فن المهجر.. أعمال فنية تثير غضب الإعلام المصري

الفنان المصري هشام عبد الحميد                   

بعث لي صديقي الفنان سيد بدرية بأجزاء من فيلمه التسجيلي المهم “التمثيل مع العدو”، وفيه يشير إلى تعاونه معي عندما رشحته للمشاركة في مسلسل “شتاء 2016” الذي صُوّر في إسطنبول، وهو مسلسل من باكورة أعمال الأخوين أحمد وأسامة زين.

ويُعتبر المسلسل تفعيلا لآليات القوى الناعمة للمعارضة المصرية بإسطنبول، حيث شرح سيد بدرية أسباب غضبه وحزنه من هجوم الإعلام المصري على مجموع التجارب الفنية المُبشّرة بأسلوب مختلف عن توجّه المعارضة بالخارج.

لقطة من مسلسل “شتاء 2016” الذي يوثّق رحلة هروب لشابين عبر الحدود الجنوبية المصرية إلى السودان في سيارتهم

 

دوي النجاح.. اتهامات بالخيانة قبل التصوير

اتهمَنا الإعلام المصري كالعادة جميعا بالعمالة والخيانة والإرهاب، وتنوعت هذه الأعمال ما بين سينما ومسرح وتلفزيون، ولعل مسلسل “شتاء 2016” والفيلم القصير “بسبوسة بالقشطة”، ثم الفيلم الطويل المستقل “الهتك” لمنتجه ومؤلفه ومخرجه محمد البحراوي؛ أكثر الأفلام شعبية إلى الآن، وهناك مسرحية مأخوذة عن رواية نجيب محفوظ “الحرافيش”.

وبالرغم من بعض التحفظات الفنية فإن هذه الأعمال وبشكل خاص “شتاء 2016″ و”الهتك” و”بسبوسة بالقشطة”؛ قد أحدثت دويا كبيرا، لذلك انبرت أذرع إعلامية كثيرة لمهاجمتهم، حيث إن الكثير من الإعلاميين هاجموا هذه الأعمال حتى قبل أن تبدأ.

 

المكارثية.. هجمة شرسة لها تاريخ

بالتقاطع مع فيلم سيد بدرية الجديد الغاضب والموجع الذي يصرخ فيه من الاتهامات الباطلة الموجهة إلينا بصراحة ووضوح كبيرين؛ تذكرني هذه الهجمة الإعلامية الشرسة بالهجمة المُصطلح على تسميتها بـ”المكارثية” (سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة).

ذلك الهجوم غير المسبوق على الكتاب والفنانين وكل من يختلف مع النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة الأمريكية، فالتحقيقات المكارثية في الخمسينيات من القرن المنصرم أدت إلى حملات تهميش وإقصاء وتدمير للأرزاق، فضلا عن الاغتيال المعنوي لمن تثبت عليه تهمة الشيوعية، أو أيّ ممن تحوم حوله الشبهة، وكان من نتائج هذا انتحار عدد غير قليل من خيرة مفكري وفناني أمريكا وجنون البعض وهجر آخرين للفن.

المخرج الأمريكي “إيليا كازان” الذي فتحت له هوليود أبوابها بعد وشايته بزملائه المفكرين لأعضاء الحزب الشيوعي

 

اتهامات وتنكيل.. الصعود على أكتاف الآخرين

أذكر أن المخرج الأمريكي “إيليا كازان” ضغط عليه كثيرا ليشي بالقائمة السرية لأعضاء الحزب الشيوعي من الكتاب والمفكرين والفنانين، وبالطبع نُكل بهم جميعا، وبالمقابل فُتحت أبواب هوليود أمام المخرج “إيليا كازان” ليحقق أمجاده السينمائية كمكافأة على وشايته بزملائه.

وأذكر أيضا كيف أدانت المكارثية الممثل الكوميدي الإنجليزي “شارلي شابلن” لأن أعماله تدافع عن الفقراء ضد الأغنياء، واضطر شابلن أن يغادر أمريكا إلى سويسرا ليعيش فيها جراء ذاك الاتهام السخيف.

هذه الظروف نفسها مرّ بها الشاعر الألماني “بروتولود بريشت” الذي أبدع نظرية المسرح الملحمي، حيث اضطر بأن يُغادر أمريكا إلى ألمانيا الشرقية على إثر اتهامات اللجان المكارثية، بسبب تضييق السلطات الأمريكية عليه.

 

“شتاء 2016”.. قيم الحق والخير

بالرجوع إلى فيلم سيد بدرية الذي نكأ الجراح، ففي حقيقة الأمر أنا لا أفهم أو أتصوّر ولا سيد بدرية كيف تُتَهم الأعمال الفنية التي قُدّمت بإسطنبول على أنها أعمال فنية تدعو إلى التخريب، وأنها مؤامرة موجّهة لتنال من مصر والمصريين، وأن هذه الأعمال تصطبغ بتنظيم الإخوان المسلمين.

لهذا أردتُ أن أفنّد هذه المزاعم أولا بالنظر إلى عملين فنيين، وتحديداً مسلسل “شتاء 2016″، والفيلم القصير “بسبوسة بالقشطة”، حيث نجد أن هذين العملين يحملان مضامين إنسانية بالدرجة الأولى، وليس هناك مجال للمزايدة بأنها أعمال تدعو إلى الهدم والتخريب والتدمير والإرهاب وكل هذا الهراء.

على العكس تماما هذه الأعمال هي أعمال فنية ذات مضمون إنساني، فعلى سبيل المثال فشخصية الضابط بمسلسل “شتاء 2016” ليست إلا صمّام الأمان والضبط لكل التجاوزات العنيفة في أحداث المسلسل، كما أن المسلسل في مجمله يدعو لقيم الحق والخير والجمال.

 

“بسبوسة بالقشطة”.. علاقة السجين بسجّانه

أما فيلم “بسبوسة بالقشطة” فصحيح أن معظم أحداثه داخل سجن، لكن الصحيح أيضا أنه يرصد علاقة إنسانية دقيقة بين السجين والسجّان، وهي علاقة شديدة التعقيد، وذات تطور درامي عبر الحدث الرئيسي في الفيلم، حيث تتحول العلاقة من النفور إلى التعاطف.

ولهذا فأنا أختلف مع الكثيرين الذين يرون أن الفيلم ينحصر في مجرد فيلم عن السجون، بل إن قيمة الفيلم تتجاوز هذا المنظور الضيّق إلى قيمة أكثر رحابة، وهي قيم التسامح والتراحم والتعاطف، هذا هو فحوى ومعنى الأعمال الفنية الإرهابية الخطيرة التي تريد أن تنال من أمن واستقرار مصر.

 

إعلام النظام.. بين خطابات القلب والحنجرة

بعد الهجمة الشرسة التي وجهها الإعلام المصري جاء ردّ سيد بدرية القوي والواضح على إعلام النظام في الاتهامات التي وجهها إليه، تلك التي يثيرها سيد بدرية بفيلم “التمثيل مع العدو”، وهي طرح مسألة علاقة النظام مع الإخوان المسلمين وهم بمصر يستمتعون بمكاسب وامتيازات عدة حسب قول سيد بدرية.

على أيّ حال، تظل هذه الأعمال الفنية تُعبّر عن حالة زخم وطموح للقائمين عليها والمشاركين بها ضد كل تيارات وموجات التشكيك والإدانة والاتهامات الباطلة. وقديما قيل: “إن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب، وما يخرج من الحنجرة يذهب أدراج الرياح”. وأعتقد أننا قدمنا ما أردنا من القلب، ولهذا سيصل إلى القلب.