دراما السبعينيات.. ظلال التقلبات الاجتماعية على الشاشة الصغيرة

الفنان المصري هشام عبد الحميد

شهدت الدراما الرمضانية في فترة السبعينيات ربيعا أثمر عدة أعمال فنية تكاد تكون خالدة في تاريخ صناعة الدراما المصرية، فقد كانت تلك الفترة فترة تحولات في شتى مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما أخصب أخيلة الكتاب وأوقد أذهان المخرجين في سبيل مجاراة تلك الحقبة.

وقد كانت حالة الذبذبة السائدة بين الانفتاح والتحفظ تفرض نفسها على كل تلك الأعمال الدرامية، فتجسد ذلك في أغلب السيناريوهات التي كانت تتسابق في حلبات الدراما، كما كانت مطعمة بالصراع الطبقي بين المثقفين والبسطاء من العامة.

نتعرض هنا في هذا المقال لعملين مهمين من فترة السبعينيات، لتحليل أساليبهما والتعريج على الألوان الثقافية والفكرية التي اصطبغا بها، ثم نكشف بعض الفروق بينهما وتأثير المعطيات السياسية والاجتماعية على كل منهما، وهما مسلسل “الدوامة” (1973) و”أحلام الفتى الطائر” (1978)، فكلاهما قد حققا نجاحا وشهرة واسعة، وهما يعكسان بشكل أو بآخر المناخ السائد وقتها، فهما من إنتاج التلفزيون المصري.

 

“الدوّامة”.. مثلث الزواج والصداقة والعلاقة الآثمة

مسلسل “الدوّامة” هو من قصة إبراهيم الورداني، وسيناريو وحوار شريف المنباوي، وموسيقى هاني مهنا، وإخراج نور الدمرداش، وبطولة محمود ياسين ونيللي ويوسف فخر الدين ونادية الجندي وهياتم محمود عبد العزيز.

يعاني الدكتور محمود (الممثل محمود ياسين) من عقدة من النساء منذ طفولته، وذلك إثر هروب أمه -كما قيل له- وتربيته مع شقيقته لأبيه. وقد شقّ الدكتور محمود طريقه بنجاح، وصار طبيبا بارعا يُشار إليه بالبنان، وأثناء قضاء سهرة مع صديقه كامل (الممثل يوسف فخر الدين) يتعرف على عارضة الأزياء هند (الممثلة نيللي) ويُعجب بها، ويتطور الإعجاب إلى حُب ثم مصارحة وينتهي بالزواج.

بالفعل توافق هند على الزواج من محمود بعد أن تستأذن صديقه كامل، فقد كان كامل قد أخبر الدكتور محمود أنه يعتبر هند بمثابة أخت له لا أكثر، لكن الأمور لا تسير بهدوء، إذ يبدأ الشك يدبّ في صدر محمود، ويعتقد أن هناك علاقة آثمة بين زوجته وصديقه، وتتعقد الأمور أكثر عندما تحمل زوجته، وتبدأ دوّامة الشك تُحيط به من كل جانب وصوب، فينطلق إلى إدمان المورفين علّه يجد فيه السلوان.

الممثل المصري محمود ياسين بدور الدكتور محمود الذي يقع في حب عارضة الأزياء هند

 

مقتل زعيم المطاريد.. بداية خطة الاختطاف والهروب

تتعقد الأحداث أكثر في المسلسل عندما يتورط محمود في أعمال غير مشروعة، فبعد وفاة فتاة أثناء قيامه بإجهاضها يضطر إلى الرحيل مع زوجته وابنته فضيلة التي لم تتجاوز اليومين إلى شقيقته وزوجها العمدة محمد توفيق. وعندما يعلم العمدة توفيق بورطة محمود، ينصحه بالهروب إلى مطاريد الجبل، هناك يقتل زعيمهم الذي يُدعى عيسى عبد الدايم، ويقومون بإلباس جثته ملابس محمود، ليصبح في نظر المجتمع زعيم المطاريد المجرم الخطير عيسى عبد الدايم.

بالطبع يؤكد العمدة على مقتل الدكتور محمود، وتحزن زوجته وتعود إلى القاهرة، ومع مرور الوقت ترتبط بكامل الصديق القديم لمحمود، ويجن جنونه عند معرفته بأمر هذا الزواج لأنه يؤكد ظنونه وشكوكه، فيأمر بخطف ابنته رجلا من رجاله يدعى المسخوط (الممثل فؤاد أحمد)، فهو يدين له بحياته، لأنه أنقذه يوما من موت محقق، وبعد خطف الابنة يُساوم زوجته لكي تلحق به، ويجهز قاربا في الإسكندرية ليهرب مع زوجته وابنته.

عند عرض المسلسل الذي سبق حرب العبور بأسابيع، نجح نجاحا باهرا، وأحدث شكلا جديدا في الدراما التلفزيونية من حيث الشكل والمضمون.

المخرج المصري نور الدمرداش مخرج مسلسل “الدوّامة” الذي اهتم بالتصوير بكاميرات سينمائية

 

صناعة التشويق.. دراما مصرية بنكهة أمريكية

من ناحية الشكل استخدم المخرج نور الدمرداش أسلوب تلخيص الحلقة الماضية وعرضها في مقدمة تسبق بداية الحلقة التي تليها، وهو أسلوب أمريكي كان دارجا في تلك الفترة في المسلسلات الأمريكية، ولعلها المرة الأولى التي تستخدم فيها في المسلسلات المصرية، فهذه الطريقة ضاعفت من عنصري الإثارة والدهشة لدى الجمهور.

ومن حيث الشكل التقني اعتمد الدمرداش على تصوير المسلسل بالكامل بكاميرات سينمائية، وبالتالي اكتسبت الصورة عمقا وجمالية أقوى من ما تمنحه نظيرتها كاميرا الفيديو التي تسطح الصورة، بالإضافة لإمكاناتها المحدودة بالتصوير، وقد أكسبت هذه التقنية المسلسل رونقا خاصا.

 

أمواج التحرر والتحفظ.. سينما السبعينيات

من ناحية المضمون ينجلي تأثير الفترة الاجتماعية على مضمون المسلسل المكتوب بحذق شديد، ففترة المسلسل كانت في أوائل السبعينيات التي تتماوج بين التحرر والانطلاق من جهة، ومن جهة أخرى التحفظ والالتزام والانضباط. لهذا نجد أن الحياة تتخبط ما بين النقيضين، فالمسلسل يطرح أزمة الشك كمعادل موضوعي يمزق أبطاله دوما ما بين التحرر والانغلاق.

لعلنا هنا نجد بنفس الفترة تأكيدا على هذا الأسلوب في فيلم “زوجتي والكلب” للمخرج سعيد مرزوق، من بطولة سعاد حسني ومحمود مرسي ونور الشريف، وكذلك فيلم “بئر الحرمان”، وفيلم “السراب”. ولعل نفس البطلين محمود ياسين ونيللي يؤكدان على هذا المعنى بأعمال أخرى، منها فيلم “العذاب امرأة” لأحمد يحيى، وفيلم “غابة من السيقان” عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وإخراج حسام الدين مصطفى.

هذه الأفلام جميعا تجنح إلى الجانب النفسي المُعقد والممزق، إلى درجة المرض ما بين الضدين التحرر والمحافظة.

 

“أحلام الفتى الطائر”.. لص يحاول سرقة الحياة الكريمة

مسلسل “أحلام الفتى الطائر” هو من إنتاج التلفزيون المصري عام 1978، وتأليف وحيد حامد، وإخراج محمد فاضل، وبطولة عادل إمام وعمر الحريري ورجاء الجداوي وجميل راتب ومحمود المليجي ورجاء حسين وصلاح منصور وزينب مصطفى.

قدّم وحيد حامد المسلسل نفسه إذاعيا بعنوان “بلد المحبوب”، ثم عاد وبدأ بعمل مسلسل تلفزيوني مستعينا باقتباس من السينما العالمية، وتحديدا فيلم “طار فوق عش الوقواق” (One Flew Over the Cuckoo’s Nest) من إخراج “ميلوش فورمان”، وبطولة جاك نيكلسون. وكذلك اقتباسا من المسلسل الأمريكي الأسطوري “الهارب” (The Fugitive) الذي عُرض بمصر في أواخر الستينيات.

تدور أحداث مسلسل “أحلام الفتى الطائر” حول اللص إبراهيم الطاير الذي خرج من السجن لتوّه، حيث يقرر إبراهيم أن يحيا حياة شريفة بعيدة عن السرقة والإجرام، فيذهب إلى نزل نعيمة رجاء حسين، وينمو بينهما علاقة حب رقيقة، لكن يبدأ ماضيه في مطاردته، حيث تطلب العصابة التي يقودها رشوان بيه (الممثل جميل راتب) منه القيام بمهمة، ويتواصل أحد أفرادها معه، ويتفق معه على تهريب مبلغ 750 ألف جنيه للخارج.

يتظاهر إبراهيم بالموافقة مُقررا أن يُنفذ العملية لنفسه ويستولي على النقود، ويهرب بها خارج مصر، وبالفعل يحصل على المال المطلوب تهريبه، ويذهب إلى مكان آمن في أحد الأحياء الشعبية ويقوم بدفنه، ويذهب بعدها إلى مستشفى للأمراض العقلية، ويقابل مدير المستشفى الدكتور وفائي (الممثل محمود المليجي) ليغريه بالأموال مقابل إيداعه بالمستشفى فترة ثم يخرج بعدها.

 

حسين الروائي.. جنون الكاتب الذي خانته زوجته

على التوازي مع هذا الخط الدرامي يُنسج خط درامي آخر، وهو خط المؤلف حسين رأفت (الممثل عمر الحريري) وزوجته المتطلعة والمتطلبة سوسن (الممثلة رجاء الجداوي).

حسين رأفت هو مؤلف قنوع بحاله وبنجاحه، مُعتز بكتاباته التي لا يسعى إلى أن تُجسد في السينما والتلفزيون من أجل الربح، فهو بحالة مادية معقولة، لكن المشكلة أن زوجته الانتهازية المُتطلعة لمظاهر البذخ والثراء لا يعجبها هذا، وبالتالي تصطدم إرادتهما.

يتحمل نزق زوجته وطيشها من أجل ابنتهم الطفلة ياسمين، لكن طمع الزوجة الذي لا حدود له يجعلها تدبر واقعة خيانة مع عشيقها، وتتعمد أن يكتشفها زوجها لكي يفقد أعصابه على أثرها ويحطم أثاث البيت، فتتهمه بالجنون، ويودع بمستشفى الأمراض العقلية، وتقرر السفر مع عشيقها، وتترك ابنتها مع خادمتها في أحد الأحياء الشعبية، مما يؤدي إلى تتدهور حالة الابنة ومن ثم موتها. أما الزوجة الخائنة فينفصل عنها عشيقها ويتركها بعد أن ملّ منها، حيث تعود بعدها إلى مصر لتكتشف وفاة ابنتها.

يلتقي إبراهيم الطاير مع حسين ويتعارفان ويتصادقان سريعا برغم الفارق بينهما في أشياء كثيرة، وتبدأ الأحداث في التعقيد عندما يعلم إبراهيم أن الدكتور وفائي مات إثر احتراق طائرته المتجهة إلى سويسرا، مما يعني فقد الأمل بالخروج من المستشفى، وحينها يثور إبراهيم بعد محاولة إقناع المسؤولين بظروف دخوله المستشفى ليصحح وضعه الخاطئ، محاولا أن يخرج من المستشفى، لكن الإدارة تعاقبه بصعقة بالكهرباء.

إن انسداد الأمل جعل إبراهيم يقرر مع حسين أن يهربا فى عربة التموين التي تزود المستشفى بالخضراوات، وبالفعل نجحا، لكنهما أصبحا مطاردين من قبل الشرطة التي تبحث عنهما والعصابة التي تريد استرداد أموال إبراهيم، لكن إبراهيم وحسين يستخدمان سيارة شرطة بحجة أن أحدهما في حالة مرضية خطيرة، ويتجهان إلى أرياف الدلتا.

 

حريق القرية.. معركة نصرة الأرملة ضد الزغبي

في طريق إبراهيم وحسين للإسكندرية مرا بقرية صغيرة، وقد تفاجآ بوجود حريق هائل بمستودع المحصول، فبدآ في إطفاء الجرن (بناء مصمت من الطين يستخدم لتخزين الغلال) التابع للسيدة فاطمة التي تستضيفهم في بيتها، فهي أرملة ترك لها زوجها طفلة صغيرة.

في سياق الأحداث نفهم أن كبير القرية ويُدعى الزغبي دبّر هو ورجاله الحريق لكي يجبر فاطمة على التنازل له عن الجرن والأرض، لكونها مدينة له بمبلغ 4000 جنيه، وعندما علم إبراهيم وحسين بهذه المشكلة قررا أن يتصديا للزغبي ورجاله.

يقرر إبراهيم أيضا أن يسدد ديون فاطمة، حيث يطلب من الزغبي مدة، ثم يرتّب مع عفاف ابنة فاطمة أن تحمل رسالة مكتوبة منه إلى نعيمة بالقاهرة، وعندما علم الزغبي بأمر الرسالة، أمر رجاله بانتظار عفاف عند رجوعها ليسرقوا الأموال منها ويقتلوها.

ذهبت عفاف إلى نعيمة، وقد فهمت مغزى الرسالة المُشفّره التي بعثها إبراهيم لها، ومفادها أن تؤمّن رجوع عفاف سالمة مع المبلغ، لكون الخطر ينتظرها من قِبل رجال الزغبي، وبالفعل تصل عفاف سالمة بالأموال.

يفشل الزغبي ورجاله في أذية عفاف، لكن أحد رجال الزغبي يكشف حقيقة إبراهيم وحسين، فيتصل الزغبي بالشرطة لتحاصر المكان، وتتمكن العصابة أيضا من اقتفاء أثر عفاف بمراقبتها ومتابعة نعيمة، لكن إبراهيم وحسين ينجحان في الهروب، وقبل أن يهربا يوصيان فاطمة بتسليم الدين إلى الزغبي بمحضر رسمي، حيث وجهت الشرطة إلى الزغبي بالتوقيع بعدم التعرض ثانية لعفاف.

في فيلا تاجر الآثار صلاح بيه، يجتمع السُفرجي حسين رأفت مع إبراهيم الطاير والسكرتيرة ناهد لإفشال خطة تهريب الآثار

 

سيارة متعطلة على الطريق.. مدخل إلى قصر مهرب الآثار

أثناء طريقهما للهروب يركب إبراهيم وحسين سيارة مواشي لسائق يعيش بمديرية التحرير بالبحيرة، وهناك أقنعا صاحب السيارة للعمل معه عنده في حظيرة المواشي، وقد أعجبت زوجة السائق بحسين وحاولت أن تقيم علاقة معه، غير أنه أعرض عن ذلك وكان يصدها عنه، فما كان منها إلا أن اتهمته أمام زوجها بكونه يقوم بمغازلتها، وحينها يثور غضب زوجها، ويأتي برجاله لكي يتهجموا على حسين، لكن إبراهيم يتصدى للزوج بالضرب بآلة حادة، فيقع مُضرجا بالدماء، ويهرب إبراهيم وحسين على أثر ذلك.

في الهروب أيضا تتعطل سيارة ناهد في الطريق أثناء وجود إبراهيم وحسين هناك فيصلحان لها السيارة، لتوصلهم مقابل هذه الخدمة إلى الإسكندرية، ونفهم في السياق أنها سكرتيرة لصاحب شركة استيراد وتصدير، وقد عرضت عليهما أن يعملا في قصر صلاح صاحب الشركة، بحيث يعمل أحدهما طباخا والثاني خادم سُفرة، لكنهما وعداها بالتفكير في العرض.

في الإسكندرية يطلب حسين من إبراهيم عمل مكالمة هاتفية يطمئن فيها على ابنته، فيعلم إبراهيم أن ابنة حسين ماتت، إذ ينزل خبر وفاة الطفلة كالصاعقة على حسين، فيفقد السيطرة على أعصابه، ويبدأ بالصراخ الهستيري في الشارع، وقد أزعج صراخه العالي المارة، مما أدى إلى اقتياده إلى قسم الشرطة، وأثناء ذلك يضطر إبراهيم إلى تركه والتوجه إلى السكرتيرة وإخبارها بموافقته على العمل عند مديرها صلاح بيه.

في قسم الشرطة تحضر زينب الأخصائية الاجتماعية، فتتعاطف مع حالة حسين وتقرر أن حالته جيدة، ويخرج على أثر ذلك من القسم، ثم يلحق بإبراهيم ليعمل معه عند صلاح بيه، وحينها يكتشفان أنه مهرب آثار كبير، فيبلغان ناهد السكرتيرة أنه يُعدّ لعملية تهريب كبير مقرها بيته، وبالفعل يجري الإبلاغ عنه، ويقبض عليه مع أعوانه.

الممثل المصري جميل راتب بدور زعيم العصابة رشوان بيه يُهدد عادل إمام بقتل عمه رضوان إذا لم يخبرهم عن مكان المال

 

عرين العصابة.. مصرع البطل بين يدي الرفيق والحبيبة

يهرب إبراهيم وحسين مرة أخرى، ويستقلان قطارا ذاهبا إلى القاهرة، ثم يقفزان منه قبل أن يصلا إليها، حيث يقرر حسين وسط هذا الألم الانتقام من زوجته، ويحاول إبراهيم جاهدا أن يُثنيه عن عزمه لكنه يفشل، وكذلك يفشل حسين في الانتقام من زوجته، فيسلم نفسه إلى الشرطة، ثم تأتي إليه زينب الأخصائية الاجتماعية التي تقع في حبه، فضلا عن أنه كاتبها المفضل، ويعترف حسين في قسم الشرطة بأنه فعلا التقى بصاحب المزرعة إدريس وقتله، لكن تبين لاحقا أنه لم يمت.

خرج حسين وزينب ليبحثا عن إبراهيم الذي ذهب إلى حي شعبي بخان الخليلي، وقابل صديقه القديم حمامة، وطلب منه تدبير مكان وسلاح، وبالفعل أمّن له مكانا عند رشوان زعيم العصابة التي تتبعه ليسيطر عليه في عرينه ويُهدده بالقتل، وقد استطاع إبراهيم أن يتخلص من رشوان، وحبسه في غرفته التي كان المفترض أن تؤويه، وطلب من حمامة بأن يقوم بإبلاغ الشرطة. وبالطبع كان حمامة يجهل حقيقة رشوان بيه.

ذهب إبراهيم إلى عم رضوان وطلب المبيت عنده، أما العصابة فقد تتبعته عن طريق ليلى مُساعدة نعيمة في النزل، وقد راقبت اتصالات نعيمة بإبراهيم، لتحدث المواجهة الأخيرة بينه وبينهم، إذ تهدده العصابة بقتل رضوان، فيشتبك إبراهيم معهم وتنتهي المعركة بمقتله، وتقبض السلطة على رشوان وأعوانه، ثم تأتي نعيمة وحسين ليُنقذا إبراهيم، إلا أنه فارق الحياة بين أيديهما، كما فارق أحلامه أيضا.

كواليس تصوير مسلسل “أحلام الفتى الطائر” بطولة عادل إمام وشاركه البطولة سعيد صالح، وعمر الحريري، ورجاء حسين ونخبة من النجوم

 

نموذج البطل السلبي.. صعود الطبقة السفلى

الملاحظ في هذا المسلسل هو انعكاس المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تَميَّز بها النصف الثاني من السبعينيات، فبعد نصر أكتوبر أعلن السادات سياسة الانفتاح الاقتصادي، وأحدثت السياسة الجديدة هزّة في شرائح المجتمع المصري، فظهر نموذج البطل السلبي أو “الأنتي هيرو” (Anti-Hero).

في أوائل السبعينيات كان نموذج البطل هو المثقف المتعلم، أما في مسلسل “أحلام الفتى الطائر”، فالنموذج كان البطل الشعبي الجاهل، لكنه حاذق ويمتلك ذكاء فطريا يستطيع أن يقود الأزمات ويصل لحلّها.

لم يأت الحل أبدا من الكاتب حسين الذي يُمّثل الطبقة المثقفة، وهذه إشارة بالغة الأهمية إلى تراجع الشريحة المثقفة وتقدم شريحة الطبقه الشعبية، تلك الطبقة التي تمثلت في إبراهيم الطاير هي ليست شريرة على الإطلاق، ورغم جهلها فإن منها من يمتلك من الحكمة والحصافة ما لا يمتلكه المثقفون.

ومما يلاحظ أيضا في مسلسل “أحلام الفتى الطائر” ظهور الوازع الديني المُتنامي أواخر السبعينيات، وهو ما نجد صداه بالمسلسل حين توجه إبراهيم الطاير إلى عم رضوان المتدين، كما نتنبه هنا أيضا إلى دلالة الاسم، فالحاج رضوان لجأ إليه إبراهيم مستأنسا بأن دكانه هو المكان الوحيد الآمن، إنها إشارة بأن الإيمان هو مفتاح الخلاص. ومن ثم نرى أن “أحلام الفتى الطائر” هي إرهاصة لمجتمع في طريقه للتشكل والتكوين، فقد جاء المسلسل ليُفصح عن وجه تلك المرحلة.

علّنا نجحنا في إلقاء الضوء على فترة السبعينيات وما كانت عليه الدراما في ذاك الوقت.