“مصوري”.. عودة إلى مصور الطفولة في بسكرة لرد الجميل

يرتبط كثير من الناس ببعض الأماكن أو المحلات في الأسواق الشعبية بأحيائهم التي وُلدوا وعاشوا فيها، وذلك لارتباطها بذكريات طفولتهم التي ترافقهم طوال حياتهم. وربما كانت أستوديوهات التصوير الفوتوغرافي واحدة من هذه الأماكن. فكيف إذا كان هذا الأستوديو محافظا على تفاصيل الديكور وطريقة العمل القديمة التي عُرف بها على مدى عقود؟

يروي فيلم “مصوري” قصّة الشاب أحمد تونسي الذي غادر مدينته، ثم بعد 22 سنة عاد حاملا عدسته ليُنجز فيلما عن أقدم وأشهر مصوّر في مدينة بسكرة جنوب شرق الجزائر، والذي كان أول من التقط له صورة في طفولته.

“إنني دقة قديمة”.. عبد الرزاق مُصوّر الأبيض والأسود

يقول المصور عبد الرزاق بن عيسى: بدأت التصوير وأنا ابن 10 أو 12 عاما، حينها كنت في المدرسة، وطلبوا منا إحضار صور شخصية لاستخراج البطاقة المدرسية، فذهبت إلى أستوديو تصوير اسمه سالم الصوّار رحمه الله، وكان حينها الوحيد في مدينة بسكرة.

حينها أخذتُ الصورة، ودهشت كيف يطبع وجه إنسان على الورق، فأثار الأمر اهتمامي وفضولي، فأصبحت أذهب إليه بعد المدرسة لأتعلم التصوير، وكنت صغيرا لدرجة أنني لا أستطيع الوصول إلى الكاميرا، فكنت أعتلي الكرسي للوصول لها.

الصورة كل شيء في حياتي، من الماضي إلى الحاضر والمستقبل، فهو الفن الذي لا يمكنني الاستغناء عنه، وقد عرفت في بسكرة بأنني الذي يُصوِر بالأبيض والأسود، لأنه يشعرك بطعم الماضي، ويمنحك المتعة بمعالجة فيلم يعيدك إلى ذكريات الماضي.

يعرف بن عيسى أنه مُصوّر الأبيض والأسود، وهو التصوير الذي يُشعره بالمتعة، لأنه يتعامل يدويا مع الصورة في مخبر التحميض، ويمكّنه ذلك من تعديل الصورة كما يحب أن يراها.

يبدو أستوديو التصوير لافتا لكثرة صور الأبيض والأسود التي تغطي جدران الأستوديو، بعضها بإطار والآخر ملصق على الجدار، لذلك يقول: البعض يندهش من شكل المحل، ويسأل عن سر الحفاظ على النمط القديم له.

فيرد عليهم ممازحا: إنني دقّة قديمة.

تبادل الأدوار.. لقاء بعد أكثر من 20 عاما

خلق هذا العمل لعبد الرزاق بن عيسى علاقات قوية مع الناس، فكثير ممن صورهم يشيدون بالصور التي التقطها لهم. ويشير إلى صورة ثلاثة أطفال أشقاء، ويقول: كل من يراها يطلب صورة مثلها، وهذه صورة لبنت الجيران، وقد أصبحت امرأة الآن، وصور أخرى لأطفال الحي وقد أصبحوا في العشرينيات من أعمارهم الآن.

عبد الرزاق بن عيسى مُصوّر الأبيض والأسود في الأستوديو الخاص به

يسأل منتج الفيلم عن صاحب صورة معلقة على جدار الأستوديو إن كان يعرفه، فيجيب: لا أعرفه، هو ابن جاري عمره قرابة عامين، أحضره والتقطت له صورة، وهو بالتأكيد الآن رجل فكيف لي أن أعرفه بعد هذه السنين، فيجيبه المنتج، ماذا لو أخبرتك أنني صاحب الصورة؟ فيدهش الرجل ويقول: سبحان الله، فعلا ملامح الأعين هي نفسها.

ويقول: أنا صورتك صغيرا، وأنت تصورني في هذا السن، هذا الأمر يشرفني. يجب أن أعيد تصويرك لتبقى ذكرى جديدة، كنت في الصورة عمرك عامين والآن عمرك 25، فالصورة عمرها 23 سنة. فيلتقط بن عيسى صورة جديدة بالهاتف لأحمد تونسي.

فاز فيلم “مصوري” بالجائزة الأولى في مسابقة نظمتها قناة الجزيرة الوثائقية للفيلم القصير للعام 2021، وربما كانت فرادة القصة وطريقة عرضها المشوقة سببا في الفوز بالجائزة.


إعلان