السينما المصرية عام 2018.. تحوّل قيمي وإنكار الماضي

أسامة صفار

فيلم "البدلة" تدور في إطار ضاحك حول شخصين فاشلين ينتحلان صفة ضباط شرطة، ويعيشان مفارقات كوميدية، لكن تلك الفهلوة وذلك الانتحال يسفر في النهاية عن القبض على جاسوس

تسربت بعض الصور من فيلم “سري للغاية” للإعلام، فانفجر النقد على مواقع التواصل الاجتماعي ووصل حد السباب، وحاول بطل الفيلم أحمد السقا الدفاع عن نفسه وعن الفيلم، ومن ثم ساد صمت رهيب وتم استكمال العمل بسرية تامة، وانتظر الجمهور عرض العمل الذي يحكي قصة تدور بين عامي 2011 و2014 حول الصراع على حكم مصر.

يقوم الممثل أحمد السقا بدور المشير “عبد الفتاح السيسي” الذي كان وزيرا للدفاع، ويشاركه عدد كبير من النجوم في الفيلم الذي انتظر الجميع عرضه عام 2018، لكن العمل اختفى كأن لم يكن، وقيل إن السبب هو أن المستوى الفني للفيلم جاء بأسوأ مما توقع الجميع، رغم أن كاتبه هو السيناريست الكبير وحيد حامد.

ولا تشير تجربة اختفاء “سري للغاية” فحسب إلى منعطف حاد في صناعة السينما شهد العام الماضي (2018) نهايته، لكنها تشير إلى أنه مهما تورط السينمائيون في محاولة تجميل ما ليس جميلا؛ فإن للجمهور أظافر.

ويشبه الإنتاج السينمائي مرآة يَظهر من خلالها حال المجتمع في اللحظة، كما تظهر فيها تلك التحولات التي أدت إليها. ولعل انخفاض حجم الإنتاج لعام 2018 في مصر إلى 36 فيلما بالمقارنة مع العام الذي سبقه (2017) الذي شهد 48 فيلما؛ يعد مؤشرا دالا ضمن الصورة الشاملة لمنظومة قيمية مجتمعية تتعرض للضغط والتآكل منذ سنوات طوال، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار لجوء السينمائيين المصريين في العام المنصرم إلى الإنتاج القليل الكلفة، كنتيجة مباشرة لأزمة اقتصادية طاحنة تتعرض لها الدولة المصرية.

وتعد شريحة صناع السينما جزءا من الطبقة المتوسطة بهمومها التي تنوء بحملها الجبال بعد أن بدأت في التآكل منذ سنوات قليلة، وتتجه قدما الآن نحو الانهيار بفعل السياسات الاقتصادية. وبالتالي فإن الاختيارات الفنية لصناع السينما من مؤلفين ومخرجين وغيرهم هي التعبير الفعلي عن هموم تلك الطبقة بشكل مباشر، فضلا عن تعبيرها بالنيابة عن هموم المجتمع إجمالا.

وجاءت قوائم الإيرادات لتكون مؤشرا دالا أيضا على “مزاج الجمهور وذائقته”، فضلا عن مدى قبوله لمنظومة القيم التي تطرحها الأفلام، سواء أكانت تلك القيم والهموم والانشغالات تتعلق بالإنساني والأخلاقي أم تتعلق بمدى جودة الفيلم نفسه كعمل فني.

وقد تربع على رأس قائمة الإيرادات فيلم “البدلة”، وهو كوميديا متواضعة فنيا ومقتبسة كما ورد في تترات الفيلم نفسه، وتدور في إطار ضاحك حول شخصين فاشلين يقدمهما تامر حسني وأكرم حسني، وينتحلان صفة ضباط شرطة، ويعيشان مفارقات كوميدية، لكن تلك الفهلوة وذلك الانتحال يسفر في النهاية عن القبض على جاسوس.

وإذا كانت تلك القيمة السلبية المتعلقة بـ”الفهلوة” وانتحال صفة الآخر قد حققت نجاحا، وبالقدر نفسه حققت فكرة غير أصلية إيرادات وصلت إلى 64 مليون جنيه (ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار تقريبا)، فإن ثمة علامات استفهام اجتماعية ضخمة ينبغي أن توضع بحثا عن تفسير لذلك التحول القيمي.

فيلم "طلق صناعي" يسيطر حلم الهجرة أو الحصول على جواز سفر أمريكي على امرأة حامل لدرجة الحصول على حبوب تسريع الولادة لتلد على أرض أمريكية

الهروب إلى الضحك بدلا من البكاء

وبالإضافة إلى فيلم “البدلة”؛ شهد العام 2018 إنتاج 15 فيلما كوميديا، من بينها “قلب أمِّه” و”ليلة هناء وسرور” و”رغدة متوحشة” و”الكويّسين” و”الرجل الأخطر” و”قسطي بيوجعني” و”خلاويص” و”كذبة بيضا” و”بيكيا” و”نوّرت مصر” و”إطلعولي بره”، إضافة إلى “سوق الجمعة” و”علي بابا” و”الأبلة طم طم” و”طَلْق صناعي”.

وتبدو ثيمة انتحال الشخصيات سائدة لسهولتها في التبرير الدرامي، فتتكرر في فيلم “ليلة هناء وسرور” الذي تدور أحداثه حول النصّاب المحترف رضا (الممثل محمد إمام) الذي يعود من إيطاليا لسرقة تمثال أثري، وينتحل شخصية رجل أعمال يُدعى سرور أبو الدهب، ويتعرف على الفتاة هناء (الممثلة ياسمين صبري) ويتزوج منها، ويوهمها بأنه يعمل لدى المخابرات المصرية، وأن الموساد يتعقبه لسرقة التمثال، في الوقت ذاته يتربص به زعيم العصابة الحاج الضو (فاروق الفيشاوي) ليسرق التمثال نفسه.

وإلى النصب مرة أخرى في فيلم “الكويّسين”، حيث يتخصص مفتاح وشقيقته غزال فيه، ويكتشف مفتاح وجود جوهرة ثمينة تدعى القرموط القرمزي في منزل عائلة الكويسين، فيقرر اختراق صفوف هذه العائلة من خلال انتحال شخصية ابنهم “مظهر” المفقود منذ سنوات طويلة، لكن هذه المهمة تواجه الكثير من الصعوبات رغم نجاحها في البداية.

والانتحال الرابع نجده في فيلم “رغدة متوحشة”، وتدور أحداثه حول الشاب إسماعيل الذي يعمل بأحد مراكز التجميل، ويكتشف بالصدفة أن أحد مخرجي الإعلانات يبحث عن وجه جديد، فيحوّل نفسه إلى فتاة من أجل تقديم الإعلان، وبالفعل ينجح في ذلك قبل أن ينكشف أمره، ويتعرض للعديد من المواقف الكوميدية مثل التحرش، وغيرها من المعاناة التي تواجه المرأة في المجتمع المصري.

وفي فيلم “قلب أمه” يبالغ صناع العمل في الانتحال، فيتم تبادل القلوب حيث يشارك زعيم عصابة في مشاجرة ويُصاب على أثرها وينُقل إلى المستشفى في حالة خطيرة ويحتاج إلى نقل قلب، وفي ذات الوقت تتوفى والدة الشاب يونس، فيلجأ اﻷطباء إلى نقل قلب والدته إلى زعيم العصابة ﻹنقاذ حياته، فيتعامل مع يونس بحنان الأم وخوفها عليه.

ويتجلى الانتحال في فيلم “إطلعولي بره” عبر شخص واحد يطمع في أكثر من شخصية، وتدور أحداث الفيلم في إطار من الكوميديا حول شخص يعيش في حارة شعبية يجد في أحد الأيام كتابا اسمه “إطلعولي بره”، يتحدث عن وجود شخصيات بداخل كل فرد، وعندما يقرؤه تخرج له عدد من الشخصيات تسيطر على مواقفه وحياته وقراراته.

وفي فيلم “طلق صناعي” يسيطر حلم الهجرة أو الحصول على جواز سفر أمريكي على امرأة حامل لدرجة الحصول على حبوب تسريع الولادة لتلد على أرض أمريكية.

ومرة أخرى يلوح حلم الهجرة ولو عبر الزواج في فيلم “كذبة بيضا”، وتدور الأحداث حول شاب مصري يقع في حب فتاة أمريكية ويصطحبها معه إلى القاهرة كي يتزوجها، وهنا تقع العديد من المفارقات بسبب اختلاف الحياة والعادات والتقاليد، لكنها تفاجأ عندما تعلم أنه يريد الزواج منها والبقاء معًا في مصر، وهو ما لم يكن في حسبانها.

وتتناول السينما المصرية في العام 2018 مظاهرات ما زالت بقاياها عالقة في الذاكرة منذ اندلاع ثورة يناير 2011 وتوابعها، فيقوم فيلم “عيار ناري” على حدث إصابة شاب بعيار ناري وموته، وينقل إلى المشرحة مع سبع جثث أخرى، ويكتب الطبيب الشرعي تقريره الطبي بعد معاينة الجثة، ويفيد التقرير بأن هذا المقتول أصيب بطلق ناري من مسافة قريبة وليس من مسافة بعيدة مثل بقية الجثث، وتبدأ المشاكل حين يتسرب هذا التقرير الطبي للإعلام.

ويرصد فيلم “سوق الجمعة” عالم الفقراء من خلال سوق يقام أسبوعيا، حيث تحكم البلطجة والتسلط حياة البسطاء.

 

الماضي.. مطاردة بغضب واستنكار

ويبدو الماضي ثقيلا على الذهنية السينمائية المصرية، وبدلا من تلك النظرة المليئة بالإجلال فيما سبق، تطرح مجموعة من أفلام العام 2018 حالة من الغضب والاستنكار، والكشف لتاريخ شخصي للأجداد أو الآباء يتعلق بجرائم أو حماقات. وتناول السينمائيون تلك القيمة عبر الكوميديا كما في فيلم “جدو نحنوح”، أو الدراما الاجتماعية مثل “تراب الماس”.

وفي “جدو نحنوح” نجد مجموعة من الشباب يموت جدهم، وعند توزيع الميراث يكتشفون بمرور الأحداث أنه لم يترك أموالًا لكنه ترك وصية يُطالبهم فيها بالبحث عن كنز مدفون، وبالبحث عن مكان الكنز يتضح أنه داخل مستشفى المجانين، فيخططون لدخول المستشفى سعيًا لإيجاد هذا الكنز، وهناك تحدث لهم الكثير من المفارقات الكوميدية.

وفي فيلم “نص جوازة” يتخلص المؤلف من الماضي مباشرة مع بداية الفيلم، حيث تدور الأحداث حول زوجين يتعرضان لحادث ويفقدان الذاكرة لعشرة أعوام مضت، فتقع لهما العديد من المواقف الكوميدية.

أما فيلم “تراب الماس” فيطارد الماضي وينظر إليه في غضب، متسائلا عن مدى صحة تنفيذ العدالة بيد الأفراد إذا عجز القانون عن ذلك، وذلك من خلال طه حسين الزهار الذي يعمل في إحدى الصيدليات، ويعيش مع والده القعيد الذي كان يعمل مدرسًا للتاريخ. وفي يوم من اﻷيام يعود طه من عمله ليكتشف مقتل والده في ظروف غامضة، ومع الوقت يكتشف طه أسرارا مظلمة لم يعلمها من قبل عن حياة والده، وذلك من خلال مذكراته التي خلّفها وراءه، مما يفتح أمام طه عالمًا كبيرًا من الفساد والجريمة لم يعلم بوجوده.

وفي فيلم “حرب كرموز” الذي قدّم أحد الممثلين الأجانب الذين لديهم شهرة نسبية وهو سكوت أدكنز؛ يعود صناع العمل إلى الماضي لصناعة بطولة وإحالتها إلى الواقع، حيث تدور الأحداث حول ضابط في الشرطة المصرية يدعى الجنرال يوسف المصري (أمير كرارة) يسكن في حي كرموز بالإسكندرية، وتعود أحداث الفيلم لفترة حكم الملك فاروق ما قبل ثورة 1952 في وقت الاحتلال الإنجليزي لمصر، إذ يدخل يوسف المصري في معارك ويحاول إنقاذ فتاة من تعرضها للاغتصاب.

فيلم "كارما" للمخرج خالد يوسف يدور في خطوط درامية متوازية وبشكل متشابك حول حياة رجلين أحدهما مسلم غني والآخر مسيحي فقير

الصداقة والتديّن والقُبل.. هموم سينمائية

يبقى طرح شخصيات سينمائية داخل العمل الفني ذا دلالة خاصة تؤكد على الانفصال الذي يعيشه السينمائي منعزلا عمن يفترض أن يصنع الأفلام من أجلهم، خاصة أن نسبة صناع السينما لا تتجاوز 1% من شعب تجاوز تعداده مئة مليون نسمة. وتدور أحداث فيلم “الخروج عن النص” حول مخرج سينمائي يتعرض لأزمة مالية كبيرة تقلب حياته رأسا على عقب، ليتجه إلى الاتجار بالمخدرات.

ويتجلى ذلك الانفصال حين تكون القضية الكبرى لأحد الأفلام هي “القُبلة في السينما”، وهو ما طرحه فيلم “بلاش تبوسني” الذي يجمع بين الروائي والوثائقي في إطار ساخر. ويُرصد تاريخ القُبل في السينما المصرية بالتوازي مع حكاية فجر نجمة الإغراء الشهيرة، وبطلة الفيلم الطويل الأول لمخرج شاب، والتي ترفض مشهد القُبلة في الفيلم، وهو ما يثير جنون المخرج ويستفز المنتج ليحاول الجميع الوصول إلى أرضية مشتركة لاستكمال الفيلم والخروج من المأزق.

وطرح المخرج أبو بكر شوقي قضية يوم القيامة عبر فيلم “يوم الدين”، وهو عبارة عن رحلة على الطريق لرجل يُدعى “بشاي” في منتصف عمره، حيث ترعرع داخل مُستعمرة للمصابين بالجُذام، وبعد وفاة زوجته المصابة أيضا بالجذام؛ يغادر هذه المستعمرة، وينطلق برفقة صديقه النوبي أوباما وحماره في رحلة عبر أنحاء مصر، وذلك في محاولة لمعاودة الاتصال بعائلته من جديد بهدف الوصول إلى قريته في محافظة قنا، ويلتقي في طريقه بأمثاله من الذين يعيشون حياة البؤس، ويتفقون أن حقوقهم ستعود إليهم “يوم الدين”.

وفي سياق القيم المتعلقة بالدين والتدين يأتي فيلم “كارما” للمخرج خالد يوسف، ويدور في خطوط درامية متوازية وبشكل متشابك حول حياة رجلين أحدهما مسلم غني يُدعى أدهم وتتملكه الطبقية المفرطة، والآخر مسيحي فقير يُدعى وطني الذي يحلم بالثراء والحصول على كنز، وتحدث مفارقة في حياتيهما ويحتل كل واحد منهما مكان الآخر، وذك في إشارة للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين والتفاوت الطبقي، مع طرح السؤال المعتاد حول السبب وراء ذلك التفاوت.

وفازت الصداقة بأكثر من فيلم، حيث يناقش فيلم “الكهف” قيمة الصداقة، وتدور قصته حول تعامل البشر في حياتهم وحول الظروف التي تواجههم، فضلًا عن دور الصداقة وتأثيرها في مواجهة هذه الظروف، وتستعرض الأحداث مفهوم الصداقة الحقيقي وقيمة روابطها.

وترصد أحداث فيلم “ليل/خارجي” ثلاثة أشخاص وهم مو وتوتو ومصطفى الذين يلتقون في ظروف غير متوقعة وتتقاطع حيواتهم معًا، ومن هنا يدخلون في مغامرة لم تكن بالحسبان، ويصيرون شهودا على جانب خفي وغير معلوم من المدينة.