“فضيحة القبول الجامعي”.. رياح الرشوة تعصف بالجامعات الأمريكية

عدنان حسين أحمد

على الرغم من الرقابة المشدّدة للإدارة الأمريكية في الولايات المتحدة بما فيها التنصّت على المكالمات الهاتفية الخاصة للمواطنين، فإن الأثرياء وبعض المغامرين والمحتالين الذين يصطادون في المياه العكرة لا ينفكّون عن خرق القانون، ويرتكبون جرائم الفساد المالي والإداري، ويشوِّهون القيم الأخلاقية التي وضعها المجتمع الأمريكي المتعدد الأعراق والأديان والمذاهب، ويفسدون في خاتمة المطاف مفهوم تكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية التي ينشدها غالبية الشعب الأمريكي.

تُعدّ الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأكثر عُرضة للفضائح، فما إن تنطوي فضيحة سياسية أو أخلاقية أو عنصرية، حتى تتفجّر فضيحة من نوع آخر تثير غضب الشعب الأمريكي وتقلّب في صدره المواجع، فمن غير المعقول أن يرى المواطن الأمريكي العادي الذي يعيش على الكَفاف فرص أبنائه في التربية والتعليم والرياضة وما إلى ذلك، تذهب لمصلحة الأقوياء والأثرياء والموسَرين، بينما يقف هو متفرجا على شاشات التلفزيون التي تستعرض هذه الفضائح تباعا، ولا يستطيع أن يحرّك ساكنا، أو يفعل شيئا أكثر من كيل اللعنات على هؤلاء الأثرياء الذين يتفننون في سرقة أحلام الناس وفرصهم الجامعية، على الرغم من وجود ثلاثة آلاف جامعة مبثوثة في طول البلاد وعرضها.

 

رشوة التسجيل.. فضائح نجوم السينما والسياسة

لم يشأ المخرج الأمريكي “كريس سميث” الذي عرفناه في فيلم “الوظيفة الأمريكية” (American Job) أن يجترح عنوانا جديدا لفيلمه، وإنما أبقاه على الشيفرة التي روّجتها وسائل الإعلام الأمريكية، وهي “عملية فارسيتي بلوز” التي تتمحور على “فضيحة القبول الجامعي” التي تفجّرت عام 2019، حيث وجّهت فيها المحكمة الفيدرالية التُهم إلى 53 شخصا اعترف عدد منهم بالذنب، بينما لم يعترف البعض الآخر بالجريمة التي ارتكبها.

وقد قام 33 من آباء الطلاب المتقدمين للجامعات بدفع رشاوى تصل إلى أكثر من 25 مليون دولار أمريكي بين عامي 2011 و2018 إلى العقل المدبر للجريمة “ريك سينغر” الذي قام بتزوير درجات امتحانات القبول مقابل تقديم الرشوة إلى مسؤولين في عدد من أبرز الجامعات الأمريكية، مثل “هارفاد” و”جورج تاون” و”بيركلي” و”ستانفورد” و”كارولينا الجنوبية”.

والمثير للدهشة أنّ المتهمين كان بينهم النجمة السينمائية “فيليستي هوفمان” التي عرفناها في “ترنسميركا” (Transamerica) و”السجين الإسباني” (The Spanish Prisoner) والفنانة “لوري لافلين” التي شاهدناها في “العودة إلى الشاطئ” (Back to the Beach) و”المعجب السري” (Secret Admirer). وهي زوجة مصمم الأزياء المشهور “موسيمو جيانولي”، وابنته “أوليفيا غايد” المعروفة جدا على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك “المستشار” “جاريد كوشنر” الذي تبين أن والده قد تبرع لجامعة هارفارد بمبلغ 2.5 مليون دولار، وقُبِل فيها ابنه رغم أنه كان طالبا متوسطا، ولم يدرس المقررات الصعبة في المرحلة الثانوية.

كما شملت التُهم مدراء تنفيذيين وموظفين في دوائر القبول الجامعي، ومدربين للألعاب الرياضية المرموقة التي تشترط جامعات النخبة على المتقدمين أن يعرفوها ويحصلوا على خبرة جيدة في ممارستها، مثل رياضة التجديف والمبارزة وركوب الخيل والسباحة وما إلى ذلك.

ريك سينغر يتواصل مع زبائنه الأمريكيين والأجانب ليقدم لهم الاستشارة لقبول أبنائهم الأثرياء في الجامعات الأمريكية مقابل رشاوى يتلقاها

 

“ريك سينغر”.. ألعاب الشرطة الفيدرالية

يُعيد المخرج “كريس سميث” تجسيد وقائع وأحداث هذا الفيلم الوثائقي عبر التمثيل الذي اشترك به نجوم معروفون، مثل “ماثيو مودن” و”جوش ستامبيرغ” و”كولن آربو” وغيرهم، وقد اعتمد المخرج على تقنية “الرؤوس المتكلمة” تارة، أو المشاهد المُصوَّرة بواسطة طائرة درون، أو اللقطات المأخوذة من الأرشيف.

كما يتضمن الفيلم لمسة روائية استعمل فيها المخرج سياسة التوريط والحيلة والإيقاع بالمتهمين من خلال تسجيل مكالماتهم من جديد، بحجة أن مصلحة الضريبة تطارد “ريك سينغر”، وتريد أن تعرف مصادر هذه الأموال التي تراكمت في حسابه البنكي. ومنْ يتعاون مع الشرطة الفيدرالية قد ينجو من العقاب، أو تخفَّف عقوبته إلى أقصى درجة ممكنة.

يسلط الفيلم الضوء على شخصية “ريك سينغر” وماضي أسرته وعلاقاته الاجتماعية التي نسجها مع المجتمع المخملي، من دون أن ينسى الجانب العاطفي في علاقته الرومانسية مع “باتريشيا لوغان” التي كسرت إيقاع الجريمة والاحتيال قليلا، وأتاحت الفرصة للمتلقي كي يلتقط أنفاسه. ترى هل سيُسجن ريك سينغر بسبب “الجرائم” التي ارتكبها، أم سيبقى حُرّا طليقا لأنه تعاون مع السلطات الفيدرالية؟

ريك سينغر يستلم شيكات الرشاوى من الآباء الأمريكيين الأثرياء لتزوير امتحان القبول لأبنائهم

 

من مدرب لكرة السلة إلى مستشار.. مسيرة ثري فاسد

يكشف هذا الفيلم بنَفَس استقصائي شخصية “ريك سينغر” الذي لم يحظَ بطفولة سعيدة، فقد انفصل والداه حينما كان صغيرا، الأمر الذي ترك أثرا واضحا على شخصيته وطريقة تفكيره، لكنه من جانب آخر كان ذكيا ويتمتع بطلاقة لسان واضحة تمنحه القدرة على الإقناع.

أنهى “سينغر” دراسته الجامعية واختار مهنة التدريب، لكنه كان سريع الانفعال، ويوبّخ اللاعبين كثيرا، وحينما مرّت جامعة ساكرامنتو بسنة مشؤومة حقّقت فيها أربعة انتصارات ومُنيت بـ24 هزيمة؛ طُرد الطاقم التدريبي برمته، فقرّر “سينغر” أنّ يتخلى عن مهنته كمدرّب لكرة السلة، وانتبه إلى وظيفة مستشاري الجامعات المستقلين التي كانت جديدة في ذلك الوقت، وأصبح أول شخص في ساكرامنتو يحظى بهذه المهنة التي هيأته لهذه الفضيحة.

لم تذهب خبرة “سينغر” التدريبية السابقة سُدى، لأنها أحاطتهُ علما بطريقة قبول الرياضيين في فرق الجامعات والأندية الكبرى، وسوف يستعمل هذه الخبرة المُكتسَبة لرشوة المدربين الذين يسعون لإظهار الطلاب زورا كرياضيين واعدين، وكان يعرف حق المعرفة التفاصيل الدقيقة لعملية قبول الرياضيين في الجامعات المهمة في عموم الولايات المتحدة الأمريكية.

لم تبدُ على “سينغر” مظاهر الأناقة والجاذبية، فقد كان يرتدي قميصا وسروالا قصيرا، وينتعل خُفّين مُذكرا إيّانا بمتسكعي كاليفورنيا إلى حد ما، كما كان مهووسا بممارسة عدة أنواع من الرياضة، مثل السباحة والجري في أوقات مبكرة قبل طلوع الشمس، الأمر الذي جعله يحافظ على لياقته البدنية، ويحتفظ بروحية الشباب ونشاطهم.

 

الباب الثالث.. اختراع “سينغر” الذي صنع الملايين

ينهمك “سينغر” منذ سنوات طويلة في مهنته القائمة على تقديم الاستشارة لقبول الطلاب الأثرياء في الجامعات الأمريكية، ولم يُواجه أي صعوبة تُذكر، ومع ذلك فإن الزبائن كانوا بحاجة إلى طمأنة تقطع شكّهم باليقين، وعلى رأسهم محامي الصفقات “غوردن كابلان” الذي طلب من “سينغر” أن يبيّن له خلفيته المهنية.

فأجاب: نحن شركة برأس مال يبلغ 290 مليون دولار أمتلكها أنا، ولدينا ألف موظف على امتداد الولايات المتحدة الأمريكية، و280 موظفا حول العالم، نساعد أثرى العائلات في بلدنا وغيرها من بلدان العالم لإدخال أولادهم في الجامعات المهمة، ولدينا علاقات واسعة مع أصحاب نوادي كرة السلّة وكرة القدم الأمريكية، وتسعى هذه العوائل الغنية للحصول على ضمانات تفضي بأولادهم إلى الجامعات المرموقة التي يلهثون خلف بريقها.

يقسّم “سينغر” طرق القبول في الجامعات المميزة إلى ثلاثة أبواب، فالباب الأمامي يعني أنّ الطالب يدخل إلى الجامعة بنفسه ومن دون معونة أحد، أما الباب الخلفي فيعتمد على التبرّع المادي الذي قد يكلّف الطالب عشرات الملايين ومن دون ضمانات، بينما يقدّم الباب الثالث، -وهو باب جانبي ابتكره “سينغر”- ضمانات أكيدة وبأسعار مخفّضة جدا. وقد دخل من هذا الباب الجانبي 761 طالبا ورياضيا من كلا الجنسين، ولم تصادف “سينغر” أي مشكلة خلال سنوات عمله الاستشاري القائم على الاحتيال والتزوير والتهرّب من الضرائب.

جون فاندامور رئيس مدربي الإبحار في جامعة ستانفورد الذي فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله لستة أشهر

 

“المجرم الذي يخترق القانون يوميا”.. سوسة تنخر الحرم الجامعي

يعتمد المخرج “كريس سميث” على آراء عدد من الشخصيات المهنية والأكاديمية، ومن بينهم “مارغي آموت” المستشارة التعليمية في ساكرامنتو، وهي المدينة ذاتها التي يعيش فيها “سينغر”، وقالت إنها تعرفه جيدا، وأنه حاول أن يكون مهنيا لسنوات عديدة، طالما أنّ طبيعة عمله تعتمد على تقديم المشورة للطلاب الذين يقدّمون أوراقهم للجامعات الأمريكية، وكان الناس يشعرون بالإعجاب به، ويتحمسون للقائه بوصفه خبيرا متمكنا في هذا المضمار.

وعندما ذاع صيته بدأ يحوك المؤامرات، ويستغل الموظفين في دوائر القبول الجامعي، ويقدّم لهم الرشوة من أجل ضمان قبولهم في الجامعات المُعتبرة لقاء مئات الآلاف من الدولارات، وأحيانا بضعة ملايين كتبرع لهذه الجامعة، أو تلك المؤسسة الرسمية.

وحينما تعمّقت “مارغي” في دراسة شخصية “سينغر” والمحاضرات التي يقدّمها هنا وهناك، اكتشفت حجم أكاذيبه وطبيعة الوعود التي يطلقها ولا يستطيع تنفيذ معظمها، ولم تتردّد في وصفه بالمجرم الذي ينتهك القانون يوميا.

كما اعترف عدد من الطلاب بأنه كان يغيّر عِرقهم من أبيض إلى لاتيني أو أمريكي من أصل أفريقي لكي يتأهلوا بموجب قانون التمييز الإيجابي، وكان يرتكب مخالفات قانونية ترقى إلى مستوى الجريمة، لأنه يسرق فرص الكثير من الطلاب العاديين، ويمنحها إلى أبناء العائلات المُترفة من رجال الأعمال والمشاهير والمدراء التنفيذيين والمحامين والأطباء، كما يقوم بإفساد الموظفين الإداريين في دوائر القبول الجامعي، وأبرزهم جون فاندامور مدرِّب الإبحار السابق في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا، فقد وافق على لقاء “سينغر” بوصفه مسؤولا للتوظيف الجامعي ومهتما بالعمل في الرياضات الأقل انتشارا.

وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية المشدّدة في الجامعة، فإن “سينغر” تمكّن من الدخول وتحقيق اللقاء مع فاندامور، وتحدث معه بشأن شابة تُدعى “سولي زاو” تبلغ من العمر 17 سنة، وقد تخرجت لتوّها من الثانوية وتريد الالتحاق بستانفورد، وعائلتها مستعدة للتبرع بمليون دولار إلى الجامعة لكي تؤثر على لجنة القبول.

ورغم أن “فاندامور” لم يفعل لها شيئا، فإنها قُبلت في ستانفورد، خصوصا وأنّ عائلتها تريد التبرّع بمبلغ 500 ألف دولار لبرنامج الإبحار، الأمر الذي أفرح الموظفين الإداريين كثيرا لأنهم يريدون أن تتدفق الأموال عليهم من كل الجهات.

باتريشيا لوغان البالغة من عمرها 53 عاما، وهي صديقة سينغر وملهمته العاطفية

 

“باتريشيا لوغان”.. علاقة عاطفية بين المد والجزر

لكي ينتشلنا المُخرج من دائرة الاحتيال والتآمر وغسل الأموال والجريمة؛ قدّم لنا صديقة “سينغر” المعروفة “باتريشيا لوغان”، وهي امرأة جميلة ضاحكة السن برّاقة العينين تبلغ 53 عاما من عمرها، وقد تعرّفت عليه في موقع للمواعدة، ثم أخذت العلاقة تتطور عاطفيا.

وفي أثناء هذه المرحلة أجرت عنه عمليات بحث متواصلة على الإنترنت، وأعجبت بالأعمال والمشاريع التي كان يقوم بها، فقد كان شخصا نشيطا من وجهة نظرها، وقد التقته أول مرة على العشاء، وعقدت مقارنة بين ماضيها وماضيه، إذ بدأ كلاهما في عامه الثاني عشر بالعمل، فكانت هي توزع الصحف وتجني بعض النقود، بينما كان “سينغر” يقنع الشباب الأكبر سنا منه بشراء الكحول له، ثم يبيعه للفتيان القاصرين.

انتبهت “باتريشيا” بسرعة إلى أنه كان ذكيا ومُثيرا للاهتمام، وقد أعرب عن إعجابه بها، وطلب منها اللقاء مجددا إذا توفرت على بعض الوقت، وأشادت بحبه للعمل، وانشغاله مع مساعديه الذين يكلّفهم بمهام مختلفة، وكان يمارس رياضات مختلفة إضافة إلى انشغالاته العملية، حتى أنه لم يكن ينام أكثر من ثلاث ساعات أو أربع يوميا.

وعلى الرغم من تعلّقها به فإنها أدركت مبكرا بأنه كان يخفي عنها الكثير، وكأنه كان يعيش حياة سرّية يشوبها الغموض والانكفاء على الذات، حيث تأخذ هذه العلاقة طابع المدّ والجزر، فهو ينساها لفترة من الزمن ثم يعود إليها مجددا، وذات مرة طلب منها أن تعمل في إحدى شركاته المتعددة التي تتألف من مستشارين وخبراء وموظفين يدفع للبعض منها راتبا يصل إلى 20 ألف دولار شهريا، مثل “دونا هاينل” كبيرة المديرين الرياضيين التي تنظم قبول الطلبة في رياضات مُنتخبة وتقدّم له المشورة، وتحلّ غالبية الإشكالات التي تصادفهم.

ثم عرض على صديقته “باتريشيا” أن تدير إحدى الشركات الجديدة على أمل إحياء العلاقة العاطفية التي خبت قليلا بسبب الانغماس في العمل وضيق الوقت الذي يكرّسه لمشاغله اليومية التي تدرّ عليه مزيدا من الأموال دفعته لمغادرة ساكرامنتو والانتقال إلى نيوبورت بيتش، حيث أصبح لديه منزل جميل واستثمارات لمطاعم ومشاريع متعددة كانت سببا في مضاعفة ثرائه وانفتاحه على المجتمع المخملي الذي لم يكن يفضّله، لكنه لم يهمل دعوة باذخة لحضور حفل عيد ميلاد كبير في قصر فرساي الشهير في باريس.

ورغم أنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يتنصّت على مكالمات “سينغر” الهاتفية كلها، فإنه لم يتخذ الإجراءات القانونية من فوره، وإنما ظل يتريث حتى تكتمل أركان الجريمة برمتها. كما أنّ “سينغر” لم يقترف خطأ جسيما أدّى إلى اكتشاف أمره، فما حدث هو أن أحدهم قد اعتقل بتهمة أمنية لا علاقة لها به من قريب أو بعيد، لكن ذلك المدير التنفيذي المالي قال “ربما يهمكم أن تعرفوا أنّ مدرّبا طلب مني رشوة”. وكان هذا المدرّب هو “ريك سينغر” الذي يقدّم استشارته في القبول الجامعي بطرق تعتمد كليا على الاحتيال والتزوير والتآمر المنفّذ بدرجة عالية من الحيطة والحذر.

المتنصتة من مكتب التحقيقات الفيدرالي على مكالمات ريك سينغر، والذي لم يُتخذ قرارات بحقه

 

سقوط النجوم.. غرامات مالية وأحكام بالسجن

لا يمكن لأي مخالفة قانونية أو جريمة أن تستمر إلى ما لا نهاية، فقد تفجّرت فضيحة القبول الجامعي على صدر الصفحات الأُول، وصدمت الناس من مختلف الشرائح وأثارت غضبهم، فالمعجبون بالمشاهير أعربوا عن سخطهم وتحاملهم، لأن نجمة سينمائية مثل “لوري لافلين” وزوجها “موسيمو جيانولي” يلتجئان إلى الغش والخديعة، ويعملان كل ما بوسعهما من أجل قبول ابنتيهما “أوليفيا جايد” و”بيلا” في جامعة كارولينا الجنوبية.

وكذلك صنعت الممثلة السينمائية المعروفة “فيليسيتي هوفمان” التي تريد أن تُدخل ابنتها في إحدى جامعات النخبة التي لا تستحقها، الأمر الذي أثار حفيظة المعجبين بها والمتابعين لأفلامها ومسلسلاتها التلفزيونية، واستغربوا من هذا السلوك الشائن الذي يتعارض مع منظومة القيم الأخلاقية التي تحتقر الاحتيال والطرق الملتوية في الهيمنة على حقوق الآخرين ونهب أحلامهم في رابعة النهار.

لا يمكن الوقوف عند جميع المتهمين الذين يصل عددهم إلى 53 مواطنا أمريكيا، وقد أثبتت الأدلة والمعطيات بأن 33 من الآباء قد دفعوا رشوة كبيرة إلى العقل المدبر “ريك سينغر”، وقد ارتأى المخرج أن يركّز على عدد من الشخصيات الفنية والسياسية والإدارية التي تورطت بتقديم الرشوة، وقبلت بالغش والاحتيال.

ومن بين تلك الشخصيات “جون فاندامور” رئيس مدرّبي فريق الإبحار في جامعة ستانفورد الذي أقرّ بأنه تلقّى أكثر من 600 ألف دولار من “ريك سينغر”، وهو نادم على فعلته الشنعاء، لكنّ جامعة ستانفورد أبلغته برسالة تفيد فيها بأنه مطرود من الوظيفة، وقد فقدَ لهذا السبب راتبه الشهري وتأمينه الصحي، والأهم من ذلك كله خسر رعاية أطفاله النهارية، وقد حكمت عليه المحكمة بالإقامة الجبرية في المنزل لمدة ستة أشهر، ووضع تحت الاختبار لمدة سنتين، كما عُوقب بغرامة مالية قدرها 10 آلاف دولار.

 

فساد الإدارة الأمريكية.. عقوبات ناعمة لأثرياء يتمرغون بالأموال

كانت الشرطة الاتحادية تداهم الأثرياء والمشاهير من النجوم والمدراء التنفيذيين المتورطين بتقديم الرشوة، وحُكم على الممثلة “لوري لافلين” بالحبس لمدة شهرين، وعلى زوجها موسيمو جيانولي بالحبس لمدة خمسة شهور، كما حكم على الممثلة “فيليستي هوفمان” بالسجن لمدة 14 يوما، بينما حُكم على بقية المتورطين في فضيحة القبول الجامعي بالحبس لمدد مختلفة تتراوح بين ثلاثة أسابيع وسبعة شهور.

وقد انتهت إقامة “جون فاندامور” الجبرية في ديسمبر/كانون الأول 2019، ولا يزال يدّرب على الإبحار بشكل مستقل، أما العقل المدبر لفضيحة القبول الجامعي “ريك سينغر” فلا يزال حُرا وطليقا، لأنه وافق على أن يتعاون مع مكتب التحقيق الفيدرالي الذي طلب منه أن يتصل بكل المتهمين ويسجّل اعترافاتهم الصوتية من جديد، بحجة أن مصلحة الضرائب تريد أن تتأكد من مصادر الأموال الكبيرة التي وردت إلى حساباته الشخصية، وقد نجح نجاحا كبيرا في استدراجهم جميعا إلى الاعتراف بالرشوة التي قدّموها له وبالأرقام الدقيقة.

وقد رأيناه في نهاية هذا الفيلم الاستقصائي الملفت للانتباه وهو يعود إلى مدينته الأولى ساكرامنتو، ويقود سيارته تارة، أو يدخل المسبح تارة أخرى، ويمارس رياضاته المعتادة حينا، ويتكلم على الهاتف حينا آخرَ وكأنه لم يرتكب ذنبا، لكن حينما تتأمل ملامح وجهه عن قُرب ستكتشف من دون شك أنه فقد بريقه وخسر كرامته الشخصية إلى الأبد.

لم تكن عامة الناس راضية بهذه العقوبات الناعمة وبالغرامات المالية التافهة بالنسبة لهؤلاء الأثرياء الذين يتمرغون بالنقود، لكنها كانت فرصة ثمينة لكشف الفساد في بعض مفاصل الحياة الإدارية في المجتمع الأمريكي الذي تذمّر من القائمين بهذه الفضيحة، وتشفّوا بهم لأنهم رأوا بعضا من القصاص يطال المجرمين الذين يتمترسون خلف خنادق الشهرة والقوّة والأموال البرّاقة.