“على الجليد الرقيق”.. رحلة شاقة وخطرة للبدو الرحّل في القطب الشمالي

يتجه البدو الرحل في القطب الشمالي إلى الأراضي الداخلية مع قطعانهم من حيوان الرنة، فمراعي شعب نينيتس مدفونة تحت الثلج، الرحلات شاقة بالتأكيد، ولكن لطالما فعلوا ذلك في الماضي، وسيستمرون بفعله في المستقبل.

وقد رافقتهم الكاميرا، وسجّلت يومياتهم مع الجليد الذي بات رقيقا بفعل الاحتباس الحراري، وعرضت الجزيرة الوثائقية ذلك الوثائقي الشائق بعنوان “على الجليد الرقيق”.

هجرة بين مراعي الصيف والشتاء تتبع الفصول، على ضفاف نهر أوب الروسي توقفت عقارب الزمن بشكل مفاجئ، يبلغ عرض مصبه عده كيلومترات، وعليهم عبوره، ينتاب الزعماء الشك وهل سيتحمل الجليد وزنهم؟ يزداد الشتاء دفئا من عام إلى آخر، وقد وصل تغير المناخ إلى شعب نينيتس وقطعانه، يبدو كأن أراضيه مصابة بحمّى.

فحص سُمك الجليد.. معبر يعوق رحلة الشتاء والصيف

يقوم “ليونيد سيروتيتو” -وهو أكثر أفراد القبيلة خبرة- بفحص سُمْك الجليد على طول ضفة النهر عدة مرات، بحثاً عن معبر آمن، إنها مهمة خطيرة، فقبل بضع سنوات فقط لم يكن احتمال انكسار الجليد عند عبور القطعان وارداً، وكانوا يعبرون في نوفمبر، أما اليوم فهم مضطرون للانتظار حتى ديسمبر.

سيقيمون معسكرا وينتظرون انخفاض الحرارة إلى 30 تحت الصفر، لا يمتلك شعب نينيتس سوى القليل من الخيام والطعام وبعض الأغراض التي تحمل على الزلاجات.

يجري “ألكسندر فلوكوفتسكي” بحوثا على حياة هذا الشعب، ويقول: في الأيام العادية يجري الانتقال بشكل جيد، عليهم الانتظار حتى يتجمد النهر، ليست مشاكلهم في الرعي فقط، بل عليهم الانتباه لقطعانهم وحمايتها من الاختلاط، لأنها أغلى ما يملكون. يشعرون بالتعب لكنهم يمضون قدما، فالحيوانات بحاجة للطعام، وهم محاصرون بالثلوج.

يؤدي ارتفاع الحرارة وتغير المناخ لتغير حياتهم تدريجيا، هذه التغيرات وضعت العلماء في حالة تأهب قصوى، يتوجه “ألكسندر” لحضور مؤتمر يشارك فيه علماء المناخ من أنحاء العالم.

الأرض المتجمدة في سيبيريا أو التربة الصقيعية ضرورية لفهم ظاهرة تغير المناخ. نحو نصف المنطقة القطبية الشمالية بأكملها تابعة لروسيا، لذلك فالمعلومات المستمدة من هذه المنطقة الهائلة نادرة جدا، إنها قاره داخل قاره، ووسط المناظر الطبيعية البكر فالأرض آخذة بالتحرك.

الجمرة الخبيثة.. فيروسات نشطة من أعماق التاريخ

لقد انفتحت فوهة ضخمة يزيد قطرها عن كيلومتر، وراح الماء يتدفق من الأعماق، ويطرد التربة المتجمدة بعيدا، يأتي صيّادو العظام الطامعون في الثروة إلى هنا، للبحث عن عظام حيوانات منقرضة كانت في أعماق الأرض، قبل أن تنشقّ وتلفظها، مثل عظام وأنياب ثيران البايسون ووحيد القرن، يبلغ وزن الأنياب 60-70 كغم. وقد عثروا على مهر صغير بحالة جيدة، وما زال يكسوه اللحم.

إن ذوبان الثلوج يرفع الستار عن مواد عضوية أخرى، كالجلود وبقايا اللحم المحفوظ منذ آلاف السنين، كما عثر على فيروس عملاق من سيبيريا تكوّن منذ 30 ألف عام، ومن المحتمل أن يكون أكبر بثمانية آلاف مرة من الفيروس العادي، من المدهش أن هذا الفيروس على قيد الحياة، وبصحة جيدة في المختبر.

التربة الصقيعية في القطب الشمالي آخذة في الذوبان، وكثير من العناصر الموجودة فيها تتحرر، وبالتالي فإن كانت بعض الفيروسات المسببة للأمراض لا تزال معدية، فإننا أمام خطر حقيقي.

عام 2016، وفي شبه جزيرة يمال اتضحت معالم الخطر، فقد رصدت الجمرة الخبيثة، كانت كارثة كبيرة على الإنسان والحيوان، ولا بد من إجراءات صارمة، فالجمرة الخبيثة خطيرة، وتؤدي إلى الوفاة بسبب اختلال وظائف الأعضاء. وفي أيام قليلة طوّقت المنطقة بأكملها للقضاء على الوباء، وبدأ التخلص من الفيروسات بصنع ثقوب بيولوجية أو حرقها بقوة.

بعد مرور عام أجريت تحقيقات خاصة في مكان حرق جثة لحيوان رنة مصاب، وأظهرت التقارير وجود تركيز عالٍ من الجراثيم النشطة، مما يشير إلى أن هذا المكان من التندرا (نظام بيئي ذو أرضية متجمدة) موبوء جدا، وهو مغلق الآن.

ذوبان الثلوج يرفع الستار عن مواد عضوية، كالجلود وبقايا اللحم المحفوظ منذ آلاف السنين

يقول عالم الفايروسات “جان كالغيري”: نحن نتحدث عن فيروسات حديثة، وأخرى عمرها 35 ألف عام، ولا نعرف ما إذا كانت تستهدف الإنسان أو الحيوان، وما هي الأعضاء التي تضر بها، وليس عندنا علاجات ضدها، وهل جهازنا المناعي مستعد لمواجهتها.

طيور النورس.. وجبات خفيفة لدببة يحبسها ذوبان الجليد

يتقدم الاحترار في القطب الشمالي بوتيرة أسرع بكثير مما كان، ولهذا الغرض يتوجه فريق من علماء الأحياء الروس إلى مجموعة من الجزر النائية في بحر كارا، فالحياة البرية في القطب الشمالي تستجيب بسرعة للتغيرات البيئية، مما يوفر تحذيرا مبكرا بوجود خطب ما.

طيور النورس العاجية في جزيرة أودنيه، تعيش في المناطق المرتفعة في القطب الشمالي، وتتكاثر في السهول الحصوية على حواف الأنهار الجليدية، وقد شهدت انخفاضا حادا في أعداد النورس العاجي، لكنهم لم يتوصلوا حتى الآن لتفسير. يفحص الفريق جميع الأماكن المعروفة لتكاثر النورس في جزر المتجمد الشمالي، إنها مهمة صعبة في هذه البرية الشاسعة.

أضحى عدد من المستعمرات مهجورا، مثل تلك الموجودة بقرب محطة أرصاد قديمة، لا يزال عدد قليل من النوارس موجود، لقد تغير سلوكها التناسلي، وأصبحت تبحث عن مناطق مرتفعة، فانتقلت إلى الأسطح ولم يسبق لها أن تصرفت على هذا النحو من قبل.

على أسطح المباني المهجورة وضعت النوارس صغارها تجنبا للحيوانات المفترسة، تعتمد الدببة القطبية على الجليد البحري، وبما أن الجليد يذوب في وقت مبكر، فإن الدببة العالقة على الجزر تواجه معضلة العثور على فريسة، فانتهى بها المطاف إلى مستعمرة النوارس، وأكلت ما أمكنها العثور عليه من البيض والفراخ، وإذا استمر الأمر هكذا فستتخلى النوارس عن هذه المستعمرة.

يدفع ذوبان الجليد نوعا من الحيوانات لدفع نوع آخر للانقراض، فالجليد المضغوط حيوي للدببة القطبية لاصطياد الفقمات، يذوب الجليد في وقت مبكر من الربيع ويعود في وقت لاحق في الخريف، فتبقى الدببة القطبية محاصرة في أرض جافة لفترة طويلة، ويدفعها الجوع لبيض النوارس والفراخ رغم أنه مصدر منخفض الطاقة، لكنه بديل مُرْضٍ في الظروف القاسية.

في القطب الشمالي هناك خط رفيع بين الحياة والموت، تبقى الدببة المنفردة حية حتى يظهر الجليد البحري مرة أخرى، أما الدببة الأخرى فتخاطر وتقطع مسافات شاسعة لتبلغ أماكن لم تغامر بالذهاب إليها سابقا.

هجرة الرنة.. التفاف طويل بين أنهار الجليد الرقيق

تقع مدينه ناريلسيك الصناعية على بعد 100 ميل تقريبا من الساحل، ولم يسبق أن شهدت دببة قطبية، وفي صيف 2019 تجول هذا الدب الضال في أنحاء مدينه التعدين الروسية عدة أيام، كان هزيلا ومنهكا، وحتى لو وجد الطريق إلى الساحل فسيواجه بحرا شديد الدفء دون جليد، إنه محاصر بين عالمين، فرصة الحياة بينهما ضئيلة.

تهاجر حيوانات الرنة البرية -وهي أكبر قطعان روسيا- مرتين في السنة، فتتوجه شمالا إلى التندرا في الصيف، ثم تعود إلى التايغا (الغابات القطبية) أواخر الخريف، وقد هاجرت هذه القطعان على طول أرضيات الوادي المتجمد آلاف السنين، ولكن الأنهار صارت تذوب أبكر مما مضى، وعواقب ذلك وخيمة على الحيوانات، فيستهلك الالتفاف الطويل طاقة الحيوانات.

هاجرت قطعان الرنة على طول أرضيات الوادي المتجمد آلاف السنين، ولكن الأنهار صارت تذوب أبكر مما مضى.

وفي بعض الأحيان يتعين عليها عبور جليد رقيق، وباتت هجرتها أشبه بسباق ضد الذوبان المبكر، لقد غمرت المياه بعض أجزاء الطريق، وقريبا ستصبح الأخاديد غير سالكة بتاتا، وعندما يذوب جليد هضبة بوتورانا، فسيصبح قوة لا يستهان بها.

في الربيع تصل القطعان منهكة من التفافاتها الكثيرة، وقد أنجبت بعض الإناث صغارها، لكن المراعي الصيفية لا زالت تبعد مئات الكيلومترات، والبحار والأنهار المنخفضة خالية تماما من الجليد، لا نهاية للتعقيدات التي تواجه حيوان الرنة، لقد أصبحت أنماط هجرته التي تطورت على مدى آلاف السنين غير متوازنة.

وبغض النظر عن ذلك فإن غريزة حيوان الرنة تدفعها فجأة للمضي قدما للأمام باستمرار، تقودها استراتيجيات البقاء القديمة صوب الخطر، لقد تغيرت بيئتها بسرعة كبيرة، حتى باتت أنواع شائعة من الرنة معرضة للانقراض قريبا.

إسفنجة الشمال.. خطر يهدد الحياة البرية في الصيف

تفقد فصول القطب الشمالي توازنها، وأحد أسباب هذا الخلل موجود في الهواء، وتعتبر سيبيريا رئة الشمال الخضراء، إذ تمتص غابات ياقوتيا وحدها نسبة كبيرة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية، وتنتج الأكسجين، وتعتبر ياقوتيا مكانا خاصا لبحوث التربة الصقيعية لأنها عميقة جدا، تخلو طبقة التربة النشطة من الجليد في الصيف، وجذور الأشجار ضحلة.

وبسبب الانحباس الحراري ستذوب طبقة التربة الصقيعية، وسيذوب الجليد الأرضي، لذلك لا أحد يعلم مصير الطبقة النشطة؛ فهل ستصبح أكثر جفافا أم أكثر رطوبة، ووفقا لمجموعة البيانات في العام السابق مقارنة بالسنوات العشر الأخيرة، فإن الطبقة النشطة تزداد عمقا، ويصبح متوسط حرارة التربة الصقيعية أكثر دفئا.

مثل إسفنجة ضخمة، تحتفظ تربة التايغا بكميات هائلة من الرطوبة خلال أشهر الصيف، وإذا جفت تفقد سعة التخزين التي تتميز بها، وإن لم تمطر ستصبح المنطقة بأكملها في خطر، في صيف 2019 شهدت منطقة ياقوتيا بأكملها انخفاضا في مستوى المياه، أنهارٌ مثل أونيليوك، بطول 10 أضعاف نهر التايمز تحولت إلى جداول صغيرة وكادت أن تجف، وأعاق ذلك البحوث العلمية.

يبحث فريق علماء عن نوع فرعي من حيوانات الرنة، ويأخذهم بحثهم في أعماق غابات سيبيريا التي لا يمكن الوصول لها إلا بواسطة القوارب التي تكاد تلمس قاع النهر، يتمثل هدف الفريق بوضع أطواق تتبع لحيوانات الرنة البرية التي تعيش في التايغا السيبيرية الوسطى.

يستعمل العلماء شاحنات عسكرية للتنقل في المنطقة بسبب التغير المناخي الذي يذيب الثلج ويحوله لوحل

ويرى العلماء أن الحيوانات تمر من هنا في طريقها إلى مواطنها الشتوية في الجنوب، فالمطر قليل ومنسوب المياه انخفض في نهر أولينيوك، وهذا يعني أن هناك خيارات مختلفة أمام الرنة لتسلكها. إنها لعبة انتظار في الصيف السيبيري.

تتحرك حيوانات الرنة في مجموعات أصغر، مقارنة بالرنة الشمالية، وتعبر النهر وحدها، بينما يبحث الرجال عن حيوانات ذات قرون كبيرة، وبسرعة يثبتون الأطواق التي ستسقط تلقائيا بعد عام. لكن نجاحات العلماء محدودة لانخفاض مستوى الماء وجفاف الأنهار والتصحر.

كابوس الجفاف والحرائق.. عواقب وخيمة تتربص بسيبيريا

سيكون لجفاف الأنهار والتصحر عواقب وخيمة تطال المناخ العالمي، وسيكون لجفاف التايغا وحدها وأنهارها آثار كارثية، فالغابات الجافة والحرائق شديدة الاشتعال والعواصف الرعدية المصحوبة بالبرق الجاف ازدادت منذ سنوات، في 2019 غطت سيبيريا سحب ضخمة من الدخان وانتشرت الحرائق بسرعة، الشيء الوحيد الذي كان بإمكان فرق العمل فعله هو محاولة تحييد المجمعات السكنية.

انتشرت مصادر الحريق على مساحة كبيرة تماثل مساحة أستراليا، على مساحة خمسة ملايين هكتار من الغابات، وهذا لم يحصل سابقا، وأي محاولة لإخماد الحريق كانت مجرد قطرة في المحيط، الحرائق في سيبيريا ليست أمرا غير مألوف، لكن لا أحد يعلم مدى تأثيرها في نظم البيئة، إذ لا يمكن تحديد كيف تؤثر على المناخ حرائق سيبيريا الوسطى والأمطار في الدائرة القطبية الشمالية.

في جبال الأورال الشمالية لا يستغرق البدو الرحل وقتا طويلا للاستجابة، تنتج المراعي كميات أكثر من أي وقت مضى، يؤخرون ترحالهم إلى مساكنهم الشتوية عدة أسابيع، كلما طالت فترة إطعام الحيوانات تعززت قدرتها على تحمل الشتاء، قلة من الناس يعيشون حسب أهواء الطبيعة، مثل قبائل الشمال في روسيا. ترتبط حياتهم ببيئتهم، ولا يهتمون بالمناخ قدر اهتمامهم بالطقس اليومي.

ذوبان التربة الصقيعية.. غازات القطب الدفيئة تخنق الغلاف الجوي

“جوري” عالم جيولوجي روسي متمرس لا يكاد أحد يعرف جبال الأورال القطبية أفضل منه، تخلى عن وظيفته في علوم التربة المتجمدة في التندرا الجبلية، وهو صلة الوصل للبدو بالعالم الخارجي، يجتمعون كل أسبوعين يتبادلون الحديث معه، يقدمون له لحوم الرنة والجلود المخملية والقرون، يحصلون على القوت المفيد الذي يجعلهم يتغلبون على الحياة الشاقة للراعي.

عاش “جوري” في الدائرة القطبية أكثر من 40 عاما، ورغم أنه لم يعد يعمل جيولوجيا فإنه يشهد تغيير المناخ بطريقة لا تتجلى إلا أمام قلة من الناس، يقول: كل شيء تغير، الأنهار تغير مسارها، وبعضها يجف، وكميات الثلوج أضحت أقل، الطبيعة تعيد تشكيل نفسها، الغطاء النباتي يزداد ارتفاعا، وتنمو نباتات جديدة لم تكن موجودة من قبل في التندرا.

يأخذ “رومان باتروف” عينات هواء منتظمة فوق التانغا، اختار هذا المكان لعدم وجود نباتات كبيرة أو بشر، وهو المكان المثالي للتحقق من نسبة الغازات الدفيئة، يطير الباحث فوق مناطق لإجراء اختبارات عدة مرات في السنة، وبعيدا عن أي انبعاثات صناعية يتوقع المرء أن يكون للغطاء الجوي تركيبة طبيعية إلى حد كبير.

وبعكس المتوقع، فالعينات يرتفع فيها تركيز الغازات الدفيئة بسبب ذوبان التربة الصقيعية، مما قد يحدث ضررا فادحا، ليس في سيبيريا فحسب، بل في الغلاف الجوي للعالم بأسره، يرتفع تركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون والميثان، لأن التربة الصقيعية في سيبيريا، تشكلت من طبقات عضوية تعود لآلاف السنين، وإذا ذاب الجليد فسيواجه العالم مشكلة غريبة.

أوكسيد الكربون والميثان.. غازات تفتح أبواب الجحيم على المستقبل

لأول مرة في منطقه التندرا سرت شائعات عن رصد انفجارات وألسنة لهب متصاعدة، والسبب وراء ذلك صعود الميثان في محاولة لبلوغ السطح، والميثان هو أقوى غاز دفيء نعرفه، وقد ظهرت حتى الآن أكثر من 300 حفرة، وإذا استمرت درجة الحرارة بالارتفاع بالوتيرة نفسها كما كان يحدث في الثلاثين عاما الماضية، فستذوب في نهاية القرن 75% او أكثر من التربة الصقيعية في سيبيريا.

وتحتوي التربة الصقيعية على نحو ضعف كمية الكربون الموجود في الغلاف الجوي، وإذا تحرر جزء من هذا الكربون على شكل ثاني أوكسيد الكربون أو الميثان فسوف يتسارع ارتفاع الحرارة، ولا مجال للعودة إلى الوراء، فقد احتجنا آلاف السنين لاحتجاز الكربون في التربة الصقيعية، وسنحتاج إلى عصر جليدي جديد لإعادة كل هذه المواد إلى مكانها، وهي مدة طويلة جدا في حياة البشر.

وصل البدو الرحل إلى نقطة لا عودة منها في نهر أوب، وهم ينتظرون منذ أسبوعين انخفاض درجة الحرارة إلى 35 تحت الصفر، الأمر مخيف جدا، تطأ قدم الشخص الأول الجليد، ويسأل نفسه: هل سينكسر الجليد تحت قطعان الرنة؟ يقودون الرنة على الجليد الرقيق، ويعانون من العواقب التي سيواجهها من كانوا السبب في تغيير المناخ مستقبلا.

عليهم أن يختاروا بين قرارين كلاهما غير مغرٍ؛ أن تتضور الحيوانات جوعا أو تغرق. يشق القطيع طريقه على طول الضفاف حيث يكون الجليد صلبا ولا خوف من انكساره، لقد حان الوقت لعبور النهر، حيث يتلاشى القطيع في شفق الليل القطبي.

القطب الشمالي الروسي هو بوتقة ينصهر فيها تغير المناخ، منطقة أكبر من أستراليا تخضع لتغيير جذري، الجليد يذوب على الأرض وفي البحر وفي أعماق الأرض، تتسارع وتيرة التغيير، وصلنا إلى نقطة لا عودة منها، وفتحت أبواب الجحيم في القطب الشمالي الروسي، السكان والحيوانات على حد سواء غارقون حتى أعناقهم، ولكن الجميع لا يرى نفسه في الجانب الخاسر.

في أغسطس/2019 عبرت قوة من البحرية الروسية المحيط المتجمد الشمالي، وعثرت على خمسة جزر عذراء، ظلت مدفونة تحت الأنهار الجليدية آلاف السنين، وبهذا زادت مساحة أكبر دولة مساحة على وجه الأرض قليلا. هذه الأرض التي لم يطأها البشر من قبل تذكر بالهبوط فوق سطح القمر. سيتغير العالم، ولن يعود شيء كما كان من قبل.


إعلان