“الفريق المحلي”.. مدرب حوّل فضيحته إلى جسر للنجاح العائلي والرياضي

يندرج فيلم “الفريق المحلي” (Home Team) للأخوين “تشارلز” و”دانييل كينان” ضمن أفلام الرياضة والكوميديا، كما يلامس الجوانب الاجتماعية والنفسية والعاطفية لبعض الشخصيات الرئيسية والمؤازرة التي تؤثث المتن السردي للسيناريو الشائق الذي كتبه “كريس تيتون” بالاشتراك مع “كيث بلوم”، ونجحا في نسج قصة سينمائية محبوكة ومطعّمة بقصص جانبية تعزز الفكرة الرئيسية، وتدفع بشخصياتها إلى النجاح والتألق الدائمين.

يبدأ الفيلم بفضيحة كبرى مفادها أنّ “شون بيتون” مدرب فريق “نيو أورليانز سينتس” متهم بدفع لاعبيه لإصابة خصومهم مقابل مكافآت مادية مُغرية، وهذا أمر غير مقبول في هذه اللعبة الشعبية المُحببة التي تدّر على المؤسسة الرياضية نحو عشرة مليارات دولار سنويا، ويتابعها الملايين في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وعدد من بلدان العالم.

وبما أنّ المدرب قد غضّ الطرف عن هذه المكافآت المحفِّزة على إصابة الخصوم، فلا غرابة أن يُوقَف “شون بيتون” لمدة عام عن تدريب الفريق، ويُحظَر عليه التواصل مع الإدارة أو أعضاء الفريق على حد سواء، حتى يصدر قرار الاستئناف في قضيته، بعد أن وصلت إلى المحكمة المختصة التي لها القول الفصل في خاتمة المطاف.

“شون بيتون”.. عودة إلى العائلة بعد فضيحة

تُرى، ما الذي سيفعله “شون بيتون” خلال سنة كاملة، وكيف سيقضي وقت فراغه الطويل وهو لا يعرف غير التدريب مهنة له؟

وبما أنه كان منشغلا عن ابنه الوحيد “كونور” بعد أن انفصل عن زوجته السابقة “كيث”، فقد قرّر أن يعود إلى بلدة آرغايل التابعة لولاية تكساس، حيث تعيش طليقته مع زوجها الجديد “جيمي”، بهدف ترميم العلاقة بينه وبين ابنه الوحيد، وإصلاح ما يمكن إصلاحه على الأقل.

يصادف أن يذهب “بيتون” إلى الملعب ليشاهد أداء فريق “واريرز” الذي يضم بين أعضائه ولده “كونور”، ويقرر مساعدة الفريق بخبرته المتراكمة ودفعه إلى المراكز الأولى.

المدرب “شون بيتون” وطليقته “كيث” وابنهما “كونور”

لم يلتفت كاتبا السيناريو كثيرا إلى انفصال “بيتون” عن زوجته “كيث” واعتبراها مسألة عادية يمكن أن تحدث بين أي زوجين يصلان إلى طريق مسدود وتتعذّر عليهما مواصلة حياتهما الزوجية المُرتبكة، لكن تركيزهما انصبّ على الابن “كونور” وتداعيات هذا الانفصال عليه، خصوصا وأن أباه قد بات اسما معروفا وذائعا في الأوساط الرياضية، وذلك بعد أن تُوّج فريقه لأول مرة في التاريخ ببطولة العالم لكرة القدم الأمريكية، وصار مادة دسمة لحديث الصحف والإذاعات والبرامج الرياضية التلفزيونية.

ميدان التدريب.. محاولات الارتقاء بالفريق من أجل ابنه

تنفتح قصة الفيلم على شخصيات متعددة تبدأ بأسرة “بيتون” وطليقته “كيث” وزوجها الجديد “جيمي” وابنه “كونور”، قبل أن تنفتح على أعضاء الفريق والمدرب الرئيسي “تروي لامبرت” ومساعده “بيزوين”.

وقد احتلّ الابن “كونور” مساحة واسعة من الرصد والاهتمام لأكثر من سبب، فأصدقاؤه يسألونه باستمرار عن سبب انفصال والديهما، وطريقة تعامل “جيمي” معه، وهل يستطيع الاندماج في حياته الأسرية الجديدة، خاصة وأنّ الوافد الجديد يمارس هوايات غريبة تتعلّق بالتأمل والتركيز الذهني واسترجاع الذكريات القديمة.

يشعر “بيتون” بالإحباط عندما يلمس تفاقم الأوضاع النفسية لابنه “كونور” وعدم استجابته وتقبّله لمجيء أبيه كمدرب للفريق المتواضع الذي لم يحتل أبدا مرتبة متقدمة في الدوري، لكن الأب لم ييأس قط، بل صار يبذل قصارى جهده من أجل مصلحة ابنه والارتقاء بالفريق إلى مستويات متقدمة جدا.

المدربان شون بيتون وتروي لامبرت خلال أحد التدريبات للفريق

وقد طبع 23 نسخة من خطة التدريب الجديدة ووزعها على أعضاء الفريق، وبدأ يحصد نتائج جيدة لم يسبق أن حصل عليها من قبل، فقد غيّر أشياء كثيرة في مواقع اللاعبين، وضخ في أذهانهم معلومات جديدة تتعلق بالسرعة والمرونة والمراوغة والذكاء والرغبة في تعلّم الأشياء الجديدة ومفاجأة الخصم وما إلى ذلك من عناصر النجاح التي ينبغي أن يمتلكها لاعب كرة القدم الأمريكية.

هدف الفوز.. تقديم القرار السليم على هوى النفوس

بدأ “بيتون” يقضي بعض الأوقات مع ابنه ويتعرّف عليه عن كثب، ويحثُّ بقية اللاعبين على المواجهة وخاصة “دينيس”، الأمر الذي منح الجميع معنويات عالية بدأت تتضاعف مع كل مباراة جديدة.

وعلى الرغم من أن “بيتون” لا يفكر إلا بالفوز، فإنه في خاتمة المطاف بدأ ينتبه إلى ضرورة إشراك اللاعبين الآخرين الذين كانوا يجلسون على مصطبة البدلاء. فلم يكن غريبا على المشجعين والمشاهدين أن ينتصر فريق “واريرز” على خصمه اللدود “بوكنباينز”.

ما يميّز “بيتون” عن غيره من المدربين أنه لا يجد حرجا في استشارة أي مدرب آخر، خاصة أولئك الذين لديهم خبرات متراكمة، ولا يهمل آراء المدربين الذين هم أدنى درجة منه، فهو يستمع إلى الجميع، لكنه يتخذ في نهاية المطاف القرارات التي يراها مناسبة وتصب في مصلحة الفريق.

يحاول بعض الآباء أن يتدخلوا في شؤون الفريق ويتذمروا كلما غيّر “بيتون” مواقعهم في الساحة، لكنه كان يحاججهم بالقول إنه يقوم بمهمته كي يربح المباراة، لا لكي يجعلهم يشعرون بالراحة حيال مراكز لعب أولادهم.

“هيّا يا هارلن”.. قصة حب تغير موازين القوى في الملعب

على الرغم من الجفاف العاطفي الذي يعاني منه “بيتون” بعد انفصاله عن زوجته “كيث”، فإنه لم ينتبه إلى محاولات “سندي” لاستدراجه إلى قصة حُب جديدة، لأن جُلّ اهتمامه كان مُنصبا على ترميم علاقته الأبوية مع ابنه “كونور”، والارتقاء بها إلى مستوى الصداقة الحميمة القائمة على المحبة والتفاهم وتحقيق الأحلام التي تدور في مخيلة الأب والابن معا.

يندر أن تجد فيلما أمريكيا لا ينطوي على قصة حُب، وفيلم “الفريق المحلي” قدّم لنا نماذج من هذه القصص العاطفية التي انتهت أولاها بالانفصال بين “بيتون” و”كيث”، لكنها نجحت بين “كيث” و”جيمي” اللذين يعيشان تحت سقف واحد من دون مشاكل.

كما أن “سندي” قد حاولت في الأقل أن تجذب “بيتون” إلى مداراتها العاطفية، لكنها فشلت على الرغم من تسلّحها ببعض المواصفات الجسدية الممتلئة التي كانت تفتقر إليها “كيث”، غير أن الكاتبين عوّلا كثيرا على علاقة اللاعب “هارلن هير” بواحدة من المشجِّعات كانت تحمل لافتة مكتوب عليها “هيّا يا هارلن”، الأمر الذي سيغيّر موازين القوى لمصلحة فريق “واريرز” في نهاية المطاف.

تفريغ الضغوط النفسية أثناء التدريب.. حيلة المحترفين

يعاني أعضاء فريق “واريرز” من بعض الإشكالات النفسية التي تنعكس على أدائهم البدني، فالعاشق “هارلن هير” يعاني من ضغط نفسي لا يعرف كيف يتخلّص منه، وهذا ما يفسّر حُسن أدائه في التمارين، بينما يخفق في المباريات الرسمية، الأمر الذي يدفع “بيتون” على نصحه بتفريغ هذه الضغوط في أثناء التمارين كما يفعل اللاعبون المحترفون، وحينما يذهب إلى المباراة الرسمية يكون قد تخلص نهائيا من هذه الضغوط النفسية.

وهو يرى أن كرة القدم الأمريكية مثل أي رياضة أخرى، فالهدف منها هو الاستمتاع، لكن الطريقة الوحيدة للاستمتاع هي الفوز، والطريقة الوحيدة للفوز هي الاعتماد على كراسات الخطط الرياضية التي ألّفها بنفسه ووضعها بين أيدي لاعبيه، مع بعض التغيرات الجوهرية التي يراها مهمة وتصب في مصلحة فريقه.

لم تكن هذه التغيرات في مجملها من عنده، فقد أشرنا سابقا إلى أن “بيتون” يعتمد على آراء بعض أصدقائه المدربين الذين نصحوه بأن يبدّل المدافعين بالمهاجمين، وأن يُشرك اللاعبين الذين يجلسون على مقاعد البدلاء، وأن يُغري بعض المهاجمين باستثمار قواهم البدنية. وفي أثناء بعض مباريات الدوري أثبت “بيتون” نجاعة خططه، وهذا ما لمسه المدرب الأساسي للفريق “تروي لامبرت”، ووعد لاعبيه بنتائج مشجّعة سوف تنقلهم إلى مراكز متقدمة جدا.

لم تنته قصة حُب “هارلن” عند هذا الحد، فرغم طلب المدرب منه أن ينسى تلك العلاقة القائمة بينه وبين إحدى المشجعات التي تحفّزه على بذل قصارى جهده لتحقيق الفوز، فإنه لم يبعدها عن ذهنه، بل على العكس من ذلك، فقد نطق بصوت مهموس قرأناه على شفتيه وهو يقول لها “أحبكِ”، فيأتي الردّ بقُبلة هوائية ترسلها من مدرجات الجماهير لتكون السبب في رميته القوية الساحرة التي حققت الفوز الناجز، وأطفأت شاشة لوح النتائج، ليحقق فريق “واريرز” نصرا ساحقا على نظيره الشرس “بوركباينز”.

مواقف الفندق وليلة العشاء.. نفَس كوميدي ساخر

لا تخلو قصة الفيلم من نَفَس كوميدي ساخر يتمثل بدور مساعد المدرّب “بزوين” الذي يأتي إلى ساحة التدريب على دراجة هوائية متهالكة ويتضايق من وجود “بيتون”، رغم أن “بيتون” لم يقدّم نفسه كمدرب بديل، وإنما كمنسّق لهجمات الفريق وخبير في هذا المضمار، ويسعى لأن ينقل هذا الفريق الذي يلعب فيه ابنه من الحضيض إلى القمة.

شون بيتون يعلن استقالته من منصبة كمدرب لفريق نيو أورليانز سينتس

ومن أبرز المواقف الكوميدية وجود الجاكوزي في غرفة الفندق التي ينام فيها “بيتون”، وما ينجم عنه من ضجة تحرمه النوم والاسترخاء المطلوبين.

ربما تكون “لفائف الطاقة” التي قُدمت لأعضاء الفريق هي من المواقف الكوميدية التي جعلت الجميع يتقيؤون في الساحة بسبب التسمم الذي حدث جرّاء هذه الأكلة. كما لا يمكن إهمال النَفَس الكوميدي الملحوظ في دعوة “سندي” للمدرب “بيتون” إلى منزلها، ودفعه لتناول العشاء علّه يقترب منها أكثر، وتستطيع أن تلج إلى عالَمه العاطفي الجاف، إذ لم يشهد حراكا في السنوات الأخيرة التي انفصل فيها عن زوجته السابقة “كيث”.

ما بين الاستهلال والختام.. طرد ثم عودة مدججة بكؤوس الانتصار

على الرغم من بعض الانتقادات التي وُجهت إلى هذا الفيلم، فإن مَشْهديه الاستهلالي والختامي كانا على درجة عالية من الدقة والرهافة، فبينما شاهدنا “بيتون” وهو يغادر فريقه “نيو أورليانز سينتس” مطرودا لمدة سنة كاملة بعد أن حقق له فوزا كبيرا في الدوري، نراه في المشهد الختامي وهو يعود إلى فريقه معززا مكرّما بعد الاستئناف الذي حصل لمصلحته، وباعتراف القائمين على الفريق بأنهم فاشلون من دونه، وأن عودته ستمنحهم الثقة والإصرار على مواصلة النجاح والتألق في المنافسات القادمة على الصعيدين المحلي والعالمي، خاصة بعد أن جلب معه كؤوس الفوز المدوّن عليها “المركز الثاني ببطولة شمال وسط تكساس”، ووضعها خلف مكتبه، دليلا على نجاحه وتفوقه أينما حلّ أو ارتحل.

ولعل الأهم من ذلك كله هو دعوته لابنه “كونور” لزيارة “نيو أورليانز” ليس لمشاهدة المباريات هناك، وإنما لوصل ما انقطع من خيوط المحبة بين الأب والابن بعد أن عادت المياه إلى مجاريها، ورجعت الأمور إلى نصابها الصحيح.


إعلان