رمضانيات التلفزيون المغربي.. دراما متألقة وكوميديا باهتة

المصطفى الصوفي

صورة تجمع محمد خوي رفقة منى فتو في مسلسل الدنيا دوارة

بوعزة بن الجيلالي يُصلّي في بيته بعد أذان المغرب، يفطر على تمر وماء ثم يعتدل في جلسته على فرو خروف، ينهر أبناءه الصغار من حين لحين، وكأس الحليب في اليمنى ويهش عليهم باليسرى كي يهدؤوا قليلا قبل أن يحمل نعله، لتكون الفاصل في هذا الضجيج المبالغ فيه، فهم يقفزون من هنا إلى هناك، فيما الأم تحاول إرضاءهم، وهم يحاولون التقاط ما جادت به مائدة الإفطار قبل الصائمين من دون رحمة.

بوعزة لا يضجر للأمر، فقد اعتاد على مثل هذه الجلبة البريئة، وقد يأتي فيه يوم ويكبر الصبيان، ويتمنى لو يصرخوا، لكن ذلك اليوم لن يعود، يتذكر طفولته الهادئة والجميلة في القرية النائية، ثم يتنهد بعمق، لكن ما يُفسد هذه الجلسة العائلية هو هذا الطبق المالح زيادة، والذي يجود به التلفزيون كل عام من هذا الشهر الفضيل.

بوعزة مع باقي الذين يفهمون في اللعبة يخفون تذمرهم مما يُقدم، بينما الأطفال الذين لا يفقهون يضحكون ويقهقهون دون معرفة هل مواقف الكاميرا الخفية حقيقية أم خيال، وهل القفشات الكوميدية التي تقدم في مثل هذا الوقت صالحة للكبار والصغار، وهل تحقق أفق انتظار الجميع؟ يبتسم بسخرية ويصر كَرها على المشاهدة تشجيعا للإنتاجات الوطنية، وعدم الهروب إلى الأمام بحثا عن فرجات أخرى في قنوات أخرى وما أكثرها.

“رضاة الوالدة”.. ثراء عاطفي

في القناة الأولى أبرزت سلسة “رضاة الوالدة” نوعا من التقارب الدرامي والتعاطف مع الجمهور، خاصة أن مخرج السلسة وحتى الممثلين الذين ظهروا في هذا العمل ومنهم وجوه شابة لا تتوفر على رصيد كبير ومحترم في مجال التمثيل التلفزيوني.

وفي هذا التقارب انتصار فني لعمل درامي ممتع راهن على وجوه شابة في التمثيل، وكذلك على حكاية اجتماعية يكاد أي متفرج يستشعر قيمتها الرمزية والوجدانية، وذلك لما تمثله الأم من دور كبير في المجتمع، ولما تمثله من ثراء عاطفي على مستوى العائلة والمجتمع بشكل عام، حيث تقدير الأم واحترامها ونيل رضاها أساس الرابط الشريف والمقدس الذي يساهم في استقرار الأسرة.

وتشكو هذه العائلة في السلسلة نوعا من التفكك والمشاكل، وهو ما أعطاها قيمة درامية نسج خيوطها ممثلون شباب أغلبهم لا يزالون في بداية الحبو في التمثيل، وهو ما أثّر إيجابا في نجاح السلسلة، فضلا عن ممثلين أقوياء من أبرزهم فاطمة هراندي (راوية) والسعدية أزكون، واللتين ظهرتا بمظهر قوي للغاية.

 

“همّي ولاد عمي”.. وجبة ثقيلة الهضم

لم يخرج “همي ولاد عمي” على القناة الأولى من التصنيف السيئ السمعة الذي قدم للمشاهد نموذجا رديئا من الفرجة التي لا تساهم بشكل من الأشكال في تقديم شيء جميل، سواء على مستوى إيصال عدد من الرسائل عبر قفشات مواقف كوميدية، أو من خلال الحوار المستعمل أو السيناريو، هذا الأخير الذي لا يحترمه أغلب الممثلين، حيث يفهمون المعنى، وبالتالي تنطلق عبقريتهم في محاولة الإضحاك المجاني للجمهور، وهي عملية سطحية ولا تنطوي على أي إبداع خلّاق في انتزاع البسمة والضحكة من المشاهد، والذي للأسف ملّ من هذه المشاهد وهذه الأعمال التي لا تزيد طين الأعمال الكوميدية الرمضانية إلا بِلّة.

ويمكن القول في هذا الصدد إن كلا من سكينة درابيل وعزيز داداس وبشرى أهريش قد ساهموا في إنقاذ ماء وجه هذه السلسلة، والتي إن كانت تنهل من الواقع ومن الحكايات، وتعالج بعض القضايا المجتمعية في قالب ساخر، فإنها سقطت في نوع من النمطية، كما وإن كانت ظهرت بمظهر عمل جديد، فإنها تتشابه مع بعض الأعمال السابقة من حيث جوهرها، ليس من حيث مواضيعها، بل من حيث السياق العام للفرجة، لتبقى “همّا ووجعا مؤلما” ووجبة ثقيلة الهضم تقدمها القناة في وقت الذروة.

استهلّت "كاميرا فاشي" في القناة الأولى ضعفها بأغنية باهتة لا علاقة لها بما تقدمه السلسلة من مواقف ومقالب تكاد بعضها تكون عادية

“الكاميرا الخفية”.. درجة الصفر في التشويق

لا أحد ينكر درجة الصفر في خلق المفاجأة والتشويق بالرغم من سيل الإعلانات التي تقدم وسط تلك الأعمال، والتي تشمل العقار والاتصالات وحفاظات الأطفال برائحتها النفاثة، وذلك فيما يسمى بـ”الكاميرا الخفية”، سواء في القناة الأولى أو الثانية.

وقد استهلّت “كاميرا فاشي” في القناة الأولى ضعفها بأغنية باهتة لا علاقة لها بما تقدمه السلسلة من مواقف ومقالب تكاد بعضها تكون عادية، وأخرى تستدرج فيها أسماء أو وجوها غير معروفة، لكنها في غالبيتها تفتقد إلى الدقة والقوة والاحترافية والتأثير على المشاهد، علما بأن الكثير من المتتبعين يرون في هذه السلسلة عملا مفبركا، فهم يقولون ذلك دون أن تكون لهم أدلة قاطعة على ما يقولون، لكنها تبقى عملا مشوقا، وبالتالي عليها أن تكون أكثر دقة وإبداعا.

ويبدو في هذا الإطار أن الكاميرا الخفية “مشيتي فيها” في القناة الثانية كانت أقوى من نظيرتها في الأولى، ففي الثانية يبدو أن طاقم السلسلة التي يخرجها محمد مجد يقوم بجهود كبيرة وواضحة على مستوى الإخراج وتقنية التصوير واختيار الفضاءات وطاقم التصوير والنجوم.

وبالتالي يمكن القول إن من أصعب السلسلات وأنجحها هي الكاميرا الخفية التي تحتاج من المخرجين دهاء حادا وأفكارا واقعية، واختيارا ممن يقومون بالمقالب وممن يستدرجون الضحية من ذوي التجربة والاختصاص، لا من ذوي التجارب المتواضعة سواء على مستوى ظهورهم في بعض الأعمال التلفزيونية أو السينمائية، مثل ما كان تقوم به “كاميرا شو” العام الماضي التي جرى عليها وابل من الانتقادات.

 

قصور فني وإبداعي وأعمال رديئة

وأمام هذا الضعف النسبي في الأداء، رأت شبكة جمعيات مدينة أكادير في الإنتاج التلفزيوني خلال شهر رمضان صورة حية لفن رديء وأعمال لا تصلح للمشاهدة، حيث لم تراع انتظارات المشاهد أثناء تناول وجبة الفطور في هدوء، مؤكدة في بيان لها أن تلك الأعمال تفتقد لأي قيمة فنية وإبداعية، كما تساءلت عمن يشجع مثل هذا الأشكال الفنية التي تساهم في تمييع المجال الفني بنفس الوجوه التي تظهر دائما دون إعطاء الفرصة لوجوه أخرى، تكريسا لروح تكافؤ الفرص وخاصة الشباب منهم، والذين أظهروا علوّ كعبهم في المجال الكوميدي والدرامي في عدة مناسبات ومهرجانات وتظاهرات مختلفة.

ومن هنا تبرز قيمة ضرورة إنتاج أعمال ذات طابع تاريخي بدل الاشتغال على مثل هذه الأعمال الرديئة التي لا ترقى إلى مستوى التطلعات، والتي أبرز بعضها قصورا في الرؤى الفنية والإبداعية سواء للقائمين على اختيار تلك البرامج أو المسؤولين عنها من مخرجين وكتاب سيناريو وممثلين وغيرهم، حتى يبقى الإعلام الوطني مساهما حقيقيا في الرفع من الذوق الفني والجمالي، وكذلك في تكريس البعد التنموي لخدمة قضايا المجتمع.

السلسلة الكوميدية "عـلال وكاميليا" تدور أحداثها حول الحياة اليومية لزوجين

كوميديا باهتة مع استثناء

بالنسبة لسلسلة “البهجة ثاني” على القناة الثانية، يرى فيه الكثير من المتتبعين نوعا من المحاكاة التقليدية التي لا تُضفي أية مسحة كوميدية أو فرجوية على المشاهد، وبالتالي تشكل حِملا زائدا على المتفرجين الذين يتابعونها كرها، ليس إعجابا فيها بل تصيدا لمزيد من الأخطاء.

والفرجة الخاسرة التي لا تعدو مجرد كلام عادي يُراد به الإضحاك، قدمت فيها بعض الوجوه مشاهد باهتة للغاية لا تستحق الذكر، اللهم إلا من بعض “قفشات” الممثلين البارزين كمحمد الخياري وسكينة درابيل وفضيلة بنموسى الذين يمكن القول إنهم أضاؤوا جزءا من هذه السلسلة الهزلية المظلمة، وذلك بالنظر إلى تجربة هؤلاء الممثلين الذين برزوا بشكل لافت خلال السنة الماضية وأعمال كوميدية سابقة، هذا دون إغفال طابق آخر من السّمَر الرمضاني الذي راهن على جلب مزيد من الجمهور، مثل سلسلات “نوارة” و”قلبي اللي بغاه” و”دموع وردة”، والذي أعاد إلى النجومية من جديد كلا من الفنانتين المتألقتين حنان الإبراهيمي ومجدولين الإدريسي، فضلا عن النجم رفيق بوكر بطل فيلم “كمبوديا” الذي ما زال يُعرض في القاعات السينمائية لما يقارب الشهر منذ طرحه في صالات العرض.

أما السلسلة الكوميدية “عـلال وكاميليا” فكانت في المستوى، وتدور أحداثها حول الحياة اليومية لزوجين، فبعد قصة حب استمرت سنوات بالجامعة تنتقل كاميليا الفتاة المدللة للعيش رفقة زوجها في الريف، لكنها تصطدم بعالم آخر تتفاعل معه بطريقتها الخاصة، تارة بذكاء وأخرى بغباء، وذلك في قالب كوميدي ساخر ممتع للغاية.

 

“الماضي لا يموت” والكوميديا المجانية

ويعتبر مسلسل “الماضي لا يموت” لمخرجه هاشم الجباري وبطولة الممثل المتألق رشيد الوالي وفاطمة خير وأمين الناجي وعزيز داداس وعبد الله ديدان وغيرهم، وهي أسماء حققت نوعا من الشهرة خاصة على المستوى السينمائي والتلفزيوني؛ العمل الدرامي المحبوك والجيد والذي يتابعه الجمهور باهتمام كبير.

يعالج المسلسل أحداثا درامية مليئة بالتشويق والإثارة تدور أحداثها حول أسرة محامي شهير يعيش حياة عادية رفقة أسرته، إلى أن تنقلب رأسا على عقب بسبب أحداث وقعت في الماضي، وتتسبب في مشاكل تهدد تماسك واستقرار العائلة وتهدد بانهيارها، إنه العمل الدرامي الأكثر قوة وإثارة وتشويقا، ما يجعل باقة الأعمال الرمضانية على القناة الأولى تنتصر نسبيا على نظيرتها في القناة الثانية، والتي راهنت على الكوميديا المجانية دون أن تكسب الرهان.

وبالإضافة إلى ذلك يجد المتفرج ضالته أيضا في سلسلة “زواجي مُحال”، وسلسلة كوميدية أخرى بعنوان “بنت باب الله”، وهي من إخراج فاطمة بوبكدي الشهيرة بأعمالها الرائعة التي تنهل من التاريخ والتراث الشعبي والفلكلور المغربي القديم، وبطولة الممثلة البارعة دنيا بوطازوت التي تسافر في صورة كاريكتورية على ظهر جحش في رحلة بحث مضنية مثقلة بالكثير من المواقف الساخرة والحيل رفقة ولدها بحثا عن الأب المفقود، وذلك في مغامرة لا تخلو من تشويق ومواقف ساذجة.

أما السلسلة الكوميدية “نهار مبروك” فلا تعدو أن تكون عملا متواضعا، والذي سقط هو الآخر في التركيز على الكوميديا المجانية التي لا ترقى إلى مستوى اهتمام الجمهور برسائلها وآفاقها الفنية.

يعتبر مسلسل "الدنيا دوّارة" على القناة الأولى من الأعمال الدرامية الناجحة التي يتابعها الجمهور باهتمام

“الدنيا دوّارة” و“حديدان عند الفراعنة”

ويعتبر مسلسل “الدنيا دوّارة” على القناة الأولى من الأعمال الدرامية الناجحة التي يتابعها الجمهور باهتمام، وذلك بالنظر إلى قوة التمثيل فيها من خلال ممثلين أكفاء أمثال محمد خوي وإدريس الروخ ومنى فتو والسعدية أزكون وعزيز الحطاب وغيرهم، فضلا عن حبكتها القوية وموضوعها المشوق الذي يعالج قضايا عدة ترتبط بالغنى والفقر والمنافسة والتجارة، وما يدور في فلكها من علاقات معقدة وغيرة وزواج بين عائلتين كانتا تحلمان بمستقبل واعد بينهما، لكن الظروف تتغير في نهاية المطاف ليتحول الود إلى حرب مشتعلة بينهما تجمع الحقد والمكيدة والانتقام.

بالنسبة لسلسلة “حديدان عند الفراعنة” لمخرجه إبرهيم شكيري، وتمثيل عدد من النجوم كصلاح الدين بن موسى وعبد العزيز الستاتي وكمال الكاظمي (حديدان) وفاطمة وشاي، فبالرغم من أحداثها التي صورت بمدينة ورزازات التي تعتبر هوليود السينما في القارة الأفريقية، وبالنظر إلى الإمكانات الطبيعية وفضاءات التصوير التي أنجزت بها أعمالا سينمائية وتلفزيونية عالمية؛ فإنها تبقى سلسلة هزلية بسيطة وغير مقنعة، على أساس أنها وظفت شخصية “حديدان” بشكل مستهلك خلال السنة الماضية، وهو ما جعل هذه الشخصية تصبح نمطية ومملة ولا يُقبل عليها الجمهور كما في السابق.

كما تطرح السلسلة العديد من المواضيع والمواقف والقضايا، وهي قضايا وحكايات عادية، اللهم إلا من أزياء وإكسسوارات مبهرة، وحوارات غرائبية في بعض الأحيان، حيث لم يخرج العمل من طابعه الفلكلوري الممنهج مقارنة مع أعمال المخرجة المتميزة فاطمة بوبكدي، والتي تألقت بشكل كبير في أعالمها السريالية (فوق الواقعية) السابقة مع كمال الكاظمي وحسن مكيات وفاطمة وشاي وسناء عقرود.

تبقى "حديدان عند الفراعنة" سلسلة هزلية بسيطة وغير مقنعة

غياب الأعمال التاريخية

عموما تبقى الإنتاجات الوطنية خلال هذا الشهر تتأرجح بين راضٍ وساخط ومؤيد ومعارض، لكن الغالبية العظمى تفضل توزيع الإنتاجات بين الدرامية والكوميدية الهادفة، كما يسجلون بقوة غياب الاهتمام بالأعمال التاريخية والإسلامية في هذا الشهر الكريم، خاصة أن التاريخ المغربي والعربي والإسلامي غني ومليء بكثير من القصص التي تصلح لأعمال تلفزيونية يجتمع حولها الأهل والأحباب عند ساعة الإفطار أو في أوقات أخرى، وذلك بفرجة تربوية وعائلية وجمالية هادفة.

وبالتالي فإن فتح المجال لتجارب جديدة وعدم احتكار السوق وعدم تغليب كفة الهاجس المادي على الجانب الفني وعدم تكرار المواضيع نفسها، إضافة إلى الشخوص والأسماء التي أصبحت نمطية؛ قد ضيعت الفرجة على الجمهور، وخلقت نوعا من النفور والتذمر ليس فقط لدى المتلقي، بل حتى لدى المنتجين وأهل الفن الذين يدركون أن لهم الحق في المشاركة بدل احتكار أسماء المشاركة في الإنتاجات الدرامية والكوميدية، وفي نظرهم هذا ليس عين العقل.

رمضان على القناة الأولى والثانية فرجة لا يريدها الجميع أن تكون فرجة خاسرة، بل فرجة يجتمع حول مائدتها المشاهد لا أن يتفرقوا من حولها.