قراءة في الوثائقيات العربية عام 2018.. ماذا تخبرنا عن نفسها؟

يفتح موقع الجزيرة الوثائقية ملف الوثائقيات العربية لعام 2018 فيبحث في أهم ما عُرض منها في العام المنصرم، وأهم ما حملته من مضامين وهموم، كما يناقش أبرز قضايا الإنتاج الوثائقي في هذا العام. ويقرأ مقال الأستاذ قيس قاسم أدناه مجمل انشغالات الوثائقيات العربية لعام 2018 وما جرى عليها من تطور وازدهار بالنظر إلى العام الذي سبقه ومجمل مسيرة الوثائقيات العربية.

أولى مؤشرات حضور الوثائقي في المشهد السينمائي العربي لعام 2018 دخوله ومشاركته في أغلب المهرجانات السينمائية العربية

قيس قاسم

وثائقيات عام 2018 العربية تقول لنا الكثير عن نفسها، أول الأشياء انتزاعها الاعتراف المطلوب بأنها جزء من مكون سينمائي واحد غير قابل للفصل، على عكس ما كان عليه الحال خلال عقود خلت، إذ ظل الفيلم الوثائقي العربي يُعامل كشكل تعبيري سينمائي ثانوي دعائي خالٍ من الجماليات والاشتغالات الأسلوبية المتجددة، على عكس الروائي الذي أخذ مجده وتكرست له كل الإمكانات ليتسيد المشهد ويزيح “ظُلما” الوثائقي جانباً.

اليوم في نهاية عام 2018 لم يعد الأمر كما كان، والمؤشرات على ذلك يقولها لنا صناع الوثائقي العربي أنفسهم، إذ استطاع الموهوبون -والجسورون منهم- فرض أفلامهم على المشهد السينمائي العربي، وبالتالي انتزعوا الاعتراف بها كمنجز إبداعي مستوفٍ لكل شروط الصنعة السينمائية.

خارطة توزيع الوثائقي العربي عام 2018 لم تختلف تضاريسها كثيراً، فقد ظلت الدول الأكثر إنتاجاً للأفلام هي نفسها الأكثر إنتاجاً للوثائقي عدداً

حضور وثائقي لافت

أولى مؤشرات حضور الوثائقي في المشهد السينمائي العربي لعام 2018 دخوله ومشاركته في أغلب المهرجانات السينمائية العربية، وخروج الكثير منها بجوائز مهمة. لقد رحبت المهرجانات العربية بها، وحرص بعضها على ضمان مشاركتها ودخول مسابقاتها من خلال التسابق على دعم مشاريعها. ففي عام 2018 وجدنا الكثير منها مدعوماً من صناديق مهرجانات عربية ناهيك عن العالمية، وهو ما مكّن جزئياً صُناعها من إكمالها في وقتها.

ثمة عدوى انتقلت إلى المشهد العربي من المهرجانات العالمية، والتي بدورها تحمست خلال السنوات الأخيرة -وبخاصة مهرجان برلين السينمائي- لضم وثائقيات إلى مسابقاتها الرسمية الزاخرة عادة بروائع الأفلام الروائية، كما ضمت دوراتُ الكثير من المهرجانات العالمية والأقليمية أفلاماً وثائقية عربية، من بينها على سبيل المثال فيلم السوري طلال ديركي “عن الآباء والأبناء” الذي جاب العالم، وكذا الحال مع فيلم اللبناني سيريل عريس “مرجوحة”.

العدوى نفعت الفيلم الوثائقي العربي، لهذا فإن أغلب المعروضة منها في الخارج وجد طريقه إلى العربية، مما أتاح لجمهورها فرصة مشاهدتها والتعرف على جديدها وجميلها. هذا الأمر بدا جلياً في الدورة الأخيرة من أيام قرطاج السينمائية، إذ أقبل الناس على الوثائقي كما أقبلوا على الروائي، مع قناعتهم -بعيداً عن النظرة السابقة- بأنهم يشاهدون فيلماً عربياً بغض النظر عن جنسه.

هناك مساهمات أخرى دعمت الفيلم الوثائقي وجاءت من خارج القنوات التقليدية، كميزانيات الحكومات المخصصة لدعم الأفلام الوطنية وهي غالباً شحيحة، أو من صناديق الدعم الدولية أو المهرجانات المعروفة. أبرز تلك الجهات الداعمة هي: قطر عبر “مؤسسة الدوحة للأفلام”، و”الصندوق العربي للثقافة والفنون/آفاق” في لبنان. فمن مراجعة الدعم المادي الذي قدم لأفلام عام 2018 نلاحظ مساهمة المؤسستين بشكل لافت فيها، ودور “آفاق” اللبنانية في دعم المشاريع المتميزة منها لدرجة صارت اختياراتها علامة دالة على جودة الفيلم المدعوم من قِبلها. ومراجعة قائمة ما أُنتج من وثائقيات خلال عام 2018 تظهر ذلك بوضوح.

على مستوى النوع والجودة فقد أضيفت إلى خارطة 2018 دول جديدة مثل ليبيا التي قدمت فيلم "ملاعب الحرية" للمخرجة نزيهة عريبي

خارطة 2018 .. متغيرات كمية ونوعية

خارطة توزيع الوثائقي العربي عام 2018 لم تختلف تضاريسها كثيراً، فقد ظلت الدول الأكثر إنتاجاً للأفلام هي نفسها الأكثر إنتاجاً للوثائقي عدداً. هذا التشخيص العام لا يخلو من خصوصيات وفوارق تتعلق بلبنان الذي صار ينافس كماًّ مصر، مع أنه ليس في المجمل مثل تونس وبقية دول المغرب العربي وحتى سوريا فيما يتعلق بحجم إنتاجه السنوي سواء الروائي أو الوثائقي.

أما على مستوى النوع والجودة فقد أضيفت إلى خارطة 2018 دول جديدة مثل ليبيا التي قدمت فيلم “ملاعب الحرية” للمخرجة نزيهة عريبي، والعراق من خلال مخرجين يقيمان خارج البلاد هما قاسم عبد وفيلمه “مرايا الشتات”، وسهيم عمر خليفة صاحب “مولنبيك في الزاوية”. غير أن الحديث عن النوعية وجودة المستوى سيدفعنا لمعاينة أخرى مختلفة تتداخل فيها عوامل الإشارة إلى مواطن القوة والابتكار الأسلوبي في الوثائقي العربي.

 

البعد عن السياسي المباشر

لم يكن الوثائقي العربي عام 2018 معنياً تماما بمتغيرات الخارطة السياسية العربية، ولم يعد ذراعاً سياسيا ولا محرضاً مباشراً على التغيير الثوري، كما كان قسم غالب منه قبل سنوات قليلة. صار ميّالاً أكثر إلى الذاتي والمجتمعي، وأحد الأسباب القوية وراء ذلك هو الشعور الطاغي بالإحباط الذي تبع مرحلة ما بعد “الربيع العربي”.

لقد أتاح الزمن لصناع الوثائقي العربي فرصة تأمل المشهد السياسي العام بعين حساسة، والتفكير أكثر فيما تتركه تداعياته الكارثية من آثار مدمرة على المواطن العربي. لقد انشغل بها أكثر من الحدث السياسي نفسه، وبانت ملامحه حتى في الأفلام السورية.

بسهولة يمكن ملاحظة ذلك الجانب، فبينما انغمر أغلبيتهم في رصد بداية انطلاق الحراك الشعبي وحتى لحظة وصوله إلى صراع مسلح، وما تبعه من ويلات وهجرات جماعية قاموا بنقل أحداثها الساخنة بأدوات بسيطة وبلغة سينمائية يغلب عليها التوثيق التلفزيوني، رأيناهم خلال 2018 يلحّون على تناول موضوعات غيرها، قد تبدأ من الحرب لكنها لا تنتهي بها، بل تنفتح على الذات المكوية بنيرانها. يمكن ملاحظة وقفات صنّاعها التأملية والنقدية لما جرى في اشتغالات سعيد البطل وغياب أيوب صاحبا فيلم “لسه عم تسجل” وعند إياد الجرود في “قربان”.

الزمن أتاح لصناع الوثائقي العربي فرصة تأمل المشهد السياسي العام بعين حساسة، والتفكير أكثر فيما تتركه تداعياته الكارثية من آثار مدمرة على المواطن العربي

تجسيد الذات على الشاشة

رؤية الذات معكوسةً على الشاشة أسلوبُ كتابة سينمائية شديد التعقيد، بخاصة في حقل الوثائقي، وخاصة عندما ترفض أفلامها البقاء أسيرة الثرثرة الشفاهية. فالإلمام بما يحيط بالذات يحتاج إلى براعة إخراجية ورؤية ثاقبة للموضوع الشخصي، براعة في أن يُبقي صانع الفيلم مسافة معقولة بينه وبين حكايته حتى عندما تكون شديدة الخصوصية وأبطالها أفراداً من عائلته أو ربما تحكي عنه مباشرة.

هذا ما برع فيه اللبنانيون، فقدموا منجزاً “عائلياً/ذاتياً” شُيد متنه على حكايات أسرية، بسيطة في ظاهرها فيما يتعلق بتأثيث مشاهدها الخارجية كما في حكاية الجد والجدة في “المرجوحة” المشدودة في علاقتهما الحزينة والموجعة بالمخرج نفسه، لكن مسارها التطوري ينضح عمقاً مشحوناً بالعواطف وبالصدق ومن دون إقحام خارجي.

نفس الشيء -وربما بدرجة أقل وضوحاً- يسرد غسان حلواني قصة والده المفقود خلال الحرب الأهلية اللبنانية في فيلمه “طِرْس.. رحلة الصعود إلى المرئي” دون التوقف عندها مباشرة، مستبدلاً إياها بقصص آخرين مروا بالتجربة نفسها، ومع ذلك فالذاتي حاضر فيها مع كبر المسافة المتروكة بينه وبين تفاصيل الحكاية.

الشيء نفسه فعلته المخرجة السورية سارة فتاحي بالجزء الخاص بها من فيلم “فوضى”، وأيضاً مثلها فعل ابن بلدها وائل قدلو في فيلمه “طريق البيت”. وفي عمل لافت قصير وخارج المسار السردي التقليدي العراقي أتى عادل خالد في “الناجون من ساحة الفردوس” بحكاية صديقه الفنان الراحل وأدخل نفسه طرفاً مباشراً فيها، فيما كان وثائقيه ينبش في أوضاع بلد ممزق وشعب يتعايش مع الموت بغرائبية.   

 

المكان عندما يصبح بطلا تفاعليا

نلاحظ في عدد غير قليل من أفلام 2018 تجسد المكان كبطل تفاعلي، وربما تكون سنة 2018 من أكثر السنوات التي أُنتجت فيها وثائقيات انتبهت إلى الفضاءات بوصفها مساحات محورية للسرد وأن الاشتغال على تفاصيلها توفر متعة بصرية للمتلقي، إذا ما أحسن نقلها. لقد أصبح المكان -فعلاً- في عدد من أفلام العام 2018 فضاءً تفاعلياً بمعنى الكلمة.

في منجز اللبنانية سارة قصقص “تحت التحت” الغائصة في أعماق العالم “السفلي” لمدينة بيروت، من داخلها شرعت تسرد قصصا صغيرة لأشخاص يعيشون فيها ويعانون بسببها آلاماً وأوجاعاً يريد كثيرون التغاضي عنها. هذه الوجهة لا تنحصر بمدينة بيروت التي تناولتها مجموعة وثائقيات لبنانية واختارتها بطلاً مطلقاً لها، بل وصلت إلى “حي الروض” على يد المخرجة اللبنانية ريم صالح، فقد جعلت من المكان المصري بطلاً ومركزاً لتفاعل شخصيات أرادت تقديمهم كما هم، وعبرهم يمكن تلمس بؤس الحالة الاجتماعية لقطاعات شعبية واسعة من الشعب المصري.

وفي مصر قَدم شاب منها اسمه أمير الشناوي تجربته الشخصية في “الكيلو 64”. وجاء تناوُله للمكان مختلفا عن غيره من زملاء له فضلوا الكلام الشفاهي على الصورة وجمالياتها.

أما في تونس فيمكن وصف “عالسكة” بأنه فيلم طريق، كانت أمكنته المفتوحة وطرقاته المتشعبة وسيلته للغور في أعماق بطله وكشفِ مأزقه الوجودي المتأثر بالتحولات السياسية الملتبسة التي أعقبت الحراك الشعبي في بلاده.

غير أن الأكثر مدعاة للفلت النظر والتوقف عنده ملياً والشديد الصلة بموضوع المكان كبطل تفاعلي هو فيلم “مولنبيك في الزاوية” للمخرج الكردي العراقي عمر سهيم، وفيه يكرس كلَّ وقته لرصد المكان الذي حولته وسائل الإعلام الغربية فجأة إلى “وكر” للإرهاب العالمي و”معقل” للمتطرفين الإسلاميين. فيه الكثير من الاستقصاء والبحث عن الحقيقة من داخل الفضاء الذي تتجه إليه الأنظار. لا يخلو الوثائقي أيضاً من اشتغال على جماليات الصورة وتكريس الشفاهي لخدمة لقطاتها.

"عالسكة" يمكن وصفه بأنه فيلم طريق، كانت أمكنته المفتوحة وطرقاته المتشعبة وسيلته للغور في أعماق بطله وكشفِ مأزقه الوجودي المتأثر بالتحولات السياسية الملتبسة التي أعقبت الحراك الشعبي في بلاده

التاريخ.. إغواء وتكرار

العمل على “الوثائقي التاريخي” أغوى صناع السينما العربية منذ البدايات، لكنهم ظلوا بسبب شح المواد الفيلمية والتسجيلات النادرة يتعكزون في إتمام منجزهم على الضيوف وشهود الأحداث التي انكبوا على توثيقها، والنتيجة كانت في الأعم غير مشجعة.

الحال نفسه ظل حتى في عام 2018 ، فأغلبية الأفلام لم ترتقِ إلى مستوى عالٍ باستثناءات قليلة من بينها الجزائري “على آثار المحتشدات” للمخرج سعيد عولمي، ففيلمه ينطوي على كنز من التسجيلات التي توثق حياة الجزائريين المجبرين على ترك قراهم ومدنهم والإقامة في معسكرات مؤقتة أقامها المحتل الفرنسي.

اللافت أن ثلاثة أو أكثر من الأفلام الوثائقية الجزائرية المنتجة عام 2018 كلها تدور أحداثها حول معارك التحرير والأشرطة السينمائية التي حكت عنها، بينما يدخل العراقي قاسم عبد إلى تاريخ بلاده المعاصر عبر مجموعة فنانين تشكيليين غادروا البلاد لأسباب سياسية، وبعد عقود امتدت أحياناً إلى قرابة نصف قرن قابلهم شباباً ثم عاد وقابلهم بعد سنوات طويلة، ومن خلال أحاديثهم المشحونة بالأسى وفقدان الأمل ببناء عراق جديد، كتب وثائقياً تاريخياً سينمائياً للحقب العراقية المظلمة.

المخرجة الفلسطينية جمانة مناع صاحبة فيلم "حَبّ برّي"

نون النسوة في المشهد الوثائقي

أمل رمسيس، ريم صالح، سارة قصقص، نزيهة عريبي، هند بنصاري، جمانة مناع، أريج صحيري، فاطمة الرياحي، سارة فتاحي.. هذه بعض أسماء مخرجات عربيات، أعمالهن شغلت تقريباً أكثر من ربع الأفلام الجيدة والمتوسطة المستوى المنجزة عام 2018 .

وبوجودهن يمكن التأكيد أن المشهد الوثائقي الجديد ما عاد ضعيف التأنيث، بل على العكس صار حضورهن مألوفاً، وأعمالهن في كثير من الأحيان تحظى باهتمام نقدي وباستقبال جماهيري جيدين. وهذا تحول لافت في مشهد عام 2018 لا يمكن تجاهله، وقد ينعكس وبدرجة أكبر مستقبلاً على واقع السينما العربية. فالتأنيث الإخراجي ليس معناه بالضرورة تأنيثاً للموضوع، ولكنه موضوعياً سيضفي رؤية متكاملة على كل ما يفكر في تناوله الوثائقي العربي، ويسهم في استبعاد عملية الفرز (حسب نوع الجنس) والتأكيد بدلاً منها في المقابل على فكرة التكامل والوحدة الإبداعية، كما السينما نفسها: فهي واحدة غير قابلة للفصل بين أشكالها السردية بنيوياً.    

 

الجمالي وضغط الواقع

في 2018 كما في سابقه ما زال الفيلم الوثائقي العربي شديد الارتباط بواقعه، كما هو شديد التأثر بالأحداث الملتهبة سياسية كانت أم اجتماعية، وهو معنيّ موضوعياً أيضاً بمراقبتها ورصد تفاعلاتها. وتعد الحرب الأهلية السورية مثالاً ساطعاً على ذلك؛ فضغط الواقع الملتبس والمؤذي على صانع الوثائقي قوي ويجبره أحياناً -إلى جانب الضغط المادي وشح الدعم المطلوب- على التخلي النسبي عن الجوانب الفنية ويبعده عن التفكير في البحث عن عناصر جمالية يضيفها إلى منجزه. لهذا نرى أن كمّ الشعري والفني قليل بينها، عدا استثناءات، لكن المؤكد أن جُلها لم يعد تلفزيونياً ولم يعد مقبولاً بناء متنه -الحكائي والسردي- على الشفاهي والمقابلات دون عناية خاصة بالصورة واللقطة.

نرى تحسناً فنياً لافتاً في أعمال كثيرة عرف مخرجوها كيف يصنعون من القليل المتوفر عندهم وثائقيات جيدة بمواصفات سينمائية، وهذا هو الأهم في اللحظة الآنية. فالاشتغال الفني ليس بالضرورة مبهراً ومكلفاً، فقد يكون أحياناً داخلياً يأتي في أعمال بسيطة كما في “طِرْس.. رحلة الصعود إلى المرئي” وفي “الكيلو 64” و”حب بري”، وأحياناً تجديدياً كما في “الحلم البعيد”.

اللبنانية سارة قصقص في فيلمها "تحت التحت" تسرد قصصا صغيرة لأشخصا يعيشون في أعماق "العالم السفلي" في بيروت

2018.. عام ازدهار الوثائقيات

عام 2018 من بين الأعوام المزدهرة وثائقياً، فقد جاءت نوعيتها ومستوياتها فوق المتوسطة بالإجمال، وكان الاشتغال السينمائي فيها ملحوظاً، على عكس سنوات “الربيع العربي” حيث زاد الكم وقل النوع السينمائي فيها.

ما زال الوثائقي العربي الضخم الإنتاج غائباً، فجل الأعمال تنجز بميزانيات بسيطة، لسيادة فكرة عدم حاجة الوثائقي إلى أموال كثيرة، كالتي يشترطها الروائي، وهي فكرة راسخة مازالت سائدة وسط الجهات المانحة وعند المؤسسات المنتجة والداعمة. ما دام الوثائقي بعيداً عن البحث الاستقصائي والخوض في تحليل الظواهر التاريخية والاجتماعية، مكتفياً في كثير من الأحيان بعرضها فحسب.

يمكن ملاحظة بروز جيل جديد من السينمائيين المهتمين بالوثائقي وغياب ملحوظ للكبار والمخضرمين. فجل ما هو معروض في قائمة أفلام 2018 يقف وراءه مخرجون شباب، وهي ظاهرة تبشر بمستقبل واعد للوثائقي العربي. هؤلاء من جيل يعرف كيف يجمع المال البسيط لفيلمه بعد أن اطلع جيداً على مصادر الدعم العالمي والعربي ومنها يحاول جاهداً استحصال ما يُعينه على إنجاز ما يختمر في رأسه من مشاريع وأفكار يمكن تحويلها إلى سينما وثائقية حقيقية.