السينمات المحلية في الصين والهند تتفوق على هوليوود

أمستردام – محمد موسى
14 مليون هندي يتوجهون الى صالات السينما يوميا في طقوس تكاد تنقرض في أمكنة اخرى من العالم، كالجمهور الذي يحتشد بالمئات امام صالات السينما لشراء التذاكر الخاصة بالافلام، ملصقات أفلام هندية بالونها الزاهية تبشر بالكثير من الدراما معلقة بفوضوية على عتبات شوارع وساحات، بائعون متجولون لا يكتفون بعرض بضاعتهم من الاطعمة والاشربة خارج الصالات السينمائية (مازال معظمها في قلب المدن والاحياء الشعبية ولم تنسحب الى الضواحي كملحقات للاسواق التجارية المغلقة وكما يحدث في العديد من دول العالم) بل يدخلون بضجيهم الى ظلام الصالات، والاهم من ذلك جمهور يرفض التخلي عن السينما كوسيلة الترفيه الاساسية واحيانا الوحيدة. لكن ومع النجاح الاقتصادي لبلد مثل الهند في السنوات الاخيرة، يغدو الحديث عن السينما الهندية يحمل اهميتة المضاعفة لصناع السينما في الهند بشكل اساسي ومهتمين بالسينما حول العالم، فعلاوة على ان هذه مداخيل هذه السينما في الهند تفوقت على تلك التي تحصدها الافلام الاجنبية ( ومنها الافلام الهوليوودية ) المعروضة هناك، وانها تحجز مكانة ثابتة في جدولة البرمجة السينمائية لدول عديدة خارج الهند، بدأت شركات هندية سينمائية مؤخرا بشراكات مع استديوهات كبيرة في هوليويود لانتاج اعمال مشتركة تتوجه الى الاسواق الهندية والعالمية.
لا يخوض الفيلم التسجيلي الهولندي (مصنع الاحلام الهندي) للمخرج رمجان عبدالرحمن والذي عرض مؤخرا على قناة البرامج التسجيلية في التلفزيون الهولندي، بطموحات الصناعة السينمائية الهندية للقرن الجديد، لكنه يعود الى التاريخ ليستعرض المحطات البارزة التي مرت بها هذه السينما، فنكتشف ان اول الافلام الهندية المحترفة عرض في عام 1931، متاخرا كثيرا عن زمن انطلاق السينما في الولايات المتحدة الامريكية واوربا. خطوات الصناعة الهندية ستكون بطيئة وستتاثر مواضيع افلامها كثيرا بالوضع السياسي القائم وقتها، كشيوع الافلام الوطنية بعد الاستقلال السياسي الهندي، وانفصال البلد عن ما يعرف الآن بدولة باكستان. لكن مع منتصف عقد الستينات ستبدأ معالم هذه السينما بالاتضاح كثيرا، فهي ستتجه الى الجمهور الواسع بتقديم تركيبة تجمع الميلدراما القادمة احيانا من واقع المجتمع الهندي عاكسة الفروقات بين طبقاته. كما ستلجأ هذه السينما الى الموسيقى التي ستتحول الى جزء من تركيبة هذه السينما، واحدى دعائم الشكل الفني الذي تقدمه. والذي يفسره احد المختصين في تاريخ السينما الهندية في حديثة لكاميرا الفيلم التسجيلي بان حضور الموسيقى الطاغي في السينما هي انعكاس لاهتمام الهندوس المتأصل بالموسيقى والتي تعزف في كل مناسبات الحياة هناك، من الولادة والى الجنازات.
ستهيمن السينما الهندية، التي تعرف الآن ب ” بوليوود “، وابتدءا من بداية السبعينات على كل اشكال السينما الاخرى في الهند ( تنسحب السينما الفنية المحدودة الى الهامش تماما هناك )، وسترتبط مع معظم الهنود بوشائج ربما لا تشبه علاقة اي جمهور في العالم بفن من الفنون، وهو الامر الذي يستحق بدوره افلام تسجيلية متخصصة واعمال بحثية عديدة، فلا توجد مدن عديدة في العالم تعرض الفيلم نفسه في الصالات و لخمس سنوات متواصلة، وهو الامر الذي حدث في منتصف السبعينات من القرن الماضي مع أحد الافلام الهندية الشعبية التي عرضت في مدينة بومباي الهندية.

من الذين تحدثوا في الفيلم التسجيلي، احد اهم نجوم السينما الهندية اميتاب باتشان، والذي فسر بثقافة عالية العلاقة الخاصة التي تربط ابناء جلدته بالسينما التي يقدمها مع زملائه، بانها ربما تعود الى افتقاد الجمهور للعدالة في حياتهم، لذلك يستمعون بمشاهدتها على الشاشة من خلال القصص المقدمة والتي تنفخ بالمقدار نفسه في حجم الشخصيات الطيبة والشريرة التي تطل في الافلام، لكنها تنتهي بالعادة بنجاح الابطال في تخطي الصعاب، وهو الامر الذي لا يحدث في الحياة دائما.
وحتى عندما دخل عصر افلام الفيديو الهند في نهاية عقد السبعينات، واشتدت عود وخبرة التلفزيون الهندي، وعندما وصلت الثورة الفضائية للكثيرين في الهند في منتصف التسعينات، لم تتزحزح مكانة السينما الهندية التجارية، فمعدل انتاج الافلام في ” بوليوود ” هو الاعلى في كل العالم ( 800 فيلما في السنة)، ولا اشارات على تبدل مزاج الجمهور الواسع هناك بعزوفة عن مشاهدة السينما التي لم تتغير الا بحدود ضيقة.

الصين تتطلع الى “هوليويودها” الخاصة
يركز الفيلم التسجيلي (هوليوود الصينية)، والذي اشتركت قناتين فرنسية وهولندية في انتاجه وعرض ضمن يوم تلفزيوني كامل مخصص للسينما حول العالم على قناة الوثائقيات التلفزيونية الهولندية، على الصناعة السينمائية في الصين ( العملاق الاسيوي الآخر)، فيبدأ بالعودة الى الى بدايات النجاحات الكبيرة لهذه السينما، هذه الاستعادة التاريخية لن تستغرق وقتا طويلا، فآول نجاح عالمي للسينما الصينية لم يكن قبل عقود طويلة، بل كان في العاصمة الالمانية برلين في عام 1988، عندما فاز الفيلم الصيني ” السرغوم الاحمر ” للمخرج تشانغ يى مو بجائزة الدب الذهبي هناك، لتبدأ معها حركة صناعة سينمائية وجدت في الرخاء الاقتصادي الذي تشهده الصين منذ عقدين من السنوات المناخ الملائم، اضافة الى حاجة البلد الى سينما محلية ناجحة، تقف بوجه الافلام الهوليوودية وغيرها، والتي لم يكن عرض كثير منها سهلا بسبب قوانين الرقابة الصينية المعقدة والمتغيرة.
ستدفع نجاحات افلام المخرج تشانغ يى مو، والذي باع قناني من دمه لشراء كاميراته السينمائية الاولى ، وشاهد مئات المرات افلام بروباغندا الشيوعية، مخرجين صينين آخرين لاخراج افلامهم الاولى متمتعين بحرية فنية جيدة، وان بدآ واضحا منذ بداية عقد التسعينات ان السينما الفنية الصينية التي تعرض في المهرجانات العالمية لن تلقى بحظوط عرض كبيرة في الصين، ليتجه انتباه معظم المخرجين الى انجاز اعمال استلهمت الفلسفات الصينية القديمة، وفنون القتال الشرقية في قصصها الاسطورية، والتي تشكل لليوم اتجاها فنيا خاصا بالصين يشبه افلام الغرب الامريكي القادمة من هوليوود.
واذا كانت سينما بوليوود تبدو عصية على التغيير والتطور الشكلي والموضوعي، تشهد السينما الصينية تطورات كبيرة باتجاهها لموضوعات جديدة، واساليب سينمائية لا تنشغل دائما بالتراث الصيني الطويل. هذه التغيرات والحركة المستمرة في السينما الصينية تقف خلفها شركات الانتاج السينمائي الصينية، والتي تريد ان تبقي جمهور السينما المتصاعد هناك راضيا، وان لا يتجه الى السينما الاجنبية (هوليوود تحديدا)، وهو الامر الذي نجحت به تلك الشركات ولحد بعيد، فالسينما المحلية في الصين، وكحال مثليتها في الهند، مازلت تجني اموال هي الاكثر من تلك التي تحصدها الافلام الاجنبية التي تعرض في صالاتها.