خمسون يوما توثق لخمسين عاما من المسرح

انطلق مهرجان “50 يوما 50 عاما” للمسرح هادفا إلى تحفيز التفاعل بين العاملين في نطاق الفن بمختلف أصنافه، وتوثيق الأعمال المسرحية الغنية التي يزخر بها لبنان منذ ستينات القرن الماضي، ويهدّدها الزوال بعد رحيل مؤسسيها.

يقام المهرجان في مسرح “دوار الشمس” الذي أسسه المخرج “روجيه عساف”، ويوثق لأربعة من المسرحيين اللبنانيين القدامى هم: “أنطوان ملتقى”، و”ريمون جباره”، و”منير أبو دبس”، و”يعقوب الشدراوي”.
 وعلى صعيد الأعمال الشبابية، يقدم حشد من المبدعين الجدد إنجازاتهم من كل المجالات: كأفلام الفيديو، المسرحيات، الموسيقى، الرسوم، وكل أنواع التعبيرات الفنية.
لم يرغب مؤسس المسرح المخرج “روجيه عساف” تقديم جرعات مسرحية في عروض متتالية يومية ومكثفة، بقدر ما آثر أن تتمدد فعالياته بارتياح زمني ولو اقتضى أن تكون العروض متباعدة زمنيا فيما بينها لإتاحة الفرصة للتداول في الأعمال، وفي المواضيع التي تُطرح في اللقاءات بنهاية عرض كل عمل فنيّ. 
“روجيه عساف” يعرض للمهرجان ولرؤيته له، ومعنى تسميته، ويقول لـ”الجزيرة الوثائقية”:  “اسم المهرجان خمسون يوما لأنه يمتد على مدى خمسين يوما بشكل متقطع ليوثق لخمسين عاما من العمل المسرحي اللبناني، في برنامج متنوع وواسع تتيح مدته الواسعة أن يلتقي المشاركون فيه ويتناقشون. أنا لا أحب البرامج المكثفة بطريقة لا يتاح فيها لأحد الالتقاء بالآخر، وتبادل الرأي معه، قصدنا أن نجمع فنانين من أنواع مختلفة لأنه في السهرة الواحدة قد نشاهد معرضا وفيلما ونحضر مسرحية ونسمع موسيقى، ويلتقي فنانون مع جمهور في الأعمال المختلفة، مع وقت للتفكير والتحليل والمناقشة، وتبادل آراء”.
ويتحدث عن الجانب الآخر من المهرجان: “أضفنا استذكار تجارب مسرحية في الستينات، أي خمسون سنة للوراء، لأن الشغل على الذاكرة أمر هام، ولأن ذاكرة المسرح اللبناني تكاد تزول فنفقد أعمالا كبيرة، وتراث فنانين كبار، اليوم يشعر الشباب أن هناك قطيعة بينهم وبين السابق، وتصبح بيروت كعاصمة جديدة من دون ماض، أو ماض مرفوض، فهناك ما يشبه الممحاة التي تمحو الذاكرة بشكل مقصود، ولا مستقبل بدون معرفة الماضي”.
وقارن أبعاد العمل بما يجري اليوم في العالم العربي: “هذا العمل أجد صداه بما يجري في العالم العربي، وهو امتداد لذاكرة عربية منسية لكنها ما تزال حية، وتنبت من جديد. هناك ما اسمه عروبة وثورة وشعب، في هذا الإطار أشعر بانسجام بين المهرجان بحدوده المتواضعة، وما يجري في العالم العربي، من منهج إحياء الحاضر، بالاتصال مع الذاكرة وتحضير المستقبل على أسس تعطي صوتا للشعب”.

وشرح النشاط المرتكز على توثيق المسرح بأنه تمّ الاعتماد على: “أربع روّاد أساسيين في إنشاء حركة المسرح الحديثة، نخشى أن تنسى أعمالهم، وجندنا شابات وشبابا للعمل تشكلوا في فرق، كل فريق يعمل على فنان منهم، ويقوم بتجميع وثائق، وصور، ومقالات، وإصدارات، وأشياء مكتوبة، أو مسجلة. ويجري تحضير مقابلة طويلة مع الفنان يتعرف فيها الشباب على تجربته وأفكاره، وكيف تلقف الفنانون سابقا الساحة الثقافية، وماذا فعلوا بها، ويمكن أن ينظروا للتجربة بشيء من النضوج والإدراك، ونضع فيلما عن الفنان، وندوة مع اختصاصيين واكبوا أو اشتركوا بعمله، وهم على علاقة حية مع التجارب المذكورة، ويتحدث كل عن رأيه بالتجربة، وهذه الندوة تكون مسجلة، ثم يحدث لقاء مع الشخص بحضور الناس الذين عاشوا تجربته، ومع الشباب، وتعرض الوثائق والفيلم مع المخرج، ويجري تسجيل الندوة ثم يجري نقاش حر بوجود الشخص حول الأشياء التي تعرفنا عليها عنه، ويعرض هو تجربته ويجيب عن تساؤلات الحضور.”

أضاف: “ليس هذا حفل تكريم، إنما جلسات تغني الفهم الثقافي والفني، والالتقاء بين جيل اليوم وجيل القدامى يخلق مناخا إيجابيا، ويكتشف الشباب أنه كانت هناك تجارب وأفكار ملتصقة بالواقع، وممكن أن تلعب دورا، فالتجارب لا تموت، وكذلك الأفكار”. وختم معلقا: “كبرنا المهرجان إلى خمسين يوما وبأربع محطات، وخططنا أن تكون الخطوة الأولى مؤثرة وحاسمة لأننا نهدف إلى تكرارها كل سنة مع أشخاص آخرين”.

 في المسرح مجموعة من الفنانين الشباب يقومون بالتدريب على مسرحية، منهم المتطوعة “ضنى مخايل” قائلة: “اشتغلت بمحترف استقدمناه من ألمانيا، وعرضنا من بعده 3 عروض لمسرحية اسمها “زيارة” وهذا العمل نضيفه إلى المهرجان من باب التشجيع على العمل المسرحي، ولتعزيز أهداف المهرجان”. و”رؤى بزيغ” التي تعمل في نطاق المسرح ومتخرجة من الجامعة اللبنانية، تشارك في فريق التوثيق لحلقتي ”

أنطوان ملتقى وروجي عساف

“.
 شرحت لـ “الجزيرة الوثائقية” عملها كنموذج محدد لأهداف المهرجان: “نجمع كل ما له صلة بالفنانين من وثائق وصور وكتابات لأعمالهم، وعن مسرحياتهم، ومقابلات صحفية سابقة، وكل ما يتوافر عنهم، هذه الأمور لم تعد متوفرة اليوم بسهولة، وإذا لم تجمع فقد تهدر ونفقد الأعمال وذاكرة مرحلة هامة في الفن والثقافة”.
وقالت: “مسرحيات الستينات والسبعينات ليست مصورة كفيديو، لكن بعد ذلك بعض منها مصور، ومصادر الوثائق التي نجمعها هي الناس الذين عملوا مع الفنانين، كذلك تلفزيون لبنان حيث لم يكن هناك تلفزيون غيره. كما ننسق الحفلات، وكل ما هو مطلوب عمليا، ونضع فيلما وثائقيا عن كل مخرج، لكي يعرض في اللقاء المخصص له مع الجمهور. بهذه الطريقة يصبح لدينا إطلاع على مرحلة فنية من تاريخ لبنان الثقافي الزاهر أواسط القرن الماضي ونحن نعيش حالة انقطاع عنه بسبب الحرب”.
وأوضحت أن “ليس هناك من مهمة محددة لكل من يعمل في المهرجان، كلنا نقوم بالورشة، ونحن تسعة
متطوعين، كلنا متخصصين بالمسرح أو السينما.”
“جاد حكواتي” ممثل يعمل في اللجنة التنظيمية للمهرجان، ويتعاون مع “بزيغ” في كل ما يتعلق بتنظيم المهرجان، وأرشفة بعض الحلقات (ملتقى والشدراوي).
حكواتي يعلق “للجزيرة دوك” على عمله كمتطوع: “الهدف الأهم بالنسبة لي هو تكوين مكتبة مسرحية لبنانية، فهكذا مكتبة غير موجودة، وكل ما نجمعه من وثائق ومقالات وصور وأفلام مصورة يهدف إلى تكوين المشروع عن المسرحيين المعنيين. كما ننظم عمل الفرق التي تشارك ونبرمج عملها”.

وقال: “المهرجان يتيح فرصة للشباب للتفاعل وتبادل الآراء في إطار الفنون المختلفة من خلال المسرح، وكسر الحاجز بين جيلي الستينات والجيل الجديد من خلال اللقاءات والندوات وفتح النقاش فيشكل المهرجان ملتقى تتعاون فيه كفاءات شبابية مختلفة، يتم فيه تبادل الخبرات والآراء بغية تطوير الأعمال الفنية والثقافية”.