“بيت غوتشي”.. عالم قبيح تحت بريق العلامة التجارية المرموقة

قيس قاسم

بمقتل “ماوريزيو غوتشي” إثر عملية اغتيال دبرتها له زوجته السابقة، تنتهي المرحلة الأخيرة من سيطرة العائلة المطلقة على إمبراطورية “غوتشي” للموضة والأزياء العالمية.

المخرج “ريدلي سكوت” يستعيد الواقعة الحقيقة ليبني على أساسها رؤيته للعائلة وصراعاتها التي لعبت زوجة القتيل في تأجيجها، وذلك طمعا في الاستحواذ الكامل على ثروتها الهائلة.

النص السينمائي “بيت غوتشي” (House of Gucci) يشير إلى أساليب تراكم هذه الثروة التي لم تخلُ من تلاعب على القوانين واحتيالات وصراعات داخلية ظلت مخفية تحت السطح، حتى لحظة دخول الزوجة إلى البيت وتخطيطها بدهاء للسيطرة عليه بالكامل.

“ماوريزيو غوتشي”.. سرد كلاسيكي لقصة حب ولدت في إيطاليا

المخرج “ريدلي سكوت” هو صاحب الروائع السينمائية الحاصل كثير منها على جوائز الأوسكار، مثل “فضائي” (Prometheus) عام 1979، و”المصارع” (Gladiator) عام 2000، و”سقوط الصقر الأسود” (Black Hawk Down) عام 2001 ، و”المريخي” (The Martian) عام 2015.

 

يتخذ “سكوت” كعادته أسلوبا كلاسيكيا في سرد قصة موت “ماوريزيو غوتشي” (الممثل آدم دريفر)، منطلقا في كتابة أحداثها من إيطاليا، ومن اللحظة التي تعرف فيها سليل الأسرة الغنية على الشابة “باتريزيا ريجياني” (الممثلة ليدي غاغا).

المشاهد التأسيسية التي تعود إلى سبعينيات القرن المنصرم تُحدد ملامح الشابة الطموحة التي تعمل مساعدة لوالدها في إدارة شركة صغيرة للنقل، فهي شابة جميلة تقضي وقتها في العمل، وتُجيد بشكل ملحوظ تقليد توقيع والدها على الصكوك والمعاملات الرسمية. لا يوحي المكان ولا عدد الشاحنات بثروة ولا بوجود مشروع كبير، ففي المرة الأولى التي التقت به في حفلة دُعيت إليها استلطفته، وراحت بعدها تلاحقه وتتبع خطواته، حيث عرفت أصول عائلته، فاقتربت منه أكثر.

بيت الزواج السعيد.. بداية وردية تخفي نية قاتمة السواد

لا يشي سلوك “باتريزيا” بحقيقة نياتها، ففي البداية ظهرت وكأنها أرادت فقط الاقتران به، وشجعها على ذلك اندفاع الشاب نحوها، في تعارض تام مع موقف والده (الممثل جيرمي آيرونز) منها، والرافض كليا لفكرة اقتران واحد من أبناء عائلة “غوتشي” الغنية بشابة من عائلة إيطالية بسيطة النسب.

تشبثه بموقفه وإصراره على الزواج منها حرمه من ثروة والده، حيث توّج صدق مشاعره نحوها بالتقدم للعمل كمنظف شاحنات عند والدها والإقامة معهم في البيت، فقد أضحى طالب المحاماة عاملا بسيطا، لكنه سعيدا في عيشه البسيط وزواجه من الشابة التي أحبها.

 

على خط الأحداث يدخل عمه “ألدو غوتشي” (الممثل البارع آل باتشينو) فور وصوله إلى إيطاليا قادما من أمريكا، حيث يدير إمبراطورية “غوتشي” من هناك، ويتقاسم أرباحها مع أخيه الميّال إلى الانكفاء والعزلة بسبب سوء وضعه الصحي، وتأثير موت زوجته عليه. كان العم يرى في “ماوريزيو” تعويضا عن ابنه “باولو” (الممثل جاريد ليتو) الذي لا يجد فيه أكثر من رجل فاشل عديم الموهبة.

لم شمل العائلة.. رحلة العمل إلى مكاتب نيويورك

تستغل الزوجة رغبة العم في الاستعانة بخبرة زوجها في إدارة الأعمال لتطرح فكرة لمّ شمل عائلة “غوتشي”، فتطلب منه التوسط لتخفيف حدة التوتر بين زوجها ووالده، ويجد العم في ذلك ميلا صادقا نحو استعادة لُحمة العائلة، فقد أحب فيها ذكاءها، وقرر الاستعانة بها لإقناع زوجها بالعمل معه في مكاتب نيويورك.

إلى ذلك الجزء من العالم ينتقل الفيلم ليرسم بدقة شخصية العم وأساليب إدارته لواحدة من أكبر شركات صناعة الموضة والأزياء العالمية.

صورة تجمع عائلة “غوتشي” كاملة قبل أن تُفككها المرأة الإيطالية “باتريزيا ريجياني” زوجة ابنهم

 

في المسار يكشف العم عن وجهه الحقيقي كرجل أعمال لا يرى الآخرين إلا أتباعا له بمن فيهم ابن أخيه، ولولاه لما كان لـ”غوتشي” أن تنجح، ولكان حال أفراد العائلة متواضعا مثل أصولهم المتواضعة التي يدّعون كذبا أنها تنتمي تاريخيا إلى أوساط طبقية إيطالية راقية.

“آل باتشينو”.. فساد العم الفكاهي المتفرد بالثروة

يستغل المخرج “ريدلي سكوت” وجود الممثل “آل باتشينو” ليضفي مزيدا من الفكاهة والمرح على جو الفيلم، فمرحه الخارجي يبطن قساوة وميلا للسيطرة يريد النص تبريزه ليقول: في باطن كل ثروة راكمتها عوائل غنية لعقود طويلة مَيْل للتشبث بها، وقدرة على سحق كل من يحاول منافستهم عليها.

تكتشف الزوجة ألاعيب العم ووقوفه وراء عمليات النسخ الرديء لمنتجات الشركة المُباعة بأثمان زهيدة في شوارع المدن الأمريكية، تواطؤ العم في بيعها يتعارض مع ما يشاع عن حرص المؤسسة الشديد على النوعية، وعلى جدارة علامتها التجارية التي يُراد لمنتجاتها أن تكون فقط للخاصة من الناس، وللأثرياء المقتدرين على دفع أثمانها الغالية.

الممثل البارع “آل باتشينو” بدور العم “ألدو غوتشي” الذي يتلاعب بعمليات النسخ الرديء لمنتجات شركة “غوتشي” المُباعة بأثمان زهيدة في أمريكا

 

تجد الزوجة الطامحة بالحصول على ثروة “غوتشي” أثناء تدقيقها في سجلات الشركة تهربا متعمدا من دفع الضرائب المستحقة عليها، وتُبيّت كل ما تعرفه في انتظار اللحظة المناسبة لتعرضها على زوجها، وتطلب منه حماية ثروته من الهدر على يد عمه المتفرد بالتحكم بها.

وصية الجد الباطلة.. تزوير محترف لضمان حق الزوج

تستغل الزوجة ولادتها الأولى لتتقرب ثانية من الجَد، إذ يقرر وهو على أعتاب الموت وبعد جرعة السعادة التي منحتها له حفيدته الوحيدة التي سمتها باسم زوجته الراحلة، أن يمنح ابنه كل ثروته وحصته من شركة “غوتشي” متجاوزا غضبه منه بسبب زواجه.

بأسلوب كلاسيكي يُصاعد “بيت غوتشي” من توتره الدرامي، ليصل إلى نقطة تتشابك فيها المصالح، ويغدو الكشف عن النزعة العدوانية للشخصيات والكشف عن بواطنها الحقيقية لازما لتفسير ما ستؤول إليه الأحداث لاحقا.

ومن بين أكثرها مدعاة للتعجب اكتشاف محامي العائلة عدم صلاحية الوصية، وبالتالي بطلان امتلاك الابن حصة والده في الشركة بسبب نسيانه التوقيع على عقد الشراكة مع أخيه، فغياب توقيعه يعني أن الشركة بأكملها أضحت مملوكة للأخ فقط.

 

تكشف الأحداث اللاحقة أن الزوجة قد قامت بتزوير التوقيع بدقة متأتية من خبرتها السابقة في تقليد توقيع والدها، فبالغش ضمنت حصة زوجها، وبالأساليب الملتوية ستفرق بين عمه وولده، وستُدخله السجن بعد أن تشي به للشرطة.

سر التوقيع.. هروب من قبضة العدالة إلى سويسرا

بدخول العم السجن وبيع ابنه حصته من الشركة لـ”ماوريزيو”، تكون الأجواء قد تهيأت لسيطرة العائلة الصغيرة على أغلب حصص العائلة، ولمزيد من تفتيت مركزيتها تقوم ببيع حصص منها لشركة يمتلكها رجل أعمال عراقي الأصل.

تتوج المؤامرات والصراعات بين أطراف العائلة بالكشف عن عملية تزوير التوقيع، وعليها يجد “ماوريزيو” نفسه متورطا مطلوبا للعدالة، ولخوفه من الوقوع في أيدي رجال الشرطة يقرر الهرب سرا إلى سويسرا والإقامة فيها بعيدا عن زوجته، بعدما تأكد له شدة خطورتها عليه وعلى جميع أفراد عائلة “غوتشي”، فقد وجد فيها امرأة لا حد لطموحاتها ورغبتها في امتلاك كل شيء لنفسها.

في سويسرا تنشأ علاقة عاطفية بين “ماوريزيو” وبين سيدة ثرية تعلم بها الزوجة، وتؤدي التوترات حولها إلى إعلان الزوج انفصاله عنها رسميا.

“إنه الوجه الذي ورثته من غوتشي”.. خطة الاغتيال

يكشف الزوج وجها قبيحا ظل يخفيه بوجه آخر يبدو فيه لطيفا زاهدا بمال العائلة وثروتها، ويعترف في لحظة يواجه زوجته بها قائلا: “إنه الوجه الذي ورثته من غوتشي”، وجه الرجال الأثرياء غير المترددين لحظة عن فعل كل ما يضمن سطوتهم وثروتهم.

“ماوريزيو غوتشي” الذي قُتل إثر عملية اغتيال دبرتها له زوجته السابقة، ليُسدل الستار على الفصل الاخير من تاريخ العائلة

 

في بعد فكاهي يُدخل النص على الخط شخصية “قارئة بخت” (الممثلة سلمى حايك) تزوق المواصفات الحميدة للزوجة، وتعلمها خدعا مبتكرة لتقوية موقعها داخل العائلة مقابل المال، فالفشل في استعادة الزوج هو ما قادها للاستعانة بها، وهذه المرة من أجل تأمين رجال عصابات يقومون بمهمة اغتياله من دون زج اسمها بالجريمة.

أحكام المحكمة.. إسدال الستار على الفصل الأخير للعائلة

تُنفّذ الخطة في وضح النهار، ويُقتل الزوج بمسدس كاتم للصوت، ويُسدل بموته الستار على الفصل الأخير من تاريخ عائلة “غوتشي” التي خسرت آخر اسم لها في إدارتها، لكنها ظلت شركة مساهمة لها سُمعتها في أسواق الموضة والأزياء العالمية.

ولأن الفيلم مستند على واقعة حقيقية فإنه يعود في نهايته ليذكر بالأحكام التي أصدرتها المحكمة بحق الزوجة وبقية المشتركين معها في التخطيط والتنفيذ لعملية القتل.

ربما لا يكون “بيت غوتشي” من بين أفضل أفلام “ريدلي سكوت”، لكنه يبقى منجزا هوليوديا بامتياز، فالحبكة مُجسدة بأداء تمثيلي بارع، خاصة من قبل “ليدي غاغا” التي تؤدي دورها الاحترافي الثاني بعد مشاركتها في فيلم “مولد نجم” (A Star Is Born) عام 2018، وفيه أكدت موهبتها السينمائية بعيدا عن شهرتها كمغنية عالمية.