القسّ المُتطرف على عتبة بيت “محمد حسين”

محمد موسى

يقضِّي الصبي الأمريكي محمد حسين، والذي قدمه الفيلم التسجيلي الأمريكي “تعليم محمد حسين”، أوقات فراغه بين ألعاب الكمبيوتر العادية ومشاهدة أفلام الوعظ والنهيّ الإسلامية الترويجية المتوفرة بكثرة على مواقع الإنترنيت. في أحد مشاهد الفيلم، يدعو الصبي الذي لم يتجاوز العاشرة أخاه الأصغر عمراً بأن يلتحق به في الغرفة الصغيرة ليشاهدا معا الفيلم الخيالي الذي يُظهر إبتلاع النيران للأرض. هي “العقوبة” التي تنتظر كوكبنا اذا واصل سكانه “طغيانهم” ونسوا “إسس دينهم الحق”، على حسب المُعلق في الفيلم القصير، والذي كان يتحدث الإنكليزية بلهجة ثقيلة، على عكس محمد حسين، الذي ولد في الولايات المتحدة الأمريكية لإسرة مُسّلمة من جنوب شرق آسيا، ويعيش مع عائلته الصغيرة في مدينة ديترويت الأمريكية.

يسكن محمد حسين في حيّ تكثر فيه الجوامع والمدارس الإسلامية، هي هناك أكثر من معدلاتها في أي دولة اسلامية، وتعكس التنوع الإثني من جهة وأيضا الإختلافات المذهبية لسكان الحي من الجهة الإخرى. “محمد حسين” يتلقى تعليماً مدرسياً حكومياً، الى جانب المدرسة الإسلامية، التي يرتادها يومياً وتملك قيمة وجدانية مُهمة لديه. لكن الفيلم التسحيلي الأمريكي الذي يقترب من العالم الصغير المحدود للصبي، لن يظهر هذا الأخير كقنبلة موقوته تكبر مع الوقت وتستعد للإنفجار بوجه البلد في المستقبل. محمد حسين هذا، بوجهه البريء، مازال بعيداً عن تعقيدات ومُعضلات العالم، والإسلام الذي يعتنقه، هو الدين الرحيم البعيد عن العنف.

لم يكن لمحمد حسين او مسلمي منطقته بأن يحظوا بإهتمام الفيلم لولا الضجة التي أثارتها زيارة القسّ الأمريكي المتطرف تيري جونز لمدينة ديترويت الأمريكية. القس هذا، الذي أحرق كُتب القرآن على الملأ قبل أشهر من زمن تصوير الفيلم، كان يرغب في أن يواصل إستفزازه الكبير للمسلمين، بالحضور الى مركزهم في البلد وبالتحديد في ولاية ميشغان. ستكون زيارة القسّ مناسبة لصناع الفيلم لتقديم صور وشهادات من “الغيتو” الكبير الذي يعيش فيه مسلمي الولاية في مدينة ديترويت، ومنهم محمد حسين نفسه. الفيلم يبدأ بهذا الأخير، ثم يتوسع ليقدم نماذج متعددة لمسلمين، بعضها لناشطين مدنيين، يحاولون منذ سنوات وقف الممارسات الحكومية الممنهجة للتضيق عليهم وحرياتهم  في الولايات المتحدة الأمريكية.

الى جانب إقترابه الحميميّ من عوالم شخصيات مُسلمة، يقدم الفيلم التسجيلي ” تعليم محمد حسين ” النشاط الإجتماعي، الذي بدا عليه التنظيم والتفانيّ، لجمعيات مُسلمة ومسيحية، والتي ستصطف ما بوجه الكره الذي أحاط بنشاط القسّ المتطرف. سيتكشف من سلوك سُكان ديترويت الفقيرة، إن المدينة التي بدت في بداية الفيلم كمنطقة منسيّة ولا تنتمي للأرض الأمريكية، مازالت متمسكة بإسس وجوهر المواطنة الأمريكية. يخوض ناشطون مسلمون حملة إعلامية قوية ضد زيارة القس العدائية، وسينظمون مظاهرة، كادت تنقلب الى العنف.

هذا الجانب من الفيلم يسير بموازاة آخر يقدم تفاصيل من الحياة اليومية لشخصيات مسلمة، أهمها محمد حسين، الذي لن نشاهد أباه، الغائب دائما بسبب عمله، اما الأم فسنراها في مشاهد مُتقدمة في الفيلم، وهي ترعى إبنة معوقة لها. تلك المشاهد على عاديتها كانت بالغة التاثير، فالفيلم الذي يتوجه بالأساس للجمهور الأمريكي، يذهب في تقديمه محنة العائلة هذه، الى مسافة أبعد من الصورة الشائعة عن المسلمين المتدينين (والتي تنتمي اليهم عائلة محمد حسين)، فخلف تلك الوجوه التي ربما تبدو قاسيةعندما تظهر بشكل خاطف في نشرات الأخبار، هناك قصصاً إنسانية ومآسي وتحديات.

يتوجه الفيلم، بتركيبته ومفرداته الصورية والإسلوبية الى الإتجاه الليبرالي الأمريكي، والمتعاطف تاريخياً مع المسلمين. كان يمكن للفيلم ان يطلق جدلاً أكبر  لو إنه غاص لمسافة أعمق في عالم الحيّ السكني والمُجتمع المُسلم الذي إقترب منه، او تحدى بشكل أكبر لحجج التيارات اليمينة المُتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تنظر بريبة شديدة الى مسلميّ البلد. لا ريب إن الفترة الزمنية المحدودة للفيلم (38 دقيقة)، قطعت محاولاته المُهمة، بترسيخ الوجه الإنساني لشخصياته المتدينة، وما يحمله هذا من تحديّ للمشاهد الغير مُتخصص، ودفعه لمحاولة فهم هذا السلوك كجزء من الحريات الخاصة، والكف عن إعتبار “المسلم المتدين” كقضية ميؤوس منها او فوهة سلاح ستتوجه اليه ذات يوم.

يُعد فيلم “تعليم محمد حسين” (أخرجته الأمريكتيين هايدي يوينغ وراشيل جرادي  ومن إنتاج المحطة التلفزيونية الأمريكية العريقة “HBO”)، واحداً من الأفلام التسجيلية النادرة التي تتقرب من عالم مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية. إذ رغم الهزة والتغيير الذي أصاب البلد والعالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001، بقي مسلمي أمريكيا بعيدين عن إهتمام السينما التسجيلية الجديّة. في حين باءت محاولة التلفزيون الأمريكي لتقديمهم كجزء من نسيج المجتمع هناك بالفشل، اذ توقف برنامج ” كل الأمريكيون المسلمون “، والذي قدمته قناة ” تي ال سي ” (قدم قبل عامين ويندرج في فئة برامج تلفزيون الواقع ويرافق شخصيات مُسلمة من ولاية ميشيغان نفسها في حياتها اليومية)، بعد موسم واحد لفشله في جذب إهتمام الجمهور الواسع. قلة الإهتمام الإعلامي والسينمائي هذا، لا يعكس بالضرورة إتجاهاً فكرياً معادياً او غير متعاطف،كما أن مسلمو أمريكيا لم ينجروا الى مهاترات الإعلام اليميني الشعبي والتي حاولت ان تدفعهم الى سجالات عنيفة، غير إن أصواتهم بُحت وهم يشجبون الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها بلادهم. وبدا إن جلَّ ما ينشدون هو أن ينظر إليهم كجزء من المجتمع الأمريكي الذي لا يستحق  مُعاملة إعلامية خاصّة.