“أبطال وطنيون”.. صرخة سينمائية ضد استغلال اللاعبين الجامعيين

يعزز الفيلم الأمريكي “أبطال وطنيون” (National Champions) المتمحور حول لعبة كرة القدم الأمريكية قيما رياضية وإنسانية بمعالجة سينمائية عميقة تختلف عن السائد من الأفلام الرياضية الهوليودية.
العمق متأتٍ من حساسية القصة التي تدور حول استغلال إدارات الأندية الرياضية للاعبين الجامعيين وسلبهم حقوقهم، مما دفع أحد أبطالها إلى الإعلان عن موقفه الرافض للاستغلال من خلال انسحابه من اللعب قبل أيام من انطلاق مباراة حسم البطولة الوطنية في مدينة نيو أورلينز الأمريكية، تبعها تصعيد يرصده المخرج “ريك رومان واه” بعناية، ليغدو فيلما دراميا متعدد المستويات يغوص في مشكلات اجتماعية، مثل العنصرية والفساد واستغلال الأثرياء للفقراء من الأمريكيين.
جشع المالكين.. ضربة الانسحاب قبل المقابلة الحاسمة
بهدوء يدخل فيلم “أبطال وطنيون” إلى متنه السردي من خلال مشهد افتتاحي يجمع في غرفة فندق لاعبين جامعيين هما الأسمر “ليماركوس جيمس” (الممثل ستيفان جيمس)، والثاني زميله الأبيض “إيمت صنداي” (الممثل ألكسندر لودفيغ)، وذلك بعد انسحابهما من المباراة النهائية قبل انطلاقها بأيام قليلة.
الجمع بين البطلين يريد به المخرج “ريك رومان واه” وكاتب السيناريو “آدم ميرفس” أن يعطي الموضوع طابعا عاما يتساوى فيه الأسود والأبيض في حجم الاستغلال، فاللاعبون الجامعيون يتعرضون لنفس الضوابط والقوانين التي وضعها مدراء الأندية التي يحصلون من مداخيلها وإعلاناتها على أرباح هائلة تُقدّر بمليارات الدولارات سنويا، بينما يكتفون بتقديم النزر القليل للاعبين، مثل التعليم المجاني خلال فترة الدراسة الجامعية، وبعض الامتيازات الصغيرة من دون صرف رواتب ثابتة لهم، ولا كتابة عقود عمل تقر حقوقهم كلاعبين وتضمن لهم مثل غيرهم من الرياضيين رواتب مجزية وعلاجا طبيا عند التعرض للإصابة، فبسببها يتوقف كثير من الجامعيين عن ممارسة الرياضة طيلة حياتهم.
هذه المعلومات يسربها النص من خلال الحوارات الجارية بين اللاعبين الهاربين من الفندق المخصص لإقامتهم، وذلك قبل إجراء المباراة النهائية، وانتقالهم منه سرا إلى فندق آخر لا تعرف إدارة الفريق ولا مدربه مكانه.
تسرب الأخبار.. تركيز النص على الأحداث وإهمال الساحات
عبر عمليات البحث عنهما وتسرب أخبار غيابهما لوسائل الإعلام، تحضر شخصيات رئيسية وفعالة في أحداث هذا الفيلم المختلف في معالجته عن كثير من الأفلام الرياضية التي تكرس كثيرا من وقت سردها لمشاهد منقولة من الساحات، أو أخذ مقاطع مسجلة منها (فيديو) ووضعها في السياق، في حين يكاد فيلم “أبطال وطنيون” يخلو منها تماما.
الحدث وتطوراته يكفيان لعرض واقع ما يجري في الساحة الرياضية الجامعية ولعبة كرة القدم على وجه التحديد، رغم قابلية موضوعه لشمل بقية الألعاب مثل السلة وغيرها.
التفاعلات الحاصلة جراء الفعل الدرامي تسمح بإضفاء شخصيات كثيرة إلى جانب الشخصيات الرئيسية فيه، مثل شخصية المدرب “جيمس لازور” (الممثل جي. كي. سيمونس) الذي يستفيد من عمله كثيرا، فهو يحصل من تدريب الفريق على راتب سنوي يبلغ ملايين الدولارات، لكنه في الوقت نفسه يتعامل مع اللعبة بصدق، ويتجاهل الاستغلال البشع الذي يتعرض له لاعبوه.
مدبرة المكائد.. أساليب قذرة تعكس سياسة أباطرة اللعبة
تضغط إدارة النادي على المدرب لإقناع اللاعب المهم في الفريق “ليماركوس” بالعودة والمشاركة في المباراة التي تعني خسارتها خسارة بطولة بأكملها، ومعها كل مستحقاتها المالية الضخمة.
إلى جانبه تبرز شخصيات أخرى تحاول الضغط على اللاعبين من خلال وسائل قذرة تكشف عن الوجه الحقيقي لرؤسائها، من بين أبرز تلك الشخصيات زوجة المدرب “بايلي لازور” (الممثلة كريستين تشينوويث)، والوسيطة السمراء مدبرة المكائد “كاترين بوي” (الممثلة أوزو أدوبا).

بوجود الوسيطة السمراء يُبعد الفيلم عن نفسه الانحياز للسود، أو أن يكون محاكمة للبيض، فهو غير معني بالعنصرية وحدها، بقدر عنايته بكشف الاستغلال البشع الذي يتعرض له الرياضيين الجامعيين بغض النظر عن لون بشرتهم.
فيلم “أبطال وطنيون” هو أقرب ما يكون إلى صرخة عالية ضد الاستغلال الطبقي في المجتمع الأمريكي.
عراك النادي الليلي.. مثالب جدية في شخصية اللاعبين
مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي على الخط والنبش المتواصل لوسائل الإعلام الأمريكية بحثا عن حقيقة ما جرى، ينتقل الفيلم إلى مستوى أكثر ديناميكية.
لكل خطة وتدبير خبيث هناك موقف وإجراء مقابل ما يقوم به اللاعب المنسحب. يحبط ما ترتبه مدبرة المكائد بذكاء، يزيد من قوة شخصيته، ويولد قناعة عند بقية لاعبي الفريق بصحة موقفه.
انسحاب كثير منهم من المباراة تضامنا مع المنسحبين قبلهم، أثار غضب إدارة النادي التي راحت تبحث بكل ما أوتيت من قوة وثراء عن وسائل تخيف “ليماركوس” وتجبره على التراجع، وقد وجدت مدبرة المكائد في تاريخه الشخصي ثغرات حاولت النفوذ منها، فهي تدعي زورا تورطه مع زميله “أيمت صنداي” في عراك بالأيدي جرى في ناد ليلي مع مجموعة من الأشخاص، وتسبب أخيه في إلحاق أضرار جسدية جسيمة في واحد منهم، لقد أرادت من ورائه الإشارة إلى وجود مثالب جدية في شخصيتهما تتعارض مع صورتهما كلاعبين مثاليين ملتزمين بالسلوك الرياضي الحميد.

صفقة بملايين الدولارات للعودة.. أنانية المطالب
لا تكف الوسيطة مدبرة المكائد عن تهديده بنشر تفاصيل العراك عبر وسائل الإعلام، لكنه يرفض الانصياع في كل مرة، ويصر على تكذيب قصتها.
بعد فشل محاولاتها راحت تبحث عن فضيحة ثانية، وفي هذه المرة لجأت إلى تزوير تقارير طبية تشير إلى عجزه عن مواصلة اللعب، بسبب إصابة بليغة في ساقه تمنعه من اللعب مستقبلا، إلى جانب تسريبها معلومات مضللة إلى زملاء له، لتوحي لهم بأنه يريد إثارة ضجة لمصلحته الشخصية فقط، ليحصل من الإدارة على مبلغ كبير من المال مقابل السكوت عنها.
لم تفلح تلك الوسيلة أيضا في كسر إضرابه، وبالضد منها أعلن بكل شجاعة أمام وسائل الإعلام رفضه لصفقة بملايين الدولارات كانت قد عرضتها عليه إدارة النادي، مقابل عودته للفريق والمشاركة في المباراة النهائية، وترك بقية المنسحبين معه يواجهون مصيرهم لوحدهم.
هذا الكشف عزز من ثقة زملائه به، وراحوا إثره يعلنون تضامنهم معه صراحة، وإلى جانب ذلك أثارت ردود فعله وتوقيتات رده على مناورات خصومه إعلاميا وفي الوقت الصحيح استغراب وسائل الإعلام وبقية زملائه.

الأستاذ الجامعي.. طوق النجاة السري للاعبين المتمردين
مع مجريات الأحداث المتصاعدة يتضح أن أستاذا جامعيا متعاطفا مع الطلبة الرياضيين يقف وراء ذلك التخطيط الإعلامي الدقيق، أما الأستاذ فهو عشيق زوجة مدرب الفريق، وهو يعرف منها موقفها الكاره للطلبة، ونظرتها العنصرية والمتعالية عليهم، فوجودهم بالنسبة إليها لا يزيد عن كونهم أدوات بشرية مجانية تحقق لزوجها المدرب ثروة تمتعها بحياة مرفهة، لكنها رغم حصولها على كل ما تريد تذهب لمعاشرة رجل آخر اكتشف نواياها وخطورتها فتركها.
إلى جانب دور الأستاذ الجامعي ثمة عوامل أخرى يضيفها النص السينمائي الجميل إلى العوامل المحفزة لمقاومة الضغوط، منها الحالة الاجتماعية للاعبين سودا كانوا أم بيضا، فزميله الأبيض المختفي معه في الغرفة تضامنا ومساندة، ينحدر من عائلة فقيرة تعجز عن تأمين سكن لائق لها، وهي تُعوّل على ولدها لتحقيق ذلك، لكنه لا يحصل من مجهوده كلاعب جامعي ما يكفي لتلبية مطلبها.
يريد اللاعب “ليماركوس” تقديم نفسه مثالا يحتذي به بقية اللاعبين، كما يريد الفيلم تقديمه كنموذج للرياضي المتصالح مع نفسه، الرافض لكل الإغراءات الكبيرة المقدمة له من أجل التخلي عن مطالب عادلة لا تخصه وحده فحسب، بل تخص كل الرياضيين الجامعيين.
وبنجاحه رغم كل المكائد والمؤامرات القذرة التي حاكها مدراء النادي في الحصول على بعض الحقوق المشروعة للرياضي الجامعي؛ يكون قد فتح الباب أمام الآخرين للمطالبة بما يستحقونه من امتيازات، ما دام لديهم نموذج رياضي حقق بعناده وشجاعته ما كانوا يحلمون به يوما.