الفن السابع والحب.. الغراميات الخالدة في تاريخ السينما المصرية

الفنان المصري هشام عبد الحميد

وسط زحام الحياة وقسوتها وسرعة سعارها المجنون في متغيراتها السياسية والاجتماعية والثقافية، وسباق المجتمعات والدول للتفوق العسكري والنووي، وكل ما تلا ذلك من تعاسة وبؤس على الإنسانية، إذ أن ظلال الحروب والاستبداد وتوحش الرأسمالية بلا شك قد انعكست على عامة الناس في كل المجتمعات، فأصبحت العلاقات فاترة والتعاملات يشوبها الكثير من الخداع والزيف.

لقد أصبح المجتمع الإنساني بشكل عام يفتقد لقيم الحق والخير والجمال، ويميل لتمجيد قيم دونية تصل لحد السفالة.

هنا يأتي دور الفن والأدب والسينما في تقديم المثال والنموذج لقيم كاد الناس أن ينسوها، وقد يكون الحب على رأس هذه القيم. الحب بمعناه وإيقاعه الخاص والعام، فعندما نرى وسط هذا الركام المؤلم قصة حب على الشاشة، فإنها توقظ فينا مشاعر الجمال والسعادة.

تأسيسا على ما سبق سنتعرض لأهم النماذج السينمائية المصرية ومنها:  فيلم “حبيبي دائما” و”موعد على العشاء” و”غرام الأفاعي”، بالإضافة إلى فيلم “حبيبتي”.

صورة تجمع الفنان المصري “نور الشريف” مع الممثلة “بوسي”، حيث تجمعهما علاقة حب في فيلم “حبيبي دائما”

 

“حبيبي دائما”.. ألم الرحيل بين يدي الحبيب

نبدأ مع فيلم” حبيبي دائما” من إخراج حسين كمال وبطولة نور الشريف وبوسي وماجدة الخطيب وسعيد عبد الغني وسوسن بدر، وهو من إنتاج نور الشريف، وموسيقى جمال سلامة، وتأليف يوسف السباعي، وسيناريو رفيق الصبان، وحوار كوثر هيكل.

يدور الفيلم حول فريدة (الممثلة بوسي) الفتاة الرقيقة التي تنتمي لعائلة أرستقراطية، إذ ترتبط بقصة حب مع إبراهيم (الممثل نور الشريف)، وهو من عائلة فقيرة، وبالطبع ترفض عائلتها هذا الارتباط للفارق الاجتماعي الكبير، فتتزوج رغما عنها لرغبة العائلة برجل الأعمال أسامة (الممثل سعيد عبد الغني).

تسافر فريدة مع زوجها بحكم طبيعة عمله إلى الخارج، وهنا تصطدم بنمط حياة زوجها المنفتح المتحرر إلى حد التطرف، فتصاب بالغثيان من هذا الانفلات، وكان لا بد من المواجهة والاختلاف بينها وبين عالم زوجها المنفلت، وبالفعل تحدث المواجهة بين زوجها وصديقته مي (الممثلة  ماجدة الخطيب)، وتقرر إثر هذه المواجهة أن ترجع إلى مصر بعد أن أيقنت أن هذه ليست حياتها ولا مبادئها.

تلتقي فريدة هناك مرة أخرى بإبراهيم  ويتجدد الأمل، فيرتبطان ببعضهما ويسافران إلى لندن، لكنها تصاب بوعكة وتذهب لإجراء الفحوصات فتكتشف أنها مصابة بالسرطان، وأنها في مرحلتها الأخيرة في الحياة. تودع في النهاية حبيبها إبراهيم وترحل بين يديه بعد مشهد شديد التأثير، وبرومانسية تكاد تكون الأهم في السينما المصرية.

نور الشريف.. مغامرة الفيلم الرومانسي

بالطبع يحسب للفنان نور الشريف أنه أنتج وغامر بتقديم فيلم رومانسي وسط ركام من أفلام المخدرات التي كانت موضة ذاك الوقت، حيث تنبأ جميع المنتجين والموزعين بفشل الفيلم فشلا ذريعا، ظنا منهم أن الفيلم الرومانسي أصبح موضة قديمة، ولكن يبدو أن الجمهور كان قد تشبع  إلى حد الملل من أفلام النوع الواحد كالمخدرات والجريمة، مما أتاح فرصة ذهبية لفيلم “حبيبي دائما” ليلقى هذا النجاح المذهل.

أصبح نور الشريف مع مرور الزمن أحد أيقونات السينما المصرية لأنه قدم ما يتمناه المشاهد بصدق، رغم أنه قد لا يجده في واقعه.

لقطة من فيلم “موعد على العشاء”، الذي يتحدث عن علاقة فاترة وباردة تجمع الزوجين نوال وعزت على طاولة واحدة

 

“موعد مع العشاء”.. انتقام يرسم نهاية الزوجين المأساوية

فيلم “موعد مع العشاء” هو فيلم من إخراج محمد خان وبطولة سعاد حسني وحسين فهمي وأحمد زكي، وقصة محمد خان، وسيناريو وحوار  بشير الديك، ومونتاج نادية شكري، وقد أنتج الفيلم طانوس فرنجية 1981.

يدور الفيلم حول علاقة الزوجين الفاترة الباردة، وهما نوال (الممثلة سعاد حسني)، وزوجها رجل الأعمال عزت الذي لا يأبه لمشاعر زوجته ويعاملها بجفاء شديد وبراغماتية قاسية.

تتعرف نوال وسط هذا الجو المضبب دراميا على شكري (الممثل أحمد زكي) في صالون سيدات حيث يعمل مصفف شعر، فتتطور العلاقة بينهما بعد أن تشعر بدفء في حياتها عوضها عن حالات الفتور والبرود والملل التي كانت تعانيها مع زوجها، إلا أن زوجها يعلم بهذه العلاقة ويتخلص من شكري.

تعلم نوال بوفاة شكري فتقرر الانتقام، وذلك بوضع السم له في العشاء، وفي العشاء الأخير تتناول نوال الطعام ويتناوله أيضا عزت، لينتهي الفيلم تاركا خيال المتفرج للنهاية الحتمية المأساوية للزوجين.

الممثلة المصرية سعاد حسني بطلة فيلم “موعد على العشاء”

 

سعاد حسني.. تغلب موهبة الممثل على خيال المخرج

إذا كان فيلم “حبيبي دائما” أكثر رقة ونعومة، ويحتوي قصة حب شديدة العذوبة، فإن قصة الحب في “موعد على العشاء” ليست بها ألوان أو زخارف، فقد أرادها المخرج أكثر حميمية ولكن بعقل بارد، وتجدر الإشارة إلى قدرة سعاد حسني غير المحدودة في فن وعلم التمثيل.

فقد اختلفت سعاد أكثر من مرة مع المخرج محمد خان، حيث أصرت على وجهة نظرها، وبالطبع يثبت صوابها فيما بعد، فمن ذلك على سبيل المثال مشهد دخولها الشقة التي كانت تعيش فيها مع شكري وهى تحمل في يديها بعض الحاجات المنزلية، فقد كانت تعليمات المخرج أن تضع الحاجات على المنضدة، ثم تنادي شكري وتبحث عنه في أرجاء الشقة إلا أنها لم تنفذ التعليمات ولم تضع الحاجات على المنضدة، وبحثت عنه في أنحاء الشقة.

قد كانت وجهة نظر سعاد أنها من لهفتها من غير المقبول أن تكون منظمة في أفعالها، بل لا بد أن تكون تلقائية وغير منظمة، وبالطبع كانت هي المحقة.

أما اللحظة الدرامية الثانية فهي وصولها المشرحة لكي تتأكد من جثة شكري في ثلاجة المشرحة، ومن الطريف أن سعاد قدمت تعبيرا مدهشا حينما رأت جثة حبيبها في ثلاجة حفظ الجثث.

وبالمناسبة كان أحمد زكي بنفسه في الثلاجة وبالفعل رأته ممددا في الثلاجة، ثم أغلق المسؤول الثلاجة لكي تنخرط سعاد في بكاء حقيقي، ولم تتوقف حتى صاح المخرج “ستوب”. التفت الجميع حول سعاد يهنئونها على هذه اللحظة البديعة، ونسوا أو كادوا ينسوا أحمد زكي الذي كان على حافة التجمد.

 

“حبيبتي”.. حادث يفسد أعذب رومانسيات السينما المصرية

فيلم “حبيبتي” هو من إخراج هنري بركات، وبطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين، وقصة بورفا لازارى،  وموسيقى إلياس الرحباني، وقد أنتج الفيلم سنة 1975.

يدور الفيلم حول الرسام التشكيلي المغترب بلبنان مجدي سالم (الممثل محمود ياسين) الذي كان يعاني من شظف العيش وهواجس الغربة، وفي إحدى الحدائق حيث يعيش حياة الصعلكة يلاحظ سيدة محافظة تشد انتباهه هي سامية محمود (الممثلة فاتن حمامة)، وبالطبع يحاول أن يتعرف عليها وينجح في ذلك، وتبدأ بينهما علاقة حب رفيعة المستوى يتخللها كثير من الكذبات البيضاء التي كانت تضطر إليها سامية حتى لا تكشف له مدى تواضع معيشتها.

لكنه عندما يتأكد من نبل شخصيتها وسلوكها الراقي يقرر الارتباط بها بعد موافقة معارفها بلبنان، وفي غمرة سعادتها وفرحتها يحدث لها حادث سيارة وتنقل على أثره إلى المستشفى، فيأتي إليها الحبيب الملتاع ليدور بينهما مشهد من أجمل مشاهد السينما المصرية، وترحل وتتركه وحيدا وسط حياة قاسية باردة.

لعل ما يميز فيلم “حبيبتي” هو موسيقى إلياس الرحباني المؤثرة الرقيقة، بجانب الأداء الراقي لبطلي الفيلم فاتن حمامة ومحمود ياسين، ولعل الملفت أيضا بهذا الفيلم تركيزه الشديد على شخصيتي الفيلم دون الدخول في تفاصيل أو خطوط درامية مساعدة، ذلك مما أوجد خصوصية لهذا الفيلم عن باقي الأفلام من هذا النوع.

 

“غرام الأفاعي”.. خطة لقتل زوج الحبيبة

فيلم “غرام الأفاعي” هو من إخراج حسام الدين مصطفى، وقصة نبيل راغب، وسيناريو وحوار محمد خليل الزها، وبطولة كاتب هذه السطور (الممثل هشام عبد الحميد) وليلى علوي وصلاح قابيل وصابرين وأحمد لوكسر ورانيا فتح الله، ومونتاج فكري رستم. إدارة التصوير إبراهيم صالح، وإنتاج سكرين (2000) إبراهيم شوقي وصفوت غطاس.

عرض الفيلم سنة 1987 ويدور حول وجدي (الممثل هشام عبد الحميد) ومهجة عبد الرحمن (الممثلة ليلى علوي)، وهما على علاقة حب ببعضهما بكلية الصيدلة، ونظرا لنبوغ وجدي ينجح بامتياز، فلم يكن هناك شك بأنه سيعين معيدا في قسم الصيدلة، ولكنه يفاجأ أن الكلية لم تأخذه معيدا بسبب وساطات لمن هو أقل منه، مما سبب له الحزن الشديد.

يتقدم وجدي في نفس الوقت لوالد مهجة (الممثل أحمد لوكسر) فيرفضه بشدة، بل ويصر على تزويجها من يسري الوسيمي رجل الأعمال (الممثل صلاح قابيل).

تتزوج مهجة ولكنها تستمر في علاقتها مع وجدي، بل وتطلب من زوجها أن يفتح لها صيدلية لكي تجد عملا لوجدي حبيبها، بحيث يكون قريبا منها، ولكن صابرين أخت زوجها تكتشف هذه العلاقة، وتخبر أخاها صلاح قابيل الذي بدوره يقرر الانتقام.

بعد علمه بأنها كانت تأخذ أقراص منع الحمل يرجئ الزوج العقاب لحين رجوعه من السفر، ويخطط وجدي لخطة للتخلص من زوجها بوضع سم زعاف يسبب له جلطة قلبية دون أن يحدث أثرا عند إجراء أي تحاليل، وبالفعل نُفذت الخطة، وفعلت مهجة كل الخطوات لكي يموت زوجها، ويخلو لهم الجو وتتزوج بوجدي.

الممثل المصري هشام عبد الحميد الذي كان بطل فيلم “غرام الأفاعي” الذي عُرض سنة 1987

 

سم على مائدة الطعام.. نهاية روميو وجولييت

فتحت مهجة شركة لحبيبها وجدي لكي يصبح رئيس مجلس إدارتها، إلا أن وجدي يعجب بفتاة أخرى وهي ماجدة (الممثلة رانيا فتح الله)، وتنمو بينهما علاقة تكتشفها صابرين.

تقرر مهجة الانتقام من وجدي الذي حنث بوعده معها، وتحدث مشادة بينهما يترك وجدي على أثرها الشركة، ثم ما يلبث أن يهاتفها لكي تعود المياه إلى مجاريها، وبالفعل يرجع لكي يتناول الغذاء معها قبل أن يسافر في رحلة عمل.

كانت مهجة قد وضعت السم لوجدي بالطعام، لكن مفعوله لا يظهر إلا بعد أسبوع، وفي أثناء انتظارها خبر وفاة وجدي بدأت تتألم لفعلتها، وترجو أن ينجو من الموت، وبالفعل يأتي لها صوت وجدي عبر الهاتف ليؤكد لها أنه سيصل مبكرا، فتفرح مهجة وتصاب بإغماء تنقل على أثره إلى المستشفى.

يأتي وجدي من السفر، لكن تفاجئه نوبة قلبية من مفعول السم الذي كانت مهجة قد وضعته له وتناوله دون أن يدري. هنا تكون اللحظة الدرامية، حيث تصارحه بأنها وضعت له السم، وهي نادمة على ذلك لأنها تحبه بجنون، لكن المفاجأة كانت حين يصارحها وجدي أيضا بأنه دس هو الآخر لها السم، ولكنه يحبها بجنون. يموت الاثنان في أحضان بعضهما، لنكتشف أغرب قصة حب في السينما المصرية، إنها روميو وجولييت بقالب جديد.

الممثلة المصرية ليلى علوي بطلة فيلم “غرام الأفاعي”، حيث قامت بدور مهجة عبد الرحمن

 

منهج الأسلوب الشخصي.. قد تصنع الوجوه الجديدة النجاح

نجح الفيلم نجاحا كبيرا على المستويين النقدي والجماهيري، ولعل غرابة قصة الحب هذه التي انتهت بمأساة قتل الحبيبين لبعضهما كانت عنصرا مختلفا وجديدا عن باقي قصص الحب التي ذكرناها، إذ تنتهي دائما بموت أحد الحبيبين وترك الآخر يندب حظه العاثر، فهذا ما كان في فيلمي “حبيبي دائما” وفيلم “حبيبتي”.

لا غرو أن أحد أسباب نجاح الفيلم بجانب موضوعه الفريد هو اختيار كاتب هذه السطور كوجه جديد وتقديمه في أول بطولة مطلقة له، واعتماد كاتب هذه السطور طريقة مختلفة عن الأداء المتعارف عليه، وهو منهج الأسلوب المعني بالتحكم في لاوعي الممثل.

تكون هناك مساحة في هذا الأسلوب بين الشخصية التي يقوم بها الممثل وبين شخصيته الحقيقية، ففي هذا الأسلوب التمثيلي لا يتقمص الممثل الشخصية ذائبا بها، أي أنه لا تسيطر عليه الشخصية سيطرة غير واعية، وإنما يتكئ الممثل على وعيه حتى لا ينسى شخصيته الحقيقية وليصبح قادرا على أسلوبه، لينتج الدور بأسلوبه الخاص.

منهج الأسلوب هو تطوير لتعاليم “ستانيسلافسكي” في علم التمثيل، وقد نقل عن طريق “استيلا إدلير” في نيويورك التي نقلتها إلى “لي ستراسبيرج” الذي أنشأ مدرسة استديو الممثل المعنية بالأسلوب.

نرجو أن نكون قد ألقينا ولو بقبس من الضوء على قيمة الحب في حياتنا واحتفاء السينما به، لأنه ببساطة هو عنوان الحياة والوجود.