فيلم “حجاب الحب”: بين المنح والمنع

يعرفنا الفيلم، في البداية، بشخصياته المركزية لنُكون نظرة عنها من خلال استعراض مواقعها الاجتماعية والفضاءات التي تتواجد بها ضمن محيطها كالأسرة والعمل مثلا. وستكتمل لدينا الرؤية عنها خلال السهرة التي جمعت الصديقات الخمسة في أحد المطاعم ليدخل في الصورة الرجلان الأساسيين في الفيلم وهما حمزة (يؤدي دوره الممثل يونس ميكري) وأنس (يؤدي دوره عزيز الحطاب). رجلان مختلفان تماما إذ الأول فنان ديكور يعيش حياة بوهيمية بينما الثاني متشبث بالقيم الدينية وممارسة شعائرها بانتظام وهو في آن واحد من عائلة البطلة الباتول.

يعتمد فيلم ” حجاب الحب ” إذن على نماذج نسائية شابة بانشغالاتهن وهمومهن وطموحهن حيث تفوقت الممثلات الخمسة في تجسيد أدوارهن باحترافية عالية كفريق متكامل وبالتالي ستجد النساء المغربيات صورتهن وذاتهن في الفيلم.

يتطرق الفيلم لمعنى الحب والزواج والطلاق والعنوسة والجنس والأمومة. يعني يتحدث عن تفاصيل الحياة وجزئياتها بذكاء فني فيدخلنا في عوالم المرأة الحميمية بتناقضاتها السارة والمؤلمة، بتعثراتها وصمودها، وكذا إخلاصها للصداقة وتميزها الإنساني.
يعتمد الفيلم – باللغة السينمائية – على الفكرة والقصة والحبكة التي تشكل الهيكل الجوهري للفيلم السينمائي. يوفر فرجة ومتعة طيلة ساعتين تقريبا.
يبدأ الفيلم بإيقاع عاد في انتظار أن نستأنس به وبشخصياته وأجوائه لتتصاعد وتيرته الدرامية.. وشيئا فشيئا تنفجر عند كل محطة تفتح فيها إحدى تلك النساء رسالتها الشخصية التي تكون غالبا مناقضة لما كنا نعتقد عنها. نسوق على سبيل المثال لا الحصر مشهد الحمام كتعبير ذكي من المخرج الذي تخلصت فيه هيام (تؤدي دورها الممثلة السعدية لديب) من معاناتها الداخلية وكأنها تغتسل من ماض وحاضر ثقيلين تخلصت منهما علما أنها كانت تبدو أكثرهن مرحا وحيوية وسعادة. ونذكر أيضا مشاهد أخرى التي يلمح فيها المخرج للحرمان الذاتي من الرغبات الإنسانية الضرورية وإحساس بعضهن بالوحدة والعزلة في بيتهن مثل نجوى (تؤدي دورها نورا الصقلي) وحتى المتزوجة نهاد (الممثلة نجاة خير الله) ليست أفضلهن.
تميز الإخراج أيضا بالاشتغال على الذات والجسد بفنية استثنائية في السينما المغربية دون السقوط في كليشيهات وإنما راهن على المُشاهد الواعي والذكي الذي يدرك خصوصيات الإبداع السينمائي المرتكزة على فنون الصورة والصوت.
تتقاطع وتلتقي تجارب النساء الشابات الخمسة في ما بينها لتتشكل لوحة اجتماعية متعددة الألوان فتسر العين وتفضح المستور من القهر والمنع الذاتي والمجتمعي والسياسي والفكري.
وعليه، فإن فيلم ” حجاب الحب ” كمنتوج إبداعي يزيل “الحجاب” عن الازدواجية الانتهازية في ثقافتنا السائدة حيث تخضع الحياة لمقص الرقابة وتجزيئها إلى نمطين “خفي” و “ظاهر” وهو ما ينعكس في كل مظاهر الحياة اليومية، في الشارع والإدارة، في الأماكن العمومية والخاصة، فيحيى الجميع بين حياتين إحداهن في “السر” والأخرى في “العلن”.
إن مجتمعنا لا يحترم – بشكل أو بآخر – المرأة العانس، المرأة التي لم تجد نصفها الثاني الذي ستقاسمه الحياة وكأن الزواج قدر لا مفر منه، فيفرض عليها المجتمع أن تتزوج مكرهة لتتخلص من هذا الضغط نحو ضغط آخر أكثر عنفا حتى تكون “امرأة مكتملة” في نظره. كما ينظر للمطلقة على أنها “بستان جماعي”. وعليه فلا يحق لأحد اختيار حياته هو بل ينبغي أن يسير وفق المصير المخطط له سلفا.
هذه الإشكاليات الاجتماعية، والثقافية أيضا، التي لا يدركها الرجل لكون المجتمع يفتح له جميع الحدود، يحاول الفيلم تأطيرها سينمائيا حتى يسهل استيعابها ما دامت الصورة أبلغ من الكلام والكتابة.
وبما أن الفيلم نتاج بيئته فقد رصد المخرج عزيز السالمي ظواهر اجتماعية، ساعدته في تجسيدها ممثلات تقمصن أدوارهن على الشاشة باحترافية، جاعلا من “الحجاب” خلفية لفيلمه لكونه يحمل (أي الحجاب) أبعادا متعددة غير مرتبطة بالضرورة بالبعد الديني المحض، وليس كل امرأة حملته تعي قصده لذا اختلفن في أشكال التزيين به. فيكون فيلم “حجاب الحب” أول فيلم مغربي يصبح الإكسسوار “المنديل” له قيمة إبداعية وعنصر درامي مركزي يعلن عن نفسه من العنوان خاصة حين يرتبط بإحساس إنساني عميق وهو الحب.
  • قبل بداية الفيلم…
  • “حجاب الحب ” هو أول فيلم روائي طويل للسينما يخرجه عزيز السالمي بعد أفلام قصيرة وأفلام للتلفزيون واشتغاله مساعدا في الإخراج مع عدد كبير من السينمائيين.
    وقد حصل الفيلم على جائزتين من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الأخيرة المنعقدة في أواخر شهر ديسمبر الماضي (2008) وهما جائزة أفضل سيناريو (كتبه المخرج نفسه) وجائزة أفضل دور ثان للممثلة السعدية لديب.
    بدأ عرضه التجاري، مع مطلع الشهر الحالي، في أكثر من 7 مدن مغربية. وقد سبق عرضه لأول مرة بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في شهر نوفمبر 2008 بمناسبة الاحتفاء بخمسينية السينما المغربية. كما أثار الفيلم، في الأسابيع الأخيرة، جدلا غير سينمائي بين بعض الإسلاميين وأغلب السينمائيين، تناقلته وسائل الإعلام المحلية بجميع أطيافها.
    لقد اعتبر بعض الإسلاميين أنه صراع من أجل الدفاع عن القيم الدينية فيما اعتبره خصومهم دفاعا على الديمقراطية وحرية الإبداع.
    بدأ الهجوم على الفيلم بعد عرضه بمدينة طنجة، أيام المهرجان الوطني للفيلم، في صحف محسوبة على تيارات إسلامية قبل أن يعلن الشيخ عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل وبرلماني عن حزب النهضة والفضيلة بدعوة مقاطعة الفيلم ومنعه من العرض في القاعات. تبعه في نفس الدعوة السيد عبد الإله بنكيران، البرلماني والأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، وهذا الأخير أضاف أن ما تروج له الأفلام هو اختراق من طرف الصهيونية لتمييع مجتمعنا. وهما معا – ومن يتبنون أطروحتهما – يتهمان الفيلم ” بالطعن في كرامة كل أسرة مسلمة وعفة كل فتاة تحمل الحجاب وبالتالي فهو – أي الفيلم – دعوة إلى الفسق ويدنس المجتمع المغربي لذا لا ينبغي السكوت عنه “.
    ويستغرب المخرج، والمدافعون عنه، لهذه التصريحات الواردة من أشخاص لهم مسؤوليات سياسية كبيرة دون أن يشاهدوا الفيلم للتحقق من اتهاماتهم بينما يرد الشيخ عبد الباري الزمزمي بأنه ” ليس شرطا لمشاهدته كي نعلق عليه، لأن كل من اتصل بي –يقول نفس المصدر – من إعلاميين سمعت منهم شورى واحدة، وهي أن الفيلم ركز على فتاة محجبة تعلقت بشخص حملت منه بطريقة غير شرعية، ومن الناحية المنطقية – يقول الشيخ الزمزمي – إذا كان النقل متواترا يكون صحيحا ومقبولا “.
    ويرد المخرج المغربي عزيز السالمي قائلا: ” إذا كان من خطر يتهددنا فلا أرى أهم من هذا الخطر الذي يريدنا أن نتحول نحو ديكتاتورية فكرية الذي يتعدى دائرة النقد نحو المطالبة بالمنع واتهامنا بالصهينة “.