“الإسلام في المرأة”.. سيل جارف يحطم سدود التضليل والتشويه

لو كانت سمعة الإسلام أنه يظلم المرأة ويضهدها، فمن الطبيعي أن يجذب الدين الرجال أكثر من النساء، ولكن الواقع غير ذلك، فما السر الذي يجعل النساء ينجذبن للإسلام؟

جرّب أن تبحث عن المسيحية، ثم اكتب اليهودية، ثم الهندوسية، ثم البوذية، ثم الإسلام.. ستجد شيئا مدهشا؛ عدد مرات البحث عن الإسلام تساوي تماما ضعف مجموع عدد مرات البحث عن الأديان الأربعة الكبيرة الأخرى، ولكن لماذا الإسلام؟ وما السر الذي يجذب اهتمام الناس إلى الإسلام؟

أما إذا بحثت مثلا عن الإسلام والجهاد، أو الإسلام والعنف، أو الإسلام والإرهاب، أو الإسلام والمرأة، فستستمر الدهشة، لأنك ستجد عدد مرات البحث عن الإسلام والمرأة ضعف مجموع عدد مرات البحث عن الإرهاب والعنف والجهاد.

ويبحث فيلم “الإسلام في المرأة” -الذي أنتجته “الجزيرة الوثائقية”- في الأسباب التي تجذب النساء خصوصا إلى الإسلام، وقد حاور عددا منهن.

النساء.. ثلاثة أرباع المسلمين الجدد في بريطانيا

ويذكر موقع مركز الدراسات الإسلامية بجامعة “كمبريدج” البريطانية أن ثلاثة أرباع المسلمين الجدد في بريطانيا هن من النساء، وهو أمر يؤكده الإمام أحمد المفتي، مدير مسجد غوتنبرغ -ثاني كبرى المدن السويدية- موضحا أنه في خلال ثلاث سنوات أسلم 400 شخص، والمفارقة أن أكثر من 300 منهم كانوا من النساء.

تنشط جمعيات الدعوة إلى الإسلام في أوروبا، ويكثر قبول النساء لهذا الدين لما يجدن فيه من حرية من نوع آخر

وبالاطلاع على التقرير السنوي لمؤسسة “اكتشف الإسلام” العالمية نجد أن نسبة النساء إلى الرجال تتراوح حول الـ70%.

تقول حنان -وهي شابة صينية اعتنقت الإسلام وتنشط مع منظمة “خدمة الإسلام” الدعوية-: بين عامي 2009-2010 اعتنق الإسلام أكثر من 100 شخص، 97% منهم من النساء، وهو أمر ما زال مستمرا.

طرد في ساعة متأخرة من الليل.. ردة فعل العائلة العنيفة

تقول “عزيزة براكيفيلت” -وهي شابة بلجيكية اعتنقت الإسلام- إنها رغم حضورها كثيرا في الكنيسة لم تستطع أن تؤمن بالثالوث (الأب والابن والروح القدس)، الأمر الذي دفعها للقراءة أكثر وأكثر، ومن ذلك قراءتها للقرآن، ورغم قولها إنها وجدت صعوبة في فهم بعض آياته، فإن بعض كلماته أنارت طريقها، وبدأت تشعر بما أسمته “الهداية”، وبأنها ليست وحيدة رغم فقدانها لأمها وهي ابنة 17 عاما، فقد بدأت تشعر بوجود الله، ومن ثَم أسلمت.

البلجكية عزيزة أسلمت فحرمها أبوها من الميراث

كلمات “عزيزة” عن كلمات القرآن وأثرها كانت ملهمة، ولكن عندما بدأت تتكلم عن رد فعل أسرتها وأصدقائها حاولت أن تظهر المرح، غير أن الدموع في عينيها كانت أعلى صوتا من الكلمات، فقد أخبرها بعضهم بأنها قد ذهبت إلى “الناحية الأخرى تماما”. أما أبوها فقد حرمها من الميراث، وقال لها إنه لا يعتبرها ابنته منذ تلك اللحظة، وقد استغرق الأمر 7 سنوات ليُغيّر موقفه.

وهناك من هم أشد قسوة من والد “عزيزة”؛ فـ”شازنا فاطمة مايكل” -وهي مالكة حضانة في سريلانكا أسلمت وهي ابنة 17- تقول إن والدها وبخها وركلها وطردها من البيت في الساعة الثالثة فجرا.

“عندما يتعلق الأمر بالمال فجميعنا نضعف أمامه”.. موقف ملهم في مصر

ليس كل الأهل بذلك العنف والعداء، فهذه “بريسلا نيلز” شابة إندونيسية اعتنقت الإسلام بعد سماعها الأذان وبحثها عن معانيه على الإنترنت، تروي أن أباها قال لها إنه سعيد طالما كان هذا اختيارها.

ولم يكن بعيدا عن ذلك ما حدث مع “آمبر أكوستا”، وهي مُدرّسة أمريكية اعتنقت الإسلام بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001، وأكدت أن أسرتها تقبلتها بعد اعتناقها الإسلام عندما وجدوها قد أصبحت سعيدة وأفضل حالا، رغم وجود بعض التحفظات لديهم بسبب الصورة النمطية التي رسمها الإعلام عن الإسلام.

“آمبر أكوستا” مُدرّسة أمريكية اعتنقت الإسلام بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001

لكن قصة “إليزابيث” كانت أكثر إثارة من ذلك، فالشابة الألمانية التي جاءت لتعمل في مدينة الغردقة السياحية في مصر تروي موقفا غيّر حياتها عندما وجدت صاحب “بازار” يغلق محله ويذهب لصلاة الجمعة مُضحّيا بمكسب مادي كبير، الأمر الذي جعلها تُفكّر مليّا، “فعندما يتعلق الأمر بالمال فجميعنا نضعف أمامه”.

تقول “إليزابيث”: كنت أعلم أن هذا مصدر الرزق الوحيد لهذا الرجل، فكيف يُفضل الصلاة بدلا من كسب المال؟

غيّر هذا الموقف حياة “إليزابيث”، وجعلها تُفكّر في معنى حياتها، إلى أن قادها ذلك إلى الإسلام وهي التي كانت يوما ما فتاة إعلانات ترتدي لباس البحر وعانت مما تُسميه “أعين الرجال التي تأكل جسدها عندما ترتدي البيكيني”.

صورة الإسلام القاتمة.. لعبة الإعلام في تشويه واقع المرأة

يناضل دعاة تحرير المرأة حول العالم ضد “تشييء” المرأة أو اعتبارها مجرد أداة، وقد أثبتت الدراسات أن الإنسان الغربي يتعرض يوميا لمئات الإعلانات في كل مكان، وأكثرها يعتمد بشكل كبير على البعد الجنسي باستخدام عارضة لا يُميّزها إلا جسدها وجمالها.

ولا يحدد الإعلام والإعلان فقط صورة المرأة في الأذهان؛ بل أيضا يحدد صورة الإسلام. وتأسف الدكتورة رشا الدسوقي -الأستاذة بجامعة الأزهر والداعية طيلة 30 سنة في الولايات المتحدة- لأن الإسلام يُعاني من الإعلام السيئ حول العالم، وتنصح الناس دائما باللجوء لمصادر الإسلام الصحيحة وسؤال المسلمين، وأنّ على الناس أن لا يؤمنوا بوسائل الإعلام مصدرا وحيدا عن الإسلام والمسلمين.

ليلى أحمد الأستاذة بجامعة هارفارد ترى أن فكرة اضطهاد الإسلام للمرأة أصبحت فكرة طبيعية كثيرا ما تتردد في الإعلام

أما الأستاذة في كلية الإلهيات بجامعة “هارفارد” الأمريكية ليلى أحمد، فترى أن فكرة اضطهاد الإسلام وظلمه للمرأة أصبحت فكرة طبيعية كثيرا ما تتردد في الإعلام بالرغم من أنه لا يوجد لذلك أساس ولا دليل تاريخي، مما استفز كثيرا من المسلمات، فأردن أن يعلنّ لكل من يقابلنه أنهن مسلمات متمسكات بالإسلام ويرفضن الأفكار المسبقة.

وتتفق مع ذلك المدرسة الأمريكية “آمبر أكوستا” التي تقول: يؤسفني دائما عندما أشاهد الإعلام أن أرى الباطل أكثر مما أرى الحقيقة فيما يخص الإسلام.

هجوم الأعداء.. وانقلب السحر على الساحر

تقول الأمريكية “آمبر أكوستا” إن لدى الناس كثيرا من الأسئلة أثارتها الصورة السلبية التي يُروّجها الإعلام عن الإسلام، ولذلك يبدؤون البحث في الإسلام لمعرفة المزيد عنه، وعلى غير المتوقع، ينقلب الوضع إلى دعاية مجانية للإسلام.

“بولين مود”، طبيبة أطفال هولندية أسلمت لأنها وجدت بأن جميع الأخبار المتداولة عن الإسلام والمسلمين سلبية

أما الفتاة البلجيكية “هارموني” فترى أن أعداء الإسلام يؤذونه من ناحية، ولكنهم من ناحية أخرى ينشرونه بسبب أسلوبهم الهجومي وكلامهم الجارح؛ فالناس يتجهون للتقصي عن الإسلام بأنفسهم. ورغم أن “هارموني” لم تُسلم بعد، فإنها ترى أن الإسلام هو الأقرب إليها، وأنها ستعتنقه يوما ما، لأنها تعتقد أن القرآن هو الحق.

أما “بولين مود” -وهي طبيبة أطفال هولندية- فتروي قصة إسلامها قائلة إنها عندما كانت في عامها الـ21 لاحظت أن جميع الأخبار المتداولة عن الإسلام والمسلمين سلبية، خصوصا تلك المتعلقة بالنساء، الأمر الذي دفعها للقراءة عن الإسلام، ومن ثم بدأت تُعجب بهذا الدين الذي وجدت فيه أشياء تناسبها كإنسانة، فاعتنقته.

“إن الحجاب يعطيني الحرية”

تروي “وينج زي تشانغ” -وهي صينية تعمل محاسبة في إحدى الشركات العالمية- قصتها قائلة إنها سافرت إلى لندن للعمل، وعاشت أسلوب الحياة الغربي قبل أن تدرك أن هذا الأسلوب ليس في صالح المرأة، فصديقاتها كوّنّ علاقات متعددة برجال كثيرين، لكنهن لم يكن سعيدات، إذ يجري استغلالهن قبل أن تُدمر حياتهن. فبدأت “وينج” تبحث عن الدين، وكانت تقرأ الإنجيل والقرآن في نفس الوقت، وبعد ستة أشهر أدركت أن الإسلام هو الدين الحق الذي يناسب قيمها، فاعتنقته.

“وينج زي تشانغ” صينية أسلمت بعد أن عاشت الانفتاح الغربي وأدركت بأنه ليس في صالح المرأة

تقول الأستاذة بجامعة الأزهر رشا الدسوقي إن المسلمات المحجبات ينظرن إلى الحجاب على أنه شعار كرامة، لا مجرد قطعة قماش تُوضع على الرأس، فالمرأة ليست مجرد أداة جنسية، وارتداء الحجاب دليل على طاعة الله. وتضيف أن بعض النساء أخبرنها أنهن يشعرن بثقة أكبر عند ارتداء الحجاب، لأن الرجل لا ينظر للمرأة المحجبة كجسد أو أداة جنسية، وإنما كإنسان صاحب عقل وشخصية.

وهنا تقول “وينج زي تشانغ”: إن الحجاب يعطيني الحرية، ويجعلني قادرة على احترام نفسي كامرأة، فأنا لا أحتاج أن أرتدي من أجل الرجال، بل أرتدي لنفسي.. أرتدي لزوجي.

“لا نريد أن نراكِ بعد اليوم”.. عثرات في طريق المحجبات

عرفنا نظرة الحرية التي تعتنقها المتحجبات، لكن ماذا عن النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب؟ هل نعتبرهن أقل شأنا؟

تجيب الأستاذة بجامعة الأزهر رشا الدسوقي قائلة: بالتأكيد لا، فلهن نفس الاحترام والتقدير كجميع الأخوات في الإسلام، ولا أحد يجبرهن على ارتدائه، وربما يرتدينه في مرحلة لاحقة عندما يفهمن عنه أكثر.

وتتفق مع ذلك “عزيزة برايفيلت” -التي لا ترتدي الحجاب رغم إسلامها- مشيرة إلى أنها ترى ارتداء الحجاب عملية متدرجة، وتقول إنها سترتديه يوما ما. أما “آمبر أكوستا” فتقول إنه كما كان اعتناقها الإسلام على مراحل، فإن ارتداءها الحجاب أيضا جاء على مراحل.

اليونانية “آنا ستامو” تواجه الكثير من الأسئلة عن الدين الإسلامي بعد أن اعتنقته وتحجبت

لكن المدرّسة “إليزابيث” تقول إنها حين قررت ارتداء الحجاب أخبرتها جهة عملها أنه “لا يمكنني العمل في هذا المكان بالحجاب، وقد عرضوا عليّ ضعف الراتب لأخلع الحجاب، وعندما رفضت طردوني وقالوا لي لا نريد أن نراكِ بعد اليوم”.

أما اليونانية “آنا ستامو” فترى أنه في مجال العمل تواجه المرأة المعتنقة للإسلام -خصوصا في أوروبا- كثيرا من التحديات بسبب الحجاب، وتقول: أحيانا يكون عليّ أن أترك عملي جانبا لأجيب عن أسئلة حول الحجاب. هم يهتمون دوما بالزي وبالمظهر الخارجي، وهذا مهين جدا للمرأة عامة في العالم، وليس فقط للمرأة المسلمة، ومن القبيح جدا أن أرى ذلك يصدر من النساء أنفسهن، فأحيانا أرى نساء يضطهدن نساء أخريات بسبب الزي، وهذه جريمة.

الراهبات والمسلمات.. قاسم مشترك أفسده الاستعمار

من المفارقات التشابه الكبير بين حجاب الراهبات والمسلمات، ففي المحاضرات التي يقدمها معهد الفيلم (للداعية الإسلامي فاضل سليمان) في الكنائس يعرض الصورة المعروفة لدى المسيحيين للسيدة مريم وللأم “تيريزا” الفائزة بجائزة نوبل للسلام، وكلتاهما ترتديان الحجاب، ثم يعرض صورة لمسلمة محجبة، ليقر الجميع بأن الشيء المشترك بين الشخصيات الثلاث هو الحجاب.

وفي كتابها الشهير “الثورة الصامتة”، تذكر الدكتورة ليلى أحمد أن الاستعمار هو من يقف وراء فكرة أن الحجاب دليل تخلف الإسلام واضطهاده للمرأة، وبالتالي فهناك حاجة للاستعمار من أجل تحرير المرأة، وقد كانت فكرة بريطانية لتبرير استعمارها لدول عدة كمصر والهند في أواخر القرن الـ19، لكن الحقيقة أن المسيحيات واليهوديات والمسلمات في مصر كن جميعا يرتدين أغطية الرأس آنذاك، قبل أن تتراجع هذه الظاهرة بفعل موجات الاستعمار والتغريب.

تشترك السيدة العذراء والأم “تيريزا” الفائزة بجائزة نوبل للسلام، والفتاة المسلمة بارتدائهن جميعا الحجاب

وبالرغم من تأكيد الدكتورة ليلى أن الحجاب تحرير للمرأة، فإن بعض الدول الأوروبية منعته في المدارس، حتى إن الفتيات يضطررن إلى خلعه قبل الدخول للمدرسة في مشهد يُدمي القلوب، وهو أمر يراه بعض غير المسلمين نوعا من الكيل بمكيالين. تقول البلجيكية “هارموني” إنه لا يجب أن تمنع الحكومات الحجاب أو اللباس الذي نختاره، فإذا كان يُسمح لفتاة أن ترتدي “البكيني”، فلم لا يُسمح لها بارتداء الحجاب؟

ولكن بعض المسلمات لا يكتفين بتغطية الشعر فقط؛ فمنهن من يُغطين الوجه أيضا بارتداء النقاب أو ما يُعرف أحيانا بالبرقع.

“هذه المرأة المسلمة قد تكون أسعد منكم”

“نعيمة بي روبرت” بريطانية اعتنقت الإسلام، وكتبت عنها جريدة “ديلي تيليغراف” مقالا بعنوان: “هذه المرأة المسلمة قد تكون أسعد منكم”، وهي أيضا رئيسة تحرير مجلة “الأخوات” (Sisters)، وكاتبة حصلت على عدة جوائز في الكتابة، منها كتابها الشهير “من شفة أختي”.

“نعيمة بي روبرت” بريطانية اعتنقت الإسلام وآثرت أن تغطي وجهها

وتروي “نعيمة” قصة إسلامها وارتداء الحجاب والنقاب بعد أن كانت تأسف كثيرا لمن يرتدينه، قائلة: ذهبت إلى حفل في مصر ورأيت امرأة محجبة، كانت فائقة الجمال ووجهها يشع نورا، وسألتها: أنتِ جميلة جدا، لماذا تُغطين نفسك؟ فنظرت إليّ وابتسمت قائلة: لأني أريد أن يحكم الناس عليّ بما أقول وما أفعل، وليس على ما أبدو. فأعجبني قولها، إذ لم أسمع أبدا في حياتي مثل هذا الكلام، مما جعلني أفكر مليّا في أسلوب حياتي وأفكاري وقيمي، وقلت لنفسي كنت أرى هؤلاء النسوة ضعيفات، ولكن حين قالت لي ذلك ظهر أنها لا تحتاج أن تلفت انتباه الرجال ولا تحتاج لموافقتهم، تبين لي أنني أنا الضعيفة وهي القوية، وكانت بداية إسلامي.

وعن سبب ارتدائها النقاب، تقول “نعيمة” إن فكرة الخصوصية أعجبتها، بحيث لا يكون وجهها معروضا على أي إنسان ليراه، ومع قولها إنها لا ترى في النقاب فريضة، فإنها تنقل عن بعض العلماء قولهم إن من ترتديه تُؤجر، وقررت ارتداءه لتثبت عرفانها لله.

منع النقاب.. رمز التخلف الذي ميّز أميرات أوروبا

تشدد الدكتورة رشا الدسوقي على أنه لا ينبغي النظر إلى المنتقبات على أنهن متشددات؛ فهناك آراء مختلفة، وبعض النساء أكثر خجلا أو أكثر جمالا من الأخريات، فيخترن أن يغطين وجوههن، وعلينا احترام جميع النساء.

في بعض الدول الأوروبية أصبح النقاب ممنوعا، وتعتقل الشرطة النساء اللواتي يرتدينه وتُغرمهن أموالا، كما يدّعي سياسيون يمينيون أن النقاب ضد القيم الأوروبية، فهل هو ضدها حقا؟

طالبات مسلمات يخلعن حجابهن قبيل دخولهن المدرسة في إحدى الدول الأوروبية

في جنازة إمبراطور النمسا “فرانز جوزيف” الذي كان إمبراطور النمسا وملك المجر وكرواتيا وغيرها، ورئيس الاتحاد الكونفدرالي الألماني حتى عام 1866، كانت النساء -وهن أميرات أوروبا- يرتدين لباسا يغطي كامل أجسامهن بما في ذلك وجوههن، وكانت نساء العائلات الأوروبيات المالكة والأرستقراطية يُغطين وجوههن في الجنازات وحفلات الزفاف.

وتقول “نعيمة بي روبرت” إن وسائل الإعلام تريد رموزا للاضطهاد والتخلف، وقد اختارت النقاب ليكون رمزا لذلك، وللمناداة بما تعتبره حقوقا للمرأة، ولا توجد طريقة لمواجهة ذلك إلا بمحاولة إبراز صور إيجابية لنساء يرتدين النقاب.

حقوق المرأة.. الإسلام يسبق الشرق والغرب

تعود الأستاذة بجامعة الأزهر رشا الدسوقي لتؤكد أن الرجال والنساء مكملان لبعضهما، وأن الله لم يُفرّق بينهما في العبادات أو في ثوابها، وقد لعبت المرأة أدوارا كبرى في تاريخ الإسلام.

وتُفرّق بين حركات تحرير المرأة، فبعض هذه الحركات تسعى لمساواة الجنسين، وهن مسترجلات ويعتززن بذكورتهن، ويستطعن فعل أي شيء حتى لو كان مخالفا لطبيعة المرأة، وهناك حركات أخرى قريبة في فكرها مما جاء به الإسلام، وتغطي جميع الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة منذ أكثر من 1400 عام.

“جانيت غرانت”، أمريكية اعتنقت الإسلام، تؤكد بأن الإسلام أعطى المرأة حقوقها كاملة

وتشير “جانيت غرانت” -وهي أمريكية اعتنقت الإسلام- إلى أن الإسلام لم يتوقف على إعطاء المرأة حقوقا، بل عمد إلى حماية هذه الحقوق، كما كان للمرأة دور سياسي في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أم سلمة مستشارته السياسية، كما كانت المرأة آنذاك تُدلي بصوتها.

نجحت الحركة النسائية من أجل المشاركة في الانتخابات في انتزاع حق التصويت في الولايات المتحدة في العشرينيات من القرن العشرين بعد كفاح طويل، وحصلت المرأة على حق التصويت في فرنسا عام 1945، بينما حصلت عليه في سويسرا عام 1970، وكان ذلك بعد 14 قرنا من إدلاء المرأة بصوتها في عهد النبي الذي دعا المسلمين جميعا -رجالا ونساء- لاجتماع مهم في المسجد، وأبلغهم أن لديه معلومات عن تحرك جيش قوامه أربعة آلاف مقاتل نحو المدينة لقتالهم، وطلب منهم الإدلاء بآرائهم في الخروج للقتال خارج المدينة أو البقاء فيها للقتال، ونزل على رأي الأغلبية.

نساء النبي محمد.. ثورة كبرى في عصر أعظم المحررين

حطت ثقافات عدة من شأن المرأة مثل الثقافة الرومانية والإغريقية والفارسية والعربية، ووصل الأمر بالعرب لاعتبار المولودة الأنثى شؤما، فقام بعضهم بوأدها حية، ثم فجأة ظهر رجل يقول للمرأة: أنتِ متساوية مع الرجل أمام الله، ومتساوية معه أمام القانون، فكانت نقلة نوعية غير مسبوقة.

الإسلام يقول للنساء إنهن متساويات مع الرجال ولكنهن مختلفات؛ فهن يقمن ببعض الأشياء أفضل من الرجال، والرجال يقومون بأشياء أخرى أفضل من النساء، فهم يكمل بعضهم بعضا.

نجحت الحركة النسائية بأمريكا في انتزاع حق التصويت قبل 100 سنة، وفي فرنسا قبل 50 سنة فقط

وفي حين تقول البريطانية “نعيمة” إنها جاءت من بيئة مؤيدة بشدة لتحرير المرأة، فإنها تؤكد أنها وجدت في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وتعاملاته مع زوجاته وأولاده وأصحابه جمال الإسلام؛ فلدينا نبي كان يساعد زوجاته في أعمال البيت، ويخدم نفسه، وعندما كان يُسأل عن أحب الناس إلى قلبه، كان يذكر اسم زوجته عائشة قبل أي أحد آخر، فقد كان النبي داعية إلى تحرير المرأة، بل لقد كان أعظم مُحرّر لها.

وهنا تُشير المُدرّسة الأمريكية “آمبر أكوستا” إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع قبل وفاته أوصى الرجال بحسن معاملة النساء، مما يعني أن هذا جزء مهم من الدين.

“أستطيع أن أكون المرأة التي أريد”.. حرية الإسلام الجذابة

في كل المقابلات التي أجراها معدو الفيلم مع المسلمات الجدد، كان هناك معنى يتردد كعامل جذب للإسلام؛ ألا وهو الحرية. تقول الطبيبة الهولندية “بولين مود” إنها -على عكس ما كانت تظن من قبل- وجدت أن الإسلام يحررها، “كامرأة مسلمة أستطيع أن أكون المرأة التي أريد، يمكنني أن أعمل وأن أرتدي ما أشاء ولا تجبرني الموضة على أزياء معينة، فجسدي ملكي وقد تحررت من نظرات الناس إلي، أستطيع التركيز على حياتي الحقيقية وأسرتي وعملي وعلاقتي بربي، أعتقد أن هذا من أكثر ما يجذب النساء للإسلام؛ قيمة المرأة في شخصيتها، وقد تحررت من كونها أداة، ومن أنها موجودة في الدنيا فقط لتكون جميلة”.

الدكتورة رشا الدسوقي الأستاذة بجامعة الأزهر والداعية الإسلامية طيلة 30 سنة في الولايات المتحدة

وهو معنى تتفق معها عليه الصينية “حنان”، إذ تقول إنه في هونغ كونغ على كل امرأة أن تعمل، حتى أن الرجل يرى أن على المرأة أن تعمل وتوفر للأسرة نفقاتها، لكن الإسلام يجعل الإنفاق مسؤولية الرجل، ومع ذلك فلها حق اختيار أن تعمل وليس للرجل أن يمنعها.

في الإسلام الحرية تساوي الحياة، فطبقا للقرآن لو أن إنسانا قتل إنسانا آخر بطريق الخطأ، فيمكنه التكفير عن خطئه بتحرير عبد كأول خيار من الكفارات، وقد وصف الله النبي محمدا في القرآن بـ”المحرر”، يقول الله تعالى: “ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم”.

دوما ما يعتبر المسلمون الجدد أن الحرية هي الجانب الذي جذبهم بشكل كبير إلى الإسلام، وهو ما يبدو مفهوما معاكسا لما يمكن أن تراه في بعض المجتمعات المسلمة، تلك المجتمعات التي أصبح نمط حياتها يُشبه ثقافاتها القديمة مضافة إليها نكهة إسلامية، وهذا لا يُعد إنصافا للإسلام؛ لأنه إذا وقع في أي مجتمع حادث فردي فيه اضطهاد للمرأة أو تمييز ضدها فهذا يعتبر عداء للإسلام، وليس الإسلام هو السبب فيه.


إعلان