حوار مع المخرج توفيق صالح
– “درب المهابيل” فشل عند عرضه واعتبر من الكلاسيكيات فيما بعد.
– أخرجت أفلاما تسجيلية كثيرة وأهمها كان بدون سيناريو.
– فيلم “الايام الطويلة” يروى قصة صدام حسين وليس البعث ولم اتقاض عنه مليما.
|
المخرج توفيق صالح جنح منذ بداياته لما هو مغاير وجديد على الفن السينمائي، وذلك بتقديم تجارب جديدة كطرحه لقضية أهمية العلم في مواجهة الفقر والجهل”صراع الأبطال1962″،وتجسيده الصراع القديم والجديد”السيد البلطى 1967″، والثورة وإخفاقاتها “المتمردون” وغيرها كثر.
وفيما يبدو قطعا لعزلته الطويلة التي اختارها، حضر صالح ضيفا على مهرجان الإسماعيلية الدولى للسينما التسجيلية،حيث استقبلتني زوجته السيدة “روضة” في الجناح المخصص لإقامتهما، وكان هذا الحوار.
• الاسكندرية
هو من مواليد الأسكندرية فى 27 أكتوبر 1926م،درس فى “كلية فيكتوريا كوليدج”،عشق الفن من خلال قراءاته لمسرحيات شكسبير بالإنجليزية، وأحب اللغة العربية من خلال قراءاته لكل ماكتب توفيق الحكيم …يقول توفيق صالح: لقد تربيت فنيا على مسرحيات توفيق الحكيم ،وبعد التحاقي بكلية الآداب ـ قسم اللغة الإنجليزية ـ كانت سعادتى لاتوصف لأننى عثرت فى مكتبة الجامعة على نسخة من رواية توفيق الحكيم “يوميات نائب فى الأرياف”باللغة الإنجليزية التى أجيدها ،وفى السنة النهائية أخرجت مسرحية “رصاصة فى القلب”لتوفيق الحكيم أيضا ،وعندما عرضت فى المركز الثقافى الفرنسى بهرت جميع الحاضرين ،وحصلت بسببها على منحة لدراسة المسرح فى فرنسا قدمها لى رئيس القسم الفرنسى بالكلية ،ولكننى طلبت أن تكون بعثتى لدراسة السينما وليس المسرح .
• فرنسا
* ماالذى دفعك لدراسة السينما ؟
– السينما كانت بالنسبة لي ولزميل الدراسة بمدرسة “فيكتوريا كوليدج” يوسف شاهين هي الحلم الكبير الذي لم يفارقنا يوما، ولكن يوسف سافر إلى أمريكا لدراسة السينما هناك، وسافرت أنا عام 1950م لدراسة السينما في باريس، ولكن..تم سحب المنحة منى بعد سنة واحدة لعدم انتظامي في الدراسة، فقد وجدت في باريس كل ما أفتقده في مصر، في باريس هناك مكتبات متخصصة في السينما والمسرح والموسيقى، وكنت أقضى الليل كله في القراءة والتردد على نوادي السينما، في باريس عالم آخر، حضارة أخرى ( يقولها متنهدا).
* كيف تآلفت مع التغيير بعد الثورة؟
– بعد أن انتهت النقود التي معي اضطررت للعودة من فرنسا عام 1953، وقد كنت رافضا في البداية لفكرة الثورة، حتى جاء قرار تأميم قناة السويس وتغيرت فكرتي تماما عن الثورة، وأدركت أن هناك فعلا رجلا وطنيا يجب أن نقف وراءه .
وأذكر أنه بعد عودتي كان الحماس يملؤني للعمل في السينما وتطبيق كل ماتعلمته ،ولكنى قررت أن أشاهد أولا ماتم إنتاجه من أفلام خلال سنوات غيابي عن مصر.
* كيف كان التعارف بينك وبين نجيب محفوظ؟
– يتذكر صالح ماحدث ويقول:عند متابعتي للأفلام، لفت نظري تكرار اسم نجيب محفوظ في أكثر من فيلم. لم أكن أعرفه من قبل وسعيت للقائه خلال ندوة أقيمت له ،وطلبت رأيه في معالجة سينمائية كنت قد كتبتها من تأليفي ـ قبل أن أعرضها على المنتج- ،ولكن المفاجأة أنه اتصل بي بعد أيام لينصحني بعدم تنفيذها قائلا:”لو نفذتها حيقولوا عليك شيوعي”.
ولأن الفكرة أعجبته قرر إعادة صياغتها وقام بتغيير الاسم الأصلي إلى “درب المهابيل”،وقتها أدركت أنه كاتب وأديب كبير وبدأت أقرأ له ،وتطورت صداقتنا بعد ذلك ،وكان يصطحبني معه إلى حي الحسين ،وقهوة الفيشاوى .تلك الأماكن تعد تجسيد فعلى لفكرة فيلم “درب المهابيل “فالفيلم يطرح قضية الصدام الناتج عن التناقض بين مستلزمات العصر وبين التراث والتقاليد الدينية.
* كيف تسبب فيلم درب المهابيل في قلب الموازين السينمائية؟
– عند إخراجي لفيلم درب المهابيل عام 1954 كان كل همي الابتعاد عن النمط السائد في الأفلام، كان هدفي تقديم لغة جديدة متميزة في السينما المصرية، وبالرغم من أن الفيلم أعتبر من أهم أفلام السينما المصرية فيما بعد، إلا أنه فشل في وقت عرضه ،وهاجمه النقاد والصحفيين ،ولكن ـ بعد أن فاز الفيلم بجائزة وزارة الثقافة حدث تغير كبير وأصبح يعرض في نوادي السينما على أنه نموذج جديد للسينما المصرية .
*متى كان انضمامك إلى هيئة التدريس بالمعهد العالي للسينما؟
– أنا كنت من أوائل الناس الذين قاموا بالتدريس في معهد السينما عندما أنشيء ،ولكن بعد فترة من الوقت حوالى عامين أو أكثر (طردونى).
ويضيف متعجبا:السبب !!كنت أفضل كأستاذ لمادة الإخراج في المعهد أن يكون التدريب عمليا، ولهذا كنت أصطحب معي الطلبة في أوقات عملي بالأستوديو ـ في البداية ـ كان المسئولين بالمعهد فرحين بأسلوبي، لكن ..فوجئت بأنهم طردوني قبل نهاية العام الدراسي، حتى امتحاني تم استبداله بآخر ،وحرمت من أخذ مستحقاتي المالية ،وعلمت بعد ذلك أن هناك شكاوى قدمت في حقي تتهمني بأني أعمل ضد الدولة ، وأنني أشرب السجاير أثناء المحاضرات في رمضان ،وأنني تسببت في تأخير الطالبات عن الرجوع لبيوتهم بسبب المحاضرات العملية في الأستوديو .. (حاجات كده يعنى مالهاش معنى).
وبمرارة يكمل كلماته: نتيجة هذا كله كانت أن خسرت موقعي كأستاذ بمعهد السينما وبعد عدة أعوام لاأذكر عددها أعادوني مرة أخرى وبدأنا لعبة في منتهى الغرابة قواعدها هي : (المسئولين يرفدونى إنهاردة وبعد كام شهر يرجعونى )،لأنهم وجدوا أن وجود اسمى ضمن قائمة هيئة التدريس يكسب الناس الثقة في المعهد ،في حين أنني استقلت رسميا .
• تسجيليات
* كم عدد الأفلام التسجيلية التي أخرجتها؟
– يجيب صالح :أنا أخرجت أفلام تسجيلية كثيرة جدا ،ولكن هناك فيلمين هما أقرب إلى نفسي من غيرهم ،أولهم كلفني بإخراجه المخرج الكبير أحمد بدرخان عندما كان مستشارا لمؤسسة السينما في أواخر الخمسينات، الفيلم كان دعاية لفن العرائس الذي أدخل حديثا في مصر، وبالرغم من سهولة الفكرة إلا أنني عجزت عن الالتزام بالروتين وقواعده التي تجبرني على كتابة سيناريو للحصول على موافقة الرقابة .
ويضحك توفيق صالح بصوت مرتفع وهو يقول :والله أنا كنت وقتها مفلس ولاأملك مليما واحدا، وعندما صارحت أحمد بدرخان بذلك قال لي: يا ابني ده فيلم دعاية!طيب أنت عايز إيه ،قلت له :أنا ح أسلمك فيلم يشرفك، بشرط انك لاتطلب منى سيناريو. وقد كان ـ ووضعت في هذا الفيلم الكثير من الإبداع ،وأثبت أن فن العرائس في مصر منذ أيام الفراعنة، مرورا بعرائس المولد كتراث شعبي، وانتهاءً بفن تصميم وتحريك العرائس الحديث، مدة الفيلم كانت حوالي 9 دقائق، وتم تلوينه في معامل ألمانيا، وقد أشاد به الجميع وتم تقييمه أنه من أنجح الأفلام التسجيلية في السينما المصرية، لما تميز به عن كونه فيلم دعاية.
وكان هذا الفيلم فاتحة خير لي وبدأت أكلف بعمل أفلام دعاية خاصة لبعض الوزارات ،كما أخرجت سلسلة أفلام عن إنجازات الثورة، كانت تعرض في احتفالات كل عام ..للأسف هذه الأفلام لاأعلم أين هي الآن ويحزنني أنني أرى لقطات منها تمت سرقتها للاستعانة بها في أعمال أخرى.
* وماذا عن الفيلم التسجيلي الثانى الذي تعتز به؟
يجيب صالح قائلا:الفيلم الثانى كلفت بإخراجه من وزارة الثقافة بعد إعلان عدد كبير من السينمائيين عن غضبهم نتيجة تهميشهم، نتيجة توزيع الإنتاج على عدد قليل من السينمائيين دون غيرهم، واختارت الوزارة مجموعة من الأفكار وتم توزيعها على الثائرين لتهدئتهم، وجاء دورى وكلفت بإخراج فيلم تسجيلى عن “القلل”،ولأنني في رهان دائم من أجل التميز قمت بعمل دراسة شاملة عن نشأة “القلة”،وطريقة صنعها، والقوالب الجمالية التي تخصص لوضعها بها على جوانب الشبابيك التي اشتهرت في التاريخ العربي الإسلامى،ولم أكتف بذلك ـ ولكنى استعنت بمشهد كان قد طبع في ذاكرتي من رواية قرأتها للأديب يحي حقى عن راقصة تتعامل مع القلة بمهارة فائقة أثناء الرقص فتضعها على رأسها تارة وتارة أخرى تلتقطها بقدميها..وهكذا
وجاءت اللحظة الحاسمة،والمتمثلة في عرض الفيلم على لجنة الرقابة وكان يرأس اللجنة صديقى الكاتب الكبير نجيب محفوظ ،وإذا بصوت ضحكات نجيب محفوظ تجلجل المكان خارج قاعة العرض حيث كنت واقفا ،وعندما خرج قال لي: القلة راحت فين ياتوفيق؟ وكانت النتيجة هي رفض لجنة التحكيم عرض الفيلم.
أقولك بصراحة ..أنا أخذت النسخة الأصلية ومحتفظ بها فى بيتى إلى الآن.
* هل يمكن أن تحكى لنا عن دورك فى تحويل السينما إلى قطاع عام؟
– بعد صدمة الهجوم على فيلم “درب المهابيل”،توقفت عن الإخراج سبع سنوات كاملة ،إلى أن أسند لي المخرج الكبير /عز الدين ذو الفقار إخراج فيلم “صراع الأبطال”عام 1962م ،وهو يحكى عن صراع الشعب المصرى مع مرض الكوليرا في أثناء فترة الاحتلال الانجليزي، وعندما عرض الفيلم على الرقابة لتجيزه، فوجئت بقرار حذف (22مشهد) قبل عرضه في دور العرض، وناقشت الرقيب ولاحظت تعاطفه معي وانتهينا إلى حذف مشهد واحد( يصور مجموعة من الفلاحين أثناء جمعهم ـ زبالة ـ المعسكر الإنجليزي ويظهر أحدهم وهو يلتقط شيء ما ويأكله)،من أجل الحفاظ على صورة وكرامة المصرى.ووافقت على ذلك بالرغم من أن باقى الأحداث تصور هذا الفلاح يمرض ويموت،ولكن لأن المشاهد لم يراه وهو يأكل من الزبالة فلم يفهم سبب وفاته،وبعد عرض الفيلم، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراره بتحويل السينما إلى قطاع عام، بعد محاولات عديدة استمرت ثلاث سنوات كانت تنتهى بالرفض القاطع قبل فيلم “صراع الأبطال”.
* ماذا عن صحة اتهامك بأنك شيوعى؟
– يبتسم بهدوء ويقول:السبب في هذا الاتهام هو أخراجي لفيلم “المتمردون”عام1966م ،وقد تعرضت فيه لإخفاقات الثورة، وتدهور الوضع السياسى في مصر بعد أحداث حرب اليمن، وهو ما كنا نعيشه بالفعل، ولكن جاء قرار الرقابة بالمنع من العرض دون إبداء الأسباب، فقد رفض أعضاء الرقابة كتابة تقرير يدين الفيلم لأنه من إنتاج القطاع العام، وبعد عامين تقرر عرضه وكرمت بمنحى نيشان عن إخراج “المتمردون “، ولكن رئيس شركة توزيع القطاع العام رفض بيع وتوزيع أي من أفلامي خارج مصر بحجة أنها تسيء إلى سمعة مصر، واتهمني بانتمائي للشيوعية.
يكمل توفيق صالح :أنا لم أكن يوما شيوعيا، ولن أخجل أن أصرح بذلك إن كانت تلك هى الحقيقة، ولكن حقيقة الأمر إن كثيرا من أصدقائي كانوا شيوعيين، وبعيدا عن انتماءاتهم فقد كانوا من أفضل العقول التي يمكن التعامل معها .
*هل أبعدك قرار الرقابة عن الإخراج؟
– بسرعة يقول :على العكس اتخذت من هذا القرار حافزا لإخراج المزيد من الأفلام وقمت بإخراج فيلم “السيد البلطى”فى عام 1967م، وكان يحكى عن شعب يخلق من شخصية ما على أنه أسطورة، ويراهنون على قدرته على عمل كل شيء، فتكون النتيجة هي الهزيمة.. وكعادة الجميع في طريقة استقبالهم لأفلامي ،فقد قوبل بالرفض ومن ثم بالهجوم،والحذف للكثير من المشاهد .
*ماهى العلاقة بين وزير الداخلية ويوميات نائب في الأرياف؟
– تعلو ضحكات توفيق صالح:”شعراوى جمعة ـ ورانى النجوم في عز الضهر ـ لولا عبد الناصر ماكانشى الفيلم ده إتعرض”، وتبدأ القصة بعد إجازة الرقابة لعرض فيلم “يوميات نائب في الأرياف “،علم شعراوى جمعة ـ وزير الداخلية ـ في ذاك الوقت أن الفيلم به مشاهد يظهر فيها ممثلين يقومون بدور ضباط، فطلب رؤية الفيلم قبل عرضه ،ولكن في حقيقة الأمر أنه لايمتلك صلاحية اتخاذ قرار عرض الفيلم من عدمه طالما حصلت على موافقة الرقابة ،وتم استدعائي وبلغت بأن قرار السماح بعرض الفيلم يتوقف على موافقتي إخراج فيلم تسجيلي بالألوان تحت عنوان “الشرطة في خدمة الشعب”، وجاء ردى بالرفض وقلت لهم :أنا “ماأعرفش” أعمل أفلام تسجيلية،وكانت نتيجة هذا الرفض معاناة ثلاثة شهور وتشكيل ما يقرب من عشرة لجان حتى أنه قام برئاسة إحدى هذه اللجان بعد أن وزع على أعضاء اللجنة نسخ من رواية توفيق الحكيم لقراءتها والتوصل لأية مشاهد كنت قد اختلقتها ليتم حذفها، والمدهش إجماع اللجان على المستوى الجيد للفيلم ،وعدم احتوائه على ما يستحق الحذف ..ولأنه كان مسئولا عن الإتحاد الاشتراكي فقد قرر عرضه على لجنة الإتحاد الاشتراكي والتي يبلغ عدد أعضائها (115 عضوا)، وشاركهم المشاهدة جميع ضباط ومباحث وزارة الخارجية ولم يقتصر العرض على هؤلاء فقط ولكنى فوجئت بحضور وزراء وشخصيات هامة ذات وجوه مألوفة، ماعدا شخص واحد لفتت نظري الحفاوة التي استقبله بها الجميع ،وسألت رئيس مؤسسة السينما عن هوية هذا الرجل، فإذا به يقول لي :ده مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر ..وأمسك بكتفى وقال :”بص ياابنى إنت يإ إما ح تدخل السجن.. يا إما ح تدخل التاريخ “
ويبتسم صالح بسخرية وهو يقول :أثناء فترة العرض كنت أتنقل بين الصفوف دون أن يلاحظني أحد لأستمع إلى التعليقات، إلى أن وصلت للصفوف الأمامية خلف الوزراء فوجدت وزير يقول لزميله :(آهى الحته دى فى الفيلم تبعك..)،وآخر يعلق على أحد المشاهد ويقول (آه ده أكيد قصده على فلان ..)..وهكذا، كان عرض الفيلم يوافق يوم الأربعاء ،اتصل بي مدير مكتب وزير الثقافة وطلب منى إحضار نسخة من الفيلم وعندما سألته عن السبب ،أخبرني أن رئاسة الجمهورية هي التي أرسلت في طلبه.
وفى يوم السبت جاءني رئيس مؤسسة السينما ليخبرني بما لم أكن أصدق حدوثه، وقال بالحرف الواحد:”إمبارح إاللى هو كان يوم الجمعة ،أرسلت رئاسة الجمهورية في طلبي ،وعندما أخبروهم أبنائى أننى أصلى في سيدنا الحسين ـ ماكدبوش خبر ـ وصلوا وطلعونى من الصلاة، وقابلت الرئيس جمال عبد الناصر ،وأخبرني أنه أصدر أمرا بعدم التعرض بالحذف لأي من مشاهد فيلم “يوميات نائب في الأرياف” ،وقال لي :”إذا كانت المؤسسة ستقوم بإنتاج أربعة أفلام في العام الواحد على مستوى هذا الفيلم ،سأضاعف من ميزانيتها”.
عارفة النتيجة كانت إيه؟؟ لا الميزانية تضاعفت .. ولا أنا لقيت شغل، لأن رئيس مجلس المؤسسة قال لي: روح ياإبنى دور لك على شغل،إنت مالكشى شغل معانا تانى ،أفلامك بتعمل لنا مشاكل مع كل الوزارات.
*وماذا عن فيلم المخدوعون؟
يقول توفيق صالح: بعد كل ماحدث، أصبحت لعنة في نظر النقاد، وأصبحت بدون عمل، إلى أن جاءت دعوة المؤسسة العامة للسينما بسوريا تتمثل في استعانة المؤسسة بي في إخراج أحد الأفلام لهم، وسافرت سعيدا بذلك فقد كان ذلك أيام الوحدة بين مصر وسوريا، ولكن بعد عرض أوراق المعالجة الأولى للفيلم على لجنة القراءة بمؤسسة السينما ثار أحد الأعضاء واتهمني أنني جئت إلى سوريا لأنافسهم ولأحرمهم من العمل ،ولكن المؤسسة دافعت عنى، وطلبت تدخلا رسميا من وزير الثقافة، وتمت الموافقة على رواية غسان كنفانى “رجال تحت الشمس” والتي قدمت فيلما باسم “المخدوعون”،وهو يحكى عن هروب ثلاثة فلسطينيين إلى الكويت بحثا عن المال والإستقرار ،وكأنهم على موعد مع الموت فى غياب الحل العربى لقضيتهم ـ ولكن ـ منع الفيلم من العرض، وخرج قرار اللجنة أن الفيلم دون المستوى الفنى، وقال أحدهم :”أى مساعد مخرج من سوريا كان قادرا على إخراج هذا الفيلم أفضل من ذلك”.إلى أن جاء يوم عرضه في مهرجان دمشق بسبب إصرار الناقد سمير فريد لإعجابه الشديد به ،وشاهده الطاهر شريعة ـ رئيس مهرجان اليونسكو،وثلاثة من كبار النقاد في فرنسا ،ومارسوا ضغوطا على مدير المؤسسة للسماح للفيلم بالاشتراك في “مهرجان كان الدولى”عام 1972م، ووافق شريطة أن لايكون ضمن أفلام المسابقة الرسمية، وأحدث الفيلم ضجة كبيرة، وأشادت به الصحافة الفرنسية، كما حصل موزع فرنسى على حق توزيعه .
المفاجأة ..جاءت بعد 30 سنة بتكريمى فى مهرجان دمشق ،باعتبار فيلم “المخدوعون” من أهم إنجازات السينما السورية، وحصل على الجائزة الأولى في” مهرجان قرطاج”.
*ولماذا كان السفر إلى العراق؟
– بعد أن قضيت في سوريا 4 سنوات، التقيت هناك ببعض العراقيين، وطلبوا منى السفر إلى العراق للمساهمة في دورة تدريبية لمخرجى التليفزيون، وبالفعل وافقت حتى أستطيع سداد ديونى في سوريا، وقضيت إحدى عشرة عاما في العراق، وأنشأنا معهد التليفزيون هناك، وبعد ذلك أعددت برنامجا لدراسة قسم السينما في (أكاديمية الفنون بالعراق)،حتى أصبحت عضوا في مجلس إدارة مؤسسة السينما .
• الأيام الطويلة
*هل كان فيلم “الايام الطويلة”يؤرخ لحزب البعث الصدامى؟
– يرد توفيق صالح :فيلم الليالى الطويلة لا يؤرخ لحزب البعث لامن قريب ولامن بعيد ،هويحكى عن بداية التحاق صدام حسين بحزب البعث حين كان عمره 19 عاما ،وكلف هو ومجموعة من زملائه في الحزب بتنفيذ عملية اغتيال عبد الكريم قاسم ـ رئيس الوزراء العراقى عام 1959م، ولكنه فشل نتيجة إصابته برصاصة في ساقه، واختبأ داخل الوكر (المكان الذي كان يتجمع فيه أفراد الحزب)،حتى استطاع أن يتخطى معاناته من الإصابة، وعندما علم بأنه تم القبض على باقى زملاؤه، استطاع صدام الهروب من بغداد حتى وصل إلى الحدود السورية، وأقام في مصر كلاجئ سياسي.
*ولكن إخراجك لهذا الفيلم تبعه هجوما شديدا نال من شخصك؟
– لأنني كنت موظف لديهم، ظلوا لمدة عامين متتاليين يتكرر عرضهم لي بإخراج هذا الفيلم عن صدام، وكان ردى عليهم بالرفض دائما.إلى أن أقنعني صديق لي وكان واسطة بيني وبينهم .
*ولماذا الرفض؟
– كنت أرفض لأني قلت أنا “ماليش” دعوة بالحكام، وأيضا لما كان معروف عن صدام حسين من سخاء في الدعم المالي لابهدف دعم مشاريع الإبداع، بقدر ماكان بهدف دعاية رخيصة لنظامه.
المهم ماحدث بعد ذلك لم أكن أتخيل حدوثه، فقد قاد ناقد مصرى حملة ضدى، وأشيع عنى أننى تقاضيت مليون دينار عن هذا الفيلم، وأنني قد بعت نفسى لنظام الحكم، ووجه لي قذف شخصي بأبشع الشتائم على صفحات الجرائد العربية، في حين أن هذا الناقد كان معروفا عنه تردده على العراق من أجل جنى المال، واعتبر أن الجميع مثله.
*كم تقاضيت أجرا عن هذا الفيلم؟
– على الفور يجيب توفيق صالح قائلا: ولامليما واحدا، فبعد نجاح الفيلم وعرضه أخبرني وزير الثقافة العراقى أن صدام حسين قال له :”الفيلم ده خاص بى علشان كده مش ح أديله هدية، لكن لو عمل فيلم عادى أنا ح أديله”
*متى إتخذت قرار العودة إلى مصر ؟
– عندما كبر الحلم بداخلي أن أعود مع أولادي الذين ظلوا سنوات طويلة خارج مصر ،وقد وصلوا إلى سن الوعى فاتخذت قرار العودة حتى يكبر وعيهم على الانتماء لبلدهم ،وساعدني على ذلك لقائي في العراق بصديق دراسة قديم الذي أقنعنى بأنه حان الوقت للعودة وزرع بداخلي الأمل والحماس في العودة إلى الإخراج في مصر، وأكد أنني سأجد تغيرا كبيرا في المفاهيم، ووعدني أن يقف بجانبي.
وقد كانت صدمتى بالواقع بلاحدود، فمن وعدنى بالوقوف بجانبى طالبنى بمبلغ 40 ألف جنيه حتى تنتج لي شركته فيلما وقال لي “أنا شركتى مابتدفعشى فلوس، إحنا بناخد دعم من فرنسا حتى نستطيع الحفاظ على الاستمرار. وكان ردى عليه :”أنا لو معايا 40 ألف جنيه ح أجيلك ليه؟”
والصدمة الأكبر كانت مع منتج آخر حيث وافق على التعامل معى وفوجئت بأن الأجر الذي أقره لي أقل من أجر المساعد الذي يعمل معي . وعندما واجهته،قال لي :لازم تبدأ من الأول، لأنك خرجت من السوق، فأصبح ليس لك سعر ..وتكرر هذا الموقف مع منتجين آخرين حتى قرر أحدهم أن يضعنى فى اختبار ليطمئن على قدراتي الإخراجية، وسألني:”تعرف تسرع الإيقاع في الأفلام؟” ،وعلى الفور خرجت من مكتبه وقد أقسمت ألا أقدم على المحاولة بقية عمرى.
*لماذا لم تتجه لإخراج المسلسلات التليفزيونية كما فعل الكثير من مخرجى السينما ؟
– من أقدموا على ذلك كان هدفهم الأساسى هوـ الفلوس ـ لأن المسلسلات التليفزيونية يتم الحساب فيها بعدد الساعات والدقائق للحلقة الواحدة، كما تشترى قماش، البياع يقول لكى ال3 متر بكذا ،وال6 متر بكذا ،أما أنا فدائما هدفي كان الإبداع. لهذا لم ولن أفكر في إخراج مسلسلات.وخاصة بعد أن اكتفى الإنتاج المصري بعمل المسلسلات، وترك الساحة السينمائية للفضائيات العربية، فأصبح الإنتاج المصرى يباع لشركات (ART) ،وروتانا ،(MBC)وجميعهم برأس مال سعودى.
*هل ترى بادرة أمل فى إحداث تكامل بين المؤسسات العربية؟
– لا …لن يحدث أبدا التكامل بين البلاد العربية ـ إلا ـ في حالة واحدة وهى الاستعانة بكوادر أجنبية في كل بلد عربية مهمتها تنحصر في تنسيق التعاون بين البلاد العربية وبعضها ،ومحاولة إيجاد لغة للتحاور.
*وعن سبب تلك النظرة التشاؤمية يقول توفيق صالح موضحا:تجدين اليوم مهرجانات في كل بلد عربى وأشهرهم مهرجان أبو ظبى، ومهرجان دبى ميزانية كل منهم تعادل ميزانية (20 فيلم مصرى )، وجوائزهم تمنح للأفلام الأمريكية، كما يسعوا لشراء ملاعب الكرة في انجلترا، كذلك ينجحون في شراء نجوم من هوليود. ولامانع من مشاركة “شوية” أفلام عربية من (مصر وسورية والعراق.. )لإسكات الألسنة.
*ألا ترى أن المهرجانات تكون فرصة للإطلاع على ماينتجه الغير من جديد وهو ماقد يخدم صناعة السينما؟
– المهرجانات لم تخدم السينما الروائية ولاالسينما التسجيلية في مصر، أولا:لأن لجان التحكيم لاتجيد اختيار الأفلام الجيدة، وسأعطيك مثال على ذلك: ماشاهدناه بالأمس في أفلام المسابقة بمهرجان الإسماعيلية وخاصة الفيلم التسجيلى الأرجنتينى فقد كانت مدة الفيلم 90 دقيقة وبعيدا كل البعد عن اللغة السينمائية، فهو يصور أناس تتحاور بالأرجنتينى ومن وقت لآخر يظهر سطرين بالإنجليزى، والمدهش أنه لايوجد أحد بقاعة العرض يعرف اللغة الأرجنتينية وأغلبهم لا يعرف الإنجليزية.
ثانيا:أجد القليل جدا من السينمائيين هم من يحرصوا على حضور المهرجان، وأغلبهم من توقفوا عن العمل مثلى، والباقين منشغلين بأعمالهم ..يبقى المهرجانات علشان مين؟!!