمين لا يستسيغون هذا النمط من الأفلام المنفتحة التي تناقش كل شيء من دون حدود أو حواجز دينية وأخلاقية واجتماعية.
كما ذهب البعض الآخر إلى أن المخرج يستهدف طعن النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتمزيقه من خلال تقديم المرأة الفلسطينية كضحية لخيارين لا ثالث لهما، وعليها أن تختار بين الفضيحة والطعن في الشرف الرفيع، أو خيانة الوطن، بينما يقول واقع الحال إن عدم كتابة المخرج لنص درامي ناجح هو الذي دفعه للتركيز على العلاقة الشائكة بين الضحايا الفلسطينيات وأزواجهنّ السيئيين إلى هذه الدرجة المُبالَغ فيها، بحيث يصبحون -من وجهة نظره معادلا موضوعيا لخيانة الوطن، وهذا المعيار غير صحيح ولا ينطبق على الجميع، فمن المستحيل أن تلوذ المرأة الفلسطينية بعناصر الاحتلال الإسرائيلي لكي تتخلص من الواقع الفلسطيني، أو تهرب من علاقة زوجية عقيمة وميئوس منها.
عقوبة ليست في محلها.. إحراق يُعيد إلى الذاكرة همجية تنظيم الدولة
لا أدري لماذا اختار أبو أسعد أن يعاقب العارض سعيد القزّاز بالحرق، وهو مشهد يحيل أو يُذكِّر على الأقل بحرق الضابط الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بينما كان بإمكان المُخرج أن يستبدل هذه العقوبة بالإعدام شنقا أو رميا بالرصاص؟
إن تجسيد العقوبة بهذا الشكل يضرّ بالمقاومة الفلسطينية، ويضع أفعالها في صف الحركات “الهمجية” أو الخارجة على القوانين والأعراف الإنسانية. وعلى الرغم من ضعف الحوار وركاكته في بعض المواضع، فإنّ هذا الفيلم سيلقى أصداء كبيرة في المهرجانات الدولية التي تقف مع الأفلام المختلفة والخارجة عن المألوف، وسوف يُحدِث نفس الأثر الذي خلّفته أفلامه السابقة مثل “الجنة الآن” و”عمر” و “أميرة” الذي كان هاني أبو أسعد أحد مُنتجيه.