“الزاهدون”.. صرخة في وجه تكديس المقتنيات

عدنان حسين أحمد

لم يخطر ببال بعض الأمريكيين أن يعيشوا بين جَنَبات “الحُلُم الأمريكي” ويلجوا في أعماقه المُدهشة التي تكتظ بالمفاجآت الغريبة، على اعتبار أنّ هذا الحلم يقتصر على المُهاجرين الذين غامروا بكل شيء من أجل الوصول إلى الأرض الموعودة التي رسموها في مخيّلاتهم المتوهجة، قبل أن يطؤوا بأقدامهم تلك المضارب السحرية التي توفّر للإنسان من كل لون وعِرق ودين فرصا متساوية للعمل والسكن والدراسة والتأمين الصحيّ والعيش الكريم.

وبغض النظر عن نجاح البعض وإخفاق البعض الآخر، إلاّ أننا سنرصد في فيلم “الزاهدون: حانَ وقت التقليل” للمخرج الأمريكي “مات دافيلا”؛ محاولة اثنين من الشباب الأمريكيين القيام برحلة داخلية صوب “الحلم الأمريكي”، فهل سينجحان في هذا المسعى ويحققان ما يصبوان إليه من دون الحاجة إلى قطع آلاف الأميال كما يفعل الشباب الآسيويون والأفارقة والأمريكيون اللاتينيون التي ضاقت بهم الأرض حتى أصبحت أصغر من سَمّ الخِياط؟

 

تسوّق عبر الإنترنت.. الدعاية الرقمية تحاصرك

تنطلق ثيمة “الزاهدون” أو “عُشّاق فن البساطة” من العام إلى الخاص، ومن الموضوعي إلى الذاتي، وذلك بمقاربة فنية ذكية جدا، يشرح المخرج من خلالها فكرة الدعاية الرقمية التي تفضي إلى “التسوّق عبر الإنترنت”؛ هذه الظاهرة التي شاعت خلال السنوات الأخيرة، وصار الإنسان في كل مكان عُرضة لمختلف أنواع الدعايات التي تأتيه عبر الهاتف النقال والفيسبوك، والواتساب والإنستغرام، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي التي تحاصر الإنسان من كل حدب وصوب.

لقد أصبحت الغالبية العظمى من البشر واقعة تحت تأثير الدعاية التي تجعلك تشعر بالحاجة لهذا المُنتَج أو ذاك، الأمر الذي أثقل المنازل بمئات وربما آلاف الأشياء التي لا يحتاج إليها الإنسان، أو لا يستعملها أبدا.

يتمحور فيلم “الزاهدون” على موضوع الدعاية والتسوّق وتأثير المشتريات على حياة الإنسان اليومية، خصوصا وأن مدى الطائرات الإلكترونية سوف يصل إلى 24 كلم لإيصال المشتريات إلى أصحابها خلال 24 ساعة فقط، آخذين بعين الاعتبار أن أمريكا لوحدها كانت تُنفق على الدعاية 5 مليارات دولار في الخمسينيات، وقد ارتفع هذا الإنفاق العام الماضي (2020) إلى 240 مليارا، وقد انتقلت هذه الإعلانات من الإذاعة والتلفزيون إلى الدعاية الرقمية الذكية التي تُعرّفنا على الأشياء التي يمكن أن نقتنيها، وتحفِّزنا على شرائها بطريقة سحرية غامضة.

ولا غرابة في أن نسمع بأنّ شركة “أمازون” لوحدها تريد توظيف 100 ألف عامل لتلبية الطلبات المتزايدة على التجارة الإلكترونية، ومحاولة إيصال البعض منها خلال 30 دقيقة إلى الزبائن.

“جوشوا فيلدز ميلبيرن” و”رايان نيكوديمس” اللذان قاما بمبادرة التقليلية للحد من المقتنيات غير اللازمة في البيت

 

“جوشوا”.. عائلة من قاع المجتمع الأمريكي

على الرغم من وجود شخصيات كثيرة تتحدث في الفيلم عن المبيعات الإلكترونية، فإن تركيز المخرج مات دافيلا انصبَّ على شخصيتين رئيسيتين، هما “جوشوا فيلدز ميلبيرن” و”رايان نيكوديمس”، حيث يروي كل منهما قصته الملفتة للأنظار، والتي تهيمن على المتلقي الذي يشاهد هذا الفيلم الوثائقي الذي يمرّ بشكل خاطف رغم قساوة بعض المواقف التي تتعرّض لها الشخصيتان الرئيسيتان اللتان تشكِّلان العصب النابض للقصة السينمائية.

ينتمي جوشوا إلى عائلة فقيرة تعيش في قاع المجتمع، فالأب مريض عقليا، والأم مدمنة على الخمر، وجوشوا ضحية هذه العائلة المرتبكة التي كانت تعتمد على قسائم الطعام والدعم الحكومي، وكان الفقر يحيط بها من كل جانب، لكن جوشوا لم يستشعره آنذاك لصغر سنّه.

وبعد مدة قصيرة تتدهور صحة الأب العقلية، ولم تُدرك الأم أنه كان يعاني قبل الزواج من نوبات اكتئاب قوية وانفصام حاد، عندها فقط تعرّفت على طبيعة المرض الحقيقي الذي كان يعاني منه، وأخذ يتفاقم يوما بعد يوم بسبب إدمانه الخمر، الأمر الذي جعلهُ لئيما وعدوانيا، ولا يمكن التكهّن بأفعاله على الإطلاق.

وحينما يعصر جوشوا ذاكرته، يستعيد فظاظة الوالد وقساوته وهو يطفئ عقب السيجارة في صدر أمه العاري، التي قررت في لحظتها الهروب من بيت الزوجية وإنقاذ طفلها الوحيد الذي يمكن أن يكون عُرضة للأذى مثلها، فانتقلت إلى إحدى ضواحي دايتون التي تبعد 32 ميلاً إلى الجنوب من محل سكناهم الأصلي.

يأخذنا المخرج إلى ذلك المنزل الذي تهالك بعد سنوات طوال، وأصبح مهجورا ومَسكنا للمشرّدين، وقد استفزته رائحة المنزل القديم الذي استأجروه بمئتي دولار شهريا، وغالبا ما كان يبقى دون كهرباء لأنهم لا يستطيعون تسديد الفواتير، وكان الجيران يمدونهم بسلك التوصيل الكهربائي الذي يكفي لتشغيل جهاز التلفاز فقط.

الصديقان الزاهدان “جوشوا” و”رايان” وسط ركام من المقتنيات الفائضة في الاستعمال اليومي

 

مرض ينهي حياة البؤس والفقر

كانت الأم تشتري أردأ أنواع الخمر بالمساعدات المالية التي تمنحها الجمعيات الخيرية للعوائل الفقيرة والمتعففة، وقد تفاقمت حالتها الصحية إلى الدرجة التي كانت تسقط فيها على الأريكة فاقدة الوعي، حتى بات هذا المشهد اليومي مألوفا لابنها الذي بلغ السادسة من العمر.

وعلى الرغم من إدمانها، فإنها لم تفقد طيبتها، ولم تتخل عن روح الدعابة التي كانت تتمتع بها وتغيّر عن طريقها مزاج البيت في لحظات صحوها واسترخائها المحدودَين جدا. وفي خضّم هذه الانتكاسات المتواصلة، كان جوشوا يفكر دائما بلوح النجاة الذي يأخذه من مياه هذا النهر المضطرب، ويتجّه به إلى شاطئ الأمان والحياة الإنسانية الرغيدة.

يغادر جوشوا طفولته، ويصل إلى مرحلة المراهقة والشباب، ويختار من بين عشرات الطلاب صديق عمره المفضل “رايان نيكوديمس”، ويشتركان في مزاولة عمل واحد وهو المدوّنة التي تروّج لحركة التقليلية التي سادت في أوساط المجتمع الأمريكي.

يتلقّى جوشوا قبل يومين من انتهاء عام 2008 اتصالا هاتفيا من أمه التي انتقلت إلى فلوريدا في وقت سابق من ذلك العام، لتتقاعد أخيرا بدعم من مؤسسة الضمان الاجتماعي، لكنها لسوء الحظ، اكتشفت بأنها مُصابة بسرطان الرئة الذي بلغَ مرحلته الرابعة، ولعلها ترحل إلى عالمها الأبدي بعد أقلّ من عام، وسوف يمضي معها ابنها جوشوا بعض الوقت، بينما تأخذ هي العلاج الكيميائي وتعاني من آلامه المُمضّة. وعندما واجهت قدرها المحتوم، شعر أنه بحاجة إلى زيارة منزلها للمرة الأخيرة في سانت بيت بفلوريدا.

البيت الأمريكي التقليدي يضم أكثر من 300 ألف قطعة، وهنا الفرق بين الصورتين بعد إزالة ما لا يلزم من المشتريات

 

تكديس المشتريات.. حان وقت التقليل

ينتقل بنا مخرج الفيلم الوثائقي بسلاسة من هذه الحياة الأسرية الخاصة بجوشوا وأبويه، ليُعيدنا إلى الحكاية الأولى التي تتعلق بالحاجات واللوازم التي اقتنتها الأم على مدار 65 عاما، وهي أغراض ومواد متنوعة تكفي لتأثيث ثلاثة بيوت كبيرة الحجم، فما بالكم بشقة والدة جوشوا التي تتألف من غرفة نوم واحدة وصالة استقبال ومخزن للأشياء الفائضة عن الحاجة اليومية؟

وبما أنّ الفيلم يحتفي بالأرقام والمعلومات الدقيقة، فلا غرابة أن يخبرنا المخرج بأن البيت الأمريكي التقليدي يضمّ أكثر من 300 ألف قطعة. وينصح مُشاهِد الفيلم بأن يُلقي نظرة عجلى على أي قبو في أي بيت أمريكي، فسيجد حتما أدوات رياضية غير مُستعملَة، وأجهزة تمارين رياضية ومُعدّات تخييم وزينة الأعياد وآلات موسيقة مختلفة الأنواع، وقطع غيار متنوعة، وأجهزة إلكترونية عتيقة وحبال عشوائية وأسلاك متنوعة، إضافة إلى مجلات وأشرطة كاسيت وأقراص مُدمَجة وأدوات زينة وحُلي، وأغراض متفرقة وأوعية، وصناديق نسيَها أصحابها لأنها بعيدة عن النظر، وفي منأى عن الاستعمال اليومي.

ولكي لا نبتعد عن الثيمة الرئيسية وهي الدعوة للتقليل والزهد بالأثاث والمقتنيات المنزلية، والإبقاء على ما هو ضروري ويستعمله الإنسان يوميا في منزله وفقا لنظرية “حان وقت التقليل” التي تؤكد على التخفّف من الأشياء الزائدة التي تُثقل كاهل الإنسان وتأخذ من وقته، وتُصادر شغفه بحياته اليومية الخاصة التي لا يستطيع أن يتفرغ لها كُليا بسبب هذه الضغوط التي تسببها الحاجات المنزلية التي تكتظ بها الغرف والأقبية والمخازن ودواليب البيت وخِزانات الملابس والجوارير والصناديق وزوايا البيت المهمَلة.

“رايان نيكوديمس” أحد أصحاب فكرة المدوّنة التي تروّج لحركة التقليلية التي سادت في أوساط المجتمع الأمريكي

 

التقليلية.. البحث عن البساطة

يتساءل جوشوا عن السبب الذي دفع أمه لأن تحتفظ بأربعة صناديق ثقيلة رَزمت فيها كل أوراقه الدراسية من الصف الأول حتى الصف الرابع، ووضعتها تحت السرير، وكأنها تحاول الإمساك بالذكريات التي أصبحت بعيدة بعد مرور عقدين من الزمان، مع العلم أنها لم تتفحص تلك الذكريات المحبوسة النائية، وإنما تركتها على حالها ولم تزحزحها عن مكانها الأول قيد أنملة، كما أنّ الذكريات لا تكمن في الأوراق وإنما تختبئ في أعماقنا، في تجاويف القلب وتلافيف الذاكرة.

وبعد أن تفقّد أرجاء شقتها أوشكَ أن يفعل الشيء نفسه، وأن يتشبث بأنانية بمعظم أغراض أمه، لكنه تذكّر مبدأ التقليلية، وقرّر أن يتبرع بها إلى أصدقائها، وإلى الجمعيتين الخيريتين اللتين كانتا تساعدان أمه في مرحلة العلاج الكيميائي.

وحينما عاد إلى أوهايو لم يجلب معه إلاّ حفنة صغيرة من الأشياء الرمزية، مثل لوحة قديمة ومفرَش وبعض الصور التي تُشعره بالمتعة وتلامس عاطفته الإنسانية المُرهفة. لقد كان جوشوا مثل أمه كائنا مُكتنزا للأغراض والمقتنيات، لكنه بدأ يسأل نفسه هذا السؤال: كيف يمكن لحياتك أن تُصبح أفضل بوجود أقلّ؟

وبإجابة ذلك السؤال الذي خفّف عن كاهله كل الأغرض الزائدة؛ أدرك أنّ التقليلية سوف تقوده إلى البساطة، وأنّ البساطة ستوفر له المزيد من الوقت لصحته وعلاقاته الاجتماعية ولشغفه بالأشياء التي يحبّها ويكرّس حياته لها.

الدكتورة “ديناي براهونا” إحدى المتحدثات عن أهمية التقليلية والتخلص مما لا يلزم في البيت

 

الحلم الأمريكي.. سيارات وأجهزة إلكترونية وبطاقات ائتمان

لا يختلف “رايان” عن صديقه جوشوا بشيء، فحينما كان مراهقا أمضى عطلاته الصيفية في العمل مع أبيه، سواء في طلاء المنازل، أو تغليف جدرانها الداخلية بالورق. وبما أنه ينحدر من عائلة غير مترفة، فقد كان ينظر بعينين مدهوشتين إلى البيوت الفخمة التي تتوفر على مرآب مساحته 929 مترا مربعا، وأحواض سباحة داخلية، وملاعب بولينغ مُبهرة جدا لم يكن يحلم بها أبدا.

وذات يوم عندما كان يعمل في منزل جميل جدا، سأل والده سؤالا بسيطا مفاده: كم أحتاج من المال سنويا كي أشتري مثل هذا المنزل الجميل؟ فأجابه الوالد 50 ألف دولار. عندها فقط أخذ يرسم صورة هذا المنزل الفاخر في مخيلته وهو يتحدث إلى صديقه جوشوا عمّا سيفعلانه بعد التخرّج من المرحلة الثانوية.

وما إن حصلا على وظيفة في شركة للمبيعات، حتى بدآ يجنيان تلك المبالغ التي كانا يحلمان بها، لكنهما نسيا أنّ التضخم يُضعف قيمة الدولار، وعليهما جني المزيد من الأموال.

هكذا أخذ رايان يقتني السيارات الفارهة والأجهزة الإلكترونية الحديثة والأثاث المنزلي الوثير والملابس الباهضة الثمن، كما كان يتناول ما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات، ويخرج في نزهات ترفيهية، ويدفع ببطاقات الائتمنان المتعددة، حتى شعر وكأنه يُحقق الحلم الأمريكي الذي يسعى إليه المهاجرون والمنفيون واللاجئون الذين يشعرون بتكافؤ الفرص في هذا البلد الذي تجمّع فيه مئات الملايين من شعوب الأرض قاطبة، لكن الفرق بينه وبينهم هو أنه يقوم برحلة داخلية ليمسك بأهداب هذا الحلم الذي بدا له يسير المنال رغم الصعوبات والمشقّات التي تكتنفه، آخذين بعين الاعتبار أن المواطن الأمريكي يعمل لساعات طوال أكثر من أي بلد آخر في العالم، فالأمريكي هو الوحيد بين شعوب العالم الذي يعمل لمدة 47 ساعة في الأسبوع، يليه الأوروبي الذي يعمل 35 ساعة، وبالكاد يحصل الأمريكيون على عطلة سنوية لا تتجاوز الأسبوعين.

 

السعادة في التقليل.. استنشاق الحُرية

شعر رايان بالفراغ المذهل في حياته، وحاول مثل بقية الناس أن يملأ هذا الفرغ بشراء الأغراض والعمل ساعات طويلة جدا قد تصل إلى 60 أو 70 ساعة في الأسبوع، مُتخليا عن صحته وعلاقاته الاجتماعية والأمور الأخرى التي كان مُولعا بها، فاقتنى أجهزة تلفاز عملاقة وخزفا صينيا فاخرا وأدوات من الفولاذ، وأسطح طاولات من الرخام وساعات ثمينة وبدلات قشيبة، لكنه لم يشعر بالسعادة مثل صديقه جوشوا الذي أدرك مُبكرا أنّ السرّ يكمن في فلسفة التقليل والحياة البسيطة والتخلص من الفوضى وإفساح المجال للأمور الأكثر أهمية في الحياة.

لم يستغرقه التفكير طويلا، إذ سرعان ما أعلن عن رغبته في أن يكون زاهدا، فقرّر أن يرزم بمساعدة جوشوا كل أثاث المنزل ومحتوياته في صناديق، ويدوّن عليها أسماء دقيقة تُعرّف بمحتوياتها مثل: أدوات المطبخ، ومواد غرفة المعيشة، والخردة وما إلى ذلك، وظلا يعملان لمدة تسع ساعات حتى انتهيا من عملية الرزم، ثم عادا واستخرجا المواد والأجهزة التي يحتاجانها فعلا، ثم تبيّن له أن نسبة 80% من أغراض منزله لا تزال في تلك الصناديق المغلقة.

كل تلك الأشياء الفائضة التي اقتناها لكي تجعله سعيدا لم تكن تؤدي غرضها الآن، لذلك قرّر أن يتخلى عنها كليًا. وحينما فعل ذلك شعر بالحرية المُطلقة لأول مرة في حياته، بل انتابه الإحساس بأنه استعاد وقته، واسترجع حياته. فانصبّ تركيزه على نفسه ومجتمعه، وليس على الأخذ والشراء، فتغيّرت أهدافه والتزاماته، وأقرّ أفراد عائلته وأصدقاؤه بالتغيير الجذري الذي طرأ على حياته.

وبعد أكثر من عام على مزاولة التقليل، حدث شيء غير متوقع في حياته العملية، إذ اتصل به رئيسه في العمل وطلب منه الذهاب إلى سينسيناتي لمقابلة مديره في مكتب الموارد البشرية للشركة الذي قال له “لقد استبعدنا منصبك في جولة من التخفيضات”. وكأنّ الوظائف أصبحت مثل الأغراض المكدسة التي ينبغي التخلص منها ذات يوم. فبعد سبع ترقيات في أقل من عقد، تمّ تسريحه من دون سابق إنذار.

كواليس التصوير مع أًصحاب مدونة “التقليلية” “جوشوا فيلدز ميلبيرن” و”رايان نيكوديمس”

 

“التقليلية”.. تخلّص من مقتنيات لا تلزمك

لم يندهش رايان كثيرا، ولم تهزّه صدمة الاستغناء عن خدماته، ولعلها ستقلب حياته رأسا على عقب، فشعر وكأن حملا ثقيلاً ينزاح عن كاهله. وقرّر هو وجوشوا أن يفعلا مثلما يفعل أي رجلَين في سن الثلاثين، حيث بدآ بإطلاق مدوّنتهما “التقليلية” التي تحث الناس على الزهد والاقتناع بالقليل والبسيط الذي يفي بالغرض.

وقد زار المدونة أول الأمر 52 شخصا، ثم أصبحوا 500، ثم تضاعف العدد إلى خمسة الآف وهكذا دواليك، إلى أن بلغ رصيدهما من القراء والمتصفحين أكثر من عشرين مليون قارئ بدؤوا يقتنعون بقصتهما التي دَعوا الناس فيها إلى التخلّص من شيء زائد في اليوم الأول، وشيئين في اليوم الثاني، وثلاثة أشياء في اليوم الثالث، وإذا استطعت المثابرة لمدة شهر واحد ستستعيد وقتك وصحتك وصفاء ذهنك الذي لم يعد مُشوّشا في أوقات الزهد والتقليل.

يتضمن الفيلم شهادات الكثير من الناس من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية الذين شرعوا بأسلوب التقليل، ووصلوا إلى الإحساس بالراحة والحرية، وكأنّ هذه الحاجات الزائدة كانت تقيّدهم وتخنق أنفاسهم. كما يُذكِّرنا الفيلم بالموضوعات التي لا ننتبه لها مع أنها تهيمن على حياتنا من كل اتجاه.

يُذكر أن المخرج والمصور السينمائي الأمريكي “مات دافيلا” أنجز ثلاثة أفلام وثائقية هي “التقليلية.. فيلم وثائقي عن الأشياء المهمة” (2015)، و”معطلات التصميم” (2016)، و”الزاهدون.. حان وقت التقليل”.