“الطريق إلى ويمبلي”.. عدسة ترصد كفاح المنتخب الأزرق لانتزاع التاج الأوروبي

عبد الكريم قادري

“من كان يتخيّل أننا سنصعد إلى الدور النهائي حين بدأنا التفكير في حلمنا، حلم الآزوري، وأننا سنتشارك المشاعر والمخاوف والمعاناة والفرحة في رحلة نهايتها في كأس أمم أوروبا، هذه قصة مجموعة من الإخوة بقيادة رجل رأى فيهم شيئا لم يره سواه، رأى كفاءتهم وقوتهم وإصرارهم وأمنيتهم، قائد علّم هذه المجموعة أن لا يستسلموا، علّمهم المضي بابتسامة على محياهم وهكذا فازوا، وكنا معهم لتسجيل كل شيء لم يعرض على التلفزيون من قبل، ومعرفة الدافع وراء كل مباراة وكل هدف وكل فوز، وسنخبركم في هذا الفيلم كما لم يخبركم أحد بقصة الطريق إلى ويمبلي”. “مانويل ماندوليسي”

إيطاليا وإنجلترا.. صدام كروي أجلته الجائحة عاما كاملا

كان من المقرر أن تنظم النسخة الـ16 من بطولة دوري أمم أوروبا من 12 يونيو/حزيران إلى 12 يوليو/تموز 2020، لكن ظروف جائحة كورونا (كوفيد 19) عصفت بهذا التاريخ وأجلته سنة كاملة، ليجري تنظيمه من 11 يونيو/حزيران إلى 11 يوليو/تموز 2021.

 

قرر الاتحاد الأوروبي الحفاظ على تسمية “بطولة أمم أوروبا 2020″، وقد جرت الفعاليات في عدد من المدن الأوروبية في 11 دولة (هي إيطاليا وأذربيجان والدانمارك وروسيا وهولندا ورومانيا وإنجلترا وإسكتلندا والمجر وألمانيا وإسبانيا)، وكانت مباراة الافتتاح في ملعب “أولمبياكو” بالعاصمة الإيطالية روما، وانتهت البطولة بإقامة المباراة النهائية الفاصلة على ملعب “ويمبلي” الشهير ذي التاريخ العريق بالعاصمة البريطانية لندن، وقد فاز بهذه الكأس منتخب إيطاليا “الأزوري” لأول مرة منذ 53 عاما، وهو أمر أسعد الإيطاليين المولعين بكرة القدم، وبعشاق هذا الفريق العريق في بقاع كثيرة من العالم.

يأتي هذا التتويج بعد فوز أول بلقب بطل “يورو 1968″، ليكون هذا الفوز ساحرا ومميزا، خاصة وأن إيطاليا تأهلت إلى النهائي أربع مرات، والنهائي العاشر في البطولات الكبرى (كأس أمم أوروبا وكأس العالم)، ولقد افتكت هذا الفوز من غريمها التقليدي منتخب إنجلترا الذي وصل لأول مرة إلى نهائيات بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، بعد وصول آخر انتهى بالتتويج بالكأس الوحيدة لمنتخب إنجلترا “الأسود الثلاثة” مهد كرة القدم كما يصفها المتتبعون.

عدسة المخرج.. ضيف مرحب به لتخليد الأحداث والمشاعر

تتبع المخرج الإيطالي الشاب “مانويل ماندوليسي” منتخب بلده الذي رافقه في رحلة التتويج الأسطوري ببطولة “أمم أوروبا 2020″، وقد أنتج فيلما وثائقيا (61 دقيقة) بعنوان “الحلم الأزرق.. الطريق إلى ويمبلي” (Sogno Azzurro.. La Strada Per Wembley)، نقل فيه بعض المعطيات والأحداث والمشاعر الإنسانية الجيّاشة النادرة التي لم تبث سابقا، ولم تنقلها القنوات التلفزيونية أو المواقع الإلكترونية كما قال المخرج في بداية هذا الفيلم.

 

وقد تعاون فريق المنتخب الإيطالي مع المخرج بدرجة كبيرة، فتنقلت كاميراته إلى أماكن التدريب والملاعب وفي الطائرة والحافلة، وقد استمع لهم في لحظات الفوز والخوف والترقب والحزن والفرح والبكاء، ونقل تفكير معظم اللاعبين وأحاسيسهم من الخصم والفرق الأخرى، أحس معهم بثقل المسؤولية الكبيرة التي رُميت على عاتقهم، خاصة أنهم اقتربوا كثيرا من الفوز، وكلما كانت المسافة أقرب ازداد الضغط والترقب.

وقد عكست مشاهد الفيلم مدى تعوّد كاميرا “مانويل ماندوليسي” على الفريق والعكس صحيح، لهذا تقلصت المسافة التي عادة ما تكون بين صنّاع الأفلام والشخصيات التي يُراد تصويرها، حتى أن بعض اللاعبين يحفزون المصور على تسجيل كل تلك اللحظات لتبقى خالدة.

“ليوناردو سبينازولا”.. دموع الإصابة التي كادت تنهي الحلم

نقلت بعض التقارير الصحفية عبر العالم خبر إصابة نجم ومدافع المنتخب الإيطالي “ليوناردو سبينازولا” أثناء المباراة القوية التي جمعتهم مع المنتخب البلجيكي، فقد تفاجأ عشاق الساحرة المستديرة بسقوطه في الدقيقة الـ79 من وقت المباراة، بعد أن تعرض لقطع في وتر العرقوب (وتر موجود أسفل الركبة) حسب الأطباء، وقد نقلت عدسات الكاميرات وقتها دموعه المنهارة حزنا على ما حدث له، وخوفا مما سيقع لفريقه في تلك البطولة، خاصة بعد التقدم الكبير الذي أحرزه الفريق.

وقد هزّ هذا الحدث المفاجئ خطط المدرب “روبرتو مانشيني” الذي كان يعوّل كثيرا على هذا اللاعب، وانطلاقا من هذا الحادثة ركّز المخرج “ماندوليسي” على ملامح “سبينازولا” في الكواليس، وكيفية تعامله مع الفريق، وقد نجح أيضا في توثيق ملامح الحسرة في الوجوه، خاصة عند رؤيته يتحرك بالعكازين، ورغم هذا فإن “سبينازولا” لم يفقد حماسته، مثل قوله إنه سيحمل الكأس بالعكازين، لكن من يتأمل جيدا في عينيه سيرى ذلك الحزن.

أثناء إصابة المدافع “ليوناردو سبينازولا” التي كادت أن تخلط أوراق الفريق

 

وفي أوج الضغط كان المدرب “روبرتو” يضحك ويطلق الدعابات محاولا إخفاء حسرة فقدان لاعب بقيمة “سبينازولا”، وذلك حين كان يشرح للفريق خط اللعب وتوزيع اللاعبين على السبورة، وحين وضع الأسماء التي ستشارك في المباراة، حيث كتب اسم “سبينازولا” على لوح الخطة، ثم ضحك وأعاد مسحه وكتب اسما بديلا، وقتها تنقلت الكاميرا وصورت ابتسامته الممزوجة بالدموع، كما أظهر بأن المدرب لم يتخلَ عنه، بل قام بإشراكه في الاجتماعات وحصص التدريب، وكأن المدرب يريد أن يوصل للاعب أنه معني به بشكل مباشر بالرغم من إصابته واستحالة مشاركته في باقي البطولة.

“الأمر يتعلق بأكثر الأعصاب هدوءا”.. سر ركلات الترجيح

من بين أهم الأسلحة التي استعملها المنتخب الإيطالي في مبارياته القوية المختلفة، روح الجماعة والانسجام بين أعضاء الفريقين من لاعبين ومدرب ومساعدين، فقد سقطت خلالها المهن والألقاب وأصبحوا أسرة واحدة، وهي النتيجة الحاسمة التي يمكن أن يخرج بها كل من شاهد فيلم “الحلم الأزرق.. الطريق إلى ويمبلي”، فبالتكتل والانسجام نجح الإيطاليون في الوصول إلى قمة الحلم.

وقد نقل المخرج مشاهد يتحدث فيها اللاعبون عن فلسفة ضربات الترجيح، حيث أجمع الكل على أن الأمر يتعلق بالهدوء النسبي ومدى استعداد اللاعب في تلك اللحظة، ومن بين تلك الآراء رأي المهاجم “تشيرو إيموبيلي” الذي قال: الأمر يتعلق بأكثر الأعصاب هدوءا، مبابي لاعب بارع، لكنه لا يحسن التسديد، الموضوع ليس مجرد موهبة، بل يتعلق بمشاعر المرء حينها.

 

وقد كان محقا في قوله، كما كان هذا النقاش مفيدا جدا في نهائي البطولة، إذ فازوا على إنجلترا بنتيجة ثلاثة مقابل اثنين.

انتزاع الكأس.. وثائقي يسجل لحظات التاريخ للأجيال القادمة

استطاع المخرج “ماندوليسي” في فيلمه “الحلم الأزرق.. الطريق إلى ويمبلي” أن يوثّق للحظات مهمة لخطوات الفريق الوطني الإيطالي، وترك للتاريخ مادة يمكن أن تطلع عليها الأجيال الحالية والقادمة، خاصة أن زاوية المعالجة التي استعملها لم يركّز فيها على المعطيات المتداولة، وذهب صوب المشاهد الحصرية التي نقلها عن طريق كاميرته، وكأنه كان يعرف جيدا بأنها لحظات تاريخية مهمة يجب تسجيلها، وقد حالفه الحظ كثيرا لأن الفريق فاز بتلك البطولة، لتكون النهاية مميزة تخللتها الأفراح ودموع السعادة والانتصار.

كما كانت المشاهد التي التقطها المخرج محورية مليئة بالمعاني الطافحة، تعكسها صور ملامح اللاعبين القلقة والمتطلعة والمليئة بالأمل والخائفة في الوقت ذاته، وهي ملامح مليئة بالمشاعر الإنسانية المتناقضة التي تعكسها تلك اللحظة التاريخية المهمة، خاصة وأن معظمهم شباب غير معتادين على ثقل المسؤولية الوطنية التي أحطيت بهم.

كما ساعد نقاء الصور وضبطها بزوايا متعددة في تقديم الموضوع بطريقة سلسة وسريعة ومثيرة بعيدة عن كل حشو أو إطناب يمكن أن يقطع الخط السردي، وقد ساعد في هذا المونتاج السريع الذي صنع الترقب وخلق نوعا من الإثارة البصرية وحماسة الترقب، لهذا كانت المدة الزمنية للفيلم معقولة ولا تسبب الملل للمشاهد، خاصة وأن الزاوية التي عالج الموضوع من خلالها لا تحتمل الثرثرة الزائدة، ويمكن حتى أن تقتل وثائقية الفيلم وتهدد الفرجة.