“عائلتي بين أرضين”.. تمزق بين أرض الآباء وأرض الأهواء

د. الحبيب ناصري

مهما حاولنا الكتابة عن الأفلام الوثائقية التي اكتست حُلّة الإنسانيات فلن نوفيها حقها، لا سيما تلك التي توقع بيد مخرج هو من كتب وأخرج العمل، وهو المعني في فيلمه. الرأسمالية غير الاجتماعية حينما تجوع تأكل كل القيم الوجدانية والإنسانية باسم البحث عن لقمة عيش هنا وهناك، غير آخذة بعين الاعتبار بعض التفاصيل الحميمية للإنسان. كثيرة هي الأسر التي تمزّقت بفعل البحث عن لقمة العيش، ولم يبق بيدها سوى الحلم بـ”لمّة” عائلية قد لا تتحقق، إلا حينما تفقد هذه الأسرة أحد أعزائها.

كلما توغلت العولمة في البحث عن الربح المالي والمادي، أدركنا أن قصصا عديدة ستُكتب بلغة الصورة أو الحرف أو اللون. آهات عديدة تُقذف ليلا أو نهارا هنا أو هناك، وسببها تبعثر حميمية الأسرة التي هي وحدها ما تبقّى للإنسان في عالم يعجّ يوما بلغة الحروب والدمار والخراب.

سننبش هنا في وثائقي بعنوان “عائلتي بين أرضين”، لمخرجته الفرنسية ذات الأصول الجزائرية “المخرجة نادجة هاريك” (أنتج سنة 2018، ومدته الزمنية 52 دقيقة). فماذا قالت مخرجته هنا؟ وما رؤيتها الفنية والإنسانية، لا سيما وأنها هي كاتبة العمل ومخرجته، ومن تلمس طريق عائلتها طيلة مدة تصوير الفيلم؟

 

العودة واللاعودة.. هل يُقرأ الكتاب من عنوانه؟

يروي الفيلم قصة شاب رحل من الجزائر نحو فرنسا خلال ستينيات القرن العشرين، حين كان عمره 25 عاما، ليعمل في أحد مصانعها مدة أربعين عاما، ثم عاد إلى وطنه عام 2001 هو وزوجته، لكن ذريته بقيت هناك موزعة بين عدة ضفاف أوروبية، شاعِرة بتمزق نفسي رهيب ما زالت أسئلته الدائمة تتحدد في العودة واللاعودة.

ثلاث كلمات جعلتنا منذ البدء نرغب في فهم ما جرى لهذه العائلة الموزعة بين أرضين، وما هي جذور هذه العائلة؟ وهل هي حالة عائلية فردية، أم أن الأمر يحتاج إلى الانتقال من الحديث عن “عائلتي” المفردة المُسنَدة إلى ضمير المتكلم نحو “عائلاتنا” (الجماعية)؟

أسئلة عديدة من الممكن نحتها من هذا العنوان المحيل إلى توقعات عديدة. فالتحليل من الممكن أن يجرّنا إلى طرح سؤال آخر له بُعد اجتماعي ثقافي بسيط، وهو ما العلاقة الجامعة أو المانعة بين عائلتها والأرضين؟ ما السبب؟ وهذه العائلة هي عائلة مَنْ؟ وأين تقع الأرضان وما ميزتهما؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الممكن توليدها من عنوان الفيلم وقبل مشاهدته.

لقطة من فيلم “عائلتي بين أرضين”، حيث المخرجة نادجة هاريك في حوار مع أبيها

 

فرنسا والجزائر.. حياة مُتضادة

منذ البداية تُقدّم لنا المخرجة صورة مركبة من أرضين، وهي على متن الطائرة، حيث فرنسا والجزائر كإطار عام للصورتين، وتحتهما الصور الأخرى للكنيسة والمسجد، ومقارنات صامتة أخرى تتجلى في مشهد الراعي هنا (غنم دال على بساطة العيش)، والأبقار في الضفة الأخرى (دال على غنى ما).

تضادّ الصور مُولّد لتضاد الحياة بين فرنسا الجذابة لليد العاملة، حيث العديد من مظاهر الإغراء، وبين الجزائر الذاكرة، حيث مِن تلك الأرض الجنوبية ذات البعد الصحراوي بزغ الأب والأم اللذان التحقا بفرنسا، كما التحقت معظم الأيادي المغاربية بحثا عن لقمة عيش في البدء، وهو البحث الذي تمطّط لمدة أربعين عاما، كمدّة عملها والد المخرجة المتحدثة هنا عن قصة عائلتها. أربعون عاما بين معامل ومصانع فرنسا المغلقة فيما بعد، ضمن رؤية رأسمالية باحثة عن تخفيض تكلفة الإنتاج، في أفق البحث عن مزيد من الربح.

نشعر فعلا أننا أمام أسرة جزائرية فرنسية متعددة الأفراد، أسرة يُسيّرها أب وأم خطّطا جيدا لعودة الجميع إلى مسقط الرأس، لكن دون علم منهما. فمن وُلد فوق تربة فرنسا وما توفره من ملذات حياتية؛ من الصعب عليه العودة إلى بلدة جنوبية لا يحنّ إلى رائحة ترابها إلا الأب والأم.

فعلى الرغم من زواج الأبناء من بلدة الوالدين، إلا أن الطلاق لن يتحقق، لكون البنيتين الثقافيتين تتميزان بالتناقض. وحده الأب والأم من سافرا إلى فرنسا وهما يحملان تربة البلد في قلبيهما، فعلى مدار أربعين عاما كانا يوفران من لقمة العيش المبحوث عنها في فرنسا؛ مبالغ مالية لشراء أرض شاسعة، وبناء منزل كبير يجمع أفراد الأسرة كلها. غير أن الأبوين فقط هما من سيبقيان يستمتعان بما تبقى لهما في عمرهما فوق تلك التربة القاحلة، إنها قاحلة الشكل لكنها مملوءة بالعشق واسترجاع الذكريات، مثل ذكريات أعراس أبنائهما التي فشلت جميعا ما عدا حالة واحدة، ومع ذلك فإنها كانت فرصة لصناعة لحظات فرح عائلي وقبلي جميل ليس من الممكن الحصول عليه في فرنسا.

المخرجة نادجة ووالدها وابنها في إحدى لقطات الفيلم

 

الأجيال الأولى.. شغف العودة إلى الجذور

تشتت الأسرة بين من ذهب إلى بريطانيا ومن بقي في فرنسا، ومن تزوجت برتغاليا لتصبح لديها ثلاث ثقافات (فرنسية وجزائرية وبرتغالية)، وهو الزواج الذي قاومه الأب على أساس أنه لا يمكن لابنته الزواج من برتغالي، لكنه سرعان ما تحطم على صخرة واقع ابنته الراغبة فيه، وهي رغبة تحميها القوانين الفرنسية، مما جعل الأب يرضخ لاختيار ابنته، لكي تصبح بدورها متنقلة بين فرنسا والبرتغال والجزائر.

وضع عائلي أقل ما يمكن أن يُقال عنه إنه عاكس لحالة العديد من الأسر المهاجرة من بلدان مغاربية عديدة، والتي راحت في البداية بدءا بالأب الشاب العاشق لفرنسا والباحث عن عمل، لكنه سرعان ما سيعود بحثا عن ابنة عمه أو ابنة قبيلته للزواج منها والعودة نحو فرنسا، الباحثة في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات عن أيد عاملة رخيصة قوية، تُساهم في بناء فرنسا التي أنهكتها الحروب العالمية وحروب المستعمرات.

هذه الفرحة دامت عدة سنين فقط، ليجد الكل نفسه في وضع نفسي تميز بالتمزق، وطرح العودة فقط من لدن الأبوين، بينما الخصوبة بقيت هناك بين يدي فرنسا التي بها تتوالى فكرة تقويتها بكل هذه المادة الذهنية الرمادية العقلية التي وُلدت فوق تربتها وبأموالها تعلمت، فكيف تسمح لكل هذا الرأسمال البشري الخصب أن يعود من حيث أتى مَن ولده؟

طبعا فرنسا تدرك طبيعة المقارنة بين ما توفره من خدمات وملذات غير متوفرة في أي بلد عودة، فهي كانت ولا تزال مقتنعة بأن العودة قد تكون من لدن الأجيال الأولى التي أتت إليها، وهي متشبعة برائحة تراب القبيلة والجدات والأعراس البدوية ورائحة الأطعمة التقليدية، أما من وُلد فوق تربتها من أجيال جديدة، فمن الصعب عليهم أن يعودو إلى أراضي تبدو لهم فضاءات شاسعة وقاحلة لا غناء صاخب فيها ولا مُتع ليلية.

طبعا هذا على المستوى المضاميني للفيلم بصورة عامة. فكيف قدمت المخرجة رؤيتها لذاتها في هذا الفيلم، وبلغة فيلمية تؤكد مدى تحكمها بشكل ما بهذه اللغة الفيلمية؟

صورة عائلية لعائلة المخرجة في إحدى ألبومات الصور

 

رؤية دينية قاسية.. بكاء المخرجة حول القبر المتهالك

سنستخرج هنا بعض المميزات للرؤية الإخراجية لهذه المخرجة التي لم تُخرج فيلمها الوثائقي فقط، بل لامسنا وعلى امتداد مشاهدتنا له أنها كانت حاضرة فيه، مرافقة لأبيها وبقية أفراد أسرتها في فرنسا والجزائر معا. فهي حاضرة بكافة أحاسيسها، لدرجة بكائها وهي تبحث صحبة أبيها عن قبر أخيها خالد الذي يبدو أن قبره لم يخلد أمام قوة الزمن.

في هذه اللحظة طلبت من أبيها أن يقرأ جزءا من القرآن، أو يُعلّق قطعة ثوب خضراء، إلا أنه رفض لأن الجماعة -وكما قال- ترفض قراءة القرآن أو تعليق أي شيء على قبره الذي تهالك حدّ ذوبانه، فما كان لها إلا البكاء. فهل يؤشر رفض الأب على تشبّعه برؤية دينية قاسية، ربما آتية من رحم مَن تحكم في التفسير الديني هناك بفرنسا، وهو غير مدرك للقيمة الجمالية والإنسانية للدين الإسلامي؟

أصابع المخرجة.. لمسة شعرية وإنسانية

استطاعت المخرجة سرد قصصها العائلية من خلال تتبع الأب والأم وبقية إخوتها، فمنذ البدء أشعرتنا بأن سردها هذا هو سرد يخصها، مما جعلها تكون طرفا أمام الكاميرا مرات عديدة وهي تنبش في ذاكرة أبيها وأمها وإخوتها، والعديد من الأمكنة الفرنسية والجزائرية.

فقد كان لصوتها كراوية في الفيلم وفي مقدمته لمسة شعرية وإنسانية، لا سيما وقد قُدّم بلغة ضمير المتكلم عن طبيعة أسرتها الممزقة بين أرضين. ومنذ أن بدأت تتكلم عن أسرتها وضعت لنا في الشاشة صورة واحدة مقسمة بين بلدين ممثلين في المسجد (الجزائر)، والكنيسة (فرنسا). كل هذا جعلنا نتضامن كمتفرجين، لنتتبع بقية تفاصيل هذا التمزق الروحي والوجداني والاجتماعي والإنساني.

يبرز هذا التمزق بشكل جلي في محاولة خلق المقارنة الممزقة للذات وهي في فرنسا، حيث الحنين إلى الجزائر، وحينما تكون هذه الذات بالجزائر تحضر فرنسا/المتع، ويتم مغادرة البلد نحو فضاء الآخر الذي يوفر الحياة بشكل مغاير. فهل الوطن هنا أصبح مركّبا من الذات والآخر؟

بوستر فيلم “عائلتي بين أرضين” للمخرجة نادجة هاريك

 

بين الماضي والحاضر.. نبش برائحة التيه

حاولت المخرجة تقديم المضامين الفيلمية منذ البدء بناء على جعل الكاميرا تتبع زمنين مميزين لأسرتها؛ زمن الماضي الذي شغلت فيه الفوتوغرافيا (توظيف ألبوم الأسرة وبلغة الأبيض والأسود الثابتة، وأرشيف بصري تلفزي متحرك خاص بالمصنع الذي كان يعمل فيه الأب لمدة أربعين عاما)، مقابل زمن الحاضر الذي سافرت بنا فيه ذهابا وإيابا بين فرنسا والجزائر لإبراز كيفية تشعب الحياة (حياة تخصها هي أيضا كإنسان قبل أن تكون مخرجة).

طبعا من خلال النبش بلغة الصورة في الماضي والحاضر، نشم رائحة التيه نحو المستقبل، لا سيما وأن الكل عاد إلى فرنسا ما عدا الأب والأم، فقد فضّلا البقاء لوحدهما على إيقاعات صياح الديك، وهو الصياح الذي جرّهما للضحك، حيث قالت الأم لزوجها من باب السخرية فلنزوجه دجاجة.

في نهاية الفيلم تدفعنا المخرجة إلى الاستمتاع/التألم، بذلك الحوار الثنائي بين الأب، مع أحد أحفاده، وقد دار الحديث بينهما حول الجبال وصعوبة الصعود، وهما لوحدهما في ذلك الفضاء المفتوح (فضاء صحراوي)، الجد جالس فوق كرسي، والحفيد يلعب ويطوف حوله. قطف الأب لبعض النباتات البرية ومحاولة صعود المرتفع، والسير في طريق لوحده؛ كل ذلك قد يفتح باب التأويل هنا نحو كونه بقي لوحده في بلده، بعدما أخذت منه فرنسا خِصبه برمتها (شبابه وحيويته وذريته وقوته، الخ).

مخرجة فيلم “عائلتي بين أرضين” الفرنسية ذات الأصول الجزائرية نادجة هاريك

 

التماهي مع الكاميرا.. تلقائية سينمائية

لا مسافة فاصلة بين عين الكاميرا والمخرجة هنا في هذا الفيلم، بل يتناغمان معا في حالة التماهي التي يشكلانها، حتى أن الكاميرا بدورها تتضامن مع الجميع، وتلتقط آهات الجميع ولو بشكل مكثف ومختزل لحياة دامت عشرات السنين، لكنها هنا حضرت على امتداد 52 دقيقة، مما يجعلنا نشعر بكون الزمن قد كُثّف هنا، لتنوب عنه تلك الصور الفوتوغرافية وذلك السرد، سرد الأب عن كيفية سفره وهو في قمة شبابه نحو فرنسا، ليعود فيما بعد ويتزوج ويعود صحبة زوجته نحو فرنسا على أمل تكوين أسرة هناك والعودة بعد التقاعد.

لكن لا شيء تحقق هنا، إذ يختم بعض حواراته مع ابنته (المخرجة) قائلا لها، إنه كان عليه بعد أن تزوج أن يترك زوجته في بلدته لكي يبقى الكل هنا في وطنه، عوض تكوين أسرة هناك في فرنسا، والنتيجة تشتت الجميع، وعودته صحبة زوجته وبقاؤهما لوحدهما في تربة تعرف تفاصيلهما، وذلك خطأ ارتكبه على حد قوله.

لم نعد نشعر بكون الكاميرا حاضرة وتصور أحداثا منفصلة عن المخرجة ولا صلة لها بها، إلا من زاوية الإخراج المحض، بل أحضرت لنا المخرجة هنا عرسين من أعراس إخوتها. عرسان جزائريان جنوبيان، حضرت فيهما تقاليد الرقص الشعبي والحناء والمرح العائلي ورائحة البارود، مما جعلنا نتلصص على بعض العادات، ومحاولة استحضار ما لدينا نحن لخلق نوع من المقارنة لم يكن من الممكن القيام بها دون هذه اللحظة الوثائقية الجميلة والحميمية، والتي ستكسر بطلاق كما بيّنا سالفا.

رؤية المخرجة شبيهة بمن ترك الكاميرا مفتوحة لتسجل كل ما تراه، ودون تدخل أحد، لكونها راغبة في قول كل التفاصيل التي جعلت أسرتها أسرة ممزقة فعلا، لا سيما ونحن هنا أمام الفيلم الوثائقي الذي لا نعرف مسبقا ما سيقع فيه أثناء التصوير، وخصوصا في مثل هذه الحالة ذات البعد الجماعي العائلي الإنساني، عكس التصوير في الفيلم الروائي، إذ كل شيء مكتوب مسبقا.

“كمال” شقيق المخرجة، والذي انفصل عن ابنة بلده في الجزائر بعد عرس شعبي بدوي أصيل

 

سيمفونية التمزق.. أغصان بين ضفتين

الدفع بالأب للصعود نحو قمة الجبل، ومن هنا السير في طريق طويل مفتوح وخالٍ من أي شيء، والدفع/المساعدة كان بيد المخرجة، يجعلنا نتلقى هذا المشهد/الخطاب باعتباره لمسة دفعة وجدانية من بنت لأبيها، لا سيما ومجتمعاتنا العربية بل وكل المجتمعات الإنسانية، تتميز بكون البنت أرحم في نهاية حياتنا من الابن المنغمس في تفاصيل حياتية عديدة، حيث تجعله ربما لا يدرك قيمة معاناة الأب أو الأم. (المرأة مصدر خصب للحنان). سيره لوحده في طريق قاحل نحو المجهول وهو يحمل في يديه مجموعة من النباتات الجميلة البرية؟ هل هو سير نحو نقطة نهايته؟

رؤية إخراجية كان هاجسها البوح بقصتها العائلية الممزقة بين أرضين، مما جعلنا كمتفرجين نوقف بين الفينة والأخرى أفق انتظارنا، لنقارن بين ما يجري لدينا من قصص عائلية مشابهة هنا وهناك. قصتها هذه ليست وحيدة، بل تكاد معظم الأسر في الدول المصدرة لليد العاملة تعيش مثل هذه القصص العائلية بشكل أو بآخر.

القاسم المشترك بين الجميع عودة جذر الشجرة (الأب والأم) لوحدهما إلى ذلك المنزل الذي اعتقدا بأنه سيجمع شمل الجميع، لكن فروع الشجرة تبقى حتما بين ضفاف أوروبا التي احتضنت الجذر في الأول، ونالت منه الفروع والأغصان، مقابل ما قدمته لهذا الجذر من خدمات لم يجدها في تربته الأصل.

لم توظف الموسيقى إلا بشكل نادر، لا سيما في شقها الشعبي المعبر عن طبيعة ما يجري لعائلتها في وطنها والمحلل سابقا، مما يجعلنا نؤمن بكون قصتها المصورة هنا هي في حد ذاتها سيمفونية موسيقية تعكس ذلك التمزق الذي لم يتمكن الأب من جمع شتاته، إلا بندمه على استقدام زوجته من وطنه، بل كان عليه أن يتركها في بلدته حتى يتمكن من الحفاظ على شملها ولمها فوق تربته التي وُلد عليها.

والد المخرجة نادجة ووالدتها يشربان القهوة في حديقة منزلهما في الجزائر

 

الجذور الثلاثية.. صراع ثقافي في أرذل العمر

ليس من السهل عودة الأب والأم لوحدهما وترك الذرية لدى الآخر، دون الاستمتاع بها وهما في أرذل العمر، فالحياة مهما سطرنا لها من تصميم تبقى عصية على الانقياد لنا كما شئنا، فلها منطقها المفاجئ وغير المتوقع.

“عائلتي بين أرضين” نموذج تمكّنت من خلاله المخرجة الفرنسية ذات الأصول الجزائرية من نقل العديد من ثناياه المؤلمة لنا كمتفرجين. فماذا سيقع لأختها الفرنسية ذات الأصول الجزائرية أيضا بعد أن تزوجت ببرتغالي؟

هل فعلا سيزداد التمزق لا سيما وهي حامل أثناء تصوير الفيلم، أم أن ثلاث ثقافات (الفرنسية والعربية والبرتغالية) ستكون في صالح الأبناء، وكيف من الممكن التعامل مع هذا التعدد اللغوي والثقافي من طرف الجد، إن قدر له البقاء على قيد الحياة، لا سيما أنه كان رافضا في البدء هذا الزواج؟

أسئلة نُفضّل أن نختم بها مقالتنا هذه، منتظرين -ربما- جزءا آخر من قصة هذا التمزق على مستوى فروع الشجرة التي عاد جذرها إلى تربته الطبيعية، مع ترك بقية الشجرة لدى الآخر الذي وفر لها ما شاءت من ظروف حياتية غير متوفرة في بلد الجذر.