ما تزوّقيني يا ماما.. روح البساطة والفرح في أغنية تعيشها كل فتاة

قد يبدو العنوان خفيفا بسيطا للقارئ ولا يتبادر لذهنه بأي شكل من الأشكال أنه شكّل في يوم من الأيام منعطفا هاما في التاريخ الفنّي لفنّانة كانت قبل هذا مجرد فنانة أفراح بسيطة، وذلك في مطلع ستينيات القرن الماضي في مصر، وهي الفترة التي شهدت حركة نشطة في الفن المصري عموما وفي الغناء تحديدا.
إنه اسم الأغنية التي أثرت كثيرا في المنحنى الفني التصاعدي للممثلة ومطربة الأغاني الخفيفة الفنانة مها صبري، ولكاتبها الشاعر عبد الرحمن الخميسي، وملحنها الشاب المستجد آنذاك.
في هذا الفيلم من سلسلة “حكاية أغنية” تروي لنا الجزيرة الوثائقية قصة الأغنية الخفيفة “ما تزوّقيني يا ماما”، وهي واحدة من أشهر أغاني الفنانة مها صبري.

بين بليغ والخميسي.. الإفلاس يطلق شرارة “مشروع في الإذاعة”
اختلفت روايات كيف بدأت فكرة الأغنية، إحداها أنها بدأت بلقاء “تنفيسي” -إن صح التعبير- بين بليغ والخميسي بداعي شكوى الإفلاس بينهما، وحينها لمعت في خاطر الخميسي فكرة الذهاب إلى الإذاعة بغرض عرض مشروع فني كبير على المسؤولين هناك.
وهذا ما حصل فعلا، واستطاعا أن يعودا بعربون لدعم المشروع “غير المعروف” حتى تلك اللحظة، ثم لينطلقا من فورهما نحو الملهى الذي تعمل فيه الفنانة مها صبري ليعرضا عليها فكرة أغنية جديدة لكنها حتى تلك اللحظة لم تكن واضحة المعالم، لا لحنا ولا كلمات.
هناك ارتجل الشاعر الخميسي مذهبها الأول في نفس الجلسة، ودندن بليغ لحنها الأولي كذلك بذات السرعة، فأعجب ذلك الفنانة مها صبري التي وافقت من فورها على الأغنية.
ما تزوقينى يا ماما أوام يا ماما
دا عريسي حياخدني بالسلامة يا ماما
الكحل أكتر أكتر عشان عيوني تبقى جميلة
برموش كحيلة
وشعري عاوزه يكون ضفاير حلوة طويلة

التقاطة ذكية.. فتاة بسيطة تتهيأ لزفافها
لكن الناقد السينمائي أشرف غريب الذي التقى مها صبري في العام 1986، يروي الحكاية بشكل أدق وعلى لسان مها صبري نفسها، حيث قالت إنها شاركت واشتهرت في أفلام عديدة في حقبة الستينيات مثل فيلم أحلام البنات، حسن وماريكا ولقمة العيش، وغيرها.
أكسبتها هذه الأفلام شهرة بين الناس، فكانوا يطلبونها لتغني في الأفراح والمناسبات ولم يكن لديها رصيد كاف من هذه الأغاني، مما دعاها للطلب من الشعراء وكتّاب الأغاني لرفدها بذلك، وليصل الخبر إلى الخميسي الفنان الشامل رغم قصر باعه في كتابة الأغاني.
غير أن التقاطته الذكية لهذه اللمحة الإنسانية البسيطة لفتاة تستعد في يوم زواجها وتصويره هذا المشهد التفاعلي المفرح البسيط بكلمات واقعية وقريبة من المجتمع المصري، أعطت هذه الأغنية البسيطة موافقة مباشرة من مها صبري، وأكسبها فيما بعد زخما جماهيريا فاق التوقعات.
وقد لعب الفنان الملحن العبقري بليغ حمدي “الجني المتصور” -كما يصفه صديقة الشاعر الخميسي- دورا كبيرا في نجاح الأغنية بلحنه الواقعي المنغّم للأغنية واستخدامه الفلكلور المصري “الزفّة” في نوتات كثيرة منه.

“منتهى الفرح”.. عمالقة الغناء في فيلم واحد
لم يقف انتشار الأغنية وشهرتها عند حدّ الأفراح والإذاعة، بل تجاوز ذلك كثيرا حين رُصد لها سيناريو كبير جدا ومشروع فني ضخم بعمل فيلم “منتهى الفرح” من إخراج محمد سالم.
لم يكن الفيلم روائيا بقدر ما هو فيلم دعائي لمشاركة الجيش المصري في حرب اليمن؛ حيث كان أقرب إلى كونه برنامج منوعات اعتمد فيه كاتبه جليل البنداري على قصة فتاة “بنت الحتّه” تستعد للزواج من جندي قادم من الحرب، ويستعد فيه شيخ الحارة لجلب أشهر النجوم ليغنّوا في عرسها.
قدّم الفيلم من خلال الفرح أباطرة الفن المصري مثل فريد الأطرش وشادية وصباح وفايزة أحمد وحتى الموسيقار محمد عبد الوهاب، وقطعا مها صبري العروسة في أغنيتها “ما تزوّقيني يا ماما”.
كان كل أولئك في فيلم واحد لم يتكرر قبل ذلك ولا بعده، توليفة غنائية لنجوم الفن المصري الكبار في سياق درامي عُمل بذكاء شديد ليدخل البيوت المصرية كلها من أوسع أبوابها طالما ظلّت البنات “تتزوّق” لتتزوج.
دا عريسي حياخدني بالسلامة يا ماما
عريسي جه
أنا جايه أهوه
أنا شكلي جميل فستاني طويل
وباقيلي ساعة واحدة يا ماما
“ما تزوّقيني يا ماما” أغنية بسيطة لطيفة صنعت مجدها وخلودها بفكرتها الإنسانية الواقعية ولحنها المبهج المنغّم، ومها صبري بلذة صوتها وحضورها المبهج الرقيق.