“عصابات الزراعة في إيطاليا”.. حقل جديد لنشاط إجرامي لا يرحم

يستقصي الوثائقي الفرنسي “عصابات الزراعة في إيطاليا” (Agromafia in Italy) توجهات العصابات الجديدة نحو السيطرة على قطاع المنتجات الزراعية، التي عرفت بها إيطاليا، فمنها الأجبان وزيت الزيتون، وغيرها من المنتجات.

وهي تسعى إلى ذلك لتبييض أموال المخدرات والأسلحة، ثم كسب أموال هائلة من الاستحواذ على أراض وحقول زراعية واسعة، تخصصت تاريخيا بإنتاج أنواع من الأغذية مشهورة عالميا، منها أجبان موزاريلا، التي وجد فيها زعماء العصابات حقلا مناسبا، يخفون نشاطاتهم الإجرامية خلفها، ويهرّبون بوسائل تصديرها ما يشاؤون من ممنوعات.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

رجل عصابات بزي فلاح نزيه

يستقصي صانع الفيلم “رافائيل مينا” حقيقة ما يقع في مناطق ومدن إيطالية، ذات عصابات خطيرة، مثل صقلية ونابولي، وللتقرب من زعمائها يقابل عددا منهم، ثم يتحرى بخفاء في حقول ومزارع بدأ رجال العصابات الظهور فيها، لا أنهم تجار مخدرات، بل أصحاب مزارع، يعملون في الظاهر في مجال حيوي بطرق مشروعة.

الاستيلاء على الأراضي نهج العصابات الجديد في إيطاليا

يقابل “كلاوديو كاربونارو” المعروف بنشاطه الإجرامي في منظمة “كوزا نوسترا” الصقلية، وكان قد قضى عدة سنوات في السجن، ويستقبل فريق العمل السينمائي في بيته، وسط حقل زراعي واسع، ويتحدث إليهم على أنه صاحب مزرعة مختصة بصناعة أجبان موزاريلا.

ثم إنه ينفي أمامهم كل ما يشاع عن ضلوعه في تبييض الأموال وإخفاء الأسلحة في حقوله، لكنه يعترف أمام كاميراتهم بأن الجيل الجديد من العصابات أذكى من الجيل القديم.

فقد أخذوا ينشطون في مجالات اقتصادية جديدة، تدر عليهم أموالا هائلة، وتعسر على الشرطة مراقبتها، كما ابتعدوا عن مباشرة عمليات القتل والتهريب، كالتي مارسها هو وجيله من قبل.

الملصق الدعائي لفيلم “عصابات الزراعة في إيطاليا”

يذكر الوثائقي أن مجموع أرباح العصابات في الحقول الزراعية، قد بلغ في العام المنصرم وحده أكثر من 24 مليار يورو، وقد سيطرت على أحسن المزارع وأشهرها، فمنها تلك المعروفة في منطقة كامبانيا بجودة إنتاجها لأجبان موزاريلا، المستخرجة من حليب الجاموس، ولإقبال الناس عليها محليا وعالميا سميت “الذهب الأبيض”، كناية عن ربحها الوفير.

فضحية تقود إلى استغلال أكبر!

يتابع الوثائقي المراحل الأولى من نشاط العصابات الإيطالية في الحقل الزراعي، ويتوقف عند شهادات تثبت عام 2010 عاما شهد التحول الأكبر في توجهات العصابات، بعد فضيحة مدافن النفايات السامة، قرب مصنع لإنتاج أجبان موزريلا في منطقة كامبانيا.

فقد لاحظ الناس في المنطقة حدوث حرائق متكررة، وانتشار روائح كريهة فيها، وبعد تدخل السلطات البيئية المسؤولة، اتضح بأن إحدى عائلات العصابات المتنفذة فيها كانت تطمر نفايات سامة تحت الأرض، فتلوثت تربتها ومياهها الجوفية.

البيوت البلاستكية مناجم ذهب للعصابات

تكشف مكالمات سجلتها الشرطة من زعيم العصابة المسؤول عن الطمر، أنه كان يعي الأضرار التي تسببها جريمته، لكنه استمر بها، بل استثمر نتائجها الكارثية على المزارعين.

فبعد انتشار خبر تسرب السموم إلى التربة والمياه الجوفية، قلّ إقبال الناس على شراء منتجاتهم الزراعية، فاستغل زعيم العصابة “فالتر سكانوني” ذلك، واشترى كثيرا من مصانع الأجبان والحقول الزراعية، التي تركها أصحابها، أو أجبرهم على تركها بالتهديد والترهيب.

حرائق النفايات تكشف خفايا عمل العصابات

دفع حجم الفضيحة أجهزة الشرطة للتدخل والتحري، وبعد اعتقال زعيم العصابة المسؤول عن تخريب البيئة، والاستحواذ على أملاك المزارعين ومصانعهم، ظنت الشرطة أن ذلك النشاط الإجرامي قد توقف تماما.

استحواذ بالحيلة على أملاك الفلاحين

في عام 2020، اتضح كذب تقديرات أجهزة الشرطة، بعد اكتشافهم أن نشاط عصابة “كامورا” في الحقل الزراعي، قد ازداد في مناطق نفوذها، وأن العمل فيه بطرق غير شرعية مستمر، بل إن زعماءها يتخذونه واجهة تخفي بقية أنشطتهم.

الموزاريلا.. إثراء قذر على حساب تاريخها

تبيّن التحقيقات اللاحقة أن عصابة “كامورا” قد استحوذت على أراض زراعية كبيرة، بوسائل ملتوية، منها تقديم الديون للمزارعين، وحين يعجزون عن تسديدها يطالبونهم بالتنازل عن حقولهم ومصانعهم الصغيرة.

يقابل الوثائقي أحد نشطاء منظمة “مناهضة العصابات”، التي ترفض هيمنتها على المزارع ومصانع إنتاج أجبان موزاريلا. ويكشف في حديثه الشجاع للوثائقي اختراق العصابات للمؤسسات الزراعية والصحية الإيطالية.

ومن خلال صلته بمزارعين رفضوا مثله الخضوع لإرادة العصابات، يفضح بعض الأساليب المتبعة لإجبار المزارع على طلب الديون، وذلك بشراء ذمم بعض الأطباء البيطريين، ومسؤولين رسميين عن النشاط الزراعي.

خشية العصابات من الصحافة الشجاعة

يزور هؤلاء المزارع، ويكثرون مطالبهم التعجيزية واشتراطاتهم المفتعلة والمتكررة للفلاحين، لتطبيقها أو إغلاق مزارعهم إذا ما عجزوا عن تنفيذ ذلك.

وخوفا من ضياع كل ما يملكون، يضطرون لاستدانة المال من عوائل العصابات المتنفذة في مناطقهم، لتلبية مطالب المفتشين، لكن عجزهم عن دفع الديون في أوقاتها يضطرهم للتنازل عن أملاكهم وأراضيهم. وهكذا تستحوذ العصابات على أكثر الحقول الزراعية ومصانع الأجبان الإيطالية.

مستودع “فوندي” رمز الفساد

يجري الصحفي الاستقصائي “باولو بورميتي” حوارا مع الوثائقي، في مكان سري تحميه الشرطة حماية مشددة، لأن عصابات صقلية قد هددته مرارا بالقتل، فيكشف تاريخا طويلا من استغلال العصابات الإيطالية لأنشطة اقتصادية، تخفي حقيقة نشاطها الإجرامي، ويتحدث عن أساليب عصابات “كوزا نوسترا” في استغلال الفلاحين وابتزازهم.

تفتيش غير كاف لإيقاف تهريب السلاح والمخدرات عبر المنتجات الزراعية

وقبل 10 سنوات مضت، كشف بنفسه أساليب استغلال زعماء العصابات للحقل الزراعي، بالاستحواذ على ممتلكات المزارعين، والسيطرة على كل مفاصل الإنتاج الزراعي، فالسيطرة على التوزيع والتعبئة والنقل توفر لهم أرباحا هائلة، تفوق أحيانا أرباح المخدرات، كما أنها أقل خطورة عليهم منها.

يبرز اسم مستودع “فوندي” الواقع بين روما ونابولي مثالا على الاستغلال الشامل لآليات الإنتاج الزراعي، ومن خلاله أيضا يمكن توفير التغطية اللازمة على بقية أنشطتهم غير الشرعية، وتكاد أن تمر كل المنتجات والمحاصيل الزراعية، من صقلية إلى روما عبر ذلك المستودع العملاق.

مستودع عملاق بمنزلة سوق حرة للتهريب

تكشف تسجيلات كاميرات الشرطة، أن الشاحنات التي تنقل المنتجات الزراعية تستخدم لنقل الأسلحة والمخدرات أيضا، وتعترف الشرطة أنها تجبر على اختصار أوقات التفتيش، تجنبا لدفع غرامات مالية لأصحاب الشاحنات، التي تنقل منتجات زراعية سريعة التلف.

يمنح ذلك للمهربين فرصا أكبر للنجاة، ولهذا يغدو المخزن منطقة حرة لتهريب مواد محظورة، ويغدو أيضا حقلا لصحفيين شجعان، لا يخشون الكشف عنها.

المهاجرون والبيئة ضحايا العصابات الزراعية

راقبت الصحفية الإيطالية “غارسيلا مامبرو” نشاط العصابات في مستودع “فوندي”، وكشفت به أشكالا أخرى من الاستغلال الجشع للمزارعين المهاجرين وتدميرا هائلا للبيئة، ويأتي هذا أساسا من مزارع البيوت البلاستيكية، التي ركزت العصابات نشاطها فيها، ووجدتها “منجم ذهب” تغرف منه بلا خوف.

العمالة المهاجرة والبيئة ضحايا العصابات الزراعية

تبيّن الصحفية كيفية استغلال العصابات قوانين الوحدة الأوروبية بإجازة العمل في البيوت البلاستكية، ومنها أن يدور أصحابها البلاستيك المستعمل، ويتخلصوا منه ومن سمومه بطرق صحيحة كل 6 أشهر.

تتوصل تحقيقات الشرطة والصحفية إلى أن العصابات تتلاعب بطمر البلاستيك في الأرض، مما يدمر التربة والمياه الجوفية. كما يجري معه استغلال العمال الموسميين، وأكثرهم من المهاجرين الذين يتلقون أجورا قليلة، وأحيانا يحرمون منها، وكل اعتراض منهم على استغلالهم يعرضهم للتهديد والابتزاز.

تكشف مطاردة الشرطة حجم الاستغلال الحاصل لهم، وهي تطاردهم للتوصل إلى المسؤولين عن تشغيلهم في تلك الحقول البلاستيكية، وفي الوقت نفسه إلى قوة نفوذ تلك العصابات، التي يعجز القانون أحيانا عن إيقاف نشاطاتها.

يقابل الوثائقي مدعيا عاما شجاعا، لا يخشى تهديدات العصابات، ويعمل على تقديم الجناة منهم إلى العدالة لينالوا جزاءهم. وتبيّن مشاهد بعض محاكماتهم قدرتهم على استغلال الجانب القانوني، بتكليفهم محامين أكفاء، يدفعون لهم ما يشاؤون، لتبرئتهم من التهم الموجهة إليهم.

يستنتج الوثائقي في نهايته أن بين الشرطة والقضاء وبين عصابات الزراعة صراعا محتدما، ولن يتوقف ما دام النشاط الإجرامي مستمرا، ويأخذ أشكالا متغيرة، تتطلب من الشرطة مواكبتها وكشفها بشجاعة.


إعلان