دراما رمضان المصرية.. إخفاق ولكن

د. أمـل الجمل

حقق مسلسل "زلزال" أعلى نسبة مشاهدة حتى الآن

بعيدا عن تكرار التهم المعتادة سنويا من القُبح والابتذال، الركاكة والتزييف، المطّ والتطويل، الابتعاد عن مشاكل المجتمع الحقيقية واستلاب الوعي، الإغراق في مشاهد تفسخ العلاقات الأسرية ومشاكل المخدرات بأحدث أنواعها والجرائم بمختلف أسبابها؛ تتجلى بوضوح السمات العامة للدراما الرمضانية المصرية هذا العام في عدة خطوط، فأول ما يلفت الانتباه غياب عمل فني مُدهش ومثير للإعجاب والإبهار البصري والفكري كما حدث في سنوات سابقة مع “أفراح القبة” مثلا، أو “بدون ذكر أسماء”، أو “حديث المساء”، أو “سجن النساء”، وغيرها من الأعمال القليلة.      

السمة الثانية هي تفوق الإعلانات إلى درجة بلغت حدود انسحاق وهزيمة الأعمال الدرامية أمامها، ليس فقط بسبب الفواصل الإعلانية التي تكاد تكون ثلاثة أضعاف مدة العمل الدرامي في بعض الأحيان، لكن الأهم بسبب تفوق الأفكار الإعلانية لتنوعها، ولخفة ظلها وثرائها ولبراعة المؤدين لها.

لأول مرة يُمنع عمل للفنان عادل إمام، وللدقة فقد تم توقيف تصوير العمل فجأة قبل أسابيع من انطلاق الموسم الرمضاني لأسباب غير معلنة

عادل إمام خارج الموسم

السمة الثالثة أنه لأول مرة يُمنع عمل للفنان عادل إمام، وللدقة فقد تم توقيف تصوير العمل فجأة قبل أسابيع من انطلاق الموسم الرمضاني لأسباب غير معلنة، لكن من الواضح -من التخمينات المتناثرة هنا وهناك- أن قرارا ما صدر بأنه سيكون خارج الموسم الرمضاني.

صحيح أن أعمال عادل إمام الدرامية الأخيرة كانت تعاني من بعض المشاكل في مستواها الفني وكان البعض يُهاجمها، إذ لم تكن في قوة أعماله السابقة، لكن أسلوب التعامل بهذا الشكل مع أحد أيقونات فن الكوميديا أثار حفيظة كثيرين، خصوصا أن المنع -أو عدم استكمال المسلسل- جاء في ظلّ احتكار جهة واحدة تنتمي لأحد أجهزة الدولة للإنتاج الدرامي، مما جعل أغلب الأعمال تكاد تتشابه في النوعية والمستوى.

وهذا ما يُفسر نشوب الحملتين المتضادتين بشأن مكانة وقيمة الفنان عادل إمام مؤخرا، ففي الوقت الذي أخذ الكثيرون يحتفلون بصخب شديد بعيد ميلاد الزعيم تعاطفا معه في ظلّ أول حجب أو منع يتعرض له، سرعان ما ظهرت مجموعة أخرى -من مؤيدي ومناصري مجموعة الحجب- تخلط الحابل بالنابل، فتُرجع مكانة عادل إمام وانتشار أعماله الفنية لعلاقاته السياسية.

ربما يكون في هذا الكلام قدر من الصحة وأن هناك علاقة قوية بين الفن والسياسة، لكن الخطأ الذي وقع فيه المهاجمون ليس فقط أنهم تعاملوا معه بعدوانية وعدم موضوعية، ولم يُقدموا أي تقييم نقدي لأعماله أو تحليلها ليُثبتوا صدقهم، ولكنهم كذلك أخطؤوا لأنهم حاولوا تشويه كل تاريخ عادل إمام والتسفيه من جميع أعماله، وهذه مغالطة كبيرة لأن تاريخه المسرحي والسينمائي والدرامي به علامات تَفَتَّح عليها وعي أجيال وأجيال، ويكفي دور عادل إمام في مواجهة الإرهاب بمسرحياته وأفلامه، في وقت كان كثير من المنتجين والنجوم يخافون فيه من تقديم معالجة سينمائية أو درامية صريحة معلنة تتعلق بالجماعات الإرهابية، خصوصا في ظلّ تفجير السينمات والتهديدات التي كانت تطال المنتجين والنجوم.

كما يُحسب لعادل إمام عمل شديد الأهمية في قيمة فيلم “الحرّيف” كأول عمل سينمائي مصري يقدم لاعب كرة القدم ساعيا لمقاومة الرأسمالية، وتخصيص اللعبة الأشهر بسيناريو هادئ وبسيط وشديد الإنسانية، إضافة لأعماله عن الإرهاب مثل “الإرهابي” أو “اللعب مع الكبار”، والمنتقدة للتطرف الديني مثل “حسن ومرقص”.

 

كوميديا رمضان.. سُخف وسذاجة وتنميط

حَلَّ بديلاً للفنان عادل إمام في منطقة الكوميديا كثيرون، أبرزهم ابنه محمد عادل إمام وكريم محمود عبد العزيز اللذين أثبتا بعد عدة أعمال أنهما خلعا جلباب والديهما، وأثبتا قدرتهما وموهبتهما التمثيلية، وهو ما يُؤكده دورهما في مسلسل “هوجان”، لكن غياب السيناريو الجيد وافتقاد المهارة في رسم الشخصيات والمواقف لم تضمن مواصلة النجاح المدوي للمسلسل.

ومع ذلك يظل “هوجان” الأفضل بين كثير من الأعمال الكوميدية التي تطغى على الإنتاج هذا العام بشكل ملحوظ وأكثر من الأعوام السابقة، إذ تكاد تقترب نسبة الكوميديا إلي نحو ثلث الإنتاج الرمضاني، لكن أيضا ولأن الكوميديا هي أصعب أنواع الدراما، فالنتيجة الطبيعية هي كوميديا خالية من مقومات الضحك ومبررات المتعة أثناء المشاهدة أساسا لغياب السيناريو الممهور برشاقة الأفكار والمواقف والشخصيات، فالمواقف موسومة بالسُخف، والشخصيات طابعها السذاجة والتردد والاستسلام، أو الجبن والغباء في التصرف والسلوك، إضافة إلى تنميط الشخصيات.

أما الأخطر فهو الاعتماد على الارتجال، خصوصاً في ظلّ تفشي ظاهرة انتشار أغلب النجوم الجدد من فريق “مسرح مصر” بين تلك الأعمال بمساحات وأدوار متنوعة، فحتى الممثلات اللاتي اشتهرن في السنوات السابقة بتقديم كوميديا جاذبة مثل دنيا سمير غانم وأختها إيمي في “سوبر ميرو” لم تنجح مسلسلاتهما واتسمت بالافتعال والسذاجة، وذلك رغم أن دُنيا حاولت في عملها تقديم ثلاث حكايات بثلاث شخصيات، لكن من دون قدرة على التنوع والجذب.

وأسوأ منها جاءت مي عز الدين التي حاولت تقمص ثلاث شخصيات، لكن جميعها اتسم بثقل الظل والفجاجة في رسم المواقف.

أما الفنانة ياسمين عبد العزيز فتركت منطقة الكوميديا للمرة لأولى، وشاركت بدور مختلف بعيدا عن أدوارها السابقة، وذلك في محاولة لتجديد جلدها واستعادة شعبيتها التي تراجعت بمسلسل “آخر نفس”، لكن يبدو أنه من دون طائل يُذكر أيضا.

لجنة رقابة الدراما الهدف منها هو مشاهدة ما يُعرض على الشاشات المصرية، وإصدار تقييم للأعمال الدرامية

قرصنة وشرطة الدراما

واحدة من أكثر الأشياء هزلية التي تحدث الآن في وسط الدراما المصرية والتي تُشكل ابتذالاً غير مفهوم في نظر كثيرين؛ هو وجود لجنة مراقبة للدراما، والكثيرون أطلقوا عليها من باب السخرية “شرطة الدراما”، والمقصود بها لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برئاسة الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد.

الهدف من هذه اللجنة هو مشاهدة ما يُعرض على الشاشات المصرية، وإصدار تقييم للأعمال الدرامية، وقد ظلت تُصدّر تقاريرها الرسمية واحدا تلو الآخر، وكان الأول يرصد 948 مخالفة لـ18 مسلسلا خلال الأسبوع الأول من رمضان، وكان تقرير اللجنة يُؤكد أن الألفاظ السوقية والإيحاءات الجنسية ومشاهد العنف كانت أكثر المخالفات التي تم ارتكابها.

أما سخرية المئات من اللجنة فليس فقط لأنها جهة رقابة، لكن أيضا لطريقة عملها، إذ لا يزال التساؤل مطروحا عن مبرر وجودها، خصوصا أنها تقدم تقارير وتنتقد ألفاظا وسلوكيات موجودة بالفعل في الشارع المصري،  وأفعال يمارسها الناس في حياتهم الواقعية، والسؤال الأهم: ماذا عن نتيجة هذه المخالفات التي ترصدها، خصوصا أن المسلسلات تم إذاعتها بالفعل؟

أما الأمر الأكثر إثارة للدهشة فهو القبضة الحديدية الفاعلة في مقاومة القرصنة بشكل لم يحدث من قبل، رغم مشاهدات المنتجين والنجوم ورغم الخسائر المروعة التي تعرض لها كثير منهم بسبب تسريب الأعمال على مواقع الإنترنت.

أما هذا العام، ومع دراما رمضان التي تحتكرها جهة إنتاج واحدة، فقد تم إحكام السيطرة وحُوصرت القرصنة بشكل واضح للكثيرين، فأصبح من الصعب مشاهدة أغلب الأعمال على المواقع الإلكترونية، وحتى إن أفلت القليل جداً سيكون بعد الإذاعة على الشاشات، مما جعل البعض يتساءل عن علاقة ذلك بجهة الإنتاج المحتكرة للأمر، ولماذا لم يتم تفعيل ذلك مع الأفلام السينمائية التي يتم تسريبها وقرصنتها مما يتسبب في خسائر فادحة للمنتجين.

نجح الفنان ماجد المصري في تقديم ظهور فني طاغٍ في أداء شخصية خليل كوختا الفلاح الثري صاحب مزارع الفاكهة

مواهب لافتة

رغم غياب الأعمال اللافتة في دراما رمضان، لكن أحد أهم مزاياها أنها قدمت مواهب في فن التمثيل نتوقع أن يكون لها مستقبل مغاير في فنون الأداء، بعضهم من أبناء أهل الفن مثل الفنانة الشابة هنادي مهنا ابنة الموسيقار هاني مهنا، والتي ظهرت بقوة في دور أمل كوختا طالبة الحقوق التي تقع في غرام محمد حربي (محمد رمضان)، وهي في الوقت ذاته ابنة الرجل الثري الظالم الذي اغتصب حق حربي وسرق أرضه، وهنا تقع هي وحبها ضحية الصراع بين الحبيب والأب.

كذلك ابنة المطرب الكبير علي الحجار تُشارك بدور في مسلسل “زي الشمس”، لكن أداءها لا يتسم بنفس الثقة والمهارة التي قدمت به هنادي مهنا نفسها للمرة الأولى. ومن الشباب أيضا الممثل كريم عفيفي في مسلسل “ولد الغلابة”.

وعلى صعيد آخر أعادت الدراما هذا العام اكتشاف نجوم قُدامى مثل الفنان ماجد المصري الذي نجح في تقديم ظهور فني طاغٍ في أداء شخصية خليل كوختا الفلاح الثري صاحب مزارع الفاكهة، والموسوم سلوكه وشخصيته بالجشع والطمع والبخل، والذي يرتبط برجال السلطة في مجلس الشعب، وبمساعدة أبرز المحامين الفاسدين ينجح في الاستيلاء على أراضي الدولة والمواطنين.. دور يُجدد الثقة في مهارات ماجد المصري، ويُضيء على مناطق جديدة برّاقة وذات قوة في فن الأداء.

كذلك الفنان أحمد صيام في دور الأستاذ زهدي مدرس اللغة العربية، بدءا من ملامحه الشكلية المميزة التي اختارها للشخصية والتي بدت تلقائية وصادقة، مرورا بالمضمون المُعبر عن المثالية في الأخلاق والتصرفات. لكن ذلك جاء ممزوجا بروح الدعابة والسخرية الخفيفة الظل البعيدة عن المغالاة أو الافتعال، وإضافة إلى هذا كله كان مساندا لبطلي المسلسل الحبيبين المعذبين، وتعرضه للإهانة البالغة في سبيل إتمام قصة حبهما، مما أكسبه التعاطف من المشاهدين.   

أداء السقا يستحق عن جدارة  لقب الأداء الأسوأ بين النجوم في مسلسل "ولد الغلابة"

السقا.. لقب أسوأ تمثيل

على النقيض مما سبق سنجد مدرس التاريخ الذي يُجسده الفنان أحمد السقا في مسلسل “ولد الغلابة” يتحول إلى أحد صبيان تجار المخدرات، ثم لا يتورع عن العمل بها.

بعيدا عن تقييم المعنى ودلالاته في تحوّل مدرس التاريخ إلى تاجر مخدرات، فإن أداء السقا يستحق عن جدارة  لقب الأداء الأسوأ بين النجوم، حتى إن نجوما في الأدوار الثانية يقف بعضهم على مسافات كبيرة منه تفوقوا عليه في الأداء والإقناع، وفي مقدمتهم الفنان محمد ممدوح الذي يشارك في بطولة عمل آخر هو “قابيل” مع محمد فراج وأمينة خليل، والذي شنّ عليه كثيرون هجوما مكثفا في الأيام الأولى من رمضان بسبب مخارج الألفاظ عنده، وعدم وضوح الكلام الذي ينطقه أحياناً، واعتبروا أنه مسنود وإلا فلماذا يحصل على فرص كثيرة دون غيره؟

بعد مرور قليل من الوقت سرعان ما انقلب الهجوم إلى حملة قوية للدفاع عنه -من زملائه ومن رواد مواقع التواصل الاجتماعي- خصوصا بعد أن كتب ممدوح رسالة مفادها أنه يعتذر إذا كان قد تسبب في مضايقة بعض المشاهدين والزملاء، مما جعل الاعتذار ينتشر بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي، فأكسبه منصة تعاطف قوية.

أحاطت مشاكل عديدة بمسلسل "زي الشمس" قبل عرضه

زي الشمس.. مشاهد مبتورة

تجربة مشابهة لمسلسل “أفراح القبة” وقعت مع “زي الشمس”، مع الفارق أن المشكلة سابقا بسبب المؤلف الذي انسحب، ثم بعد النجاح الجماهيري بدأ يجمع أنصاره للدفاع عن حقه والهجوم على صُنّاع العمل والمؤلفة التي أكملت الكتابة، أما هذه المرة فالمخرجة تم استبعادها.

أحاطت مشاكل عديدة بمسلسل “زي الشمس” قبل عرضه، بداية بسبب الخلاف على مَنْ يضع الموسيقى التصويرية، وأخيراً بسبب إزاحة مخرجته كاملة أبو ذكرى واستبدالها بالمخرج سامح عبد العزيز حتى يلحق العمل بالموسم الرمضاني، والتي اشترطت عدم وضع اسمها على التتر، لكنها مع الأيام الأولى لعرض “زي الشمس” والنجاح الذي حققه في بداياته، خصوصا مشاهده العاطفية والبكائية التي حصدت إعجاب الكثيرين، مما أجّج مشاعر أبو ذكرى وأعلنت عن غضبها وهجومها على زميلها، فاشتعل الشجار وخرج للعلن بينها وبين سامح عبد العزيز لعدة أيام، إلى أن تم احتواء الموقف.

ظاهرياً يبدو مسلسل “زي الشمس” وكأنه ينتمي لأعمال الجريمة التشويقية، حيث يتم البحث فيه عن قاتل فريدة أخت البطلة، فالشكوك موزعة أساساً -بعد خروج الزوج من دائرة الشبهات- بين “سيف” الطالب المهووس بها، وخطيبته رباب المملوءة بالحقد والغلّ والغيرة من فريدة، والطبيب النفسي المعالج الذي يبدو أنها كانت في مرحلة ما قد أصبحت عبئاً ثقيلاً عليه، وشخصياً أرجح أن يكون الطبيب النفسي هو القاتل.

بهدوء يطرح المسلسل -إلى جوار الجريمة وحل لغز اختفاء فريدة- عواطف الإنسان ومأزقه عندما يُصيبه الفقدان إشارات عن التعامل مع الأطفال في السن الصعب، وفي لحظات حرجة جداً يطرح العنف الذي يتم نفثه في الآخر النظرة التقليدية والإدانة التي يوجهها المجتمع للمرأة المطلقة، وبدوره يغرسها حتى في الصغار، فالأطفال في المدرسة لم يرحموا أبناء فريدة، وهي مشاهد إدانة غير مباشرة للأهل، لأن الأطفال يُعبروا عما يحدث في بيوتهم، وفي المدارس الأمريكية عندما يتلفظ طفل بكلمة سيئة بحق زميله يتم استقدام الأهل، ليس فقط لإخبارهم من أجل تقويم سلوك الأبناء، لكن أيضاً لسؤالهم: لماذا يتصرف الطفل بهذا الشكل؟ فهناك احتمال وارد كونه تأثر بآراء أهله المعلنة بين جدران البيت.

لم يُغفل المسلسل تقديم طرق للتعامل مع ذلك الأسلوب الذي تتعامل به البطلة نور (تجسد دورها الفنانة دينا الشربيني في أول بطولة مطلقة لها) سواء أمام ناظرة المدرسة أو الأهالي الآخرين أو بعد ذلك مع الأطفال، وأسلوب تعاملها مع الأم وكيف كانت تُصر على إيلامها وتصر على أن تخبرها بأن فريدة ماتت كي تجعلها تستفيق من حالة الإنكار.. هذه دروس تغرس ثقافة مغايرة للجمهور البسيط الذي يشاهد ويتأثر.

المسلسل عبارة عن ورشة تمت تحت إشراف السيناريست مريم ناعوم. من الصعب تحديد مَنْ كتب ماذا؟ لكن المهم أن المسلسل به لقطات تلمس العاطفة، فهناك مشاهد مؤلمة وهامسة عن الفراق ووجعه، منها لقطة الابنة ترتدي بلوزة أمها كأنها تحتضنها، وذهاب الأم للمطعم كي تستعيد ذكرى ابنتها واختياراتها في الطعام.

لكن تلك المشاهد لم تستمر طويلاً، إذ يستشعر المشاهد أنها جاءت مبتورة إما إخراجيا أو كتابة، مثلما لم ينجح فريق الورشة في مواصلة البناء بشكل انسيابي طوال الوقت، إضافة إلى أن الأحداث القليلة بالمسلسل جعلت الإيقاع بطيئا ورتيبا.

ومع ذلك هناك مناطق أجاد فيها الممثلون بأسلوب رائع، خصوصا الفنانة الشابة ريهام عبد الغفور، والممثلة الكبيرة سوسن بدر، وأحمد السعدني، وأحمد داود، ودينا الشربيني بالطبع، لكن الحقيقة أن الدور ظلم أداءها، لأنها كممثلة تمتلك موهبة أكبر من الشخصية التي جسدتها، فهي شخصية درامية مسطحة بقدر ما.

 

زلزال.. الأعلى مشاهدة

لا يُمكن فصل الدراما عن المناخ العام الذي تعيشه البلد، كما لا يمكن فصل وضعية الإنتاج أو المضمون عن المناخ المسيطر، مع ذلك هناك عمل فني نجح في الإفلات -على بساطته- من تلك القبضة الحديدية، وربما ساعدته المعالجة المتوارية أن لا يلفت الأنظار إلى أهميته، والمدهش أيضا أنه حقق أعلى نسبة مشاهدة حتى الآن، إنه مسلسل “زلزال” بطولة الفنان محمد رمضان، وتأليف الكاتب عبد الرحيم كمال الذي حققت أعماله السابقة نجاحات كبيرة، خصوصا ما كان منها بالتعاون مع الفنان العظيم يحيى الفخراني، مثل ونوس والخواجة عبد القادر وشيخ العرب همّام.

ورغم البيان الذي أصدره مؤلف العمل يتبرأ فيها من “زلزال” بسبب تدخلات المخرج وإضافاته لجمل حوار، وبعض شخصيات درامية اعتبرها المؤلف بذيئة ومسيئة، رغم كل ذلك تظل بصمة عبد الرحيم كمال طاغية على روح المسلسل، سواء في الحوار الصوفي الشاعري على لسان بعض الشخصيات الرومانسية، مثل وديدة التي تقوم بدورها الفنانة حلا شيحة في أول عمل يُسجل عودتها بعد التراجع عن قرار الاعتزال، وكذلك على لسان مدرس التاريخ الذي يُجسده أحمد صيام بأداء جديد لافت جميل.

والأهم هيكل وبناء شخصية البطل محمد حربي الذي يقوم بدوره الفنان محمد رمضان، فهو شخصية ثائرة ضد الظلم الذي يتجرعه بأشكال متفاوتة ومتباينة من أقوى الرجال في قريته خليل كوختا صاحب المال والنفوذ والمرتبط برجال السياسة، لكن تمرد حربي وعدم استسلامه له وللآخرين الذين يواجهونه في الحياة أثناء رحلة صعوده وتكوين نفسه بالعمل الشريف مهما كان متواضعا؛ يُعد إشارة جديدة تمنح الأمل في القدرة على التمرد، ورفض استغلال الفقراء وعدم الاستسلام لأحكام القضاء غير العادلة.