“لما ضحكت الموناليزا” واختيار القوالب النمطية

رانية حداد

في ثاني سنة على التوالي، اقامت الهيئة الملكية الاردنية للافلام مؤخرا “مهرجان الفيلم العربي”، وكتقليد بدأت الهيئة بترسيخه قدمت في افتتاح دورتها هذه، الفيلم الاردني “لما ضحكت الموناليزا” للمخرج فادي ج. حداد، في اول عرض عالمي قبل ان يبدأ رحلته في المهرجانات الدولية، بعد ان كانت قد قدمت في دورتها الاولى الفيلم الاردني الطويل “مدن الترانزيت” للمخرج محمد حشكي، في أول عرض جماهيري بعد ان جال في عدة مهرجانات، وكلا الفيلمين من انتاج الهيئة الملكية للأفلام، ضمن البرنامج التعليمي للافلام الروائية الطويلة.

كوميديا رومانسية خفيفة
  رجل، وامرأة، وحب يجمعهما، ولكن ما تلبث قصة الحب ان تبدأ حتى تبرز عوائق في وجه استمرار العلاقة، وهنا تؤدي افعال او اقوال البطلين الى سوء فهم، لكنهما سرعان ما يتجاوزا سوء الفهم والعوائق معا، كل هذا يتم في اطار كوميدي، فتنتهي الحكاية بنهاية سعيدة لان الحب الحقيقي  يجب ان ينتصر في النهاية. اذن اختار المخرج حداد ان يقدم حبكة فيلمه وفقا لهذا القالب النمطي الجاهز (افلام الكوميديا الرومانسية الخفيفة)، وهو نوع استهلكته هووليود منتصف القرن الماضي، وبعد ان خبا هذا النوع استعادته ثانية في العقد الاخير من ذات القرن مع افلام كـ
(Notting Hill) 1999, (Pretty Woman) 1990,
 التي حصدت ارباحا كبيرة على شباك التذاكر حينها، فهذه الصيغة هدفها ارضاء الجمهور بالدرجة الاولى، وهذا المزيج من الرومانسية والكوميديا الخفيفة يمتلك القدرة – لحد كبير- على تحقيق تلك الغاية، من ناحية اخرى المشاكل والقضايا الاجتماعية المفترض ان تطرح من خلال هذا النوع من الافلام، لا تعمر طويلا في ذاكرة المشاهد، لانها لا تعدو عن ذريعة لتقديم  قصة حب في اجواء مرحة، اي مجرد كساء خارجي للهيكل.

  الوظيفة الحكومية التي حصلت عليها الفتاة الثلاثينية موناليزا –الشخصية الرئيسية- بعد طول انتظار عن طريق ديوان الخدمة المدني، لم تسعفها على الابتسام وتجاوز (الكشرة) الدائمة، لكن ارتباكها وخجلها في اول ايام الدوام قادها الى مطبخ الدائرة الحكومية التي عينت بها، لتلتقي هناك بالمراسل المصري خفيف الظل حمدي- الشخصية الرئيسية الثانية- ومن هنا يبدأ الحب برسم الابتسامة  على قسمات موناليزا، لكن العوائق تبدأ فـ عفاف –اخت موناليزا الكبرى- تقف ضد زواج موناليزا بالعموم، نتيجة تجربة حب فاشلة آلمتها قبل سنوات بعيدة، وتَضَاعف رفضها مع حمدي لانه من جنسية اخرى ولانه مجرد عامل (بوفيه)، على الجهة الاخرى تصريح العمل الخاص بحمدي يوشك ان ينتهي، وفي غياب الامل بتجديده، يصبح حمدي متضطرا للعمل بالسر او مغادرة الاردن، في النهاية يقرر البطلان تحدي الواقع وتجاوز العوائق. 
 بعيدا عن اختيار المخرج لهذا القالب النمطي، نجح في هذا الفيلم -كما في افلامه القصيرة السابقة- في ادارة ممثليه المخضرمين والجدد منهم على حد سواء- باستثناء شخصية موناليزا التي تحتاج في مواضع عدة الى ضبط ردود افعالها على نحو مقنع- وكذلك نجح في تقديم مواقف كوميدية عفوية وتلقائية غير مقحمة، وخلق شخصيات وقصص جانبية داعمة للقصة الرئيسية منحت حيوية للفيلم، ابرزها شخصية نايفة (نادرة عمران) المرأة القوية التي لم يسعفها التسلط من منع زوجها بالزواج عليها الامر الذي اشعرها بالقهر، كما لعبت الموسيقى والتصوير والاضاءة دورا جيدا في اشاعة الاجواء التي يتطلبها الفيلم.
 
تنوع… وتكريم
 فيما واصلت ايام مهرجان الفيلم العربي عروضها، كانت ثيمة الارهاب حاضرة مع فيلمي؛ “التائب” للمخرج الجزائري مرزاق علواش، و”تورا بورا” للمخرج الكويتي وليد العوضي، من خلال “التائب” ينتقد علواش جدوى المغفرة للجهاديين الاسلاميين الجزائريين الذي نكلوا بالشعب الجزائري تسعينات القرن الماضي، فقانون “السلام والوئام المدني” الذي اصدرته الحكومة الجزائرية، الذي يعفو عن الجهاديين اذا ما سلموا انفسهم واسلحتم، يعجز ان يحول هؤلاء الجهاديين الى مواطنين صالحين. اما فيلم “”تورا بورا” فهو رحلة الاهل من الكويت الى افغانستان للبحث عن ولدهم الذي قرر ان يتركهم لينخرط في صفوف الطالبان، ومع فيلم “كف القمر” للمخرج المصري خالد يوسف، ثمة رحلة اخرى تسعى من خلالها الوالدة قمر من لم شمل ابنائها، بينما يحاول المخرج اللبناني هادي زكاك باسلوب مغاير ان يوثق من خلال فيلمه “مارسيدس” لتاريخ لبنان منذ خمسينات القرن الماضي، عبر السيرة الذاتية لسيارة المرسيدس بونتون 180، فرحلتها في الزمان منذ عام 1960، والمكان؛ لبنان، هي شهادة على التحولات السياسية والاجتماعية في لبنان، والتي كانت هذه السيارة جزءا عضويا منها. 
  ومن الجدير بالذكر انه تم في حفل افتتاح المهرجان تكريم الناقد السينمائي الاردني عدنان مدانات تقديرا لعطائه في مجال السينما والنقد السينمائي، من قبل وزير الثقافة الاردني راعي الافتتاح.