حوار مع الناقد العراقي قيس قاسم
ليست لدينا ذاكرة بصرية
وكل ما نكتبه هو مراجعات نقدية وليس نقدا
حاوره : حسن مرزوقي
قيس قاسم ناقد عراقي مقيم في السويد ومتابع للسينما العربية عامة وخاصة السينما في المهجر علاوة على معرفته الدقيقة بالسينما العراقية. له آراء نقدية جادة وأحيانا مختلفة…
* النقد حرفة أم علم أم هواية ؟
النقد هوعملية تقييم بكل أنواعه رافقت عملية الإبداع وأصبحت عملية التقييم مرافقة للإبداع منذ ظهور البشرية ومن هنا ظهر علم الجمال. بمعنى أن الناس يقيّمون كل شيء بذكر محاسنه ومساوئه
وبتطور الحياة تطوّر النقد وأصبحت له مدارس واتجاهات متنوعة وأصبح علما يُدرس كما تدرس العلوم الأخرى ويعتبر النقد من أرقى أنواع التواصل الإبداعي باعتباره يبحث في علم الجمال وكل ما يبحث في علم الجمال له خصوصية عالية ومتفرّدة.
النقد يكون في مستوى الإبداع نفسه فالنقد الأدبي الفرنسي مثلا يتناسب مع الأدب الفرنسي فكلما ارتفع الأدب ارتفع النقد وكلما ارتفع الفن ارتفع النقد.
* في العالم العربي يبدو العكس فهناك نقاد ورؤى نقدية رائعة لنأخذ السينما المصرية نموذجا باعتبارها السائدة والغالبة على الجمهور العربي، كأن النظرية سابقة للإبدع ..؟؟
لا أوافقك الرأي، النقد العربي عموما لا ينبع من الإنتاج العربي في الغالب هو مستورد خاصة في المغرب العربي البحوث النقدية متقدمة على الإبداع نفسه لتأثرها بالثقافة الفرنسية فالناقد يدرس علم الجمال أو علم النقد الفرنسي في السوربون ثم يعود إلى وطنه فيبدو كأنه ليس نابعا من نفس المكان وتلك هي مشكلة كل الاتجاهات النقدية الحديثة في النقد مما جعله في ورطة هل هو بحث نظري بحت أم هو بحث يتعلق بالمادة
أعتقد أن النقد العربي مازال مرتبكا لا هوية له ولا ملامح تميزه والسبب هو هذا التحصيل الأكاديمي النظري وطريقة تطبيقه على مادة البحث أي الكتابة جيدة لكن الفِلْم يفتقر إلى الجودة.
![]() |
قيس قاسم
* هناك أسماء غير متخصصة حسوبة على النقد ( المحررون الصحفيون..) ويحسبون على النقاد..
من حق الصحفي أن يكتب ما يسمّى المراجعة النقدية ففي العالم الغربي كل يوم جمعة مثلا في الصحافة السويدية أو الفنلندية أو الأمريكية تنشر مراجعة نقدية لأفلام الأسبوع الموالي فالناس يقرؤون في الصحف مراجعات نقدية وليس نقدا وفي العالم العربي يشعر الصحفي بالإحراج عندما يقال عنه إنه ليس ناقدا بل هو مراجع.
كل ما نكتبه هو مراجعات نقدية وليس نقدا أنا بدوري أكتب مراجعات نقدية وهذه ليست نقيصة. الفرق أن النقد هو بحث في المادة بحثا نقديا معمّقا أما المراجعة فهي سريعة خصوصا في الصحافة اليومية فالصحفي يجمع بين النقد والصحافة تلك هي المراجعة النقدية في حين أن النقد هو بحث في التحليل النظري البحت للمادة.
* ولكن القارئ يلاحظ أن هناك لبسا في عدة ثنائيات في الإعلام السينمائي والثقافي العربي.. بين الدراما والسينما وبين الوثائقي والروائي…
كل ما ينتج للتلفزيون هو للتلفزيون وكل ما ينتج للسينما هو للسينما،عدا الفلم السينمائي…إذا قلنا ريبورتاج تلفزيوني فذلك لا يقلل من شأنه. من ناحية أخرى يمتلك الفلم الوثائقي سيناريو وقد قام على بحث وتم إعداده اعتمادا على كل مواصفات السينما أو الفلم الوثائقي السينمائي. وهذا يسمى فلما
هذا الخلط قائم والثنائيات قائمة ولا أعرف سببا ذلك ولا أجد مبررا لتسمية الريبورتاج فلما مثلا.. ويمكن أن أقول إن الجزيرة الوثائقية تعرض ريبورتاجات ويقال إنها أفلام وثائقية.
الريبورتاج والأنترفيو كل منهما قائم بذاته والإعلام فن قائم بذاته والسينما فن معروف له أدواته ولكن إذا قلنا إن السينما غزت التلفزيون فلأن وسيلة تعبير التلفزيونية أخذت شكل السينما. فثقافتنا تُعرف بكونها ثقافة بصرية.
* يلاحظ أن كثيرا من الأفلام العربية المشاركة في المهرجانات تحتوي خلطا بين الدراما والسينما..؟
هذا مطبّ يجب حسمه دون الشعور بالغبن فلكلّ اختصاصه ومجاله ، فكما نقول هناك الطبيب والجراح فهناك الصحفي وهناك المخرج ولكل منهما دور في غاية الأهمية وهذا الخلط موجود للأسف..
* الآن فيما يخص الوثائقي هل له نصيب محترم من الخيال ؟
طبعا الوثائقي في منتهى الخيال، ففكرة الفلْم هي خيال. وأنت تتخيل ما يمكن إنجازه بتقنيات وأدوات ميكانيكية لعمل لم تنجزه بعد.. وهذا خيال.. أنت لديك تصور لا يقدم مادة مطابقة للواقع وخيالك يساعدك على تطوير المادة ونقلها من الواقع إلى عمل سينمائي. وفي العالم الغربي الشكل الوثائقي الذي يقدم مليء بالخيال لذلك هو جميل وأحيانا تتدخل عناصر افتراضية / خيالية فمثلا الحديث عن الدودة يكون في شكل قصة حب او قصة معاناة للبقاء تشبه قصص الم الاجتماعي اليومي في الأفلام الروائية. وتلعب الصور وحتى المؤثرات الصوتية دورا في سرد قصة الدودة وتقديم معلومة علمية في شكل سردي خيالي …
كل هذا يبين أن الخيال هو المادة الأساسية لفن السينما سواء كان وثائقيا أم دراميا .
*هناك فرضية تقول إن الفلم الوثائقي يعاني من أزمة الواقعية والفلم الروائي يعاني من أزمة الخيال. فما رأيك ؟
إذا لم تكن عندك رؤية سينمائية لا يمكن أن تصنع فلما وإذا لم يكن عندك خيال شعري وموهبة لا تكتب شعرا نفس المشكلة تنطبق على الكاتب الروائي إذا لم يكن عنده خيال فأي فلم سيكتب وإذا كان الوثائقي دون خيال فسيستقطب الواقعية التي ستكون في شكل ريبورتاج جاف.
* وحينما يقال لك إن الجمهور يريد ذلك..؟؟؟
مهمة المبدع هي الارتقاء بالجمهور وليس محاباته أي لا تقدم له ما يريد
* أحيانا الموضوع يفرض عليك نمطا معينا ( مثلا العراق مدمر لا أحتاج إلى فن بل عليّ تبليغ صور البؤس والدمار في الفيلم الوثائقي )
لا يمكن أن يصل عمل للجمهور إذا لم يكن جميلا فالجمال هو الذي يبلغ العمل وليس المادة نفسها وما يبقى في الذاكرة هو الشيء الجميل.
* أستحضر قولا لماركس : ” على الفنان الثوري قبل أن يكون ثوريا أن يكون فنانا “
طبعا ، الأفكار مهما كانت كبيرة لا تستطيع تبليغها إذا لم تكن عندك أدوات فنية..
* هل أنت مع الرأي القائل بأننا لا نمتلك ثقافة وثائقية ؟
طبعا ليست لنا ذاكرة بصرية ، فذاكرتنا شفهية ، نحن فاقدو الذاكرة ، وذاكرتنا نوثقها بالكتابة أو بالحديث
* في أجدادنا كانوا يوثّقون
نعم لكن بأدواتهم نحن لا نميل إلى التوثيق البصري أي أننا لا نريد أن تكون ذاكرتنا حية، فكل مجتمع يريد أن يبقى حيا عليه تسجيل ذاكرته بطريقة بصرية.
* كيف تقيم السينما العراقية.. وقد كثر الحديث عن فيلم “بابل”..؟
مهمتك ليست نقل الواقع بل الرقي به وتلك مشكلة الفلْم. فالفنان يرتقي بالمشكلة ويكون طرحه أعلى من الواقع وبالتالي ترتفع بالمتقبل. وابن بابل لا يرتفع بالمشكلة عن الواقع والمطابقة مع الواقع باعتباري عراقيا لا تقدم لي الكثير إضافة إلى المشاكل الفنية وحتى الممثلون لم يكن أداؤهم جيدا.
![]() |
من فيلم بابل
* صار الموضوع الوحيد في السينما العراقية هو الدمار دون تقديم فسحة أمل أو رؤية..
في الحرب العالمية الثانية قدمت أوروبا إنتاجا حول هذه الحرب على مدى سنوات وهذا بناء للذاكرة وأمر منطقي أن ينقل هذا الوجع وهذا الألم المهم هو كيف تذهب أبعد من تصوير الواقع المطلوب هو أن تتخلص السينما العراقية من هذا. لكن كيف ؟ بمراجعة نقدية لمجمل التاريخ العراقي هذا هو دور الفنان فهولا يخوض الحرب لكنه يجعل الناس يشعرون بهول هذه القوة الفاشية الغازية وبالتالي تصبح الحرب فكرة مرعبة لا نريدها. وقصة العراق أن صدّام حسين فاشي دموي حطم العراق ولكن يجب ألا نظل أسيري هذا الرجل بل علينا التوجه نحو المستقبل وأظن أن السينما العراقية الآن غير قادرة على ذلك.
* مخرج الفيلم ” الدراجي ” قال كلاما مشابها لما تقول، قال ليست لنا سينما عراقية بل عندنا أفلام عراقية
لا يوجد غير المصريين عندهم سينما بمعنى صناعة، كل البلدان العربية تنتج أفلاما وكذلك هو شأن العراق فهو بلد ينتج أفلاما .
* ولكن كثير من النقاد يقولون إن وضع السينما المصرية الحالي ليست هي ما نأطمح إليه..
الموديل المصري الحالي غير مقنع، أنا مثلا أحبّذ السينما المغربية لأنها تحاول التخلص من آثار السينما المصرية .
![]() |
من الفيلم المغربي “الرجل الذي باع العالم”
وقد نال إحدى الجوائز في مهرجان دبي الأخير
* بما أنك عرّجت على السينما المغاربية، يقال عنها إنها موجّهة للغرب أكثر من توجهها للعالم العربي..
هذه عقدة ، فالمخرجون المغاربة والسينما المغاربية يتلقون الدعم ويفرضون علينا طرح مواضيع الحريات المتعلقة بالمرأة والطفل، حبّذا لو يُضغط علينا لمعالجة قضايا مماثلة تفيد المجتمع فالمرأة مضطهدة والطفل مضطهد والمجتمع كذلك. الخطورة تكمن في معالجة الموضوع من منظور غربي. يمكن أن تحظى بالدعم وتتناول قضايا لكن بمنظور محلي وهذا ما يسمى بالعالمية، أن تنطلق من المحلي إلى العالمي وبذلك تصل إلى البعد العالمي.
* سينما المهجر كيف تقيمها
قبل أن نتحدث عن العراق نتحدث عن المغاربة لأن مساهمتهم مهمة وهجرتهم أقدم من العراقيين
هناك اندماج يحدث بين الفنان المهاجر السينمائي وبين المجتمع الجديد وإذا كان الفنان مبدعا يستطيع أن يبدع نوعا خاصا من السينما وعندنا مثل في السويد “يوسف فارس” و”فارس فارس” صاحب فلم الشرطة هذان الشابان مثال للشباب اللبناني الذي يشتغل في السينما السويدية وصار لهما باع وصيت
هناك التجربة الهندية في انجلترا فهي سينما ذات ملامح هندية انجليزية المنشأ ، هؤلاء يلوّنون السينما ويعطونها عنوانا آخرَ غير المحلي.
* سؤال يتردد دائما كلما أقيم مهرجان سينمائي في الخليج وهو كيف يمكن ان ينجح مهرجان في بلد ليست فيه صناعة سينما
هذا كلام لا معنى له.. فالإنسان يتعلم ومع توفر الإمكانيات المالية والاستثمارات بإمكان الخليجيين تقديم المزيد والمهرجانات تساعد على التطوير المهرجانات لا تصنع السينما بل تساعد على الاحتكاك ومشاهدة جديدة وتوفر فرص عمل ومشاريع فهي تخلق فرصا وهذه الحركة ذات فائدة وجدوى..