السينما المغربية عام 2018.. حضور الكم والبحث عن شروط الإبداع

المصطفى الصوفي

فيلم "وليلي" حصل على خمس جوائز، كما يعتبر حسب متتبعون ومهتمون بأنه من أفضل أفلام العام 2018

الصورة الكبيرة للفيلم الجديد المعلقة أعلى المركب السينمائي ميغاراما بالدار البيضاء؛ مثيرة للغاية، شخوصها يبدون أكثر شبابا وطموحا، والنجمة التي تحلم بأن تلمس ضياء السماء وهي تعبر بزهر العذارى البساط الأحمر؛ تبتسم ابتسامة عريضة فيها غنج ودلال.

الأمر مغرٍ للغاية لمخرج شاب يحلم بأن يحقق فيلمه أعلى الإيرادات، ليدفع عنه الديون المتراكمة منذ بداية التصوير بغابات جبال الأطلس التي تسكنها الكثير من الضواري، وهناك من يقول إن بها ذئابا وضباعا قد تهجم في أي لحظة من الليل على الوافدين.

هذا الفيلم الذي يحمل عنوان “الحسناء والوحش” لم يحقق مداخيل مهمة كما كان متوقعا، ومخرجه الشاب الطموح يفكر في كل الطرق التي سيسدد الديون بها، وكان أبوه اليائس قد حذره كي يبتعد عن السينما، لأنها لن تجلب له إلا الهموم والويلات.

في الواجهة الأخرى من المركب السينمائي تبدو صورة فيلم آخر عادية بطلها رجل سمين لكنه يبعث على الضحك، هذا الفيلم يحبه المشاهدون ليس لقوة إخراجه أو أبطاله المعروفين، لكن لمسحته الكوميدية التي يفضلها الجمهور خلال هذا الموسم. الجمهور يريد أن يضحك على أي شيء ولو كان تافها، لقد ملّ من أفلام معقدة وفلسفية تحتاج جهدا كبيرا لفهمها.

 

صوفيا والجاهلية ووليلي“.. الأفضل في 2018

كانت الإنتاجات السينمائية المغربية للعام 2018 متباينة في مواضيعها وأفكارها وتناولها لقضايا الناس والعالم، فهناك من المخرجين والكتّاب من وجد في البساطة طريقة مناسبة لاستمالة الجمهور إلى القاعات التي باتت تُغلَق تباعا، وهناك من تغيّرت نظرته من فيلم إلى آخر وفق ما يريده الجمهور والسوق في ظلّ متغيرات محلية وإقليمية ودولية، وبذلك يرى أن الفيلم عليه أن يكون دائما داخل ما يجري في العالم وليس خارجه.

في إطار هذه المنظومة والرؤية المتباينة، أثمرت السنة السينمائية الماضية ما يقارب 14 عملا سينمائيا هي: “نوح لا يعرف العوملرشيد الوالي، وبيل أو فاصلحميد زيان، ولحنشلإدريس المريني، وكورصةلعبد الله فركوس، وصمت الفراشاتلحميد باسكيط، والجاهليةلهشام الجباري، ودموع الرماللعزيز السالمي، ووليليلفوزي بنسعيدي، والبحث عن السلطة المفقودةلمحمد عهد بنسودة، وإحباطلمحمد إسماعيل، وولولة الروحلعبد الإله الجواهري، وكلام الصحراءلداوود أولاد السيد، وغزيةلنبيل عيوش، ثمصوفيالمريم بنمبارك.

ويصعب التكهن أي هذه الأفلام قد حقق نجاحا جماهيريا كبيرا وكانت أكثر تتويجا داخل البلاد وخارجها، لكنها كلها توفرت فيها عناصر الفرجة، فيما تم إقصاء بعضها مثلا من المشاركة في المهرجان الوطني للفيلم الذي ينظمه المركز السينمائي المغربي كل عام احتفاء بالإنتاجات السينمائية الوطنية، كـبيل أو فاصلمخرجه حميد زيان، لكن في مقابل إقصائه تُوج هذا الفيلم بمهرجان دولي كبير بكاليفورنيا الأمريكية قبل شهرين، كما توج بجائزة أفضل فيلم روائي طويل، وهنا تبرز المفارقة.

ويرى متتبعون ومهتمون أن فيلم صوفياووليليوالجاهليةمن أفضل أفلام العام 2018، حيث حاز فيلم صوفياعلى جائزة أفضل سيناريو ضمن فقرة نظرة ماخلال الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي مايو/أيار الماضي، فيما تُوّج الفيلمان الآخران بأغلب جوائز الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني للفيلم بمدينة طنجة، وليليحصل على خمس جوائز، وحصل الجاهليةعلى أربع جوائز، فضلا عن مشاركتهما القيمة بعدد من المهرجانات الدولية.

 

السينما المغربية.. مبادرات للتطوير

ولتعزيز هذا المعطى؛ كشفت وزارة الثقافة والاتصال في الآونة الأخيرة أن قيمة دعم القطاع السينمائي المغربي للعام الماضي بلغت مئة مليون درهم، أي ما يقارب عشرة ملايين دولار، منها مليون دولار ونصف لإنجاز أفلام وثائقية تخصّ التاريخ والثقافة الحسانية والمجال الصحراوي، و7.5 ملايين دولار دعم موجه للإنتاجات السينمائية المغربية، فضلا عن 2.3 مليون دولار موجهة إلى عدد من المهرجانات السينمائية التي تُقام في عدد من مدن البلاد، وكذلك 200 ألف دولار خُصصت لدعم وإصلاح الصالات السينمائية ورقمنتها، واستفادت منها عشر صالات من بين 33 صالة بكل من الرباط والدار البيضاء وطنجة ومكناس ومراكش وسلا وتطوان.

والواضح أن الفيلم المغربي بالرغم من الدعم الذي يتلقاه سواء على مستوى كُتّاب السيناريو أو شركات الإنتاج أو التظاهرات السينمائية والمهرجانات، فإنه يبقى محدود الانتشار وقليل التتويج، مما يستدعي من صُنّاع السينما في البلاد تغيير برامجهم وإستراتيجيتهم، وذلك كي تكون الممارسة السينمائية المغربية أكثر قوة وتأثيرا ومساهمة في تحقيق التنمية، وهذا هو الأساس.

السنة السينمائية الماضية أثمرت ما يقارب 14 عملا سينمائيا هي "كورصة" لعبد الله فركوس، و"نوح لا يعرف العوم" لرشيد الوالي

الاهتمام بالوثائقيات وسينما الأرياف

ومن أجل استجلاء الموضوع مع عدد من المهتمين والمتتبعين والخبراء في تصريحات متفرقة للجزيرة الوثائقية، قال الناقد عبد القادر مكيات إن السينما المغربية وهي التي احتفلت مؤخرا بذكراها الستين، لا تزال تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والاشتغال، فلا يمكن الحديث عن الكيف في غياب الكمّ، حيث إن الخزانة السينمائية تتوفر فقط على ما يقارب 400 فيلم طويل، دون الحديث عن القصيرة، وهو رقم صغير إذا رأينا أن السينما المغربية بدأت سنة 1958“.

ودعا مكيات المخرجين والمنتجين ومديري المهرجانات إلى الاستفادة من عامل الدعم الذي توفره الدولة، والمؤهلات الطبيعية والتاريخية لتطوير الصناعة السينمائية الوطنية، مشددا على قيمة الفيلم المغربي وحضوره في الخارج مقارنة مع الفيلم في بلدان أفريقية أخرى، وعلى ضرورة الاهتمام بالفيلم الوثائقي؛ نظرا للكثير من القضايا والمواضيع التي لا تزال بحاجة إلى ملامستها، سواء على المستوى التاريخي أو السياسي أو المجتمعي والفني والثقافي والطبيعي والحضاري والإنساني.

وإذا كان المركز السينمائي المغربي قد وضع ضمن إستراتيجيته الاهتمام بالعالم القروي والأرياف، وتقريب الفرجة السينمائية إلى جمهور المناطق النائية من خلال دعم عدد من التظاهرات؛ فإن ليلى الزياري عن مهرجان حد كورت السينمائي؛ ترى أن هذا الدعم خلال العام الماضي غير كاف مقارنة مع احتياجات المناطق البعيدة الفنية والثقافية والسينمائية، داعية الجهات المسؤولة إلى زيادة حصة الدعم للتظاهرات السينمائية التي تقام في القرى والأرياف.

كما شددت على أهمية التفات المخرجين إلى العالم القروي والبدوي من أجل تصوير أعمالهم السينمائية، لأنها تشكل ديكورا طبيعيا لا يحتاج إلى مصاريف إضافية، فضلا عن فتح الباب أمام الشباب الموهوب في تلك المناطق، والذي يصقل مواهبه من ورشات المهرجانات القروية من أجل العمل والاشتغال، وإعطائه فرصة للظهور وتحقيق النجومية.

 

شرايبي: سينما 2018 كانت استثنائية

يرى الخبير والمخرج والأكاديمي سعد شرايبي الذي عاد إلى الشاشة الكبرى من خلال إخراج فيلم جديد بعنوان ثلاث ميمات، والذي عالج فيه مسألة التسامح والتعايش بين الديانات السماوية الثلاث؛ أن السنة السينمائية الماضية (2018) كانت استثنائية، وتميزت بعدة معطيات جديدة، الأولى هي كثرة الإنتاجات، وهذا يعود إلى عدد من المخرجين الشباب الذين تقدموا بأكثر من 80 مشروعا، وتم دعم أكثر من 25 فيلما سينمائيا طويلا، وأكثر من عشرين وثائقيا، وأكثر من عشرة أفلام قصيرة.

أما المعطى الثاني الذي ميّز سنة 2018 وفقا لشرايبي فهو أن صناديق الدعم الخاصة بالإنتاجات السينمائية تقلصت موارده بطريقة مهمة، وهذا عائد إلى التأخر الذي وقع في موارد الصندوق منذ عدة سنوات، وقد تم طرح القضية على الوزارة الوصية والمركز السينمائي المغربي منذ شهر يوليو/تموز الماضي، وتضافرت الجهود من قبل المنتجين -وخاصة الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام- لتدارك هذا الإشكال، لأنه اتضح أن أكثر من أربعين مشروعا كان متوقفا نهائيا عن تتمة إنتاجه، وفي نهاية السنة تم حلّ هذا الإشكال بطلب من المنتجين، حيث استجابت الهيئات الوصية على القطاع، وتم صرف المبالغ المتأخرة، وحُلّت الإشكالية.
ويؤكد شرايبي أن الميزة الثالثة هو أن القاعات السينمائية تقلصت بشكل متدرج، ولم يتم إنشاء سوى عدد قليل منها مقابل عدد أكبر تم إغلاقه، حيت يتأرجح عدد القاعات بين 33 و39 قاعة، و72 شاشة، لأن المركبات السينمائية مثل ميغاراما بالدار البيضاء تحتوي على عدة شاشات، وأصبحت الدار البيضاء إضافة إلى مراكش وفاس وطنجة والرباط تحتل أكثر من 80% من القاعات والشاشات المغربية.
ومن مميزات السنة الماضية أيضا -حسب شرايبي- أن المهرجانات السينمائية تفاقمت ليصل عددها إلى 75 مهرجانا يتم دعمها، وهي الأخرى تضررت من موارد صندوق دعم التظاهرات التي لم تصرف لها مبالغ الدعم، وإلى الآن لم يتم حلّ كل الموارد المتأخرة.

وعلى المستوى القانوني والتشريعي أكد شرايبي أن القوانين المشرعة للقطاع أصبحت متجاوَزة، وتم العمل من قبل المهنيين والتعاون مع المركز السينمائي لتحديث هذه المشاريع وتطويرها، مشيرا إلى وجود لجنة مختصة لتحديث النص التشريعي المنظم للمركز السينمائي المغربي، ومشروع الإنتاج السينمائي المغربي، وكذلك مشروع القانون المنظم للدعم، وكل هذا سيساهم في تطوير الممارسة السينمائية المغربية.

الخضري قال أن جُلّ الأفلام موجهة إلى المهرجانات الدولية كي تحصل على جوائز لكن حينما تعرض في القاعات لا تصمد أكثر من أسبوع أو أسبوعين، مع استثناءات عدة كفيلم "لحنش" لإدريس المريني

كمٌّ جيد.. ولكن

أما الناقد والكاتب والسيناريست خالد الخضري مدير مهرجان الأيام السينمائي لدكالة بمدينة الجديدة فيقول؛ إن الأهم إلى جانب المهرجانات الغزيرة وما تحقق وما لم يتحقق؛ هو عدد الأفلام ومستواها، حيث وصلنا إلى ما يقارب 20 فيلما روائيا طويلا في السنة، والعديد من الأفلام القصيرة والوثائقية، وهذا شيء إيجابي، لكن هذا الكمّ كم يفرز من الأفلام الجيدة التي تُشرّف المغرب والمشاهد الذي يؤدي ثمن التذكرة لمشاهدتها في القاعات واللقاءات الثقافية، وليس في المهرجانات التي تشاهد مجانا، وكم من الأفلام التي تستجيب لتطلعات الجمهور وتحقق أفق انتظاره، وتلامس آمال وآلام المجتمع، ويرى المغربي نفسه فيها؟ إنها للأسف قليلة جدا“.

وأضاف الخضري أن جُلّ الأفلام موجهة إلى المهرجانات الدولية كي تحصل على جوائز، والأمثلة كثيرة. لكن حينما تعرض في القاعات لا تصمد أكثر من أسبوع أو أسبوعين، مع استثناءات عدة كفيلم لحنشلإدريس المريني، ولحاجاتلمحمد أشاور.

وهذه الأفلام -التي بقيت في القاعات لأكثر من أربعة أسابيع- مقبولة إلى حد ما جماهيريا وحققت أفق انتظار المتلقي، ولا تنزل إلى مستوى الإسفاف، أما باقي الأفلام فهي عادية؛ بعضها يكون معقدا والآخر لا يعالج أية قضية، وتكون كتابتها السينمائية ضحلة دون إعطاء أمثلة تفاديا للحرج.
وأضاف الخضري “أن المشكلة المالية بدأ تجاوزها مع الرفع من قيمة الدعم المخصص للإنتاج، لكن المشكلة الإبداعية لا تزال مطروحة، وأتمنى مع قرار الزيادة في قيمة الدعم أن يستفيد المخرجون والمتفرجون من هذه الطفرة المالية، كما أن المشاكل المالية في جانب آخر لا تزال مطروحة، حيث إن المخرجين والمنتجين يهيمنون على السوق، ويحتكرون أموال الدعم لأنفسهم، وبالتالي ضرورة تمكين باقي المشاركين في الفيلم من أجورهم.

“ولعل أكبر مثال ما عشته شخصيا ككاتب سيناريو؛ الفيلم الروائي الطويل “التوفري” بالتعاون مع أخي عبد الباسط الخضري، ولمخرجه مصطفى فاكر ومنتجه سعيد مرنيش، فحتى هذه الساعة لم يحصل هذا الفيلم الذي تم تصويره في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على درهم واحد، رفقة مجموعة من الفنانين والتقنيين ومن بينهم ثريا العباسي وزبيدة في الماكياج، وكريم وسهام وتقنيون آخرون في الصورة والصوت، وكلهم لم يحصلوا على أجورهم، علما بأن صاحب الفيلم حصل في الشطر الأول والثاني على قيمة وصلت إلى ما يزيد على 223 ألف دولار، فلماذا لا يطبق “الفصل ١٥” المنظم للقطاع بالمركز السينمائي المغربي، من أجل خصم المستحقات غير المؤداة لأصحابها من مبلغ الدعم؟ وتلك بعض النقط السوداء التي تميز الحصيلة السينمائية”.

المعطى الثاني الذي ميّز سنة 2018 وفقا لشرايبي فهو أن صناديق الدعم الخاصة بالإنتاجات السينمائية تقلصت موارده بطريقة مهمة

السينما المغربية وسؤال الإبداع

تؤكد الممثلة فاطمة بوجو في تصريح مماثل بأن طموح من في المجال يبقى في كفّة، وعدد الإنتاجات في كفّة أخرى، معربة عن تفاؤلها بمستقبل الفيلم المغربي الذي حقق بعضه نجاحا على مستوى نافذة التذاكر، بينما بقي الآخر في الظلّ.

كما تضيف أن بعض الإحصائيات تؤكد أن السوق السينمائية في القاعات المغربية تعرض نسبة 51% للأفلام الأمريكية، في حين تأتي المغربية بعدها بنسبة 28%، ثم المصرية والهندية، وهذا أمر جميل ومشرّف، مبرزة حصول الفيلم المغربي على أكثر من 25 جائزة دولية، وهذا مكسب وإنجاز مهم، فضلا عن ارتفاع عدد من الإنتاجات الذاتية من غير دعم من قبل القطاع العمومي، وهو ما يشي بثقة القطاع الخاص في الاستثمار السينمائي، وهي ثقة تحتاج إلى تحفيز أكثر وضمانات.

ودعت فاطمة بوجو بالمناسبة لجان الدعم ألا تعتبر نفسها رقيبا أو وصيا على الإبداع الفني، وأحيانا تجهض مشروع بعض الأفلام بناء على حكمها على النص انطلاقا من ذوقها الخاص أو توجهها الفكري، لأن العملية الإبداعية للمخرج لا تُكتب على الورق ولا تقال شفويا.

كما تساءلت بوجو؛ هل ساهمت السينما المغربية -التي تسير باتجاه تأسيس حضور قوي ووازن- في التغيير الاجتماعي والسياسي وطرح أسئلة مخلخلة لبعض التابوهات؟ وهل لها رؤيا شاملة فكرية وفلسفية واجتماعية توثق للهوية والذاكرة المغربية والعربية؟ وهل تستحضر هذه السينما التي تعاني الفقر المادي والفكري وفقر الكتابة السيناريستية عنصر الخلق والإبداع والابتكار؟ وهل وصلت إلى تجاوز خطوط القصة والحكاية والرواية إلى ما بعد الإبداع على مستوى الخطاب واللغة السينمائية، وهل تحقق الفرجة؟
وأعربت بوجو التي أثنت على تألق الممثلات المغربيات كسعيدة باعدي في مصر، وراوية في تونس، ثم جليلة التونسية في مصر وغيرهن؛ عن آمالها الكبيرة في أن تحقق السينما المغربية المقبلة ما لم يتحقق في سابقتها، خاصة على مستوى الإبداع ومصالحة الجمهور مع القاعات.

 

السينما المغربية.. تحديات عديدة 

من جهته يرى محمد جبور عن جمعية المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بزاكورة؛ أن الحصيلة السينمائية الوثائقية بالرغم من وجود أفلام مدعومة لا تزال ناقصة، وهو ما يستدعي أن يبذل المنتجون والمخرجون المزيد من الجهد لطرح المزيد من القضايا وتقريبها سينمائيا إلى الجمهور.

وقال إن الصحراء المغربية بثقافتها المتعددة ونمط حياة سكانها المختلفة، وطقوسها وموروثها التاريخي والحضاري النفيس، وواحاتها وكنوزها الدفينة التي تحكي الكثير من الأسرار؛ لا تزال بحاجة إلى من يشتغل عليها وثائقيا. كما ناشد الجهات المسؤولة إلى تمكين المشتغلين في مجال الفيلم الوثائقي والمشرفين على مهرجانات تُعنى بالوثائقي من الدعم الكافي، سواء من قبل القطاع الخاص أو العمومي، حتى يقوموا برسالتهم النبيلة وواجبهم الفني والإبداعي على أحسن وجه.

أما مجاهد جبير وهو مخرج أفلام وثائقية، فيرى أن السينما في الساحة الثقافية لا تزال بعيدة عن تطلعات المواطنين والجمهور، ولا أدلّ على ذلك من التراجع الكبير والمهول في عدد القاعات، مؤكدا أن الإنتاج يبقى ضعيفا بالنظر إلى الميزانية المخصصة له، مقارنة مثلا مع حصيلة الإنتاجات الأمريكية والهندية، لأن المستثمرين الخاصين لا يخوضون في هذا المجال لتخوفهم الكبير، بالرغم من المردودية المالية المهمة.
وعن السينما في المغرب يقول جبير؛ إنها “ليست مشكلة السينمائي، بل مشكلة تربية ومجتمع وثقافة، وبالتالي هناك ضرورة لانفتاحها على المؤسسات التعليمية لإيصال رسائل تربوية مهمة، هذه السينما شهدت عصرها الذهبي خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، لكنها الآن تراجعت بسبب قلة القاعات، وذلك عائد إلى الطفرة التكنولوجية الحديثة التي أصبحت توفر الفرجة السينمائية بالمجان”.

أما المخرج حميد زيان فيضيف أن “الإنتاج السينمائي يسير في خطّ تصاعدي من خلال إنتاج أكثر من عشرين فيلما في السنة، واليوم تتوزع بين أفلام الجمهور العريض والمهرجانات وأفلام سينما المؤلف، لكن للأسف تبقى مشكلة القاعات مطروحة وتشكل عائقا كبيرا، وإن وجدت -على قلتها- تبقى غير مجهزة، وتفتقر إلى جمهور بعكس ما كان في الثمانينيات من القرن الماضي”.

وكشف زيان عن التنافس القويّ بين السينما والتلفزيون والإنترنت، وأن الأفلام الموجهة للمهرجانات الدولية لم تصل إلى المهرجانات الكبرى مثل مهرجان كان والبندقية وبرلين وتتويجه بجوائز قيمة، مشددا على أن السينما المغربية لكي تستمر وتتطور -ومن خلال ما تحقق العام الماضي- عليها الاهتمام بمستوى المعالجة واختيار المواضيع والتقنية، مع تحفيز الجمهور، وضرورة تكريس روح تكافئ الفرص بين المنتجين.

فيلم "صوفيا" حازعلى جائزة أفضل سيناريو ضمن فقرة "نظرة ما" خلال الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي مايو/أيار الماضي

سينما 2018.. غياب شروط الإبداع

قال محمد نبيل أحد المخرجين المغاربة المقيمين في برلين الألمانية في تصريح خاص إنه عندما نتحدث عن حصيلة سينمائية لعام 2018، فإننا نتحدث عن كمّ من الأفلام، وكذلك عن طبيعة وجودة هذه الأفلام، فالمغرب يتقدم منذ سنوات على مستوى الإنتاج السينمائي الكمّي، لكن في الوقت نفسه -وهذا رأي العديد من النقاد- يفتقد العمل السينمائي إلى بعض الخصائص والشروط التقنية والإبداعية جماليا وفنيا، والتي تمنحه صفة العمل أو الشريط في مجال الفن السابع، شخصيا أنظر إلى الجودة والحضور أو الغياب من زاوية كونية وليس محلية، فهناك غياب لبنية وتصور ومشروع يمكن أن يجعل من المغرب مجالا للإبداع السينمائي بامتياز“.

وأكد أن المجهودات المبذولة ما زالت محدودة جدا ولا تحقق المبتغى، وبما أنني أعيش في المهجر دعني أقول إن المخرج والمنتج المغربي في المهجر لا يستفيد من الدعم الرسمي، ويفرض عليه التعامل مع مؤسسات موجودة في المغرب، إضافة إلى شروط بيروقراطية، وهذا مُخلّ بالتعامل الديمقراطي مع أعداد من المنتجين والمخرجين المغاربة في الخارج، مضيفا أن هناك ما يعيق المخرج المغترب على مستوى الوضع القانوني الخاص بالدعم السينمائي حاليا، وفي المساهمة سينمائيا في الوطن“.

وشدّد نبيل على الحاجة إلى إستراتيجية واضحة ضمن مشروع مجتمعي عام تؤسس لسينما مغربية، أو مدرسة سينمائية مغربية بالفعل والقوة، لأنه حتى الساعة لا توجد سوى أفلام ببصمات مخرجين على اختلاف حساسياتهم الفنية والإبداعية، كما أن الكمّ لا يؤسس بالضرورة لسينما وطنية، والتجربة تؤكد ذلك داخل الوطن وخارجه، وقد حان الوقت لإعادة النظر الجذرية في أمور شتى لبناء مستقبل سينمائي مغربي قوي.