“الظاهرة”.. عودة جدية لأسطورة الأطباق الطائرة

د. أحمد القاسمي

لماذا تخفي أطراف نافذة حقيقة الأطباق الطائرة عن الشعب، بل عن الرؤساء وكبار مسؤولي الدولة الأمريكية أنفسهم، من له مصلحة في ذلك؟ وماذا تريد منّا هذه الكائنات العجيبة التي تغزو كوكبنا وتتلصص على حياتنا؟

يبدو الفيلم جادا في طرح هذه الأسئلة، ويحاول أن يذهب بعيدا في تقصي الحقيقة معوّلا على الوثائق الرسمية التي أُفرج عنها أخيرا، وعلى استجواب “من عاشوا التجربة” في الولايات المتحدة، وفي أنحاء مختلفة من العالم مثل أوكرانيا وأستراليا وفرنسا وزيمبابوي.

يمكن للوثائقي أن يكون بحثا شخصيا يعرض فيه المخرج تجربته ورؤيته الخاصتين، متدخّلا مباشرة للتعليق على الأحداث، أو لتنبيه المتفرّج إلى ناحية من النّواحي. وله أيضا أن يكون فيلما شاعريا يعمل على إظهار الموضوع المطروق على وجه مخالف للمعهود، وذلك بتصويره من وجهات نظر جديدة (سواء كانت وجهة النّظر هذه بصريّة أو ذهنيّة معنويّة) مما يكثف اللغة السينمائية، ويعمق من وظيفتها الجمالية. كما له أن يكون من نمط السينما المباشرة التي تحرص على النفاذ إلى صميم الأحداث حتى تلتقط مادتها مباشرة من ميدان وقوعها.

أما الأمريكي “جيمس فوكس” مخرج فيلم “الظاهرة” (The Phenomenon) الذي أنتج عام 2020، فلم يضمّن شيئا من هذا، بل اختار التناول الأكثر كلاسيكية، فجعل مقاربته دراسة وثائقية رصينة تتبنى فكرة “وجود الأطباق الطائرة” وتدافع عنها بضراوة. لكن من شأن الدراسة الوثائقية أن تعوّل على أقصى قدر من الموضوعية مع أسلوب علمي دقيق، وكيف للبحث في الأطباق الطائرة وتقصي نوايا الكائنات العجيبة التي تركبها أن يخضع لمعايير العلم والموضوعية وحقيقتها منفرطة منفلتة، تقتصر على شهادات لا إثبات لها وصور لا نستطيع التحقق من مدى صحتها؟

 

سلاح الجو الأمريكي.. أول مشاهدة للأجسام الطائرة

تضج قاعات السينما وشاشات التلفزيون بأفلام الأطباق الطائرة التي تُقدم شخصياتها تلك المخلوقات العجيبة في شكلها وقدراتها ومزاجها من الفضاء البعيد، فتكون لطيفة مسالمة حينا، وعدائية حينا آخر.

لقد ألِف أغلبنا هذه المشاهد وبات يعتبرها من ثمرات إبداع الحقل السينمائي الباحث دوما عن مواضيع جديدة قادرة على إثارة فضول المتفرج، لكن للموضوع صلة عميقة بالحقيقة عند بعضهم، فيعتقد طيف واسع من البشر أنّ كوكبنا قبلة لغزاة يأتوننا من الكواكب البعيدة ليتلصصوا علينا وليجمعوا أسرار حياتنا.

ولهذا الاعتقاد تاريخ، فقد بدأ الحديث عن ظاهرة الأطباق الطائرة حين أخبر الطيار الأمريكي “كينيث ألبرت أرنولد” في 24 يونيو/حزيران 1947 عن مشاهدته لتسعة أجسام طائرة أثناء قيامه برحلة على متن طائرته الخاصة بحثا عن طائرة عسكرية اختفت في ديسمبر/كانون الأول 1946.

ثم توالت بلاغات المواطنين الأمريكيين عن مشاهداتهم لأطباق طائرة مماثلة في نواحي مختلفة من البلاد، مما دفع سلاح الجو الأمريكي للتعهد بسلسلة من التحقيقات وسط اعتقاد قوي بأن عالما موازيا لعالمنا يفتح نوافذه على كوكبنا، وأن السلطات الأمريكية أو أطرافا نافذة تُخفي أسرارا خطيرة أو محرجة، أو إشاعات قوية تغذيها نظريات المؤامرة وحمى الحرب الباردة بأن الاتحاد السوفياتي هو مَنْ كان يرسل تلك الكائنات غريبة الشكل.

ولأن التقارير المطولة حول تفاصيل هذه المرحلة باتت الآن متاحة للقارئ فلن نبدد الوقت في الإحاطة بها، وحسبنا أن نعرض أهم المصطلحات التي تتعلق بالظاهرة التي تكشف جدية التعاطي مع موضوع الأطباق الطائرة.

الإعلان الرسمي عن توقف مشروع “الكتاب الأزرق” سنة 1969، حيث أفضت المجهودات إلى انعدام وجود الأجسام الطائرة

 

“جسم طائر غير محدد”.. مشروع الكتاب الأزرق

أطلق سلاح الجو الأمريكي مشروعا تحت مسمى “علامة”، وذلك لدراسة حقيقة هذه الظواهر، ثم أعاد هيكلته وغيّر اسمه إلى “مشروع غرودج” سنة 1949، وفي 1952 ولما تضاعفت شهادات المواطنين، أعاد الجيش النظر في المشروع وضاعف من موارده، وأطلق عليه تسمية “مشروع الكتاب الأزرق”. وعهد بإدارته للنقيب “إدوارد جيه روبلت”، ثم إلى “تشارلز هاردين” من بعده، وكان هدفه التثبت من حقيقة المزاعم بوجود هذه الأجسام الغريبة وتحديد هويتها.

ومن تبعات ذلك ظهور مصطلح حربي جديد هو “جسم طائر غير محدد” (UFO)، وأريد له أن يكون محايدا ليعوّض عبارة “الأطباق الطائرة” المغرق في الوثوق من وجود هذه الظاهرة، فالمصطلح هو اختزال للعبارة (Unidentified Flying Object)، ويشمل كل ما تلتقطه الأعين المجردة أو عدسات الكاميرا أو شاشات الرادار في الفضاء ولا يمكن التحقق منه.

ثم سرت أحاديث عن مشروع “ماجستيك 12” السري، وعن منظمة سرية مزعومة تتألف من العلماء والقادة العسكريين والمسؤولين الحكوميين، وتشير هذه المزاعم إلى أنّ قيامها كان بأمر تنفيذي من قبل الرئيس الأمريكي الراحل “هاري ترومان” الذي يطمح فيه إلى السيطرة على العالم إثر حادث “روزويل” المتمثل في تحطم أحد الأجسام الفضائية الغريبة بالقرب من روزويل في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية.

لقد توقف مشروع الكتاب الأزرق سنة 1969، وأفضت المجهودات جميعا إلى الإقرار بانعدام وجود مثل هذه الأجسام الطائرة، وبأن الأمر لا يعدو أن يكون محض أوهام لأصحاب الشهادات لعوامل نفسية أو مناخية، أو أنها كانت تتعلق برؤية نجوم وغيوم وطائرات عادية أو طائرات تجسس. وظلّ مكتب التحقيقات الفيدرالي يعلن أن الوثائق التي ترتبط بـ”ماجِستيك 12″ هي وثائق مزيفة. ومما زاد من ابتذال الفكرة استغلالها تجاريا في ألعاب الفيديو التي تُظهر المنظمة في شكل قوة عسكرية خاصة عازمة على تدمير الأشرار الذين يسعون للسيطرة على العالم.

وثائق تبرز اصطدام طائرات مقاتلة تابعة للبحرية بأجسام طائرة مجهولة الهوية، والتي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2017

 

مواجهة الطائرات والأجسام الطائرة.. اعترافات وزارة الدفاع

لا يُعاد فتح قضية ما في عالم القضاء بعد أن تستوفي إجراءات التقاضي وتحفظ إلا بظهور أدلة جديدة جديرة بنقض الأحكام. فهل نستدعي هذه القاعدة القضائية ونحن نرى المخرج الأمريكي “جيمس فوكس” يُعيد فتح قضية “الأطباق الطائرة” أملا في تأكيد حقائق طُمست عمدا؟

من هذه الأدلة مقاطع فيديو تعرض فيها شاشات الرادار مواجهات بين طائرات مقاتلة تابعة للبحرية، وأجسام طائرة مجهولة الهوية نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” سنة 2017، ومنها كشف الصحيفة نفسها عن برنامج البنتاغون السري لتحديد التهديدات الفضائية المتقدمة (AATIP).

فلم يدع العنصران مجالا لوزارة الدفاع الأمريكية للإنكار، فاعترفت في أبريل/نيسان 2020 بأن مقاطع الفيديو تلك هي مقاطع حقيقية، وأنها لأشياء “مجهولة الهوية” التقطتها راداراتها فائقة الدّقة. ومن هذه الأدلة -وإن لم تكن على صلة مباشرة بموضوع الأطباق الطائرة- التأكد علميا من وجود الماء مصدر الحياة على بعد 110 سنوات ضوئية من كوكب الأرض.

أطروحة جيمس فوكس التي يريد أن يقنع بها المتفرّج أن المجرات والكواكب تتربص بنا وتنتظر اللحظة الحاسمة للانقضاض علينا

 

كائنات فضائية تُنازعنا السلطة على الأرض.. شهادات عسكرية

يتخذ الفيلم تسلسلا منطقيا، فيعرض القناعة التي يؤمن بها المخرج ويقدمها على أنها الحقيقة، فنحن معشر البشر لسنا الكائنات العاقلة الوحيدة في الكون، ولا نمثل الاستثناء الجميل فيه من بين عامة الكائنات كما نعتقد. فقد اتضح أنّ كائنات أخرى فضائية تشاركنا الإقامة فيه، وربما هي تستعدّ الآن لتنازعنا سلطتنا على كوكب الأرض.

وليحملنا على مشاركته هذه القناعة؛ يسلك الفيلم مسارا إقناعيا يراكم فيه الحجج، حتى يدفع المتفرّج إلى التسليم بها، ومنها شهادات مع من يشاركونه هذا الاعتقاد وهذا الهوس، حيث يجعل على رأسها رواية “كينيث ألبرت أرنولد” في 24 يونيو/حزيران 1947، وهو أول من أخبر عن “الظاهرة”، فيعرض المخرج شهادته ضمن “مشروع الكتاب الأزرق”، ويورد رسمه لهذه الأطباق، ويعيد فحص أدلة يعتقد أنها أخفيت، لتشكل تاريخا موازيا لظاهرة حجبت 70 عاما كاملا. وينقل شهادات لعسكريين اصطدموا بطرق مختلفة بهذه الأجسام الغريبة، فيورد تجربة “ويليام كومن” أحد الطيارين الموسمين في الحرب العالمية الثانية، ويورد تفاصيل رؤيته لسرب من هذه الأطباق، ووصفه لها، وحواره مع الطيار المساعد، وكلاهما مهندس طيران.

وممن عرضوا شهاداتهم مستشارون علميون شاركوا في مشروع “الكتاب الأزرق”، أو كانت لهم صلات مباشرة بأسئلته، فيتفقون على أنّ ظاهرة UFO تمثل حقيقة، ويؤكد أحدهم أنّ الحكومة لا تثق بالشعب ولا تصارحه، وأنها تعامله كمجموعة من الأطفال غير الراشدين. ويؤكد بعضهم أنّ حكومة الولايات المتحدة استعادت مركبة فضائية غريبة بالقرب من روزويل في يوليو/تموز 1949، وجرى التستر على هذه القضية، واكتفى الموقف الرسمي بتأكيد أنّ الأمر لا يعدو أن يكون منطادا لمراقبة الطقس، ثم ادعى لاحقا بأنه مشروع سري لمناطيد لمراقبة الطقس كانت معلقة بطائرات ورقية، وكانت تستخدم للتجسس على التجارب النووية السوفياتية.

صورة لأحد الأطباق الطائرة التي التقطها أحد المواطنين في سماء موسكو الروسية

جسم طائر فوق موسكو.. إعادة تمثيل الروايات

لا يكتفي الفيلم بعرض شهادات شهود العيان من الولايات المتحدة، فيستجلب أستراليين رأوا مشاهد مماثلة في ستينيات القرن الماضي، فوفقا لوثائق سرية سوفياتية، فقد حلق جسم طائر لنحو ساعة فوق قاعدة نووية أوكرانية سنة 1982، ومرّ جسم طائر فوق موسكو 1990. وأكدت شهادات لطلبة في زمبابوي مواكبتهم لزيارة كائنات فضائية حطت مركبتهم قرب مدرستهم سنة 1994.

وإجمالا كانت الشهادات المختلفة تنوعات على الأصل نفسه، فجميعها يؤكد أن هذه الأطباق موجودة بالفعل، وأن السلطات تتواطأ لتطمس حقيقتها.

ويمثل البُعد التأثيري مسارا ثانيا يدفعنا إلى التسليم بهذه الشهادات، فقد كانت الشاشة تعمل على إعادة تمثيل الروايات، وتخلق مجسمات للأطباق تطابق وصفها أو حركتها، وتضع المتفرّج في إطار “حقيقي” لا يجعله يفكّر في مدى صدق الرواية، وإنما يخلق فيه الذهول لغرابة الصور، ولقدرات الأطباق العجيبة التي تتجاوز كلّ منجز بشري.

الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وباراك أوباما تشابه تعاملهما مع ظاهرة الأطباق الطائرة، والذي اتسم بالكثير من الحذر

 

“بيل كلينتون”.. حجر في مياه السرية الراكدة

تترتب على عرض هذه القناعة مجموعة من النتائج، منها طرح الأسئلة التي تمثل حجرا يحرك المياه الراكدة نحو “من أين تأتي هذه المركبات، وما أصلها، وكيف صنعت، ولماذا هي هنا بيننا”؟ ولم تبق الإجابة منيعة إلا لأن ستارا من التكتم والسرية يضرب حول الظاهرة.

وهذا يقودنا إلى السؤال الثاني وهو “ما هي الأطراف التي تتحكم في هذه المعلومات وتتكتم عليها”؟ فالوثائق المتعلقة بها تظل سرية للغاية، حيث لا يطلع عليها الرئيس نفسه، “فثمة مهنيّ ما” وفق اعتقاد إحدى الشهادات “يطّلع على هذه الأسرار ويخفيها عن الرؤساء”. حتى أن الرئيس “بيل كلينتون” نفسه يشتكي قلة حيلته مؤكدا أنه ليس الرئيس الوحيد الذي يُعامل على هذا النحو، وأن السؤال حول الكائنات الفضائية يمكن أن يعرّض مستقبله المهني للخطر. ويبدو “كلينتون” هنا مازحا وهو يجيب السائل.

غير أن الفيلم يحمل كلامه على محمل الجدّ، والغريب في الأمر ذلك التشابه في تعاطي المسؤولين مع ظاهرة الأطباق الطائرة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على ما بينهما من الصدام أيام الحرب الباردة الذي يكاد يتحول إلى ضرب من التواطؤ الصامت بين الأعداء.

والنتيجة الكبرى المؤلفة من كل هذه التفريعات أنّ أطرافا ما موجودة في واشنطن بالتأكيد، لكنها تكون الحكومة أحيانا أو أطرافا من الحكومة، أو هي أطراف من وزارة الدفاع تشكل عصابة توجد في مكان ما، ولمصالح ما تتحكم في المعلومات وتحجبها عن عامة البشرية.

هكذا يدافع الفيلم عن فكرة محاطة بكثير من الإبهام والغموض، فتجعل سذاجتها الإنسانية قاطبة بعلمائها وسياسييها وعسكرييها ضحية لخديعة هذه الأطراف المجهولة التي تتوارث أسرار الكائنات الفضائية لنحو قرن إلا ربع، وتواصل إلى اليوم احتكارها.

 

فلسفة العوالم الموازية.. مؤامرة تنميط الرأي العام

لا نعتقد أنّ الفيلم يمثل رائعة فنية، ولا أنه يميط اللثام عن قضية منسية، فهاجس البحث عن أثر للحياة خارج كوكب الأرض لم ينقطع يوما، وفلسفة العوالم الموازية مثلا تفترض وجود عوالم أخرى ممكنة خارج المجموعة الشمسية.

ومن أشد المؤمنين بها في عصرنا اليوم العالم البريطاني العبقري “ستيفــن هوكينغ” الذي يجد الإنسانية اليوم أشبه بحضارة الهنــود الحمر مقارنة بحضارة هناك في العوالم الموازية. وبعض علماء البيولوجيا التطورية أصبحوا يعتقدون اعتقادا عميقا بإمكانية وجود حياة خارج الأرض، وذلك في طور بدائي يختزل في بعض البكتيريا أو الكائنات وحيدة الخلية أو الفيروسات أو الفطــريات. وبعيدا عن التصورات فقد أخذت مشــروعات فعلية تشرف عليها جامعات عريقة مثل هارفارد وكاليفــورنيا، ترسل الإشارات للفضاء بحثا عن رد ما من كائناته.

ومع ذلك فإننا نجد الفيلم مهما، فهو عينة من السينما الأمريكية عامة، والتفكير فيه يكشف لنا آليات عملها، ويجعلنا في موقع أفضل لفهمها، فالأثر لا يطرح قضيّة حقيقية من تلك القضايا التي تدافع عن إنسانية الإنسان، ولا يناضل ضد الحيف، أو يعارض تدمير الطبيعة، أو غير ذلك مما يمنح النمط الوثائقي نبله ورقيه؛ بقدر ما يدفع نحو إثارة المتفرّج وتضخيم دهشته، وينخرط ضمن تيار السينما الاستهلاكية التي ترى في موضوع الأطباق الطائرة مادة خصبة تُدر على منتجيها مئــات الملايين من الدولارات سنويــا، وبقدر ما يوجه الرأي العام نحو قضايا ثانوية تشغله عن قضاياه الحقيقية. فتجعله بشكل ما “دون كيشوت” الذي يصارع طواحين الريح.

 

“أنا أدرك ما رأيت”.. تأنيب الضمير الأمريكي

لسنا هنا بصدد الحديث عن أنّ المخرج منخرط في مؤامرة لتنميط الرأي العام، فقد يبدو هو نفسه ضحية لوعي يجري تشكيله، خاصة أنه طرح هذه القضية في فيلم سابق هو “أنا أدرك ما رأيت” (I Know What I Saw) للتلفزيون سنة 2009، ثم للسينما سنة 2014. فبدا مأخوذا بفكرة الأطباق الطائرة تماما، شقيا بأسئلته التي لا قِبل له بالإجابة عنها. فينطلق من التساؤل حول “من تكون هذه الكائنات الغريبة”، لينتهي إلى التساؤل حول الأطراف الغامضة التي تتحكم في دواليب الدولة الأمريكية، وتوجّه مصير البشر، فتكون أقوى من السلطة، وتكاد تتحول بدورها إلى كائنات فضائية غريبة.

فضلا عن ذلك تعرض ظاهرة الأطباق الطائرة التي انطلقت منذ 1947، شيئا من تمثل “الأمريكي العظيم” لذاته بعد الحرب العالمية الثانية، وهو تمثل مفارق، ففيه شعور بالتفوق الناتج عن حسم الولايات المتحدة للحرب العالمية الثانية لصالحها، حتى أنّ أعداءها باتوا خارج كوكب الأرض، بعد أن أخضعت اليابان معتمدة على القنبلة النووية، وفيه شعور بالقلق العميق وبتأنيب الضمير اللذين يجعلان الضمير الأمريكي يتخيّل قوى ما فوق بشرية ذات قدرات رهيبة تتأهب للهجوم على الولايات المتّحدة لتدمّرها، كما هاجمت هي اليابان ودمرت مدينتي هيروشيما وناغازاكي.