“الطاقم”.. رحلة نقدية في كواليس السينما المصرية

هل من سينما يمكن أن توصف بالمدرسة في عالمنا العربي عدا السينما المصرية؟ ففيها تتراكم التجارب، وتتأثر المعالجات السينمائية بسابقاتها، وتنشأ عن ذلك أنماط مخصوصة وأساليب بعينها، وهي آلة ناجعة لصناعة الرأي العام وتشكيله زمن الحرب والسلم.

وهل من سينما في عالمنا العربي يمكن أن تنعت بالصناعة غير السينما المصرية؟ ونقصد بالصناعة إسهامها في الدورة الاقتصادية وفي الدخل القومي، فمنها تكسب شرائح واسعة من الشعب المصري قوت يومها من ممثلين وتقنيين وموزعين، ومنها اكتسبت مصر المكانة بين نظيراتها من الدول العربية فعرّفت بتاريخها وثقافتها ولهجتها.

لذلك لم يكن وسم السينما المصرية بهوليود العرب مجاملة، والمقولة المأثورة: “لأننا نحب الحياة نذهب إلى السينما” تستتبع عندنا بمقولة “لأننا نذهب إلى السينما نحب مصر”، لكن في هذا البلد الذي شهد ثاني عرض سينمائي في التاريخ بعد باريس ويبلغ إنتاجه السينمائي نحو 150 فيلما في السنة، وفي هذا البلد الذي صنفت صناعته السينمائية يوما ثاني صناعة في العالم، ومثّل دخلها المورد الثاني للدولة بعد القطن؛ لم يعد حال السينما على ما يرام.

وهذا ما شغل النقاد فتعالت صيحات الجزع في المقالات الكثيرة ونشرات الأخبار والخطب الرئاسية أيضا، ثم ها هي السينما نفسها تدلي بدلوها، فتجعل من واقعها موضوعا لها وتتأمل وجهها في مرآة نفسها لتُظهر جزعها مما أدركها من شحوب ووهن، ذلك شأن فيلم “الطاقم” لإسلام رسمي مثلا، فقد أراده صاحبه دراسة وثائقية تحاول أن تبسط القضية من زاوية مختلفة.

“من لم يكن سينمائيا فلا يدخل علينا”.. أهل مكة أدرى بشعابها

لقد عهدنا السينما تطرح مواضيعها بنرجسية مستملحة وتنجزها بحب نستعذبه لأننا نشترك فيه معها، ولم يخل فيلم “الطاقم” منها، حتى أن العنوان يجسد أحد مظاهرها، فالمخرج يصر بقصد ونية على إعطاء الكلمة لأصحاب هذه الصناعة دون غيرهم، فأهل الفن السابع أدرى بمشاكله، وكأن المخرج يحوّر من لافتة أفلاطون ويكتب على بابه “من لم يكن سينمائيا فلا يدخل علينا”.

يجمع المخرج شهادات أهم الكتاب والمخرجين والممثلين والتقنيين كـ أحمد حلمي ومنى زكي ويسرا وثامر حبيب ووحيد حامد وهادي الباجوري وجابي خوري وشريف عرفة ومي جلال ومحمد حفظي وهشام سليمان وياسر النجار وسامح سليم ومحمد عطية وعباس صابر وناهد نصر الله وأحمد حافظ ورفعت عبد الحكيم ولمياء عادل، ويتخذ من تلك الشهادات مدخلا ليعرض أهم خصائص السينما الفنية، وليبحث عن أسباب انهيارها وسبل نهضتها من جديد.

الممثلة المصرية منى زكي في تجربة الاسترخاء على كرسي الاعتراف للإدلاء بشهادتها في فيلم “الطاقم”

في 60 دقيقة.. شهادات سينمائية مختلفة المشارب

تبلغ مدة الفيلم الوثائقي نحوا من ساعة، ورغم أنه يتعلق جميعا بالسينما المصرية، فإن الشهادات تذهب في كل اتجاه، وتخوض في مواضيع شتى دون رابط منطقي غالبا، لذلك يُوجد المخرج رابطا بصريا يصهر التباعد بين الشهادات المختلفة.

ويتجسد هذا الرابط في جلوس الشخصية على كرسي الإخراج، وأن تنخرط في تداعياتها حول المهنة، فتكون العملية أشبه ما تكون بالاسترخاء على السرير في العيادة النفسية، ويكون المخرج كالمحلل النفسي الذي يستدرج بصمته المريض إلى الاعتراف بين يديه، وإلى الغوص في أعماق ذاته والكشف بنفسه عما يكدّر صفوه.

وتنقسم هذه الاعترافات إلى قسمين مختلفين من جهة الموضوع والمعالجة والسينمائية، فيتولى الشطر الأول عرض كواليس هذه الصناعة باحثا عن الإبهار في نزعة تعليمية، ويعهد للشطر الثاني طرح قضاياها الحارقة.

الممثل المصري شريف منير يدلي بشهادته فيما يخص الشخصية الفيلمية وكيفية تقمص الممثل لهذه الشخصية

مركزية السيناريو في الفيلم.. محطات من كواليس صناعة السينما

من القواعد الذهبية في السينما أنّ “الفيلم الجيد يُضمن أثناء الإعداد”، فالتدخل بشطب فكرة أو تحوير مشهد أو إصلاح خطأ أيسر بكثير من التدخل بعد التصوير وأقل كلفة، لذلك لطالما مثلت الكواليس مبعثا لسحر يضاهي سحر العرض نفسه.

ولنعرف كيف يُعد الفيلم يأخذنا إسلام رسمي إلى “المطبخ السري”، أي إلى السينما المصرية، وكواليسها ليعرّفنا بمختلف مراحل إنجازها، فيعرفنا بالسيناريو باعتباره دليلا للفيلم، أو باعتباره سلسلة من المشاهد مبرزا دوره الحاسم في إنجاح العمل، ومحددا علاقة كاتبه بأطراف صناعة الفيلم، ويجعله غالبا منفذا محترفا يجسد أفكار جهة الإنتاج أو المخرج أكثر مما يكون مبتكر الحكاية بنفسه على عكس المعهود في عامة السينما العربية التي يكون فيها المخرج هو المؤلف في الآن نفسه.

كما يعرّفنا أيضا بأهم رهانات السينما، وهو خلق الشخصية الفيلمية، فعلى خلاف الأدب تكون الشخصية السينمائية ثلاثية الأبعاد، فهو دور يُلعب مستقلا عن الفيلم، من ذلك دور المغامر أو العاشق أو الخائن أو المناضل، وهي شخصية تُبتكر من جهة حياتها الخارجية وسياقها التاريخي بكل التفصيلات الممكنة من مكان للولادة وسن وانتماء أسري أو اجتماعي واقتصادي أو عرقي، ومن جهة حياتها الداخلية من تكوين نفسي وعمق باطني وروحي.

فلا بد أن يدرك كاتب السيناريو ما إذا كانت الشخصية انطوائية أو منفتحة، وما إذا كانت حدسية قيادية أو طيعة عدوانية أو مسالمة، ولا بد للممثل أيضا أن يدرك ذلك ليعطيها بعدها المادي فينقلها من مستوى اللّدغة إلى علامة أيقونية تمثل عنصر جذب في الفيلم.

وعلى النحو نفسه يشرح الإخراج السينمائي فيقدمه باعتباره تلك المؤسسة التي توجه أطراف صناعة الفيلم نحو رؤيتها الجمالية ووفق فهمها للحكاية المقترحة وتصوراتها الفكرية، ويقتضي ذلك من المخرج حسا فنيا ودراية كافية بمقومات السرد السينمائي، وبمختلف مراحل إنجاز الأثر الفيلمي وفنونه ومدارسه وتقنياته، فيكون المسؤول مسؤولية مباشرة عن المنتج النهائي.

كما يشرح على النحو نفسه مرحلة جرد الفيلم للديكورات والإكسسوارات والمونتاج وغير ذلك مما إذا ما توسعنا فيه أثقلنا على القارئ، فسبيل فيلم “الطاقم” في هذا المستوى تعليمي صرف، ولكن  درسه غير مجدٍ لمن يجهل السينما، وذلك للوتيرة السريعة في عرض الشهادات وما مارس عليها من قطع أثناء المونتاج، وغير مفيد لمن يعرفها لاقتصارها على عموميات لا عمق فيها أو إضافة.

مهندس الديكور السينمائي المصري محمود محسن وسط ورشته يعرف المتفرّج بدور المدير الفني

مفاتيح السينما.. سقوط الفن في قيود الصناعة والتجارة

رغم قيمة الأسماء التي يستدعيها المخرج للشهادة؛ فإن هذا القسم يعتبر الأضعف في الفيلم لأسباب نذكرها في لاحق هذه الورقة، ولكن ما هو مفيد في هذه الشهادات -وهذا ما لم ينتبه إليه المخرج للأسف ولم يعمل على إبرازه- أن تصور السينما يختلف من قطاع إلى آخر، فرؤية كاتب السيناريو للنص ولدور المؤلف تختلف عن رؤية المخرج أو المنتج أو الموزع.

بالإضافة إلى أن كاتب السيناريو والمخرج غير حاسمين في تحديد الصيغة النهائية للمنتج الفني، فمفاتيح السينما -وفق التصور المصري- تبقى بيد طرفين هما قطاع الصناعة (المنتج) وقطاع التجارة (الموزع)، ولهذه المعادلة تبعات كبيرة جدا على المستوى الجمالي والمضموني كما سنرى.

جمال مصر المهمل.. صفحة من كتاب إشكالات السينما

تتغير المقاربة الجمالية في القسم الثاني من الفيلم فيميل المونتاج إلى البطء وتميل الشهادات إلى تحليل أعمق لقضايا السينما المصرية الحقيقية وتحاول الإجابة عن السؤال الحارق لماذا تقهقرت السينما المصرية؟ فتُحمّل الشهادات الإدارة -والدولة بالتبعية- القسط الأوفر من مسؤولية تبديد هذه القوة الناعمة -وفق التعبير المصري الساري- والتفريط في عنصر مؤثر.

تمثل السينما على المستوى الداخلي -وفق هذه الشهادات- أداة مهمة لتوجيه الرأي العام نحو محاربة الإرهاب والجريمة، وعلى المستوى الخارجي تُعد السينما أفضل وسيلة للترويج لصورة مصر خدمة لسياساتها المختلفة.

وهنا يَفُوت المشرفين على الشأن الثقافي أن استثمار الدولة في السينما استثمار رابح ماديا على المدى الطويل، فضلا عن الربح الآني على المستوى الفكري والقيمي ومن ثمة فهم يهدرون ما حبا الله به مصر من جمال في الطبيعة تجمع بين الشمس والبحر والإضاءة المميزة، ويبددون ما حبتها به الحضارة من آثار فرعونية وإسلامية، ومن عجيب الأمر أن السينما العالمية أضحت تصور التاريخ المصري في جنوب المغرب حيث تُبنى أحياء فرعونية في مدينة ورزازات تحاكي آثار الجيزة.

المخرج المصري هادي الباجوري يتحدث عن التصوير في ميدان العمل واستدراج المتفرج لكواليس السينما الساحرة

آفة البيروقراطية.. بين تعقيدات القوانين وضعف البنية التحتية

تتجلى مسؤولية الإدارة في مظاهر البيروقراطية المعطلة والتراخي في الالتزام بواجباتها إزاء هذه السينما، فتتعدد التصاريح التي يطلب بها السينمائي، وتتعدد الجهات المانحة لها بدل أن يخضع العمل لترخيص واحد من هيئة جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وهذا ما يبدد وقت السينمائي ويشتت جهده.

ويفتقد قطاع السينما إلى البنية التحية الضرورية لعرض الأفلام في كل أنحاء البلاد لضمان ازدهار هذه الصناعة، فالصعيد والدلتا يظلان بدون شاشات، ونصف المصريين يحرمون من فرصة مشاهدة فيلم في ظروف عرض احترافية، ثم ينتهي الفيلم بمسحة من التفاؤل المصطنع معلنا أن السينما المصرية ستستعيد مجدها يوما وأنها تمرض لكنها لا تموت.

مدير التصوير المصري سامح سليم يشرح وظيفة مدير التصوير في أي عمل فني والدور الذي يقوم به لإنجاح العمل

رحلة خلف الشاشة.. حرص على إبهار المتفرج

يبدأ الفيلم بداية واعدة فيدخل أحدهم قاعة العرض ويدعونا عبر صوت سارد إلى رحلة في عالم السينما الساحر، وينقلنا بشكل ما من أمام الشاشة إلى العوالم العجيبة خلفها، عوالم صناعة الفيلم، فهكذا يصطفي عبر اختياره الأسلوبي هذا جمهوره المستهدف، إنهم نخبة من محبي السينما ممن يتطلعون لمعرفة هذه الكواليس الساحرة.

يتوارى المخرج خلف كوكبة من النجوم من عالم الكتابة والإخراج والتمثيل ليمنحهم الكلمة ويعرض شهاداتهم، ويختار تصويرهم في ميدان العمل في مكاتب المؤلفين أو ورشات التصوير أو طاولات المونتاج، وعامة يختار أن يصور الشهادة حول الاختصاص السينمائي في بيئته، وتبعا لذلك كان يقحم المتفرج في عوالم عجيبة، وكانت الأضواء والألوان وآلات التصوير تزيدها إبهارا وإدهاشا.

كان المخرج يعرض تصوره للسينما عبر هذه الأجواء الساحرة، وليعمق هذا الإبهار اعتمد المونتاج السريع فلا تكاد اللقطة تستمر لأكثر من عشر ثواني عامة، وتتخلل المداخلات مشاهد قصيرة سريعة من كواليس الإعداد أو التصوير  شارحة كيفية تنفيذ اللقطات الخطيرة أو المؤثرات البصرية المذهلة كعمليات الماكياج المحاكية للندوب على الوجه أو على الجسد التي تبدو جراحا حقيقية غائرة، وغير ذلك من الحيل التي لا يراها المتفرج على الشاشة.

يوسف النجار يشرح دور المؤثرات البصرية والجانب الفني في الأفلام

ضعف الخطاب البصري.. جمود الشهود ورتابة الأسلوب

رغم الرغبة الواضحة في الإبهار ظل الخطاب البصري فقيرا لا يسهم في توصيل الرسالة، فالمعلومة الرئيسية ترد في الحوار وعلى لسان الشخصية الجالسة على الكرسي في جمود مزعج، وتقدم أفكارها في أسلوب تعليمي واضح، وظلت المعالجة الجمالية أسيرة لذلك النمط  البيروقراطي الذي يكتفي بجمع الشهادات. وما حاصلها؟

لم يحسن الفيلم التقاط ما جاء على ألسنة شخصياته من القضايا شأن العلاقة بين الجانب الفني والمادي في إنتاج الفيلم، أو نزعة هذه السينما أخيرا نحو سينما المؤلف، وما يترتب على ذلك من تبعات، أو ما يطرحه توظيف الجانب الرقمي في خلق المؤثرات البصرية والصوتية، ولم يرتقِ إلى مستوى وجهة النظر الجمالية، بل ظل أقرب إلى التقرير الصحفي الذي يحتفي بصناع السينما لا أكثر.

تأثير رأس المال.. غياب الوعي بقضايا السينما

لم يطرح الفيلم قضايا السينما المصرية الحقيقية وعلى رأسها ذلك التجاذب بين أضلاع مثلثها الفني والصناعي والتجاري، فمعلوم أنّ هذه السينما تعول أساسا على القطاع الخاص، ورأس المال يبحث عن الربح الأقصى بطبعه، وهذا يثير قضية مزدوجة، فتأثير ضلعي الصناعة والتجارة، أي المال مضر بمحتوى الفيلم وقيمته الفنية، لأن الإبداع يصبح مجرد منتج مادي يقاس بمعيار الربح والخسارة.

ولعل هذا الخلل في الموازنة يفسر إلى حد بعيد الابتذال الذي يغلب على معظم إنتاجات السينما المصرية، ويكشف عن الأسباب التي تجعل الفيلم يساير غالبا الذوق العام ويجامل المتفرج ليستدرجه إلى قاعة العرض وينتزع منه ثمن التذكرة، ودور الدولة في النهوض بالسينما ضروري، فهي فن مكلف ووقعه على المتفرج شديد، ولا بد من حمايته من هيمنة القطاع التجاري.

ومما يطرح من حلول إنشاء شركة للسينما لتتدخل الدولة مباشرة في عملية الإنتاج، وهذا ما يثير مخاوف أصحاب القطاع لأنه يذكرهم بتجربة “المؤسسة العامة للسينما” التي انتهت إلى فشل ذريع رغم بعض أعمالها المهمة، فشكل الدعم يظل معضلة بلا حل في البلدان العربية بأسرها.

أما دعم أصحاب القطاع الخاص فيخلق لوبيات حول المال العام، فيستأثر البعض به ويقصى البعض الآخر، ويظل المعيار في الحصول عليه الولاء أو المهارة في عقد الصفقات بطرق غير مشروعة أو الانتماء الأسري، وعندها يتعامل أغلب المنتجين مع أفلامهم بتراخ لضمان نجاحها أو تعميم توزيعها، وقد ضمنوا ريعهم من صناديق الدعم كما أثبتت التجارب في تونس والمغرب.

الممثلة المصرية يسرا بطلة فيلم “الطاقم” تُدلي بدلوها فيما يخص السينما المصرية وآلية نهضتها من جديد

خسارة الأسواق التقليدية.. ملامح تقهقر السينما

لقد غلبت على الفيلم نبرة تفجع لتراجع هذه السينما المصرية على المستوى العربي، ولكنه لم يتجاوز المستوى الانفعالي، والتشخيص الخاطئ لا يمنحنا الحلول الناجعة، فلا بد من الانتباه إلى الأسباب العميقة لهذا التقهقر، فالسينما المصرية خسرت أسواقها التقليدية الممثلة في البلدان العربية التي طورت إنتاجها الدرامي.

ومن الطبيعي أن يقبل المتفرج المحلي على السينما الوطنية، فهي تظل مرآة يرى فيها أكثر من غيرها صورته ويلمس فيها  قضاياه ويسمع فيها لهجته.

كما أنها خسرت التمويل الخليجي الذي وسّع من دائرة اهتمامه وانصرف خاصة إلى تجارب محلية ناشئة، وللعولمة نصيب في هذا التراجع، فقد أصابت التنوع الثقافي في مقتل، وكرست النموذج الأمريكي باعتباره النموذج الأوحد مما جعل السينما في أوروبا نفسها تتقهقر أمامه، وجعل صنّاعها يطالبون بإجراءات حمائية من دولهم.

التباس الهوية.. تجاذبات المال والفن في سوق السينما

بذل صناع الفيلم جهدا لإغواء المتفرج لمحاولة إبهاره أولا وتعميق وعيه بقضايا هذه السينما ثانيا، ولكنهم كانوا يفتقدون إلى الرؤية الجمالية العميقة بقدر ما كانوا يفتقدون إلى الوعي الدقيق بإشكاليات السينما المصرية، ومنها أنها تعيش الآن في مرحلة التباس الهوية، فهي في الأصل سينما تجارية تعول على نفسها لتضمن استمرارها، ولكن بعض أفلامها أضحت أقرب إلى سينما المؤلف.

ولهذا التحول تبعات عميقة، والسياق العالمي الذي جعلها تتصدر الصناعة السينمائية في العالم في فترة ما تغيّر، ولا بدّ لها من التسليم بهذا الأمر والتعاطي معه، وعامة فقد كان هذا الفيلم يعرض أزمة السينما المصرية ولكنه مثل بدوره نموذجا لهذه الأزمة فكان ذلك الصندوق العجيب بيروقراطيا فقيرا بصريا يفتقر إلى العمق بقدر ما يفتقد إلى القدرة على الابتكار والحلم.