آبل.. هل تغير سوق الترفيه الإلكتروني العالمي؟

محمد موسى

 

لا يُشبه الإعلان الإعلامي الأخير لشركة آبل (نُظم في 25 مارس/آذار الماضي) المناسبات الإعلامية السابقة للشركة الشهيرة، فلم يكن مناسبة للكشف عن أجهزة إلكترونية جديدة أو تحديثات على برامجها كما كان الحال لأكثر من عقد من السنوات.

خصصت آبل طلتها الإعلامية الأخيرة للإعلان عن خططها الجديدة في سوق الترفيه، وهي الخطط التي تم الإعداد لها منذ أكثر من ست سنوات، ومرّت في أكثر من مطبّ وإعادة تقييم، وقد بدأت فعليا قبل عامين مع إنتاج الشركة مجموعة من البرامج الحصرية لها التي لم تلق النجاح المتوقع (وفرتها حينها على خدمتها لتأجير الأفلام والمسلسلات).

هو أمر لم تعتده آبل، إذ كان النجاح يرافق دائما ما تنتجه الشركة من أجهزة إلكترونية غيّرت مفاهيم الأجهزة الإلكترونية الشخصية، وحوّلت آبل إلى واحدة من أكثر شركات العالم ثراءً وتأثيرا.

حشدت آبل في إعلانها الأخير مجموعة من النجوم الكبار في عالم الترفيه، فهم مَن سيكونون وجه الشركة وسلاحها في سوق صعب ومزدحم بالمنافسين الأقوياء، فقد حضر الإعلانَ أوبرا وينفري، والمخرج الشهير ستيفن سبيلبيرغ، إضافة إلى نجوم تمثيل مثل جينيفر آنستون وريس ويدرسبون وستيف كارل وغيرهم، وهؤلاء جميعا يشتركون في أعمال حصرية للشركة ستصل للعرض هذا العام.

هؤلاء النجوم الذين حلّوا محل الأجهزة الإلكترونية هم الوجه لفريق ضخم من الكُتّاب والفنيين والمديرين انضموا للشركة، حيث بدأت الأخيرة جهودا كبيرة لاستقطاب المواهب من كل الأنواع، فمن المعروف أن آبل كانت تعمل بصمت منذ عامين على مفاتحة أسماء متنوعة في هوليود للانضمام لفريقها الجديد.

الأمريكية أوبرا وينفري تشارك في في الإعلان الإعلامي الأخير لشركة آبل، ويظهر خلفها تطبيق “آبل تي في بلس”

 

على خُطا نتفليكس وأمازون

وعلى الرغم من أن الإعلان الرسمي الأخير تم التحضير له جيدا، فإنه لم يُجب على الكثير من الأسئلة عن طبيعة الخدمات الجديدة للشركة والأسعار التي ستفرضها، فما نعرفه اليوم هو أن آبل ستطلق برنامجا تطبيقيا (App) في الولايات المتحدة في مايو/أيار القادم باسم “آبل تي في بلس” (+Apple TV)، سيتوفر على أكثر من منصة إلكترونية من ضمنها الأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد، ويُمكن من خلاله مشاهدة برامج حيّة ومسجلة، إضافة إلى البث التلفزيوني الكامل لمؤسسات إعلامية، وكلها مقابل اشتراك شهري.

وفي سبتمبر/أيلول 2020 ستنطلق خدمة جديدة لشركة آبل تتوفر في مئة بلد حول العالم، وهي أيضا ستكون مقابل اشتراك شهري لمشاهدة برامجها الحصرية، إضافة إلى البرامج التي تشتري حقوق عرضها، وذلك لتسير على خطا شركة نتفليكس التي تتصدر سوق الترفيه الإلكتروني في الولايات المتحدة والعديد من دول العالم.

خطط آبل الجديدة في عالم الترفيه الإلكتروني تشير إلى أنها ستنافس اللاعبَين الأهمين في هذا السوق وهما نتفليكس وأمازون، كل في النموذج الإلكتروني والاقتصادي الذي يقوم عليه، إذ إن آبل ستكون من الشركات التي توفر منصات إلكترونية لبيع برامج مؤسسات إعلامية أخرى تستفيد من شعبية الشركة، وهو الأمر الذي يقوم عليه جزء من النموذج الاقتصادي لشركة أمازون الأمريكية، وفي الوقت نفسه ستوفر آبل خدمة خاصة مقابل اشتراك شهري لمشاهدة برامج حصرية وبرامج يتم شراء حقوق عرضها، لتنافس بذلك شركة نتفليكس.

تمتلك آبل حظوظا كبيرة لمنافسة أمازون، لأن الشركة تمتلك قاعدة عريضة جدا للمستخدمين، وذلك بسبب شعبية جهازي آيفون وآيباد، إضافة إلى أجهزة “آبل تي في” التي سيتوفر فيها تطبيق آبل التلفزيوني الجديد، كما أن زبائن آبل الذين اعتادوا التعامل ماليا مع منتجات الشركة لن يجدوا صعوبة كبيرة في الانتقال إلى التطبيق الجديد، وذلك لتوفر الثقة والطرق السلسة الأمينة بالدفع.

وبالطبع سيكون من المهم جدا أن تكون الخدمة مُغرية بأسعارها التنافسية وما توفره من مواد فنية، وذلك لدفع زبائن شركات منافسة لاختيار الخدمة الجديدة لشركة آبل.

خدمة البث المباشر التي وفرتها شركة آبل كخدمة جديدة لمستخدميها

 

خدمة البث الحيّ بعد الموسيقى والأخبار

ليس معروفا في الوقت الحاضر حِصة البث المباشر في الخدمة الجديدة لشركة آبل، وأسماء المؤسسات الإعلامية والمحطات التلفزيونية التي ستشترك في هذه الخدمة. بيد أنه من المعروف أن هذا التوجه لتوفير منصة لبيع خدمات وبث حيّ لقنوات أخرى عن طريق القاعدة التكنولوجية والمعلوماتية الكبيرة لشركة آبل هو أمر يشغل الأخيرة منذ سنوات، إذ إنها بذلت جهودا كبيرة في الأعوام الأخيرة لإقناع محطات تلفزيونية عامة ورياضية للانضمام للخدمة، وتوفير بثها الحيّ مقابل اشتراك شهري.

وهذا التنافس على البث الحيّ يهز ببطء عرش شركات الكيبل التلفزيوني التقليدية في الولايات المتحدة مثلا، والتي تشهد تراجعا سنويا في عدد المشتركين الذين يفضلون أن يستلموا البث التلفزيوني عن طريق شركات الإنترنت بدل الطرق التقليدية.

لن تكون الخدمة القادمة لشركة آبل بتوفيرها برامج حيّة ومسجلة لمؤسسات أخرى هي الأولى على صعيد محاولات الشركة الاستفادة من شعبيتها لبيع منتجات مختلفة، فخدمة الموسيقى التي توفرها (يمكن عن طريق اشتراك شهري الاستماع إلى كتالوغ الشركة الضخم جدا من الأغاني والقطع الموسيقية) تُعد نجاحا باهرا للشركة، رغم أن عمر هذه الخدمة هو أربع سنوات فقط، لكنها نجحت في الحصول على 50 مليون مشترك في مئة بلد، وذلك حسب الأرقام التي أعلنت عنها الشركة في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.

كما أن خدمة الأخبار (توفر مقابل اشتراك شهري قراءة مجلات عالمية عديدة) هي أيضا من النجاحات الكبيرة للشركة، فعدد المتصفحين للخدمة وصل إلى 85 مليونا شهريا، في حين وصل إجمالي العائدات للشركة من بيع منتجات غير إلكترونية إلى 10.9 مليارات دولار حسب أرقام آبل نفسها.

اسم نتفليكس أًصبح يعني الترفيه وخيارات لا تتوقف، وقدرة على جذب أسماء متنوعة من عالم الفن والترفيه في الولايات المتحدة

 

مواجهة صعبة مع نتفليكس

على الجانب الآخر، ستكون مهمة شركة آبل في بيع اشتراكات شهرية للمواد الفنية الحصرية لها والمواد التي تشتري حقوق عرضها صعبا كثيرا على الشركة في ظل هيمنة شركة نتفليكس الكبيرة على السوق في الولايات المتحدة وفي دول عديدة حول العالم.

فالـ14 مسلسلا وعملا فنيا جديدا التي تعد بها آبل مع انطلاق خدمتها الجديدة لا تُقارن بالوتيرة الإنتاجية غير المسبوقة لشركة نتفليكس أو حتى أمازون، فنادرا ما يمرّ أسبوع في الوقت الحاضر دون أن تطرح نتفليكس أعمالا جديدة حصرية، كما أن ميزانياتها للأعمال الحصرية في تزايد كل عام.

وأصبح اسم نتفليكس يعني الترفيه وخيارات لا تتوقف، وقدرة على جذب أسماء متنوعة من عالم الفن والترفيه في الولايات المتحدة ودول عديدة حول العالم، فالشركة تنتج بشكل دوري الآن أعمالا حصرية بلغات متعددة، منها في العالم العربي والهند، وذلك لربط المشاهدين في تلك الدول مع الشركة.

وعلى الرغم من سهولة الانتقال بين شركات الترفيه الإلكترونية، والتي لا تربط المشتركين بها بعقود سنوية طويلة، فإن المستهلك أصبح واعيا الآن بما توفره هذه الشركات، ويختار بالعادة الشركة التي تتميز بوفرة الأعمال الجديدة وتنوعها، وهو الأمر الذي يقود في أحيان كثيرة إلى شركة نتفليكس التي لا ينافسها اليوم شركات عديدة بعدد الأعمال الحصرية القيمة التي تتوافر على خدمتها وسياستها الإنتاجية المتنوعة والواعية.

واللافت أن الأسماء الفنية الكبيرة التي ستكون الواجهة لخدمة شركة آبل للمواد الترفيهية تنتمي إلى جيل تجاوز الأربعينيات من عمره، وخلا من الأسماء الفنية الفتية التي يمكن أن تجذب جمهورا شابا، وهو الجمهور الذي يعد الفئة العمرية الأكثر استهلاكا للخدمات الترفيهية عبر الإنترنت، والأكثر ابتعادا عن المشاهدة التقليدية للتلفاز.

اختيار آبل لأسماء بعينها ربما يشير إلى سياسة تستهدف الجمهور الذي ينتمي إلى فئات عمرية تتجاوز الثلاثينيات، وهي فئة كبيرة ويُحسب لها حسابات كبيرة، كما أن آبل ربما تعد خططا متنوعة لجمهور فتي، وتتضمن الاستعانة بمشاهير شباب بعضهم حصد شهرته على شبكة الإنترنت.

عدد المشتركين في خدمات الترفيه الإلكتروني حول العالم يقدر بـ785 مليون مشترك

 

خريطة الترفيه الإلكتروني

تتشابه العديد من الدول الغربية وغيرها وفقا لطبيعة الشركات التي تتقاسم سوق الترفيه الإلكتروني فيها، فهناك دائما حصة في هذا السوق للشركات المحلية التي يرتبط بعضها بقنوات تلفزيونية محلية معروفة، بينما تهمين على السوق شركات دولية مثل نتفليكس أو أمازون.

ويقدر عدد المشتركين في خدمات الترفيه الإلكتروني حول العالم بـ785 مليون مشترك (حسب بحث أجراه مركز “إي ماركيتنغ” EMarketer العام الماضي). أما حصة شركة نتفليكس من هؤلاء فهي 44%، كما تتشابه أسواق عديدة حول العالم بتصدر فئة الشباب (الذين ولدوا في هذا القرن) وفقا للساعات التي يقضونها في مشاهدة محتوى ترفيهي توفره شركات الإنترنت، إذ أظهر بحث أجرته “بزنس إنسايدر” (Business Insider) أن 89% من هذه الفئة يتلقون الترفيه عن طريق شركات مثل نتفليكس وغيرها.

وإذا أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعد أكبر الدول حول العالم في شعبية شركات الترفيه الإلكترونية (57% من الأمريكيين يشتركون في واحدة من هذه الشركات)، فإن شركة نتفليكس تهمين على هذا السوق، إذ إنها تحجز نسبة 51% من المشتركين (حسب بحث أجراه مركز “إي ماركيتنغ”  العام الماضي)، أما حصة شركة أمازون فهي 33%، وشركة هولو 14%، ويتشارك البقية شركات صغيرة متنوعة.

الصعود غير المسبوق لشركات الترفيه الإلكترونية لا يقتصر على الولايات المتحدة، فبريطانيا مثلا التي تمتلك تاريخا عريقا في مجال إنتاج المواد الترفيهية بسبب مؤسسات بريطانية عملاقة مثل هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، هي أيضا تشهد ثورة على صعيد طريقة تلقي المواد الفنية.

وحسب تقرير لقناة “سي إن إن” الأمريكية العام الماضي فإن عدد المشتركين في شركات الترفيه الإلكترونية في بريطانيا وصل إلى 15.4 مليون مشترك، متخطيا بذلك عدد المشتركين في شركات الكيبل في البلد.

ويتبيّن من البحث نفسه أن نتفليكس تُهمين على السوق البريطاني أيضا، فعدد المشتركين في بريطانيا بالشركة الأمريكية وصل إلى 9.1 ملايين مشترك، في حين وصل عدد المشتركين بشركة أمازون إلى 4.8 ملايين.