“محمد رسول الله”.. قصة النبي العربي بلسان فارسي وتصوير هوليودي

أتيحت لي الفرصة عام 2016 لمشاهدة الفيلم الإيراني الكبير “محمد رسول الله” في عرض خاص بالعاصمة الإيرانية طهران، وهو الفيلم الذي قضى المخرج مجيد مجيدي سبع سنوات في التحضير له ثم تصويره إلى أن أصبح جاهزا للعرض.

يعتبر الفيلم أضخم إنتاج سينمائي في تاريخ السينما الإيرانية، فقد بلغت تكاليف إنتاجه ما يقرب من 40 مليون دولار، وعمل فيه عدد كبير من التقنيين والفنيين الأجانب على رأسهم “فيتوريو ستورارو”، وهو أحد أعظم مديري التصوير السينمائي في العالم، وهو مصور أهم أفلام المخرج الإيطالي “برناردو برتولوتشي” الشهيرة، مثل “المتماثل” و”خطة العنكبوت” و”التانغو الأخير في باريس” و”1900″ و”الإمبراطور الأخير”، وقد حصل ثلاث مرات على أوسكار أفضل تصوير عن “الحمر” للمخرج “وارين بيتي” و”سفر الرؤية الآن” للمخرج “فرنسيس كوبولا” و”الإمبراطور الأخير” لـ”برناردو برتولوتشي”.

إضافة إلى خبرة مدير التصوير الإيطالي في الفيلم، فقد أعدّ موسيقى الفيلم الموسيقار الهندي الشهير “ديليب كومار” الذي اعتنق الإسلام في منتصف الثمانينيات، كما قام طاقم عالمي بعمل المونتاج والديكور والمؤثرات الخاصة والملابس، وهو أمر نادر في السينما الإيرانية المعروفة بتوفر الكثير من المواهب والخبرات السينمائية لديها، فقد كانت رغبة الجهات التي أنتجت الفيلم بدعم حكومي مباشر أن يأتي في قالب عالمي يمكنه أن يخاطب المشاهدين في العالم، ويترك تأثيره عليهم باعتباره أول فيلم من الإنتاج الكبير يروي قصة حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ فيلم “الرسالة” الذي أخرجه المخرج الراحل مصطفى العقاد، وعلى نطاق يتجاوز كثيرا “الرسالة”.

مع توفر جميع العناصر الفنية التي ضمنت مستوى متقدما رفيعا على صعيد الفن السينمائي، لا شك أننا أمام تحفة بصرية من الطراز الأول، حيث البراعة في الديكورات التي روعي فيها أن تحاكي ما كان سائدا في مكة في تلك الفترة، بما في ذلك إقامة ديكور للكعبة على غرار الصورة المتخيلة لكعبة ذلك الزمان، وذلك قبل أن تطور وتكسى بالطريقة التي تعرف بها حاليا، وهي تظهر في الفيلم باعتبارها أثرا تاريخيا ودينيا قائما منذ ما قبل نزول الرسالة المحمدية، حيث نرى كيف كان أهل قريش يعلقون على جدرانها بعض المعلقات والجداريات المشغولة التي تتدلى من أعلاها.

هناك أيضا اهتمام كبير ملموس بالملابس التاريخية والأدوات والأثاث والمكياج واختيار أماكن التصوير، كما أن هناك الكثير من الدقة والإتقان في تنفيذ المشاهد الصعبة المعقدة التي  شاركت فيها أعداد كبيرة من الممثلين الثانويين، ورغم هذه الدقة والقوة التأثيرية للصورة مع جمال الموسيقى وقوتها، فإن هناك كثيرا من الملاحظات على الفيلم الذي يبلغ زمن عرضه ثلاث ساعات.

ميلاد النبي وصباه.. أحداث مزخرفة باختلاقات الخيال السينمائي

لعل الإشكالية الأولى تتمثل في اختيار رواية السيرة المحمدية سينمائيا على ثلاثة أجزاء، ولا شك أن هذا الفيلم الذي يُعد الجزء الأول منها هو أكثرها صعوبة، فهو يدور في فترة ما بين ميلاد النبي إلى أن بلغ أربعة عشر عاما، أي أنه يُصور سنوات الميلاد والطفولة والنشأة قبل زمن طويل من نزول الوحي وبدء الدعوة الإسلامية.

وطبيعي أن فترة الدعوة التي لم تبدأ إلا بعد أن أتم الرسول الكريم الأربعين من عمره هي الفترة التي تحفل بالكثير من المتغيرات والصراعات والأحداث التي يترقبها الجميع، ويريدون أن يعرفوا كيف سيتمكن مجيدي من تصويرها، وعلى أي مراجع سيعتمد في نقل حياة المسلمين الأوائل والانتقال ربما إلى تصوير ما وقع بعد وفاة الرسول.

أما الفترة الأولى من حياة محمد صلى الله عليه وسلم في طفولته، فهي لا ترتبط مباشرة بالرسالة، وهو ما دفع مجيدي الذي كتب سيناريو الفيلم أيضا إلى الكثير من الابتكار والتأليف والإضافة، مستمدا الكثير من خياله الشخصي، ومن الخيال الفارسي الأدبي الذي يمتلئ بالأساطير، مبتعدا عن النقل الحرفي من التاريخ المكتوب. وربما يكون هذا “التأليف والاختلاق” لكثير من التفاصيل سببا منطقيا للتساؤل عن مدى مطابقتها للحقيقة. غير أن من الممكن لنا نتغاضى عن كثير منها، إذا ما خلصنا إلى أن الفيلم السينمائي بشكل عام ليس مطلوبا منه أن يحاكي الواقع الحرفي ولا الشخصية التاريخية، خصوصا مع تضارب الروايات وتعددها، فالفيلم في نهاية المطاف يخلق واقعه الخاص.

وإضافة إلى ما سبق تكمن إحدى الإشكاليات أيضا في غياب المراجع الدقيقة التي تؤرخ لتلك الفترة بشكل موثوق، وهو ما يجعل باب الاجتهاد مفتوحا، ويبقى المهم هو ما إذا كانت هذه الاجتهادات قد خدمت الشخصية والموضوع، وهل أضافت إليها وعمقت الإحساس بها، أم أضرت بها وتسببت في تشتيت الوعي بالموضوع.

حدائق الفاكهة الغنّاء.. مكة كما لم تعرفها من قبل

يثير الفيلم تساؤلات عديدة حول تصوير المخرج مجيدي بيئة مكة المعروفة بقحطها الشديد وفقرها وجفافها على تلك الصورة التي تذكرنا بأفلام الرومان الشهيرة، أشجار وارفة وخضرة تنتشر في كل مكان وحدائق غنّاء وفاكهة وصبية وفتيات يشتركون جميعا في غسل الكثير من ثمار التفاح في قناة تتدفق فيها المياه، من خلال صور ملونة مزركشة بهيجة وخلابة، وكأننا نشاهد عملا قوامه الخيال، بينما يتراجع كثيرا اهتمام مجيدي بتصوير ملامح الحياة القاسية الجافة لسكان مكة في تلك الفترة، كما لا يتناول تكوينهم الاجتماعي والطبقي، وما كان يتهدد قوافل تجارتهم وصراعاتهم القبلية وعلاقاتهم بالله وبتلك الآلهة الوسيطة أو الأصنام.

يبدأ الفيلم من مرحلة إعلان سادة قريش العداء لمحمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رفضوا الامتثال لدعوته، فنرى في المشاهد الأولى كيف ينذر أبو سفيان عم النبي أبا طالب، ويعلنه بأنه يعتزم قتل محمد صبيحة اليوم التالي، محذرا إياه من أن قبول الدعوة الجديدة يعني التخلي عن الآلهة، وفقدان قريش هيبتها وسط القبائل.

في خلفية المشهد الذي يدور في الجبل كهف يُجسّد غار حراء، يصدر منه صوت رجل يقرأ سورة الفيل، لا شك أنه صوت محمد عليه السلام نفسه. من هذه النقطة يعود الفيلم إلى الوراء، ويصبح كما لو كان مصورا من ذاكرة أبي طالب الذي يستعيد ما جرى من أحداث قبل أن نصل إلى هذه النقطة.

عام الفيل.. زحف أبرهة الأشرم لتدمير الكعبة

أول المشاهد الكبيرة في الفيلم مشهد معركة عام الفيل، وهو يصور زحف جيش أبرهة الأشرم ملك اليمن موفدا من ملك الحبشة على مكة لتدمير الكعبة، وكيف يستولي على النوق التي يمتلكها جد الرسول عبد المطلب، ثم نرى كيف يذهب إليه عبد المطلب يطالبه برد إبله، فيسخر منه أبرهة قائلا “جئت تطلب الإبل لكنك لم تذكر الكعبة التي تعتبرونها رمزا لشرفكم وكرامتكم، وأنت تعلم أنني جئت لكي أهدمها؟”، فيجيبه عبد المطلب بقولته الشهيرة “أنا رب الإبل، أما الكعبة فلها رب يحميها”.

 

يأمر أبرهة بردّ الإبل إلى صاحبها حسب القصة المعروفة، لكنه يقول لعبد المطلب إنها ستبقى لديه حتى الصباح فقط، أي إلى حين يستولون عليها خلال الهجوم المحتم. وفي لقطات مصورة بتقنية تبرز مستويات متعددة داخل الإطار من الفيلة والمحاربين والخيول، ومن زوايا مرتفعة إلى لقطات قريبة كبيرة لأقدام الفيلة، مع تصاعد الموسيقى الإيقاعية على دقات الطبول، يفرّ سكان مكة للاختباء إلى الجبال، وفجأة وفي مشهد هائل تتجمع آلاف الطيور في السماء فتحوم وتقترب في كتلة واحدة، ثم تبدأ في قذف المهاجمين بالأحجار النارية التي تقتل من تقتله وتسقط الفرسان من فوق ظهور الخيول، وكأن المشهد ترجمة بصرية حرفية للسورة القرآنية، ولا شك أنه مشهد مهيب من أفضل مشاهد الفيلم تنفيذا وإخراجا.

لا يذكر الفيلم سبب هجوم أبرهة الأشرم على مكة لتدمير الكعبة، وهو الذي أقام كنيسة ضخمة في اليمن وأراد أن يرغم العرب على الاتجاه إليها للحج بدلا من مكة، إلا أن أحدهم دخل إلى الكنيسة ولطخها، فأقسم الأشرم أن يهدم الكعبة.

ينتقل الفيلم بعد ذلك مباشرة إلى مولد محمد عليه السلام، ويصوّر كيف يحتفي عبد المطلب زعيم قريش بالمولود الجديد وسط حشد كبير من أشراف مكة، ويختار له اسم محمد الذي لم يكن شائعا. ويبدو الاحتفال أشبه بما كان مألوفا في الأفلام الرومانية القديمة، ويصور المخرج مجيدي ومصوره الإيطالي عبد المطلب في صورة قريبة من صور القديسين في الأفلام التوراتية الهوليودية، خاصة أفلام المخرج “سيسل دي ميل” مثل “الوصايا العشر”، ثم “الإنجيل” للمخرج “جون هيستون” و”بن هور” للمخرج “وليام وايلر”، وذلك بشعره الأبيض الطويل المنسدل على ظهره وملابسه المميزة، وملامح وجهه التي تشي بالسماحة والطيبة، كما يأتي الضوء من خلفه كما لو كان قبسا من نور يحوطه بهالة ما ويجعله كما لو كان كائنا أسطوريا.

هذا الطابع يسود في الكثير من شخصيات الفيلم مع تلك الموسيقى التي تشبه مثيلاتها في الأفلام التوراتية الشهيرة، والاختيار مقصود لتقريب الفيلم من المشاهد الغربي، مع غياب الموسيقى العربية البسيطة بآلاتها المعروفة مثل الناي والطبل. ولا شك أن بصمات الطاقم الإيطالي والغربي لعبت دورا مباشرا في صبغ الفيلم بهذا الطابع الغريب على السينما الإيرانية وعلى فيلم يفترض أن مجاله الطبيعي البيئة العربية.

“كائن مُقدّس”.. أساطير فارسية حول النبي

محمد الطفل الذي يأخذه جده عبد المطلب إلى الكعبة وسط تهليل المجتمعين ثم اندماجهم في الرقص والغناء، يبدو في الفيلم كما لو كان ابنا لملك من ملوك الرومان الأثرياء، بل إن الصورة العامة التي يظهر فيها العرب والمسيحيون واليهود بملابسهم الثمينة وبيوتهم التي تزدان بكل ثمين هي صورة تساهم في تغريب الواقع العربي في مكة، وتجعلها تبدو أقرب إلى قصور فرعون، بل إن هناك  كثيرا من الإشارات في الفيلم إلى قصة موسى، ويبدو اقتباس تلك القصة في الفيلم بشكل واضح من خلال أسطرة شخصية محمد صلى الله عليه وسلم وجعله مستهدفا منذ مولده من قِبل اليهود.

الممثل الإيراني “شجاع نوري” بدور عبد المطلب جدّ النبي عليه السلام في فيلم “محمد صلى الله عليه وسلم”

فالفيلم يصور كيف أدرك حكماء اليهود من خلال كتبهم القديمة حتمية ظهور نبي جديد سيكون له شأن عظيم في تلك المنطقة، لكن بعد أن يتيقن كبيرهم من أن القادم الجديد لن يكون من أبناء جلدتهم، فإنه يبدأ في البحث عنه بعد أن يعلم بمولده بغرض اختطافه أو قتله، وهو ما يقود في الفيلم إلى سلسلة ممتدة طويلة من المشاهد التي يُهرّب فيها محمد من مكان إلى آخر، ثم يخفى في الجبال قبل إعادته إلى مكة.

هنا يمتد الفيلم كثيرا فيترهّل الإيقاع في استعراض دور آمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم ومكانتها الكبيرة في مكة وإدراكها المبكر بأنها قد ولدت طفلا ليس كسائر الأطفال، بل “كائنا مقدسا” تبعا للخيال الفارسي المحمل بالأساطير الذي يلقي بظلاله على الفيلم.

في أحد هذه المشاهد المبتكرة التي تساهم في ترسيخ الأسطورة تأتي حليمة السعدية مع زوجها إلى السوق فقيرين معدمين، حيث يضطران لعرض الجمل الوحيد الذي يملكانه للبيع في السوق، ويعرض زوج حليمة على المشتري أن يوفر له ثمن النحر بأن ينحره الآن، وعندما يهم بنحره يفر الجمل فزعا ويجري بأقصى سرعة يلاحقه الرجال والنساء والفتيان، لكنه يتمكن من الفرار، لينتهي واقفا أمام منزل محمد صلى الله عليه وسلم في خشوع، ويدرك الجميع في رهبة أنهم في مقام منزل بداخله من سيكون له شأن عليهم، وتخرج آمنة فتلتقي بحليمة السعدية ثم تسند إليها إرضاع ابنها محمد صلى الله عليه وسلم.

في مشهد آخر نرى رجلا يريد وأد ابنته الرضيعة، لكن معجزة أخرى تجعله يعود إلى رشده عندما تهب عاصفة رملية تدفعه أرضا، ثم يأتيه رجل يقول له إن هذه الابنة يمكن أن تكون بشارة خير، وأنها ستتزوج وتنجب رجالا يصبحون عيونا له في الأرض.

الصبي الأسطورة.. اقتباس من معجزات المسيح في السينما

لعل من أهم الإضافات التي تتعلق برؤية المخرج في الفيلم هي تلك المعجزات التي ينسبها إلى محمد عليه السلام من قبل أن يصبح نبيا، أي منذ أن كان طفلا، وهو ما يؤكد فرضيتنا من أن مجيدي يستخدم الخيال الغربي السينمائي المتعلق بتصوير شخصية المسيح في السينما، ويخلطه بالأساطير الفارسية لكي يعيد صياغة قصة طفولة محمد صلى الله عليه وسلم في سياق “أسطوري”. فعندما تشرف آمنة والدة الرسول على الموت، أو تكون قد ماتت فعلا، ينهض هو ليصب في فمها نقطتين من ماء ليعيدها إلى الحياة.

كواليس تصوير فيلم “محمد عليه السلام” الذي قضى فيه المخرج مجيد مجيدي سبع سنوات إلى أن أصبح جاهزا للعرض

وفي مشهد آخر يأتي في سياق متأخر قليلا يتمكن محمد الصبي من إنقاذ سكان بلدة كاملة من الهلاك جوعا، وذلك بعد أن يعتلي صخرة تشرف على البحر ليستدعي المطر الذي يحيي الأرض بعد موات بفعل الجفاف، ثم تتدفق جماعات من آلاف الأسماك من الماء وتقفز فوق الشاطئ ليتدافع عليها الناس يجمعونها في فرح وسعادة.

كل هذه المعجزات لا وجود لها في تاريخ النبي صلى الله عليه وسلم، لا قبل الدعوة ولا بعدها، لكنها تعكس الخيال الخاص المستقر في ذاكرة المخرج مجيدي البصرية والدينية والمستمدة من معجزات المسيح.

مؤامرات اليهود وسماحة النصارى.. معجزات القديس الصغير

تتمثل المشكلة الأساسية في الفيلم في طريقة بنائه، فمشاهده وأحداثه تتعاقب على هيئة فصول منفصلة يروي كل منها موقفا أو حادثة ما، سواء تلك المذكورة في السيرة أو تلك النابعة من الخيال التي يريد المخرج/المؤلف من خلالها إبهار المتفرج بصورة ذلك القديس الصغير ومعجزاته المبكرة.

كما يجعلها تبريرا قصديا لكراهية اليهود عن طريق الاستطراد كثيرا في سرد تفاصيل مؤامراتهم ومحاولاتهم المستميتة قتل محمد وحرمان قريش من شرف أن يظهر بينهم نبي، وفي الوقت نفسه يفرط الفيلم في إضفاء السماحة والطيبة والكرم على المسيحيين الذين يرسل كبيرهم تحذيرا إلى آل محمد مما يعتزمه اليهود.

ويستخدم الفيلم التعليق الصوتي أحيانا، لكنه يترك الفصول تشرح نفسها بنفسها في معظم أجزاء الفيلم، ويستخدم اللغة العبرية في أحاديث اليهود وطقوسهم، ولغة أخرى قديمة -قد تكون الآرامية- في أحاديث المسيحيين، إضافة إلى الفارسية بالطبع التي يتحدث بها الممثلون الإيرانيون الذين يقومون بالأدوار الرئيسية في الفيلم، ومعظمهم يؤديها بشكل متقن ومؤثر.

تجسيد النبي محمد.. رفض الأزهر عرض الفيلم في مصر

يظهر النبي محمد عليه السلام في الفيلم في طفولته وصباه بجسده وصوته، لكن مع تفادي إظهار وجهه بوضوح في لقطات قريبة، وتظهر أيضا شخصية فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب، إضافة إلى شخصية أبي طالب وآمنة بنت وهب وحمزة وحليمة السعدية، وهو ما دفع السلطات الدينية وعلى رأسها الأزهر إلى رفض عرض الفيلم في مصر ومعظم الدول العربية.

لكننا لا نرى في الفيلم -رغم مشاكله الفنية التي تتعلق أساسا بأسلوب السرد والطابع التوراتي الهوليودي وتأثيرها التغريبي على الصور والمشاهد- ما يشوه الإسلام أو يسيء إلى الرسول الكريم كما قيل وتردد هنا وهناك، بل إن الفيلم في الحقيقة يبالغ في إضفاء القداسة على الرسول عليه السلام، وينسب إليه القدرة على الإتيان بالمعجزات، في محاولة لنقل رسالة إيجابية عن محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالم غير الإسلامي الذي يمكنه أن يستوعب مثل هذه المفاهيم بحكم ثقافته الدينية السائدة حتى لو لم يكن متدينا.

صحيح أن الإسلام يُحرّم القداسة، كما لم تكن معجزة الدعوة المحمدية شفاء المرضى أو إحياء الموتى، بل القرآن الكريم نفسه، لكن يظل الفيلم مقبولا باعتباره رؤية فنية تنسب لصاحبها، وليست بالضرورة تصويرا دقيقا للسيرة النبوية.