“جرّة الذهب”.. مسيرة أيقونة الموسيقي المتعصب للعرق الأيرلندي

“جميعنا نخفي ضعفنا بالطريقة التي نريدها.. كان هو يرتدي قِنَاعْا عدوانيا، لكنه يمتلك الروح الأجمل، كان شخصا حساسا جدا ومُضحكا، واسع الأفق، أذكى شخص تقابله للأبد، ذلك كان جوهره الحقيقي، وهذا ما نسميه الروح. سأتحدث بصراحة، المخدرات وشرب الكحول جعلا الوضع صعبا، وذلك القناع العدائي كان يُبعده عن الناس”.

ما سبق هو اعتراف “سيوبهان” أثناء حديثها عن أخيها كاتب الأغاني الأيرلندي “شين ماكغوان” قائد الفرقة الأسطورية “ذا بوغز” (The Pogues)، الذي اعتبر رائد وأيقونة الموسيقى الأيرلندية، وذلك ضمن الفيلم الوثائقي “جرة الذهب.. بضع جولات مع شين ماكغوان” (Crock of Gold: A Few Rounds with Shane MacGowan) للمخرج “جوليان تمبل” الذي نال عنه جائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان سان سبستيان السينمائي الدولي، إضافة إلى ترشيحه لأربع جوائز أخرى.

 

“شين ماكغوان”.. مغن ثوري يؤرخ للنضال الأيرلندي

مما يميز الفيلم (يبلغ ساعتين وأربع دقائق) أنه أثناء سرد حياة هذا المغني الأسطوري أيضا يتناول تاريخ أيرلندا ومراحل تطورها وتميزها وخصوبة وثراء طبيعتها، ولمحات من أهم الأحداث السياسية التي مرت بها أثناء صراعها مع إنجلترا، ودور هذا الموسيقي العبقري في بعض تلك الأحداث السياسية والتأريخ لبطولة أبناء وطنه، بل والمساهمة في الإفراج عن بعضهم بسبب أغانيه الثورية بقصصها السوداوية السعيدة الحلوة الممزوجة بالمرارة.

يحكي “شين” بالفيلم عن عشقه للطبيعة التي عاش فيها سنواته الأولى في مزرعة خاله “جون” الذي كان يعتبره بطله الرئيسي، يحكي عن بيوت عائلته التي لم تكن تعرف الكهرباء، ولا مصادر لمياه الشرب النقية، أو دورات للمياه، فقد كانوا يقضون حاجاتهم أمام المنزل أو بالغابة.

فرقة “ذا بوغز” (The Pogues) وقائدها “شين ماكغوان”

كما يحكي “شين” عن عائلة أمه وأبيه، والرجال الكثيرين المدهشين وكذلك النساء، يذكرهم جميعا بشيء من الفخر والاعتزاز، بمرح وسعادة يُشير إلى استمتاعهم بشرب الكحول والجلوس في الحانات، مؤكدا على عبقرية الرجل الإيرلندي، على ثوريته المتجددة، ويحكي أيضا عن يوم الأحد الدامي، واستشهاد الكثيرين في نضالهم ضد الإنجليز.

“نحن أكثر الناس ولاء، هذا ما يجعلنا أحرارا”.. أيام كئيبة في لندن

يعترف “ماكغوان” بأنه يكره الإنجليز بل يحتقرهم لأسباب عدة، مؤكدا أنه لم يكن سعيدا أثناء حياته في إنجلترا، وأن الإنجليز لم يرقوا أبدا لمستوى الناس الذين أنشأوه وربوه (يقصد الأيرلنديين). ويحكي عن والده بتقدير واحترام شديدين، إذ يصفه بأنه كان اشتراكيا ألمعيا داعما للجيش الجمهوري الأيرلندي. هنا يتدخل الأب قائلا: “نحن أكثر الناس ولاء، هذا ما يجعلنا أحرارا”.

مثلما يحكي عن الانهيارات العصبية التي مر بها، وأولها حين انتقلوا إلى إنجلترا، فقد قررت الأم أن يصبحوا من الطبقة الوسطى، لكن هناك أدركوا أن الأيرلندي مهما فعل، ومهما كسب أموالا في لندن، فلن يكون من الطبقة الوسطى، فقد كان الإنجليز يتعاملون معه بعنصرية مثل الكلاب والزنوج، لذلك أصابه الاضطراب والاكتئاب والارتياب الأول في سن السادسة.

لا يخجل “ماكغوان” من سرد تفاصيل عن تمرده واستعانته بالمواد المهلوسة منذ صباه بمساعدة بعض أصدقائه وزملاء الدراسة، وقد بدأ الأمر برغبته في مزيد من اليقظة والتحصيل الدراسي، ثم انتهى بطرده وخروجه للعمل في محل تجاري وهو ابن 14 عاما، فجنى الكثير من الأموال مثل الكثير من الأيرلنديين عام 1972 الذين قدموا إلى لندن في ظل ظروف اقتصادية ساعدت على ذلك.

شين في إحدى حفلاته أيام الشباب والنفس الثوري

“ذهب الشخص الذي كنت أعرفه إلى مكان ما، ولم يعد”

هناك مشاهد عدة عن معاقرة “ماكغوان” للخمر والهيروين ومواد الهلوسة التي بسببها كان يُضيع ثروته الضخمة، لدرجة أنه اضطر أحيانا لكتابة أغنيات للحصول على ثمن مشروبه الكحولي، مثلما دخل المصحة عدة مرات، إحداها في صباه، وأثناء علاجه في المصحة اكتشف موهبة الرسم بداخله، لكن المرضى حينما كانوا يرون رسوماته كانوا يصرخون بهستيريا وذعر.

كذلك خاض “ماكغوان” تجربة العزف، وشعر بتجاوب كبير مع الموسيقى، ربما من هنا اكتشف موهبته الحقيقية ووجد سلامه النفسي، ثم أصابه شيء من الغرور أو التطرف -على حد وصف والده- في فورة النجاح، خصوصا بعد أغنيته الأيقونية “القصة الخيالية لنيويورك” (Fairytale of New York)، بينما تقول أخته “لقد ذهب الشخص الذي كنت أعرفه إلى مكان ما، ولم يعد من هناك مطلقا”.

شين ينصت لرفاقه المشاركين الفيلم أثناء التصوير ويتأمل ما يُقال عنه

“بدأت بتخريب الأمور عندما بدأت أكره ما أفعله”.. جذور الإدمان

كان الإدمان أحد مشاكله الكبرى، ورغم ذلك فقد ظل إنسانا مسؤولا ملتزما فكريا وسياسيا. كان يمتلك موهبة غير عادية بل استثنائية، كان قادرا على الغناء وهو شبه فاقد للوعي بطريقة مذهلة، لكنه أيضا يُؤكد أنه وفرقته كانوا يقدمون عروضا رائعة بدون أن يسكروا، فلماذا إذن كانوا يغرقون في عالم الكحوليات؟

إنه البحث عن المتعة والاسترخاء والسعادة على حد زعمه. فهل بحثه عن هذه السعادة هو ما قاده إلى الإدمان؟

لم يكن “ماكغوان” يشرب -وفق اعترافه- هروبا من الواقع، لكن لأنه كان يستمتع بالكحول، وإن كان في مكان آخر يعترف “بدأت بتخريب الأمور عندما بدأت أكره ما أفعله من تكرار الحفلات يوميا بشكل غير إنساني”، مشيرا إلى الحفلات اليومية الإجبارية مع فرقته “ذا بوغز” وجشع مدير أعماله المدمن.

المغني شين ماكغوان برفقة صديقه الممثل الأمريكي جوني ديب

وربما تعود جذور المشكلة -للوسط العائلي العاشق لشرب الكحول- من تلك اللحظة، حين اختبر الكحول وهو لا يزال في عامه السادس، إذ شرب زجاجة كحول كاملة قادته لفقدان الوعي والحديث مع الطيور والحيوانات في مشهد سريالي بمزرعة الخال “جون” نَفَذَّه “جوليان تمبل” بسخرية وبهجة عالية.

“كنت أبحث عن جرة الذهب طوال حياتي”.. رائحة الأدب والفلسفة

لم يكن “شين ماكغوان” مجرد كاتب أغان ومؤلف موسيقي يمتلك صوتا مبهرا فحسب، بل إنه كان إنسانا مملوءا بالوعي، فهو من عائلة مثقفة، كان لديه هدف وضعه نصب عينيه أثناء كتابة كلمات أغانيه، وهو أن “يجعل الموسيقى الأيرلندية رائجة مجددا، وأن يجعل اللغة والأدب رائجين من خلال الموسيقى الأيرلندية، ليبني ثقتهم بأنفسهم، ولكي يعرف العالم بأسره أن حضارة وطنه الثرية التي قدمت للعالم هي أمر مذهل، مقارنة بأمة صغيرة العدد كهذا”.

لذلك فقد كان يشير إلى اقتباساته من الأدب، مثلما فعل مع رواية “المتمسكن” لـ”فلان أوبراين”، وغيرها من الأشعار والروايات.

هذا يُعيدنا لعنوان الفيلم، إنه مقتبس عن رواية “جرة الذهب”، تلك الرواية الكوميدية التي كتبها المؤلف الأيرلندي “جيمس ستيفنز”، وتتكون من ستة أجزاء نُشرت لأول مرة في عام 1912، وتنهض على مزيج من الفلسفة والفلكلور الأيرلندي ومعركة الجنسين. فما الذي كان يقصده “جوليان تمبل” من ذلك الاقتباس؟

إنها محاولة التعبير الرمزي عن أحلام “ماكغوان” نفسه، إذ يقول: كنت أبحث عن جرة الذهب طوال حياتي، لكنها جرة الذهب بالمعنى المجازي، فالذهب هنا بمعنى السعادة.

مولود اختاره الإله لإنقاذ الموسيقى الأيرلندية.. ثراء المحتوى البصري

من أجمل وأصعب الأشكال الفنية في البناء الدرامي اتبعها “جوليان تمبل” في هذا الفيلم الوثائقي الذي يجمع بين الثقافة والأدب، بين المتعة السينمائية والموسيقية، وبين السياسة والفكر، بكل ثرائه السمعي والاشتغالات البصرية المتنوعة بين الأرشيف الصحفي والشخصي، والحوارات المصورة والمسجلة صوتيا، والرسوم المتحركة، ثم هناك دور المونتاج الدقيق المفعم بالسخرية والحس الفني الشاعري الرائق.

يبدأ الفيلم من لقطات رسوم متحركة عن هذا المولود الذي اختاره الإله لينقذ الموسيقى الأيرلندية، ثم في لقطة تالية نراه يستعد -بصحبة المحيطين به- للانتقال على كرسي متحرك إلى مطعم مع “جوني ديب” وآخرين.

أغلب الفيلم -كلما عاد المخرج لذلك المشهد- لن نرى سواه في الكادر، حيث يشرب الكحول أو يُمسك بالكأس، ونادرا ما نرى المحيطين به، حيث يبدأ حديثه بطلب “تشغيل أسطوانة موسيقية لتهيئة الأجواء والروح المناسبة”، لكن فتاة بفريق التصوير تُجيبه “عندما ننتهي سنفعل”، يرمقها “ماكغوان” بنظرة نارية قائلا بحزم “بل الآن، وإلا لن أنطق بأي كلمة”.

 

المكان السابق سيظل هو الخيط الذي ينطلق منه الفيلم -مرارا وتكرارا- لأماكن ومشاهد أخرى قبل أن يعود إليه مجددا، إنه مشهد أسس ليُوحي وكأن “ماكغوان” يشاهد شريط حياته ويتأمل مسيرته -المسرودة بفيلم “جوليان تمبل”- ونادرا ما ينطق بكلمة أو جملة، باستثناء أنه عندما يتحدث صديقه “جوني ديب”، يرد عليه بكلمات مقتضبة لكنها صريحة جدا، كأن يقول له “كنت دوما ظريفا، وما زلت على ذلك الحال لدرجة تصيبني بالغثيان”. مثلما يقول لزوجته “فيكتوريا ماري كلارك” عن زواجهما “قد تكونين حقيرة جدا، لكنك لطيفة وظريفة وجميلة كتمثال”.

ليلة الهلوسة في فندق المقبرة.. رسوم متحركة ساخرة

استند المخرج على أرشيف ثري جدا كان يراوح بين الماضي بدرجاته وتنويعاته، وبين الحاضر بسلاسة مبهرة، فقد ظل يتنقل بين الأزمنة بصريا وسمعيا بأسلوب انسيابي موسوم ببراعة تنقل العقل البشري، فقد استعان بلقطات فيديو وصور فوتوغرافية من الحياة الشخصية له، ومن الحوارات المتلفزة معه خصوصا في إنجلترا، ولقطات من الحفلات الموسيقية له، على الأخص مع فرقته “ذا بوغز”، والفرقتين التاليتين بعد أن طرد عام 1991 من الأولى.

في المقابل أنتج “جوليان تمبل” مادته الفيلمية الخاصة الأصيلة، سواء بإخراج مشاهد رسوم متحركة لعدد من المواقف والخبرات التي مر بها “ماكغوان” ولم يكن متوفرا لها معادل بصري، فخلقه “تمبل” بطريقة إبداعية ساخرة جدا، مثل تلك الليلة التي تناول فيها عقارا للهلوسة في فندق شهير مقام على مقبرة لإحدى القبائل، فظهرت أفراد القبيلة للبطل الأيرلندي في كوابيسه، وأمروه بأن يُلون الجناح الفندقي بأكمله باللون الأزرق، وقد فعل من دون أن ينسى أن يلون نفسه أيضا.

كذلك تكرر الأمر مع مشاهد من طفولته، أو بعض خلافاته مع والده في إحدى الليالي، وصديقته التي كادت أن تنتحر في شقته.

ملصق كتاب شون الذي يحتوي على مجموعة من رسوم قام برسمها طيلة حياته

“لقد كان أيرلنديا لكنه لم يكن أصيلا، كان عاشقا للإنجليز”

أنجز “جوليان تمبل” عدة حوارات مع “ماكغوان” صُنعت خصيصا للفيلم، ففي كل حوار كان يختار إحدى الشخصيات لتقوم بطرح الأسئلة عليه لإقامة حوار دافء يستحضر الماضي النابض في ذاكرته، فهناك والده “موريس” ووالدته “تيريزا” وأخته “سيوبهان” وزوجته “فيكتوريا ماري كلارك”، والنجم الهوليودي “جوني ديب” الذي تجاوزت صداقته معه ثلاثين عاما، وهو مشارك في إنتاج الفيلم، وقد أخرج عنه فيلما تسجيليا عام 1994، إضافة إلى عدد آخر من المطربين والموسيقيين الذين أعادوا تقديم أغنياته.

أما المؤرخة “آن سكانلون” كاتبة السيرة الذاتية لفرقة “ذا بوغز”، فتسأله عن سر احتقاره للشاعر والكاتب الأيرلندي “ويليام بتلر ييتس”، لدرجة أنه كان يعتبره أحمقا، وحينما تحاصره “آن” بالسؤال عن قصيدة “طيار يتنبأ بموته”، يخبرها “شين” بأنها القصيدة الجيدة الوحيدة لـ”ويليام”.

لكن السر الحقيقي وراء مشاعر “شين ماكغوان” سيتضح لاحقا، إذ يقول: كان “ييتس” يخجل بطريقة ما من كونه أيرلنديا، فعندما وقعت انتفاضة الفصح كان “ييتس” مروعا، لأنه كان يحب النظام، لم يكن يستطيع التعامل مع الفوضى، لم يكن يتحمل العنف الشديد، لم يكن يحب أن تتسخ ثيابه الأنيقة، أرى أنكم تبالغون جدا في تقديره، صحيح أن أعماله الجيدة مبهرة، لكن معظمها هراء، والمؤسف أنه أشهر شاعر أيرلندي، إنه الشاعر الأيرلندي الأقل أصالة، لقد كان أيرلنديا لكنه لم يكن أصيلا، كان عاشقا للإنجليز.

جماجم الشاطئ.. أغنية تخلد مجاعة أيرلندا الكبرى

على صعيد مغاير سنكتشف مَنْ هو الكاتب الأيرلندي الأكثر قربا من “ماكغوان”، إنه “برندان بيهان” الذي سيُظهره “ماكغوان” في أحد أغنياته ويشير إليه بوضوح. وللسياسة دور في هذا الإعجاب باعتراف “ماكغوان”، إذ يقول: كان من الجيش الجمهوري الأيرلندي، إنه أكثر كاتب أيرلندي أتفق معه، فهو يمتلك الأسلوب المناسب في الكتابة، في شخصيته كلها، كان بغيضا جدا، وكنت بغيضا أنا أيضا مثلما كنت سكيرا، لا يستطيع أن يُجري أحد إجراء مقابلة معي.

وكان من أهم المحاورين له “جيري أدامز” القائد السابق لحزب “شين فين” (الحزب الاشتراكي الجمهوري الأيرلندي)، ويُذكره بأول لقاء بينهما عندما كان “جيري” في اجتماع للنقاش مع “توني بلير” وجماعته، ثم يتطرق الحوار إلى أغنية “شين ماكغوان” التي كتبها عن المجاعة الكبرى في أيرلندا (1845-1849)، التي قضت على نصف عدد السكان، فلم تكن هناك أماكن للدفن، فحفروا لهم على الشاطئ ودفنوهم وغطوهم بالكثبان الرملية، لكن “ماكغوان” في أحد الأيام وهو يلعب مع رفاقه تعثر في عدد من جماجم تلك المجاعة فأصابه الذعر، وتحت هذا التأثير كتب كلمات أغنيته.

هنا يتدخل “جيري” مُؤكدا على أن المجاعة لم تحدث نتيجة الفقر والجدب في المحصولات، فأثناء تلك المجاعة التي تسببت في موت الناس كان تصدير المحاصيل ما زال قائما باتجاه إنجلترا، مما اضطر كثيرين إلى الهجرة باتجاه أمريكا.

ثم يتطرقان لانتفاضة عيد الفصح عام 1916 والفخر بها، وكيف أن الشعب الأيرلندي كان يقوم بانتفاضة كل 25 عاما، والحرب بين الجيش الجمهوري الأيرلندي وبين الشرطة البريطانية، ثم عام 1922 عندما صارت أيرلندا حرة بعد رحيل الإنجليز.

ملصق الفيلم يتوسطه رسم للموسيقي شون وصورته وهو شاب

“كلما استمعت إلى أغنياتك أكثر أرى أنها وسعت إدراكنا لأنفسنا”

يتطرق الحوار الدافئ بين “شين ماكغواين” و”جيري أدامز” عن أصل كلمة “بانك” في الموسيقى بجذورها الأيرلندية “بانكانك” التي كانت تستخدم لوصف الأمريكيين، فهناك كثير من الكلمات الأيرلندية دخلت اللغة الإنجليزية، أما عن سر التمازج والتفاعل بين موسيقى البانك والموسيقى الأيرلندية الذي انتهجه بطل الفيلم، فيجيب “ماكغوان” قائلا: الموسيقى الأيرلندية تشبه البانك، إنها ترابية وإنسانية.

أما سر هذا الأسلوب الثوري في الغناء آنذاك فيقول عنه “ماكغوان”: لقد كان زمنا أصبح فيه كل شيء مُملا، وكأنه الجزء الأخير من حركة الرومانسية الجديدة وما شابهها. كانت حقبة الرجل الواحد على جهاز المزج الموسيقي، فكان البديل الوحيد هو فرق الموسيقى العالمية التي تعزف موسيقى أمريكا اللاتينية والموسيقى الأفريقية، وكان برأيي أننا نملك موسيقانا الشعبية والعرقية والمحلية على عتبات منازلنا، وكان الأيرلنديون في أنحاء لندن كلها، ففكرت أنه إذا كان الناس يتصرفون بطريقة عرقية، فمن الأفضل أن تكون على طريقتي أنا.

يختتم “جيري أدامز” حواره معه قائلا: كلما استمعت إلى أغنياتك أكثر أرى أنها وَسَّعت إدراكنا لأنفسنا، وإدراكنا لهويتنا الأيرلندية التي عمقت ثقافتنا، لقد أضحكتنا وجعلتنا نفكر، لأن أغنياتك كانت تحكي عن الإصلاح، أغنيات فيها الحزن والأسى، وكذلك الفرح والمرح، جميعها تحكي عن قصص الأشخاص العاديين.

يبدو جليا من تلك اللقاءات أن “شين ماكغوان” كان صعب المراس، مثلما تشي جميع اللقطات بمكنون شخصيته، إذ لم يتخل عن الكأس يوما، فظل يشرب حتى الثمالة، لكن من دون أن يغدر بأحد أو يخون مواقفه الفكرية ومبادئه السياسية، كان صريحا جريئا لأقصى حد، وكانت الموسيقى هي مخلصه في هذا العالم.


إعلان