الدراما المغربية في رمضان.. أسمع جعجعة ولا أرى طحينا

المصطفى الصوفي

يشكل شهر رمضان من كل عام بالنسبة للقناتين المغربيتين الأولى والثانية فرصة مواتية للتصالح مع الجمهور، ومحاولة تقديم الجديد من خلال باكورة من الأعمال والمسلسلات الدرامية، فضلا عن أعمال أخرى تتوزع بين الكبسولات الكوميدية والبرامج الترفيهية، وأخرى ثقافية وفنية وآنية فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد.

وتحاول هذه الأعمال أن تتجاوز نكسة الفرجة الخاسرة التي تعثرت في تقديمها خلال السنوات الماضية للجمهور الذي ظل يعاني من هذه الإشكالية في ظل وجود إمكانيات مهمة لتقديم الأجود على مختلف أشكال الإبداع والفرجة البصرية التي يرتضيها الملتقي.

يمكن القول -بالنسبة للقناة الثانية- إن باقة البرامج والأعمال المُقدمة هذا العام تَوفر فيها عنصر التنوع، لكن هل كان كافيا لإقناع المتلقي بتميز هذا الإبداع وقابليته للمشاهدة والمنافسة في مقابل باقة من الأعمال الغنية في قنوات عربية أخرى من الخليج إلى المحيط؟

 

“طوندونس”.. فكاهة خاوية على عروشها

يمكن اعتبار برنامج “طوندونس” لحسن الفذ على مستوى الأعمال الفكاهية إطلالات متجاوزة، على اعتبار أن هذا النموذج الكوميدي استهلك أكثر من اللازم، وبالتالي جاء الوقت لتغيير هذا النمط الفكاهي الذي لا يقدم أي إضافة فرجوية أو تربوية أو تثقيفية للملتقي كبيرا كان أو صغيرا.

إن طريقة تقديم العمل -وإن وقع التحايل عليها من زاوية الصورة الخارجية والاكسسوارات والشكل العام للبرنامج لا في الجوهر- ظلت حبيسة أفكار متداولة، وبالتالي كانت مجرد محاولة لتقليدها بطريقة ماكرة ومفضوحة، وهو ما أسقطها في نوع من الإسفاف والإضحاك المجاني بحثا عن الشهرة.

ولعل السؤال الذي يطرحه الكثير من متتبعي مثل هذه الإطلالات، هو لماذا التشبث بنوع واحد من مثل هذه الفكاهة، علما أن الساحة المغربية تزخر بالكثير من الكفاءات والمواهب، ولماذا لا يفتح المجال أمام الشباب والمواهب دون إقرار سياسة احتكار منصات الفرجات المتجاوزة بتعويضات تسيل اللعاب.

 

“مشيتي فيها”.. غياب الإثارة عن الكاميرا الخفية

للموسم الخامس على التوالي يحاول طاقم برنامج الكاميرا الخفية “مشيتي فيها” خلق المفاجأة والإبهار بالنسبة للمشاهد، وهي متنقلة بين عدة فضاءات بالسنغال وبحيرة سد بين الويدان بجبال الأطلس المتوسط، وكذا شلالات أوزود في نواحي مدينة أزيلال واستوديوهات ورزازات.

مما يؤخذ على هذا البرنامج -الذي يعرض في وقت الذروة- ضعف هذه الإطلالة التي يُطرح حولها الكثير من الأسئلة المحرجة، فضلا عن استضافة بعض الأسماء غير المعروفة، الأمر الذي يستدعي في المستقبل البحث عن صيغ مغايرة، أو حتى تعويضها ببرامج أكثر إثارة.

 

“كوبيراتيف”.. عوالم جميلة لم تنل ما تستحق

يحكي مسلسل “الكوبيراتيف” لمخرجته صفاء بركة في قالب فكاهي يوميات نساء جبليات يعشن في إحدى أرياف جبال الأطلس، وقد سيطرت عليه أغلب الوجوه الفنية التي ظهرت خلال السنوات الماضية، وكأن الساحة الفنية المغربية تفتقر لفنانين قادرين على خلق الفرجة في مثل هذه البرامج.

من حسنات هذا العمل أنه كشف القناع عن عوالم جميلة لنساء قرويات يعملن في تعاونيات، مع تقديم منتجاتها المحلية الغنية خاصة على مستوى الأزياء والحياكة وغيرها، وبالتالي كان من الأجدر في هذا السياق الاستفادة من هذا المعطى، وإنتاج أفلام وثائقية عن تلك العوالم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية، فذلك أحسن بكثير، بدلا من وضعها كديكور وإكسسوارات توزع على جنباتها الضحكات المجانية هنا وهناك.

إن إبراز النسيج التقليدي لدى نساء الأطلس المتوسط والكثير من الأفرشة وطاحونة اليد التقليدية وبعض منتجات الحليب وغيرها، يعطي صورة حية من السحر الاقتصادي والاجتماعي والإنساني الذي يختزنه العالم القروي بجبال الأطلس، مما يفتح الباب أمام الاهتمام بهذا العالم بدلا منس حوارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.

 

“زهر الباتول”.. عودة تاريخية قوية لأنور الجندي

برمجت القناة الثانية على مستوى الأعمال الدرامية أعمالا مختلفة تنوعت مستوياتها الفنية والجمالية، من بينها مسلسل “زهر الباتول” لمخرجه هشام الجباري، ويحكي قصة وجدانية وتاريخية عميقة في منطقة تافيلالت، وكانت في بطولة المسلسل الممثلة سلمى رشيد رفقة الممثل البارع ربيع القاطي الذي جسد دور القائد ناصر وهو يخوض حروبا شرسة للحد من الأطماع الأجنبية تجاه البلاد.

وتميزت هذه السلسلة بالعودة القوية للفنان والممثل الكبير أنور الجندي، ابن الممثل الراحل محمد حسن الجندي الذي تألق في الكثير من الأعمال الدرامية والسينمائية العربية، ومنها “الرسالة” لمصطفى العقاد و”القادسية” لصلاح بوسيف وصقر قريش لوليد سيف.

وقد أدى الممثل أنور الجندي خلال هذه السلسلة أداء لافتا ساهم في إعطاء هذا العمل الدرامي قيمة فنية مشوقة وممتعة، تناسلت عبر خيوط حكاية وأحداث حربية وتاريخية وسياسية وقعت خلال فترة حكم السلطان المولى إسماعيل.

يمكن اعتبار هذه السلسلة التي صورت بطبيعة ورزازات الخلابة من أنجح المسلسلات التي لقيت متابعة مهمة، لما أبرزته من مجهود فني وتقني سواء على مستوى اختيار الممثلين، أو على مستوى قوة السيناريو الذي جمع بين الدراما والحس السينمائي وجمالية وشاعرية الصورة.

 

“السر المدفون”.. إشكالية اختيار الأكفاء

برمجت القناة الثانية أيضا سلسلة “السر المدفون” للمخرج ياسين فنان، وهو العمل الذي لم يكن على مستوى التطلعات، على اعتبار أن المخرج ظل حبيس رؤية إخراجية متجاوزة عكس ما وصل إليه من تميز من خلال أعمال سابقة نالت استحسان الجمهور أبرزها مسلسل “وعدي” و”بنات لالة منانة” و”قلوب تائهة” و”الوجه الآخر”.

ويمكن اعتبار الممثل عبد الإله عاجل وسعيدة باعدي الوجهين المضيئين في هذه السلسلة لما قدماه من أداء جيد عكس باقي الممثلين الآخرين الذين ظهروا بأداء باهت، وبالتالي تطرح هنا إشكالية الاختيار الصحيح للممثلين، وهي التي تعد الورقة القوية في نجاح أي عمل طبعا إلى جانب السيناريو.

وفي سلسلة “الإرث” للمخرج محمد أمين مونة تألق الممثل المخضرم جمال العبابسي وربيع القاطي وياسين أحجام، وهو يعالج موضوعا اجتماعيا يهم تركة رجل نافذ يسارع الزمن من أجل تحديد من يستحقها بعد اكتشاف إصابته بمرض مزمن وخطير.

أما سلسلة “الغريبة” للمخرجة جميلة برجي، وبطولة هشام بهول ونعمية المشرقي وفاطمة الزهراء بناصر، فيمكن اعتباره عملا نخبويا حاول طرح قضايا عدة في وقت واحد، كإشكالية الهجرة وغربة المثقف، وكاستقلالية المرأة في قراراتها واختياراتها رغم الصعوبات، وهو ما جعله قريبا نوعا ما إلى الجمهور.

وإلى جانب هذه الأعمال الدرامية برمجت القناة عددا من الأفلام السينمائية التي لاقت اهتماما كبيرا في القاعات السينمائية أبرزها فيلم محمد أشاور المتميز “الحاجات” الذي عرض الخميس الماضي، وفيلم “كورصة” لعبد الله فركوس، وهو فيلم كوميدي بسيط.

 

“عبق التراث”.. وثائقيات عن حياة المجتمع المغربي

يمكن القول إن القناة الأولى وإلى جانب باقة أعمالها الدرامية والفكاهية والحوارية نجحت في تقديم أعمال وثائقية مهمة، وهي المحطات التي تحقق نسبة عالية من المشاهدة لما لها من أهمية على مستوى التغذية الفكرية وتثقيف المتلقي واكتشاف عدة عوالم تاريخية وطبيعية وإنسانية.

تواصل القناة طيلة شهر رضمان تقديم برنامجها الوثائقي “أمودو”، حيث قاد متتبعيه هذا الشهر إلى جزر الكناري لسبر أغوار وعوالم براكينها وطبقاتها الجيولوجية وسكانها، فضلا عن برنامج “عبق التراث” الذي يسلط الضوء على جوانب متعددة من حياة المجتمع المغربي وعاداته وطقوسه في مناسبات مختلفة كالأعراس والختان وغيرهما مع شهادات حيَة لمهتمين وفاعلين.

 

“ظلال الإسلام”.. جولة من التصوف إلى السينما

ضمن الأجواء الرمضانية خصصت القناة الأولى باقة من البرامج التفاعلية ذات المسحة الصوفية، منها الدروس الحسنية، والمسيرة القرآنية وحديث الصائم، ثم ظلال الإسلام، وهو برنامج روحي يسعى إلى نشر ثقافة الدين الإسلامي السمحة المبنية على الوسطية والاعتدال والتسامح من خلال استضافة نخبة من المفكرين والعلماء الأجلاء.

وضمن الفرجة السينمائية خصصت القناة كل سبت عرض أفلام تلفزيونية وهي “الماضي لا يعود” لإبراهيم شكيري و”كونجي” لنوفل براوي و”الباليزة” لحميد باسكيط و”الهمزة” لعبد الله توكونة و”التكريم” لحميد زيان وبطولة محمد خيي.

وتعد هذه الأفلام إشراقات فنية وفرجوية ممتعة، لما لمخرجيها من تجربة في المجال، فضلا عن تشخيصها من قبل نخبة من نجوم السينما والتلفزيون المغربي منهم ربيع القاطي ومحمد خيي ونعمية المشرقي وهشام بهلول وغيرهم.

 

“أولاد المختار”.. روح المجتمع من الداخل

على مستوى المسلسلات الدرامية تبقى سلسلة “ياقوت وعنبر” لمحمد نصرات، و”قضية العمر” لمراد الخودي، و”مرجانة” التراثية ذات الحلقات الأربع غير مقنعة من حيث الموضوعات التي تطرحها، أو رؤية المخرجين في تدبير الزاوية الإبداعية الفنية للصورة في علاقتها بباقي العناصر الجمالية للعمل الدرامي بشكل عام.

وشكلت سلسلة “أولاد المختار” لعلي الطاهري وغيثة القصار -حسب عدد من المتتبعين- إحدى الأعمال الدرامية القوية التي لقيت استحسانا من قبل المشاهدين، لما تطرحه من موضوع مجتمعي تتشابك فيه الأحداث والوقائع بعد مقتل أب العائلة.

يجسد أطوار هذه السلسلة ممثلون بارعون كإدريس الروخ وأمين الناجي وعمر لطفي، وتدور أحداثها حول عائلة المختار المقتول وأبنائه الثلاثة الذين وجهت إليهم أصابع الاتهام بسبب هذه الجريمة، بعدما كان ينوي الزواج للمرة الثالثة، حيث تقود التحقيقات إلى أسرار مشوقة بين الأبناء الثلاثة في علاقتهم بالمجتمع وببعضهم وبالعائلة.

 

“السربة”.. بساطة الموضوع المُخلة

يبدو مسلسل “السربة” لمخرجه علي الطاهري عملا عاديا، ولا يقدم تلك الصورة الراقية لإطلالة فنية بنكهة ساخرة، خاصة أن الموضوع الذي يطرحه في كل حلقة يبدو بسيطا في بعض الأحيان، في حين يتمادى الممثلون في اجترار حوار يراد به الإضحاك ليس إلا.

ويمكن أن نقول إن بعض الممثلين كعزيز داداس والبشير واكين ومحمد عاطير أنقذوا ما يمكن إنقاذه في هذا العمل الذي سخر من فن تراثي جميل اسمه “الفانتازيا” في كثير من المواقف بحجة تقديم فرجة مسافرة بين لندن ومزرعة.

وكشف العمل عن وجوه الكثير من السلوكيات والتصرفات التي تميز فرسان فرق فن التبوريدة التقليدية بكثير من السخرية اللاذعة، وهو ما يسيء إلى هذا المجال الذي يشكل في الواقع نموذجا لعلاقات اجتماعية نفيسة وعادات عريقة وسلوكيات حسنة من قبل أهل الفروسية التقليدية خاصة في العالم القروي.

 

“سوحليفة”.. مغامرة فنية رُبانها طفلة

شكلت سلسلة “سوحليفة” الفكاهية نموذجا لعمل فني رديء وغير مناسب لتقديمه في وقت الذروة، خاصة أنه من بطولة طفلة وشخصين بالغين، وهي عملية غير منطقية من الناحية التربوية بشكل خاص، ومدى تأثير ذلك على المشاهدين من الأطفال ومحاولة محاكاتهم لما يشاهدونه من تصرفات.

إن “سوحليفة” بالنظر إلى الموضوعات التي يطرحها يعتبر لدى الكثيرين مغامرة فنية سلبياتها أكثر من إيجابياتها، كما أنها في الأساس لا تقدم أي إضافة فرجوية أو تربوية، بل تضيف الكثير من السلوكيات الخاطئة، وتكشف عن عالم من الغرائب تقودها طفلة من المفروض كما يقول أحد الظرفاء “يجب أن تذهب لمراجعة دروسها”.

لقطة من مسلسل “زهرة الباتول” حيث يظهر الممثل أنور الجندي رفقة الممثلة سلمى رشيد

 

دراما متأرجحة في ظل شغف الجمهور

يمكن التأكيد في الختام على أن الأعمال التلفزية المقدمة خلال هذا الشهر تأرجحت بين التشابه في طرح قضايا عائلية وأخرى مقنعة، وقد قدم بعضها في قنوات عربية مثل سلسلة “شهادة ميلاد” للمخرج حميد زيان وبطولة فاطمة خير، بينما كان الآخر ضعيفا من حيث مستواه الفني والرسالة التي يقدمها والفكرة التي يريد إيصالها للجمهور.

كما أن الوضع الصحي بسبب انتشار وباء فيروس كورونا المستجد خلق نوعا من الاختلال في البرمجة وإعداد أعمال أخرى، مما يساهم في طرح الكثير من الأسئلة من قبيل: هل كانت الإنتاجات المغربية الرمضانية ستكون مختلفة وغنية إن لم يكن هذا الوباء؟

أمام هذه البرمجة المتنوعة التي يتشابه بعضها في طرح قضايا ذات بعد اجتماعي على النمط الأجنبي (التركي) نموذجا، يظل شغف الجمهور كبيرا بمتابعة أعمال ذات طابع محلي شكلا ومضمونا، وأخرى تاريخية تتماشى مع الأجواء الرمضانية، مثل المسلسلات الدينية والتاريخية التي ظلت مغيبة.